بيان القول الراجح في كون المسجد الحرام هو مسجد الكعبة أو هو جميع الحرم. حفظ
الشيخ : طيب الثاني المسجد الحرام :
ما هو المسجد الحرام هل المراد به جميع الحرم أو المراد به مسجد الكعبة خاصة ؟
في هذا أيضا نزاع بين أهل العلم فمنهم من قال : المراد به كل الحرم ، فإذا صليت في أي مكان من الحرم ولو خارج حدود مكة فصلاتك أفضل من مئة ألف صلاة ، نعم ، إلا المسجد النبوي .
طيب واحتج هؤلاء بقوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) : وقرروا هذه الحجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من بيت أم هانئ رضي الله عنها، ومعلوم أن بيت أم هانئ خارج المسجد، مسجد الكعبة.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) ، فقالوا : (( وإخراج أهله منه )) : ومعلوم أن هؤلاء إنما أخرجوا من بيوتهم وديارهم وليسوا من المسجد نفسه لأنهم ليسوا ساكني المسجد ، بل هم في بيوتهم .
وهنا قال: (( وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله )) : وهم إنما صدوهم عن مكة وعن المسجد الحرام لا شك .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) قال : (( لا يقربوا المسجد الحرام )) وهم ممنوعون من دخول مكة ، فدل هذا على أن المراد بالمسجد الحرام كل الحرم .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )) : نعم والناس العاكف معناه المديم المكث ، لأن الاعتكاف طول المكث ، والناس إنما يمكثون في بيوتهم ، يعكفون في بيوتهم ، فقالوا : إن هذه الآيات تدل على أن المراد بالمسجد الحرام جميع مكة .
أما من السنة فقالوا : إنه قد روى الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمر : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية كان مقيما في الحل ، وكان إذا جاءت حانت الصلاة دخل فصلى في الحرم ) :
وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم كله يشملها التضعيف ، واضح ؟
وربما يستدلون بالمعنى والنظر فيقولون : لو خصصناه بالمسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لضيقنا على الناس لأن كل واحد في مكة لا يرغب أبدا أن يدع مئة ألف صلاة وبينه وبينها هذه المسافة القريبة ، بل لابد أن يذهب ويصلي ، وحينئذ يحصل الضيق والمشقة على الناس .
قالوا : ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في الأبطح أربعة أيام قبل الخروج إلى منى ولم يكن ينزل إلى المسجد الحرام ليصلي فيه مع قرب المسافة وسهولتها ، كل هذه الأدلة استدلوا بها على أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم .
وقال آخرون وهو ظاهر كلام الحنابلة -رحمهم الله- إن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة، مسجد الكعبة فقط، وقالوا: عندنا دليل لا يمكنكم معه الكلام إطلاقا وهو : أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيما رواه مسلم من حديث ميمونة رضي الله عنها : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) : هذا لفظ الحديث في مسلم ، فقال : ( إلا مسجد الكعبة ) وهذا صريح في أن المراد بالمسجد الحرام في مثل هذا الحديث مسجد الكعبة الذي فيه الكعبة ، وبأن حديث أبي هريرة : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) فيه رواية في مسلم أيضًا : ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد مسجد الكعبة ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) : فصرح بأن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة .
وهذا لو قال قائل: الحديث واحد!
نقول: إن كان هذا اللفظ المسجد الحرام ومسجد الكعبة من النبي عليه الصلاة والسلام فقد فسر قوله بقوله.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل اللفظين فقد فسره الصحابي وهو أعلم بمدلول كلام الرسول صلى الله عليه وسلم .
وإن لم يكن من تفسير الصحابي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين ، وما دام لا مرجح بينهما فيكون كل واحد منهما مقابلاً للآخر ويكونان سواء .
على كل حال هذا الحديث ولا سيما حديث ميمونة لأنه نص في الموضوع يعتبر فيصلاً للنزاع وهو : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) .
طيب وعندي أن هذا يكفي عن كل شيء ، لكن مع ذلك لابد من الإجابة عن أدلة القائلين بأنه يعم جميع الحرم .
طيب يقولون : أيضا عندنا دليل آخر ، ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) : فهل تقولون : إنه يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مسجد الشعث والجودرية وأدنى مسجد في مكة ؟
الجواب : ما أظنهم يقولون بذلك ، اللهم إلا إن كان التزاما عند المضايقة ، لأنه عند المناظرة قد يلتزم الإنسان بما لا يعتقده لكن كما يقال فك للمشكلة. فنحن نقول: إذا كنتم لا تجيزون أن تشد الرحال إلى مسجد من مساجد مكة سوى مسجد الكعبة فما الفرق بين قوله : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) وبين قوله : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) ؟
لا فرق .
ثم إن المعنى يقتضيه وهو : أنه إنما جاز شد الرحال إلى هذه المساجد لماذا ؟
لتميزها بالفضل ، فإذا قلتم : إن الذي تشد إليه الرحل هو مسجد الكعبة فقولوا : إن الذي فيه الفضل هو مسجد الكعبة ، وإلا لصار ذلك تناقضا .
أما الجواب عن الأدلة التي استدل بها هؤلاء : فأما قوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) فالثابت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من الحطيم ، حطيم الكعبة : ( بينما أنا نائم في الحطيم ) أو قال : ( مضطجع إذ أتاني آت ) ، وحينئذ يكون الإسراء به من المسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لا غير. ورواية بيت أم هاني إن صحت فقد جُمع بينها وبين هذا الحديث الصحيح بأنه كان نائما في الأول في بيت أم هاني ثم جاءه الملك ثم قام حتى أتى المسجد واضطجع فيه أو نام ثم أُسري به من هناك .
وأما قوله : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) فهذا أحرى أن يكون دليلا عليهم لا دليلا لهم ، لأن الله عز وجل لم يقل فلا يدخلوا المسجد الحرام بل قال: (( فلا يقربوا )) ولا يمكن أن تحولوا الآية إلى الدخول .
وإذا قلنا بالآية : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) : كان ممنوعا أن يقرب الناس حول حدود الحرم ، أو أن يقرب المشركون حول حدود الحرم ومن المعلوم أنكم لا تقولون بذلك .
تقولون : إن المشرك يمكن أن يدنو من حدود الحرم إلى مسافة شبر أو أصبع ، بينما لو أخذنا بالآية وقلنا المسجد الحرام هو كل الحرم لكان يجب أن يبتعدوا عن حدود الحرم بعدا ينتفي فيه القرب ، وهذا أنتم لا تقولون به ، إذن : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) لا يدخلوا حدود الحرم لأنهم إذا دخلوا حدود الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، فامنعوهم .
وأما قوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) : فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما جاء للحديبية هل جاء ليزور مكة وأقاربه فيها وبيوته ثم يرجع ، ولا جاء ليصل إلى البيت الحرام ؟
هذا هو المقصود ولو قدر أن الإنسان صدّ عن كل مكة ولكن نزل في المسجد الحرام ما همه ، المقصود الذي عنه الصد هو المسجد الحرام مسجد الكعبة ، وحينئذ لا دليل في الآية .
طيب قوله تعالى: (( وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) : هذه هي أقوى دليل لو كانت دليلاً لكانت هي أقوى دليل لمن قال إن المسجد الحرام كل الحرم ، لأن أهل الحرم أهل لكل الحرم ، ولكن نقول : أهل الحرم إنما يفتخرون بانتسابهم إلى المسجد الحرام ، هم أهل المسجد كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأنفال : (( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون )) : فهنا نقول : هم أهل المسجد الحرام لأنهم إنما يشرفون به ، يشرفون بهذا المسجد ، وكل ما قرب من المسجد إنما شرف بالمسجد ، فصار هو المقصود الأعظم فلهذا سمي هؤلاء أهلا له.
ثم نقول: أهل المسجد الحرام الذين يعمرونه بطاعة الله وهم إنما يعمرون بطاعة الله مسجد الكعبة، هو محل الصلاة والطواف وغير ذلك، كذلك قوله : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام )) نقول : إنهم يصدون الناس عن العمرة والحج وهذا لا يصح إلا بالوصول إلى المسجد الحرام ، فتبين بهذا أن المراد بالمسجد الحرام هو مسجد الكعبة لأن هذا هو الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا يقطع كل نزاع ، لكن الإجابة عن ما احتجوا به لإزالة الشبهة .
بقي أن يقال : لو فرض أن المسجد الحرام زاد هل يدخل في الفضيلة أو لا ؟
نقول : نعم يدخل ، أولًا: لأنه ليس كالمسجد النبوي فيه التعيين بالإشارة بل قال المسجد الحرام فكل ما كان مسجدا حول الكعبة فهو داخل في الحديث. طيب لو قال قائل: لو صلى الإنسان حول المسجد في السوق هل ينال هذا الأجر؟
نقول: فيه تفصيل، إن كان المسجد ممتلئا والصفوف متصلة فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ينال الأجر هؤلاء، أما إذا كان المكان واسعاً في المسجد وصلى هذا في سوقه فلا ينال هذا الأجر.
ما هو المسجد الحرام هل المراد به جميع الحرم أو المراد به مسجد الكعبة خاصة ؟
في هذا أيضا نزاع بين أهل العلم فمنهم من قال : المراد به كل الحرم ، فإذا صليت في أي مكان من الحرم ولو خارج حدود مكة فصلاتك أفضل من مئة ألف صلاة ، نعم ، إلا المسجد النبوي .
طيب واحتج هؤلاء بقوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) : وقرروا هذه الحجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من بيت أم هانئ رضي الله عنها، ومعلوم أن بيت أم هانئ خارج المسجد، مسجد الكعبة.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) ، فقالوا : (( وإخراج أهله منه )) : ومعلوم أن هؤلاء إنما أخرجوا من بيوتهم وديارهم وليسوا من المسجد نفسه لأنهم ليسوا ساكني المسجد ، بل هم في بيوتهم .
وهنا قال: (( وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله )) : وهم إنما صدوهم عن مكة وعن المسجد الحرام لا شك .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) قال : (( لا يقربوا المسجد الحرام )) وهم ممنوعون من دخول مكة ، فدل هذا على أن المراد بالمسجد الحرام كل الحرم .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد )) : نعم والناس العاكف معناه المديم المكث ، لأن الاعتكاف طول المكث ، والناس إنما يمكثون في بيوتهم ، يعكفون في بيوتهم ، فقالوا : إن هذه الآيات تدل على أن المراد بالمسجد الحرام جميع مكة .
أما من السنة فقالوا : إنه قد روى الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمر : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية كان مقيما في الحل ، وكان إذا جاءت حانت الصلاة دخل فصلى في الحرم ) :
وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم كله يشملها التضعيف ، واضح ؟
وربما يستدلون بالمعنى والنظر فيقولون : لو خصصناه بالمسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لضيقنا على الناس لأن كل واحد في مكة لا يرغب أبدا أن يدع مئة ألف صلاة وبينه وبينها هذه المسافة القريبة ، بل لابد أن يذهب ويصلي ، وحينئذ يحصل الضيق والمشقة على الناس .
قالوا : ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في الأبطح أربعة أيام قبل الخروج إلى منى ولم يكن ينزل إلى المسجد الحرام ليصلي فيه مع قرب المسافة وسهولتها ، كل هذه الأدلة استدلوا بها على أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم .
وقال آخرون وهو ظاهر كلام الحنابلة -رحمهم الله- إن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة، مسجد الكعبة فقط، وقالوا: عندنا دليل لا يمكنكم معه الكلام إطلاقا وهو : أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيما رواه مسلم من حديث ميمونة رضي الله عنها : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) : هذا لفظ الحديث في مسلم ، فقال : ( إلا مسجد الكعبة ) وهذا صريح في أن المراد بالمسجد الحرام في مثل هذا الحديث مسجد الكعبة الذي فيه الكعبة ، وبأن حديث أبي هريرة : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) فيه رواية في مسلم أيضًا : ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد مسجد الكعبة ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) : فصرح بأن المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة .
وهذا لو قال قائل: الحديث واحد!
نقول: إن كان هذا اللفظ المسجد الحرام ومسجد الكعبة من النبي عليه الصلاة والسلام فقد فسر قوله بقوله.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل اللفظين فقد فسره الصحابي وهو أعلم بمدلول كلام الرسول صلى الله عليه وسلم .
وإن لم يكن من تفسير الصحابي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين ، وما دام لا مرجح بينهما فيكون كل واحد منهما مقابلاً للآخر ويكونان سواء .
على كل حال هذا الحديث ولا سيما حديث ميمونة لأنه نص في الموضوع يعتبر فيصلاً للنزاع وهو : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) .
طيب وعندي أن هذا يكفي عن كل شيء ، لكن مع ذلك لابد من الإجابة عن أدلة القائلين بأنه يعم جميع الحرم .
طيب يقولون : أيضا عندنا دليل آخر ، ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) : فهل تقولون : إنه يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مسجد الشعث والجودرية وأدنى مسجد في مكة ؟
الجواب : ما أظنهم يقولون بذلك ، اللهم إلا إن كان التزاما عند المضايقة ، لأنه عند المناظرة قد يلتزم الإنسان بما لا يعتقده لكن كما يقال فك للمشكلة. فنحن نقول: إذا كنتم لا تجيزون أن تشد الرحال إلى مسجد من مساجد مكة سوى مسجد الكعبة فما الفرق بين قوله : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ) وبين قوله : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) ؟
لا فرق .
ثم إن المعنى يقتضيه وهو : أنه إنما جاز شد الرحال إلى هذه المساجد لماذا ؟
لتميزها بالفضل ، فإذا قلتم : إن الذي تشد إليه الرحل هو مسجد الكعبة فقولوا : إن الذي فيه الفضل هو مسجد الكعبة ، وإلا لصار ذلك تناقضا .
أما الجواب عن الأدلة التي استدل بها هؤلاء : فأما قوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) فالثابت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من الحطيم ، حطيم الكعبة : ( بينما أنا نائم في الحطيم ) أو قال : ( مضطجع إذ أتاني آت ) ، وحينئذ يكون الإسراء به من المسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لا غير. ورواية بيت أم هاني إن صحت فقد جُمع بينها وبين هذا الحديث الصحيح بأنه كان نائما في الأول في بيت أم هاني ثم جاءه الملك ثم قام حتى أتى المسجد واضطجع فيه أو نام ثم أُسري به من هناك .
وأما قوله : (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) فهذا أحرى أن يكون دليلا عليهم لا دليلا لهم ، لأن الله عز وجل لم يقل فلا يدخلوا المسجد الحرام بل قال: (( فلا يقربوا )) ولا يمكن أن تحولوا الآية إلى الدخول .
وإذا قلنا بالآية : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) : كان ممنوعا أن يقرب الناس حول حدود الحرم ، أو أن يقرب المشركون حول حدود الحرم ومن المعلوم أنكم لا تقولون بذلك .
تقولون : إن المشرك يمكن أن يدنو من حدود الحرم إلى مسافة شبر أو أصبع ، بينما لو أخذنا بالآية وقلنا المسجد الحرام هو كل الحرم لكان يجب أن يبتعدوا عن حدود الحرم بعدا ينتفي فيه القرب ، وهذا أنتم لا تقولون به ، إذن : (( فلا يقربوا المسجد الحرام )) لا يدخلوا حدود الحرم لأنهم إذا دخلوا حدود الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، فامنعوهم .
وأما قوله تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) : فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما جاء للحديبية هل جاء ليزور مكة وأقاربه فيها وبيوته ثم يرجع ، ولا جاء ليصل إلى البيت الحرام ؟
هذا هو المقصود ولو قدر أن الإنسان صدّ عن كل مكة ولكن نزل في المسجد الحرام ما همه ، المقصود الذي عنه الصد هو المسجد الحرام مسجد الكعبة ، وحينئذ لا دليل في الآية .
طيب قوله تعالى: (( وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله )) : هذه هي أقوى دليل لو كانت دليلاً لكانت هي أقوى دليل لمن قال إن المسجد الحرام كل الحرم ، لأن أهل الحرم أهل لكل الحرم ، ولكن نقول : أهل الحرم إنما يفتخرون بانتسابهم إلى المسجد الحرام ، هم أهل المسجد كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأنفال : (( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون )) : فهنا نقول : هم أهل المسجد الحرام لأنهم إنما يشرفون به ، يشرفون بهذا المسجد ، وكل ما قرب من المسجد إنما شرف بالمسجد ، فصار هو المقصود الأعظم فلهذا سمي هؤلاء أهلا له.
ثم نقول: أهل المسجد الحرام الذين يعمرونه بطاعة الله وهم إنما يعمرون بطاعة الله مسجد الكعبة، هو محل الصلاة والطواف وغير ذلك، كذلك قوله : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام )) نقول : إنهم يصدون الناس عن العمرة والحج وهذا لا يصح إلا بالوصول إلى المسجد الحرام ، فتبين بهذا أن المراد بالمسجد الحرام هو مسجد الكعبة لأن هذا هو الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا يقطع كل نزاع ، لكن الإجابة عن ما احتجوا به لإزالة الشبهة .
بقي أن يقال : لو فرض أن المسجد الحرام زاد هل يدخل في الفضيلة أو لا ؟
نقول : نعم يدخل ، أولًا: لأنه ليس كالمسجد النبوي فيه التعيين بالإشارة بل قال المسجد الحرام فكل ما كان مسجدا حول الكعبة فهو داخل في الحديث. طيب لو قال قائل: لو صلى الإنسان حول المسجد في السوق هل ينال هذا الأجر؟
نقول: فيه تفصيل، إن كان المسجد ممتلئا والصفوف متصلة فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ينال الأجر هؤلاء، أما إذا كان المكان واسعاً في المسجد وصلى هذا في سوقه فلا ينال هذا الأجر.