فوائد حديث: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ... ). حفظ
الشيخ : طيب في هذا الحديث فوائد :
منها : العناية بالرواحل الإبل وألا تترك بدون رعي لهذه المدة ، لأن في ذلك تعذيبا لها وإيلاما لها بالجوع ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت ) ، فلا يجوز للإنسان أن يحبس البهائم في مثل هذه المدة وإن كانت الإبل قد تصبر هذه المدة لكن تصبر مع التحمل والمشقة ، والله عز وجل أوجب علينا أن نرعى ما تحت أيدينا رعاية تامة .
ومن فوائد الحديث : شمول الإسلام، شمول الشريعة الإسلامية وأنها تلاحظ حتى البهائم العجب كيف ذلك ؟
الطالب : ترك المبيت لها .
الشيخ : ها ؟ ترخيص بترك هذه الشعيرة من أجل مراعاة هذه الإبل.
طيب ومن فوائد الحديث: أن المشتغل بالمصالح العامة يسقط عنه وجوب المبيت في منى نعم لأن هؤلاء الرعاة سقط عنهم المبيت بمنى ولو قلنا : الفائدة التي قبلها لكان أحسن وجوب المبيت بمنى ، لقوله : رخص ، والترخيص بمعنى التسهيل ولو لم يكن المبيت بمنى واجبًا لكان رخصة لهؤلاء ولغيرهم ، لأن غير الواجب لا يلزم به الإنسان فهو في سهولة منه أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : إذن ضم هذا الدليل إلى ما سبقه من الأدلة الثلاثة وربما يكون هذا الدليل أقواها في إفادة الوجوب ، أقوى الأدلة السابقة في إفادة الوجوب .
طيب ومن فوائد الحديث : وجوب الرمي ، رمي الجمرات ، لأنه لم يسقط عن هؤلاء لإمكان قضائه ، لكن المبيت يمكن قضاؤه ؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما يمكن ؟
ما يمكن يبيت ليلة ثلاثة عشر عن الثلاث ؟
الطالب : ما يمكن يا شيخ.
الشيخ : ما يمكن ، لكن الرمي فعل عمل يمكن قضاؤه .
طيب إذن فيستفاد منه وجوب الرمي لأنه لو لم يجب لقلنا إنه سنة فات محلها بيومها فلا تقضى ولكنه يجب قضاؤه .
ومن فوائد الحديث : منع الاستنابة في الرمي ، وجهه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهم أن يستنيبوا غيرهم في الرمي عنهم ، مع أن الحاجة قد تكون داعية لذلك ، ولو كانت الاستنابة جائزة في الرمي لأجازه النبي صلى الله عليه وسلم لهم .
فيتفرّع على هذا فائدة أخرى : وهي خطأ أولئك القوم الذين يتساهلون في رمي الجمرات اليوم ، فتجد الواحد منهم يقول : وبكل سهولة خذ يا فلان حصاي ارمِ بهن ، وإن كان قادرًا نعم لكن جالس عشان يسوي الشاهي للجماعة ، نعم هذا نقول : حرام .
طيب وفيه أيضًا بيان خطأ من يبيحون للنساء الاستنابة في الرمي مطلقاً ، كيف ذلك ؟
لأن الواجب لا يسقط بهذه السهولة، لا يسقط عن المرأة لأنها امرأة، وإلا لقلنا بسقوط طواف الوداع مع الزحام، نعم، ولكن نقول: إنه يجب على المرأة أن ترمي بنفسها، والزحام الذي يكون يمكن أن يتلافاه الإنسان بأي شيء؟ بتأخر الوقت، يؤخر، بدل ما يرمي عند الزوال يرمي بعد العصر إن لم يمكن بعد المغرب إن لم يمكن بعد العشاء، ولهذا لم يأذن الرسول عليه الصلاة والسلام لسودة والضعفة ومن أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم أن يدفعوا قبل الفجر مِن أجل أن يرموا بأنفسهم .
ومن فوائد الحديث : أنه يجوز جمع رمي أيام التشريق لكن تأخيرًا لا تقديمًا، جمع الرمي تأخيرًا لا تقديمًا نعم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهؤلاء أن يجمعوا تأخيرا أو تقديما ؟
الطالب : تأخيرا .
الشيخ : تأخيرا ولو كان تقديما لرموها يوم العيد لكن تأخيرا .
ومن فوائده : أنه لا يجوز للقادر أن يؤخر رمي يوم إلى اليوم الذي بعده وجه الدلالة أنه قال: رخّص ، والترخيص يدل على إيش ؟
على أنه في غير هذه الحال ممنوع، لأن الترخيص خص بحالة معينة تقتضي التسهيل، وعلى هذا فلا يجوز أن نجمع أيام التشريق أي: رمي أيام التشريق إلى آخر يوم، بل نرمي كل يوم في يومه، ومن ذهب إلى ذلك من أهل العلم فمذهبه ضعيف لهذا الحديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي كل يوم في يومه ، ويقول : ( خذوا عني مناسككم ) ، ولأنه أظهر في العبادة وأطيب للقلب ، كيف ذلك ؟
لأن الإنسان يتعبد لله تعالى بهذه العبادة كل يوم ، وإذا جمعها فاتت عليه أن يتعبد لله تعالى بها كل يوم ، وهذا أمرٌ له شأنه ، لأن الشارع له نظر في أن يتعبد الناس لله عز وجل في الأوقات التي شَرع لهم أن يتعبدوا لله فيها ، وإلا لكنا نقول : تجمع الصلوات الخمس عند النوم ، هو آخر اليوم ، ويكون عبادته لله تعالى في هذه الصلوات في آخر اليوم لأجل أن يختم بها يومه ، لكن نقول : للشارع نظر في أن تتوزع العبادات على الزمن حتى يبقى القلب عامرًا بهذه العبادة في اليومين أو الثلاثة مثلا ، إذن فجمعها مع مخالفته لهدي النبي عليه الصلاة والسلام يفوت به هذا المعنى العظيم وهو : إشغال القلب بهذه العبادة في كل الأيام الثلاثة.
طيب ومن فوائد هذا الحديث : أن هذا الدين يسر، وأنه كلما وُجد سبب التيسير حل التيسير، ولهذا قال صاحب النظم:
" جميع ما يشرعه قد يُسِّرا *** من أصله وعند عارض طرا " .
يعني الشرع ها ؟
الطالب : وكل ما كلفه .
الشيخ : ارفع صوتك يا أخي !
الطالب : وكل ما كلفه .
الشيخ : وكل ما كلفه ؟
ما أدري ، على كل حال إنه كل شيء شرعه هذا الدين فهو ميسر من أصله . " وعند عارض طرا " : يعني إذا وجد عارض يقتضي التيسير أكثر فإنه ييسره ، ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) .
هذا من التيسير بدل من أن يكلف الرعاة أن يأتوا فرضا كل يوم ليرموا رخص لهم أن يؤخروا .
هل يقاس على الرعاة من يشبههم ممن يشتغلون بمصالح المسلمين العامة كجنود المرور وجنود الأمن وجنود الإطفاء والمشتغلين بالبريد وما أشبه ذلك ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم لا شك في هذا أنهم يلحقون بهم، فلهم أن يدعو المبيت ولهم أن يؤجلوا الرمي أو أن يجمعوا الرمي جمع تأخير في آخر يوم.
طيب هل يلحق بهم في تأخير الرمي من كان معذورًا بمرض أو نحوه ، مثل أن يصيب الإنسان زكام في اليوم الثاني ويؤخر إلى اليوم الثالث ؟
الجواب : نعم للمشقة ، وما دمنا نعلم -والعلم عند الله- أن العلة في جواز التأخير لهؤلاء الرعاة هو المشقة ، كذا نقول : إذن من شق عليه أن يرمي كل يوم في يومه فله أن يؤخر .
طيب من لم يستطع أن يرمي أبدًا ماذا يصنع ؟
قال بعض العلماء : إنه يسقط عنه الرمي ، يسقط عنه لماذا ؟
قال : لأن الرمي واجب ، والواجبات تسقط بالعجز عنها بنص القرآن : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ، (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، فإذا عجز فإنه لا يلزمه .
وقال آخرون : بل إذا عجز فإنه يوكِّل ، يستنيب ، واستدلوا بأن الحج تجوز الاستنابة في جميعه ، ففي بعضه أولى ، تجوز الاستنابة في جميعه عند العجز يعني ففي بعضه أولى .
المرأة التي جاءت للرسول وقالت : ( إن أبي أدركته فريضة الله على عباده شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ) ، فإذا جاز في جميعه جاز في جزئه .
ثانيًا : ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم رموا عن الصبيان ، وهذا يدل على أن الاستنابة في الرمي عن العاجز عنه جائزة ، أن الاستنابة في الرمي للعاجز عنه جائزة وهذا هو الأقرب، الأقرب أنه يجوز أن يستنيب عنه أي: أن يقيم نائباً عنه في الرمي .
طيب وإذا قلنا بالجواز فهل نقول للنائب ارم أولا عن نفسك ثم اذهب إلى الخيمة وارجع لترميَ عن صاحبك ؟
الطالب : لا يجب .
الشيخ : لا ، لا يجب ، لأن السعي إلى الجمرات واجب لغيره لا واجب لذاته واجب لغيره لا لذاته ، انتبه إلى هذه النقطة وإذا كان واجبا لغيره فهو وسيلة فإذا حصل المقصود بدونه سقط .
ننتقل من هذه النقطة إلى نقطة مهمة أهم منها وهي : إذا وجب الحج على إنسان في القصيم ، فهل له أن يوكل أو أن يستنيب من يحج عنه من مكة أو لا ؟
الطالب : فيه خلاف .
الشيخ : فيه خلاف ، ولكن الأقرب للقواعد أنه يجوز ، لأن سعي الإنسان من القصيم إلى مكة مقصود لغيره ، ولا لا؟
الطالب : بلى .
الشيخ : ما هو مقصود إنك تمشي ، مقصود لغيره ، ولهذا لو سافرت إلى مكة لا للحج ثم بدا لك وأنت هناك أن تحج لا نقول : اذهب إلى القصيم وارجع حاجًا ، نقول: حج من مكانك .
إذن فالقول الراجح في المسألة الأخيرة أن الإنسان يجوز أن ينيب عنه من يحج ولو من مكة لأن السعي من مكان الوجوب إلى مكة وسيلة مقصود لغيره .
على هذا نقول للرجل الذي استناب غيره ليرمي عنه نقول : إن الذي استنبته إذا رمى عن نفسه فله أن يرمي عنك دون أن يرجع إلى مكان رحله .
طيب سؤال ثاني : هل يلزمه أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه أولاً ثم يرجع من الأولى لمن استنابه ؟
فيه خلاف هذا فيه خلاف من العلماء من يقول :
لابد أن يرمي الثلاثة عن نفسه أولاً ثم يعود من الأولى لمستنيبه ، حُجتهم في ذلك يقولون : إن رمي الجمرات الثلاث عبادة واحدة ، ليس كل واحدة عبادة مستقلة ، والدليل لذلك : أنه يشرع الدعاء بين الأولى والوسطى والوسطى والثالثة ، وإذا رمى الثالثة لا يشرع الدعاء ، وهذا دليل على أنها عبادة واحدة يشرع الدعاء في جوفها لا بعد الانفصال عنها ، إذن فلابد أن ترمي أولا عن نفسك واحد اثنين ثلاثة ، ثم تعود وترمي عن موكلك أعرفتم ؟
وعللوا أيضا قالوا : لأنه إذا رمى عن نفسه أولاً في الجمرة الأولى ثم عن وكيله فاتت الموالاة ، لأنه فصل بين رميه الأولى والثانية بالرمي عن صاحبه ، فأدخل عبادة في جوف عبادة فلا تصح .
وقال بعض العلماء : بل يجزئ أن يرمي عنه وعن وكيله في مكان واحد واستدلوا لذلك بظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم : أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، وظاهر النقل أنهم لا يرمون أولاً عن أنفسهم ثم يعودون، لأنهم لو كانوا يفعلون ذلك لبينوه ونقلوه .
وكان شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله يرى الرأي الأول، ويفتي به، فأخبرته برأي شيخنا الثاني عبدالعزيز بن باز واستدلاله بهذا الحديث فاستحسنه، استحسن هذا الرأي والاستدلال بالحديث عليه، على أنه يجوز أن يرمي الرجل عنه وعن موكِّله في مكان واحد في موقف واحد، لاسيما في مثل حال الناس اليوم في هذا الزحام الشديد المرير، فإن إلزام الناس بأن يكمِّلوا عن أنفسهم ثم يرجعوا لموكلهم وإذا كان وكلهم اثنين ، وإذا كان قد وكلهم اثنان هذا الصواب إذا كان قد وكلهم اثنان فإنهم يرجعون مرتين ، إذا وكلهم ثلاثة ثلاث مرات المهم وهلم جرا يوكل عشرة يرجعون عشر مرات ، نعم ؟
ليش نقول هذا فيه مشقة في مثل هذه العصور ، وكل شيء فيه مشقة لا ينبغي أن تلزم الناس به إلا بدليل لابد منه ، لابد من العمل به ، فما دامت الأدلة متكافئة أو متقاربة والمسألة ليس فيها رجحان بيّن ، فإلزام الناس بهذا العمل الشاق قد يتوقف فيه الإنسان ، لأن الإنسان ليس له أن يمنع عباد الله ما أحله لهم ، ولا أن يلزمهم بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل ، لأنك مسؤول ، يعني الحقيقة العالم مسؤول عن توجيه الناس كما أن الأمير الذي ينفذ ويؤدب مسؤول ، لو يضرب زيادة سوط سئل عنه ولا لا ؟
الطالب : يضمن.
الشيخ : دعنا من الضمان، يسأل عند الله عز وجل، يسأل عنه، القاضي يجلد ثمانين جلدة لو قال : حطوا واحد وثمانين سئل عن ذلك يوم القيامة .
أنت أيها العالم إذا قلت: عن شيء مستحب إنه واجب كم زدت من سوط ؟
الطالب : واجد.
الشيخ : إي نعم واجد ، ولا لا واجد ، يعني فرق بين الواجب والمستحب كبير فالمسألة ما هي سهلة هذه .
ولهذا نحن بالحقيقة نوجه أنفسنا أولًا وإخواننا طلبة العلم ثانيًا إلى أن يتثبتوا في مسألة الإلزام ، مسألة الاحتياط أو الاستحباب هذا أمره أهون ، لكن مسألة الإلزام تحليلا أو تحريما أو إيجابًا هذه مسألة تحتاج إلى شيء تثبت به قدمك عند الله إذا سألك يوم القيامة ، المسألة ما هي هينة ، بعض الناس تجده من شدة غيرته على دين الله يغلّب جانب التحريم ، كل شيء حرام ، نعم وبعض الناس لمحبته لتأليف الناس وعرض الدين عليهم ميسرًا تجده يتساهل ، ويقول : كل شيء زين وكل شيء خله يمشي هذا غلط ، الواجب أنك تمشي على دين الله وثق بأنك إذا مشيت على دين الله فلن يصلح عباد الله إلا دين الله أبدًا مهما فكرت إي نعم .
منها : العناية بالرواحل الإبل وألا تترك بدون رعي لهذه المدة ، لأن في ذلك تعذيبا لها وإيلاما لها بالجوع ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت ) ، فلا يجوز للإنسان أن يحبس البهائم في مثل هذه المدة وإن كانت الإبل قد تصبر هذه المدة لكن تصبر مع التحمل والمشقة ، والله عز وجل أوجب علينا أن نرعى ما تحت أيدينا رعاية تامة .
ومن فوائد الحديث : شمول الإسلام، شمول الشريعة الإسلامية وأنها تلاحظ حتى البهائم العجب كيف ذلك ؟
الطالب : ترك المبيت لها .
الشيخ : ها ؟ ترخيص بترك هذه الشعيرة من أجل مراعاة هذه الإبل.
طيب ومن فوائد الحديث: أن المشتغل بالمصالح العامة يسقط عنه وجوب المبيت في منى نعم لأن هؤلاء الرعاة سقط عنهم المبيت بمنى ولو قلنا : الفائدة التي قبلها لكان أحسن وجوب المبيت بمنى ، لقوله : رخص ، والترخيص بمعنى التسهيل ولو لم يكن المبيت بمنى واجبًا لكان رخصة لهؤلاء ولغيرهم ، لأن غير الواجب لا يلزم به الإنسان فهو في سهولة منه أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : إذن ضم هذا الدليل إلى ما سبقه من الأدلة الثلاثة وربما يكون هذا الدليل أقواها في إفادة الوجوب ، أقوى الأدلة السابقة في إفادة الوجوب .
طيب ومن فوائد الحديث : وجوب الرمي ، رمي الجمرات ، لأنه لم يسقط عن هؤلاء لإمكان قضائه ، لكن المبيت يمكن قضاؤه ؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما يمكن ؟
ما يمكن يبيت ليلة ثلاثة عشر عن الثلاث ؟
الطالب : ما يمكن يا شيخ.
الشيخ : ما يمكن ، لكن الرمي فعل عمل يمكن قضاؤه .
طيب إذن فيستفاد منه وجوب الرمي لأنه لو لم يجب لقلنا إنه سنة فات محلها بيومها فلا تقضى ولكنه يجب قضاؤه .
ومن فوائد الحديث : منع الاستنابة في الرمي ، وجهه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهم أن يستنيبوا غيرهم في الرمي عنهم ، مع أن الحاجة قد تكون داعية لذلك ، ولو كانت الاستنابة جائزة في الرمي لأجازه النبي صلى الله عليه وسلم لهم .
فيتفرّع على هذا فائدة أخرى : وهي خطأ أولئك القوم الذين يتساهلون في رمي الجمرات اليوم ، فتجد الواحد منهم يقول : وبكل سهولة خذ يا فلان حصاي ارمِ بهن ، وإن كان قادرًا نعم لكن جالس عشان يسوي الشاهي للجماعة ، نعم هذا نقول : حرام .
طيب وفيه أيضًا بيان خطأ من يبيحون للنساء الاستنابة في الرمي مطلقاً ، كيف ذلك ؟
لأن الواجب لا يسقط بهذه السهولة، لا يسقط عن المرأة لأنها امرأة، وإلا لقلنا بسقوط طواف الوداع مع الزحام، نعم، ولكن نقول: إنه يجب على المرأة أن ترمي بنفسها، والزحام الذي يكون يمكن أن يتلافاه الإنسان بأي شيء؟ بتأخر الوقت، يؤخر، بدل ما يرمي عند الزوال يرمي بعد العصر إن لم يمكن بعد المغرب إن لم يمكن بعد العشاء، ولهذا لم يأذن الرسول عليه الصلاة والسلام لسودة والضعفة ومن أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم أن يدفعوا قبل الفجر مِن أجل أن يرموا بأنفسهم .
ومن فوائد الحديث : أنه يجوز جمع رمي أيام التشريق لكن تأخيرًا لا تقديمًا، جمع الرمي تأخيرًا لا تقديمًا نعم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهؤلاء أن يجمعوا تأخيرا أو تقديما ؟
الطالب : تأخيرا .
الشيخ : تأخيرا ولو كان تقديما لرموها يوم العيد لكن تأخيرا .
ومن فوائده : أنه لا يجوز للقادر أن يؤخر رمي يوم إلى اليوم الذي بعده وجه الدلالة أنه قال: رخّص ، والترخيص يدل على إيش ؟
على أنه في غير هذه الحال ممنوع، لأن الترخيص خص بحالة معينة تقتضي التسهيل، وعلى هذا فلا يجوز أن نجمع أيام التشريق أي: رمي أيام التشريق إلى آخر يوم، بل نرمي كل يوم في يومه، ومن ذهب إلى ذلك من أهل العلم فمذهبه ضعيف لهذا الحديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي كل يوم في يومه ، ويقول : ( خذوا عني مناسككم ) ، ولأنه أظهر في العبادة وأطيب للقلب ، كيف ذلك ؟
لأن الإنسان يتعبد لله تعالى بهذه العبادة كل يوم ، وإذا جمعها فاتت عليه أن يتعبد لله تعالى بها كل يوم ، وهذا أمرٌ له شأنه ، لأن الشارع له نظر في أن يتعبد الناس لله عز وجل في الأوقات التي شَرع لهم أن يتعبدوا لله فيها ، وإلا لكنا نقول : تجمع الصلوات الخمس عند النوم ، هو آخر اليوم ، ويكون عبادته لله تعالى في هذه الصلوات في آخر اليوم لأجل أن يختم بها يومه ، لكن نقول : للشارع نظر في أن تتوزع العبادات على الزمن حتى يبقى القلب عامرًا بهذه العبادة في اليومين أو الثلاثة مثلا ، إذن فجمعها مع مخالفته لهدي النبي عليه الصلاة والسلام يفوت به هذا المعنى العظيم وهو : إشغال القلب بهذه العبادة في كل الأيام الثلاثة.
طيب ومن فوائد هذا الحديث : أن هذا الدين يسر، وأنه كلما وُجد سبب التيسير حل التيسير، ولهذا قال صاحب النظم:
" جميع ما يشرعه قد يُسِّرا *** من أصله وعند عارض طرا " .
يعني الشرع ها ؟
الطالب : وكل ما كلفه .
الشيخ : ارفع صوتك يا أخي !
الطالب : وكل ما كلفه .
الشيخ : وكل ما كلفه ؟
ما أدري ، على كل حال إنه كل شيء شرعه هذا الدين فهو ميسر من أصله . " وعند عارض طرا " : يعني إذا وجد عارض يقتضي التيسير أكثر فإنه ييسره ، ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) .
هذا من التيسير بدل من أن يكلف الرعاة أن يأتوا فرضا كل يوم ليرموا رخص لهم أن يؤخروا .
هل يقاس على الرعاة من يشبههم ممن يشتغلون بمصالح المسلمين العامة كجنود المرور وجنود الأمن وجنود الإطفاء والمشتغلين بالبريد وما أشبه ذلك ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم لا شك في هذا أنهم يلحقون بهم، فلهم أن يدعو المبيت ولهم أن يؤجلوا الرمي أو أن يجمعوا الرمي جمع تأخير في آخر يوم.
طيب هل يلحق بهم في تأخير الرمي من كان معذورًا بمرض أو نحوه ، مثل أن يصيب الإنسان زكام في اليوم الثاني ويؤخر إلى اليوم الثالث ؟
الجواب : نعم للمشقة ، وما دمنا نعلم -والعلم عند الله- أن العلة في جواز التأخير لهؤلاء الرعاة هو المشقة ، كذا نقول : إذن من شق عليه أن يرمي كل يوم في يومه فله أن يؤخر .
طيب من لم يستطع أن يرمي أبدًا ماذا يصنع ؟
قال بعض العلماء : إنه يسقط عنه الرمي ، يسقط عنه لماذا ؟
قال : لأن الرمي واجب ، والواجبات تسقط بالعجز عنها بنص القرآن : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ، (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، فإذا عجز فإنه لا يلزمه .
وقال آخرون : بل إذا عجز فإنه يوكِّل ، يستنيب ، واستدلوا بأن الحج تجوز الاستنابة في جميعه ، ففي بعضه أولى ، تجوز الاستنابة في جميعه عند العجز يعني ففي بعضه أولى .
المرأة التي جاءت للرسول وقالت : ( إن أبي أدركته فريضة الله على عباده شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ) ، فإذا جاز في جميعه جاز في جزئه .
ثانيًا : ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم رموا عن الصبيان ، وهذا يدل على أن الاستنابة في الرمي عن العاجز عنه جائزة ، أن الاستنابة في الرمي للعاجز عنه جائزة وهذا هو الأقرب، الأقرب أنه يجوز أن يستنيب عنه أي: أن يقيم نائباً عنه في الرمي .
طيب وإذا قلنا بالجواز فهل نقول للنائب ارم أولا عن نفسك ثم اذهب إلى الخيمة وارجع لترميَ عن صاحبك ؟
الطالب : لا يجب .
الشيخ : لا ، لا يجب ، لأن السعي إلى الجمرات واجب لغيره لا واجب لذاته واجب لغيره لا لذاته ، انتبه إلى هذه النقطة وإذا كان واجبا لغيره فهو وسيلة فإذا حصل المقصود بدونه سقط .
ننتقل من هذه النقطة إلى نقطة مهمة أهم منها وهي : إذا وجب الحج على إنسان في القصيم ، فهل له أن يوكل أو أن يستنيب من يحج عنه من مكة أو لا ؟
الطالب : فيه خلاف .
الشيخ : فيه خلاف ، ولكن الأقرب للقواعد أنه يجوز ، لأن سعي الإنسان من القصيم إلى مكة مقصود لغيره ، ولا لا؟
الطالب : بلى .
الشيخ : ما هو مقصود إنك تمشي ، مقصود لغيره ، ولهذا لو سافرت إلى مكة لا للحج ثم بدا لك وأنت هناك أن تحج لا نقول : اذهب إلى القصيم وارجع حاجًا ، نقول: حج من مكانك .
إذن فالقول الراجح في المسألة الأخيرة أن الإنسان يجوز أن ينيب عنه من يحج ولو من مكة لأن السعي من مكان الوجوب إلى مكة وسيلة مقصود لغيره .
على هذا نقول للرجل الذي استناب غيره ليرمي عنه نقول : إن الذي استنبته إذا رمى عن نفسه فله أن يرمي عنك دون أن يرجع إلى مكان رحله .
طيب سؤال ثاني : هل يلزمه أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه أولاً ثم يرجع من الأولى لمن استنابه ؟
فيه خلاف هذا فيه خلاف من العلماء من يقول :
لابد أن يرمي الثلاثة عن نفسه أولاً ثم يعود من الأولى لمستنيبه ، حُجتهم في ذلك يقولون : إن رمي الجمرات الثلاث عبادة واحدة ، ليس كل واحدة عبادة مستقلة ، والدليل لذلك : أنه يشرع الدعاء بين الأولى والوسطى والوسطى والثالثة ، وإذا رمى الثالثة لا يشرع الدعاء ، وهذا دليل على أنها عبادة واحدة يشرع الدعاء في جوفها لا بعد الانفصال عنها ، إذن فلابد أن ترمي أولا عن نفسك واحد اثنين ثلاثة ، ثم تعود وترمي عن موكلك أعرفتم ؟
وعللوا أيضا قالوا : لأنه إذا رمى عن نفسه أولاً في الجمرة الأولى ثم عن وكيله فاتت الموالاة ، لأنه فصل بين رميه الأولى والثانية بالرمي عن صاحبه ، فأدخل عبادة في جوف عبادة فلا تصح .
وقال بعض العلماء : بل يجزئ أن يرمي عنه وعن وكيله في مكان واحد واستدلوا لذلك بظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم : أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، وظاهر النقل أنهم لا يرمون أولاً عن أنفسهم ثم يعودون، لأنهم لو كانوا يفعلون ذلك لبينوه ونقلوه .
وكان شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله يرى الرأي الأول، ويفتي به، فأخبرته برأي شيخنا الثاني عبدالعزيز بن باز واستدلاله بهذا الحديث فاستحسنه، استحسن هذا الرأي والاستدلال بالحديث عليه، على أنه يجوز أن يرمي الرجل عنه وعن موكِّله في مكان واحد في موقف واحد، لاسيما في مثل حال الناس اليوم في هذا الزحام الشديد المرير، فإن إلزام الناس بأن يكمِّلوا عن أنفسهم ثم يرجعوا لموكلهم وإذا كان وكلهم اثنين ، وإذا كان قد وكلهم اثنان هذا الصواب إذا كان قد وكلهم اثنان فإنهم يرجعون مرتين ، إذا وكلهم ثلاثة ثلاث مرات المهم وهلم جرا يوكل عشرة يرجعون عشر مرات ، نعم ؟
ليش نقول هذا فيه مشقة في مثل هذه العصور ، وكل شيء فيه مشقة لا ينبغي أن تلزم الناس به إلا بدليل لابد منه ، لابد من العمل به ، فما دامت الأدلة متكافئة أو متقاربة والمسألة ليس فيها رجحان بيّن ، فإلزام الناس بهذا العمل الشاق قد يتوقف فيه الإنسان ، لأن الإنسان ليس له أن يمنع عباد الله ما أحله لهم ، ولا أن يلزمهم بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل ، لأنك مسؤول ، يعني الحقيقة العالم مسؤول عن توجيه الناس كما أن الأمير الذي ينفذ ويؤدب مسؤول ، لو يضرب زيادة سوط سئل عنه ولا لا ؟
الطالب : يضمن.
الشيخ : دعنا من الضمان، يسأل عند الله عز وجل، يسأل عنه، القاضي يجلد ثمانين جلدة لو قال : حطوا واحد وثمانين سئل عن ذلك يوم القيامة .
أنت أيها العالم إذا قلت: عن شيء مستحب إنه واجب كم زدت من سوط ؟
الطالب : واجد.
الشيخ : إي نعم واجد ، ولا لا واجد ، يعني فرق بين الواجب والمستحب كبير فالمسألة ما هي سهلة هذه .
ولهذا نحن بالحقيقة نوجه أنفسنا أولًا وإخواننا طلبة العلم ثانيًا إلى أن يتثبتوا في مسألة الإلزام ، مسألة الاحتياط أو الاستحباب هذا أمره أهون ، لكن مسألة الإلزام تحليلا أو تحريما أو إيجابًا هذه مسألة تحتاج إلى شيء تثبت به قدمك عند الله إذا سألك يوم القيامة ، المسألة ما هي هينة ، بعض الناس تجده من شدة غيرته على دين الله يغلّب جانب التحريم ، كل شيء حرام ، نعم وبعض الناس لمحبته لتأليف الناس وعرض الدين عليهم ميسرًا تجده يتساهل ، ويقول : كل شيء زين وكل شيء خله يمشي هذا غلط ، الواجب أنك تمشي على دين الله وثق بأنك إذا مشيت على دين الله فلن يصلح عباد الله إلا دين الله أبدًا مهما فكرت إي نعم .