فوائد حديث : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا ... ). حفظ
الشيخ : ثم في الحديث فوائد :
الفائدة الأولى: الترغيب في الصلاة في هذا المسجد لقوله : ( في هذه المساجد ) : بل المسجدين لأنه لم يذكر المسجد الثالث وهو الأقصى مسجد مكة ومسجد المدينة .
ولكن هل يقال : إن هذا أفضل من الصلاة في البيت أو يقال ما يشرع أن يكون في البيت فكونه في البيت أفضل ؟
الجواب هو الثاني وأظن أنا ذكرناه، وقلنا: يدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ) هو الذي قال: ( خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )، وكان هو يصلي النوافل في بيته ، ومن ثَم حمل بعض العلماء هذا الحديث على أن المراد بالصلاة هنا صلاة الفريضة، الصلوات الخمسة، ولكن ينبغي أن يقال: لا ، كل ما فعل في هذه المساجد من صلاة فهو أفضل مما سواه في المساجد الأخرى ، ويبقى عاد النظر هل هو أفضل في المسجد أو في البيت هذا له أدلة أخرى .
مثلا تحية المسجد في المسجد الحرام خير من مئة ألف تحية فيما سواه ، كذلك أيضا لو أن أحدًا تقدم إلى المسجد وصلى وصار يتنفل حتى أُقيمت الصلاة فهذا النفل الذي كان يفعله بانتظار الصلاة خير من مئة ألف صلاة فيما عداه.
وفي المسجد النبوي خير من ألف صلاة .
ومن فوائد الحديث : أن الأعمال تتفاضل باعتبار المكان ، والدلالة فيه واضحة: ( خير من ألف صلاة ) .
وهل يتناول هذا جميع الأعمال أو هو خاص في الصلاة فقط ؟
يرى بعض العلماء أنه خاص في الصلاة فقط ، وأن ما عداها من الأعمال كالصدقة والصيام وطلب العلم وما أشبه ذلك فلا يفضل هذا الفضل ، وإن كان في الحرم أفضل لكن لا يصل إلى هذا الفضل ، وهذا هو الصحيح إن لم يوجد أدلة صحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام في المفاضلة في بقية الأعمال ، ووجه ذلك : أن التفاضل أو إثبات الفضل في العمل أمر توقيفي لا يُتعدى فيه الشرع ، فنقول : الصلاة ورد فيها هذا الفضل وما عداها فإنه يتوقف على ثبوت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام .
وقد أخرج ابن ماجه بسند فيه نظر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( إن من صام رمضان في مكة كان بمئة ألف شهر ) ، فإن صح هذا الحديث ألحقنا به الصيام ، وإلا فلا نلحق به شيئاً ، الدليل على عدم الإلحاق ؟
أولًا : أن إثبات الفضائل للأعمال توقيفي .
ثانيًا : أن للصلاة شأنا ليس لغيرها من بقية الأعمال فهي آكد وأفرض أعمال البدن ، حتى إن القول الراجح أن تاركها يكون كافرا ، وإذا كانت بهذه الميزة فلا يمكن أن يلحق بها ما دونها إلا بنص .
ومن فوائد هذا الحديث : إثبات التفاضل في الأعمال ، وقد سبق لنا أن الأعمال تتفاضل بحسب المكان والزمان والعامل وجنس العمل، وش بعد؟ ونوع العمل أيضا .
الطالب : وكميته.
الشيخ : وكميته.
الطالب : الكيفية.
الشيخ : وكيفيته نعم وكيفيته ، كل هذه وجوه للفضائل في الأعمال ، فالمكان هو كما رأيتم .
الزمان : (( ليلة القدر خير من ألف شهر )) ، ( ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر ) يعني عشر ذي الحجة.
في العامل : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
في كيفية العمل : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) .
في جنسه : ( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ) .
في نوعه : الصلاة أفضل من الزكاة والزكاة أفضل من الصيام والصيام أفضل من الحج وهكذا .
الطالب : الكمية في عدد الركعات ؟
الشيخ : نعم الكمية كيف الكمية ؟
الطالب : يعني أربع ركعات أفضل من ركعتين .
الشيخ : يعني يزيد بها الإيمان لا شك، لكن الأفضلية ما.
الطالب : النوع والجمع؟
الشيخ : لا ، النوع ، الجنس أعم ، الفرائض على سبيل العموم أفضل من النوافل ، النوع الصلاة مثلا أفضل من الزكاة .
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا ثبت وقد ثبت تفاضل الأعمال لزم من ذلك تفاضل العامل، ثم يلزم منه أيضا شيء آخر: تفاضل الناس في الإيمان، فيكون في الحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يزيد وينقص .
لكن كيف زيادته أو بماذا تكون الزيادة هل هو بالعمل ؟
نقول: بكل ما ذكرنا من الأنواع المفاضلة ، يزيد بالفرائض أكثر مما يزيد بالنوافل ، ومن العجب أن الشيطان يضحك علينا يجعلنا نعتقد أن النافلة أفضل من الفريضة ولهذا تجد كثيرًا من الناس يحسنون النوافل تمامًا والفرائض يتساهلون فيها ، هذا من الغرائب.
تجده مثلا في صلاة النافلة يخشع ويحضر قلبه ويستحضر ما يقول ولكن في الفريضة يتهاون، وهذا من البلاء الذي يصاب به الإنسان، والواجب أن يعلم الإنسان ويعتقد أن صلاته الفريضة أفضل من النافلة ، وأنه يجب أن يعتني بالفريضة أكثر مما يعتني بالنافلة ، ولولا محبة الله لها ولولا أهميتها عنده عز وجل ما أوجبها على عباده ، فإيجابها على العباد يدل على أنها أحب إلى الله ، وأنها أولى بالعناية من النافلة .
طيب إذا قال قائل : أيما أفضل المجاورة في مكة أو المجاورة في المدينة ؟
نعم اختلف في هذا أهل العلم :
فمنهم من قال: إن المجاورة في مكة أفضل لأن مكة أفضل من المدينة بلا شك والنبي عليها الصلاة والسلام قال في الحزوراء في مكة قال : ( إنك لأحب البقاع إلى الله ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت ) ، وهذا واضح صريح .
وأما ما يرويه بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في مكة : أحب البقاع إلى الله وفي المدينة أحب البقاع إليّ ، فهذا ما هو صحيح هذا ليس بصحيح .
طيب وقال بعض أهل العلم : إن المجاورة في المدينة أفضل ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حث على السكنى فيها وقال : ( المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) .
وقال بعض أهل العلم : المجاورة في مكان يقوى فيه إيمانه وتكثر فيه تقواه أفضل في أي مكان ، يعني في أي مكان يكون أنفع وأقوى إيماناً وأكثر تقوى لله عز وجل فهو أفضل ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقال : " إذا فرضنا أن الإنسان في مكة يضعف إيمانه وتقواه ويقل نفعه فليخرج كما فعل الصحابة رضي الله عنهم " ، الصحابة وين راحوا ؟
ذهبوا إلى الشام وإلى الكوفة والبصرة وإلى مصر يلتمسون ما هو أفضل وأنفع للعباد وسكنوا هناك ، وصاروا يعلمون الناس ويدرسونهم العلم ، وتركوا المدينة ومكة أيضا وهذا القول أصح.
لكن لو فرضنا أن الإنسان يتساوى عنده البقاء في مكان وفي مكة والمدينة؟ قلنا: في مكة والمدينة أفضل، البقاء في مكة والمدينة أفضل من غيرهما بلا شك، أما المفاضلة بين مكة والمدينة فهي عندي محل توقف بالنسبة للمجاورة أما بالنسبة لفضل مكة فلا شك أن مكة أفضل.
طيب يتفرع على تفاضل العمل في مكة والمدينة : هل تتضاعف السيئات في مكة والمدينة ؟
الجواب : أما بالكمية فلا ، وأما بالكيفية فنعم ، العقوبات على السيئات في مكة أعظم من العقوبات على السيئات في غيرها ، وفي المدينة أعظم أيضًا ، ودليل ذلك قوله تعالى : (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )) : وهذه الآية في الأنعام مكية ، وبهذا نعرف بطلان ما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " لا أجلس أو لا أسكن في بلد حسناته وسيئاته سواء " لما قيل له ألا تسكن في مكة؟ قال : " لا ، لا أسكن في بلد سيئاته وحسناته سواء " ، فإن هذا لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عباس أفقه وأعلم من أن يقول مثل هذا الكلام.