فوائد حديث: ( أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد - فناداه ، فقال : يا رسول الله ، إني زنيت ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد فوائد عديدة أولًا : أنه ينبغي الستر عن الإنسان باسمه إذا كانت تمكن الفائدة بدون ذكر اسمه، نأخذها من هذا اللفظ الذي معنا وهو قوله : ( أتى رجل من المسلمين ) مع أنه في بعض الروايات صرح باسمه، لكن قد يكون بعض الرواة يلاحظ أن الستر أولى فيعبر بهذا التعبير.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز الإقرارات في المسجد، جواز الإقرارات في المسجد مع أن أصل بناء المساجد للذكر وقراءة القرآن والصلاة، لكن لا بأس بالإقرارات، فأما ما يتعلق بأمور الدين فلا شك في جوازه، لأنه مما تعمر له المساجد، ومنه هذه المسألة لأن ماعزًا رضي الله عنه أقر في المسجد ولم يقل له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : انتظر حتى نخرج بل قبل إقراره، لكن إذا كان إقرارا في أمور دنيوية كرجل أقر بدين عليه في المسجد فهل ذلك جائز ؟ الجواب : نعم هو جائز، لأن إقرار الإنسان بحق عليه قد نقول : إنه من الدين، حيث إنه اعتراف بما يجب عليه من حقوق الناس، وكذلك يجوز التقاضي في المسجد أي : أن الإنسان يكون عليه دين فيرى غريمه في المسجد فيوفيه فإن ذلك جائز أيضًا، لأن إبراء الذمة من الأمور إيش ؟ المطلوبة فلا بأس بقضاء الدين في المسجد، وأما البيع والشراء سواء كان بالصيغة المعروفة المعهودة كبعت واشتريت أو بما يدل على ذلك مثل أن يقول الرجل للتاجر : يا فلان أرسل إلى البيت كيسًا من الرز أو كيسًا من السكر أو ما أشبه ذلك فيقول : أفعل
فإن هذا لا يجوز لماذا ؟ لأنه بيع هذا بيع وشراء، فقوله : أرسل إلي يعني بع علي وأرسله إلى البيت، وقول الثاني : نعم أفعل هذا هو القبول أو الإيجاب.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز رفع الصوت في المسجد، من أين يؤخذ ؟ من قوله : ( فناداه ) لأن النداء يكون بصوت عال، كما قال الله تعالى : (( وناديناه )) أي : موسى (( من جانب الطُّور الأيمن وقرَّبناه نجيًّا )) شوف لما قرب صار كلامه مناجاة ولما كان بعيدًا صار كلامه نداء (( وناديناه جانب الطُّور الأيمن وقرَّبناه نجيًّا )) إذًا ناداه أي : بصوت مرتفع.
ومن فوائد الحديث : جواز التصريح بما يلام عليه العبد إذا دعت الحاجة إليه لقوله : ( إني زنيت ) وكان بإمكانه أن يقول : يا رسول الله إني أتيت أمرًا عظيمًا أو كلمة نحوها، لكنه صرح بهذا وكأنه والله أعلم فعل ذلك غضبًا لله عز وجل وانتقامًا لنفسه من نفسه، وهذا يجري كثيرًا في أولياء الله، فها هو سليمان عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الخيل قبل صلاة العصر فانشغل بها عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فلما رأى ما حصل قال : (( ردُّوها عليَّ )) فردوها عليه (( فطفق مسحًا بالسوق والأعناق )) المراد بذلك قطع أعناقها وعقر سوقها، والسوق جمع ساق فعل ذلك انتقامًا من نفسه لنفسه، يعني لأنه ألهته عن ذكر الله (( إنِّي أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربِّي حتَّى توارت بالحجاب )) ولا حرج أن الإنسان إذا رأى شيئًا من ماله ألهاه عن ذكر الله لا حرج عليه أن يكسره أو أن يبيعه ويخرجه عن ملكه حتى لا يتلهى به، ونظير ذلك إحراق رحل الغال الذي يغل من الغنيمة مع أن الأنفع فيما يبدو أن أن يدخل في بيت المال في الغنيمة ينتفع به الناس، لكنه يحرق هنا لما يترتب على ذلك من النكال والعقوبة.
ومن فوائد هذا الحديث : حسن معاملة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه حيث ينزل كل إنسان منزلته، وذلك أنه أعرض عن ماعز بن مالك متشككًا في أمره، لكنه لم يعرض في المسألة الأولى في قضية العسيف لأن الأمر كان معلومًا وواضحًا.
ومن فوائد هذا الحديث : فضيلة ماعز بن مالك رضي الله عنه حيث إنه ألح على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى كان كلما تنحى عنه اتجه إليه فأقر بأنه زنى حتى أتم ذلك أربع مرات.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يقبل في الإقرار بالزنا إلا أربع مرات، وأنه لو قال : زنيت ثم قال : زنيت ثم قال : زنيت فإنه لا يقام عليه الحد لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على ماعز حتى شهد على نفسه أربع مرات، ولأن كل إقرار مرة بمنزلة الشاهد، والزنا لا يقبل فيه بالشهادة إلا أربعة رجال : (( ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء )) أي : بأربعة رجال شهداء، يعني لو شهد على إنسان ثلاثة رجال أنه زنى فماذا نصنع ؟ نجلد الثلاثة كل واحد ثمانين جلدة، والمتهم بالزنا المشهود عليه لا نتعرض له، لماذا ؟ لأنه لا بد أن تكون الشهادة بالزنا أربعة، ما دون الأربعة يكونون قذفة نعم وهذا الذي دل عليه ظاهر الحديث هو ما ذهب إليه الإمام أحمد في المشهور عند أصحابه أنه لا بد من الإقرار أربع مرات، وقد سبق لنا في الحديث الأول أن في ذلك خلافًا بين العلماء فمنهم من قال : إن قضية ماعز إنما احتاج النبي عليه الصلاة والسلام أن يقر أربع مرات لأنه كان شاكًّا في أمره، ولهذا أعرض عنه وظن أن في عقله شيئًا، ثم لما تأكد أن الرجل ليس في عقله خلل حكم عليه، وكون ذلك أربع مرات قد يقول قائل : إن هذا وقع اتفاقًا وليس مقصودًا بأن تكون كل إقرار مرة بأن يكون كل إقرار مرة عن شهادة رجل، وما دام الاحتمال قائمًا فإن الاستدلال يكون ساقطًا، ومن قواعدهم المقررة : إذا إيش ؟ " إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال " والقول الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا أقر مرة واحدة وهو بالغ عاقل يعلم ما يقول فإنه يثبت عليه الحد.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حالها لقوله : ( أبك جنون ؟ فقال : لا ) فإذا رأينا رجلًا مفطرًا يعني ينبني على هذه القاعدة أن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حالها إذا رأينا شخصًا مفطرًا فقلنا : لم أفطرت في رمضان أأنت مريض ؟ فقال : نعم، هل نتعرض له ؟ لا، لأن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حاله وحسابه على الله، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لماعز : ( أبك جنون ؟ قال : لا ) فأقره على ذلك وحكم بمقتضى هذا الإقرار.
ومن فوائد هذا الحديث : أن إقرارات المجنون لا تعتبر، وجه الدلالة أن قوله : ( أبك جنون ؟ ) يريد أن يرتب عليه الحكم فيما لو قال : إنه مجنون يعني فلا إقرار له وهو كذلك، والمجنون جميع أقواله لاغية لا يحاسب عليها سواء كانت متعلقة بنفسه أو بحق الله أو بحق العباد فهي لاغية لا يترتب عليها شيء، اللهم إلا أن يحصل من أقواله أذية فهنا يحبس لئلا يؤذي الناس، فلو أن مجنونًا قال لإنسان : أنت زاني فإننا نعم؟ لا نقول له شيئًا، يعني لا يترتب على قوله أو على قذفه هذا إقامة حد القذف لأنه مجنون، ولو قال المجنون لشخص : في ذمتي لك ألف ريال وهو مجنون فهل تثبت المائة في ذمته ؟ نعم؟ لا، ولو قال المجنون : زوجتي طالق هل تطلق ؟ لا، إذًا جميع أقواله غير معتبرة، ولو قال المجنون : إن لله شريكًا فهل يحكم بكفره ؟ لا، طيب هل يلحق بالمجنون من زال عقله بسبب ؟ نقول : إن كان السبب غير محرم فإنه يلحق بالمجنون ولا يترتب على أقواله شيء، كما لو بنّج على وجه حلال أو أصيب بحادث فاختل عقله أو ما أشبه ذلك أو كان مريضًا مرضًا شديدًا وصار يخرف فإنه لا عبرة بقوله، لأنه لا يعي ما يقول وأما إذا كان بسبب محرم كما لو شرب مسكرًا فهل تعتبر أقواله ؟ في هذا خلاف بين العلماء مثاله : رجل سكر والعياذ بالله فطلق زوجته قال : زوجتي طالق فهل تطلق ؟ نعم في هذا خلاف من العلماء من قال : إنها لا تطلق، ومنهم من قال: إنها تطلق، فأما من قال : إنها تطلق فحجته أن هذا الرجل الذي لا يعي ما يقول إنما فعل ذلك باختياره فيعاقب بما تكلم به كما عاقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من طلق ثلاثًا بمنعه من الرجوع على زوجته لأن الطلاق الثلاث محرم، ومن العلماء من يقول : إن طلاق السكران لا يقع لأنه لا يدري ما يقول وقد صرح الله عز وجل بأن السكران لا يعلم ما يقول فقال تعالى : (( يا أيُّها الَّذين آمنوا لا تقربوا الصَّلاة وأنتم سكارى حتَّى تعلموا ما تقولون )) ومن المعلوم أن من طلق بلا علم ولا وعي كيف نلزمه بالطلاق وهو لا يعي ولا يدري ما يقول ؟ وهذا هو الصحيح وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طلاق في إغلاق ) لأن السكران مغلق عليه، وقد صح ذلك أيضًا عن الخلفاء الراشدين أنه لا طلاق على السكران، وقولهم : إننا نلزمه بالطلاق عقوبة له كما ألزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المطلق ثلاثًا بعدم الرجوع إلى زوجته عقوبة له، نقول : الفرق بينهما ظاهر، لأن شارب الخمر لم يشرب ليطلق بخلاف الذي قال : إنها طالق ثلاثًا فإنه طلق ثلاثًا من أجل أن تبين منه من أجل أن تبين منه فعوقب بما قصد، وأما السكران فإنه لم يسكر ليطلق فصار بينهما فرق، وأيضًا عقوبة السكران ثبتت في السنة وذلك بالجلد، فإذا زدنا على تلك العقوبة فهذا فيه نوع من تعدي حدود الله عز وجل، لا سيما على القول بأن عقوبة شارب الخمر من باب إيش ؟ من باب الحدود، فالصواب أن طلاق السكران لا يقع كسائر أقواله.
بقي علينا : ماذا نقول في أفعال السكران في أفعال المجنون في أفعال المجنون هل تعتبر أو لا تعتبر ؟ الجواب : تعتبر ولكن ذلك في حق العباد لا في حق الله تعتبر في حق العباد لا في حق الله انتبهوا لهذا الشرط، فمثلًا لو أتلف شيئًا أتلف مالًا لشخص هل نضمنه ؟ نضمنه نعم لأن هذا حق آدمي وإتلاف مال الآدمي يستوي فيه العامد وغير العامد فنضمنه، ولو قتل صيدًا في الحرم هل نضمنه ؟
الطالب : لا نضمنه .
الشيخ : لماذا ؟ لأن هذا حق لله فصارت أفعال المجنون تنقسم إلى قسمين الأول : ما يتعلق بحق العباد فهذا يضمن إياه، وما يتعلق بحق الله فإنه لا يضمن لأنه رفع القلم عنه.
هنا بحث آخر : هل يضمن حق الآدمي كما يضمن العاقل ؟ الجواب : لا، لكنه يضمن حق الآدمي كما يضمن المخطئ مثال ذلك : لو أن هذا المجنون تعمد قتل إنسان عمدًا فهل يقتص منه يعني هل يقتل المجنون ؟ لا، لأن فعله عن غير قصد فهو كفعل العاقل المخطئ فكما أن العاقل إذا رمى صيدًا فأصاب إنسانًا فإنه لا يقتص منه، فكذلك المجنون إذا قتل إنسانًا فإنه لا يقتص منه، لأنه لا يتصور منه العمد فيعامل معاملة إيش ؟ المخطئ يعامل معاملة المخطئ هل يلحق بذلك السكران بمعنى أن السكران لو قتل إنسانا فإنه لا يقتص منه ؟ نعم هذا نعم هذا إن سكر ليقتل فلا شك أنه يقتل، إن سكر ليقتل يعني إنسان قال : أنا لا سبيل لي إلى قتل فلان إلا إذا سكر والعياذ بالله، فسكر ليتوصل إلى قتله فهنا لا شك أنه يقتل، لأن السبب محرم والمباشرة محرمة، وأما إذا سكر لا ليقتل ولكن حصل منه الفعل ففي تضمينه نظر أي : ففي القصاص منه نظر وذلك لأنه إيش ؟ غير عامد غير عامد والقصاص لا بد فيه من العمد.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز التوكيل في إقامة الحد أي : أنه يجوز للإمام وهو ذو السلطة العليا للدولة أن يوكل من ينفذ عنه إقامة الحد من قوله : ( اذهبوا به فارجموه ).
ومن فوائد هذا الحديث : جواز توجيه الخطاب إلى العموم لقوله : ( اذهبوا به ) ولم يعين شخصًا، وإذا كان كذلك فإن إقامة الحد تكون من باب فرض العين ولا الكفاية ؟ الكفاية نعم طيب في بقية الحديث التي لم يسقها المؤلف رحمه الله أخذ بعض العلماء من الحديث أنه يجوز رجوع المقر في الحد، يعني لو أقر الإنسان بالزنا وثبت عليه ثبوتًا شرعيًّا بإقراره سواء قلنا : إن المرة تكفي أو الأربع ثم رجع عن الإقرار فهل يقام عليه الحد ؟ قال : بعض العلماء لا يقام عليه الحد استدلالًا بحديث ماعز لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ؟ ) وقال بعض العلماء : إنه لا يقبل رجوعه عن الإقرار ولا سيما إذا احتفت به قرائن، لأن ماعزًا رضي الله عنه لم يرجع لكنه هرب، بخلاف الراجع فإن الراجع في الحقيقة متلاعب متلاعب بالأحكام الشرعية ومتلاعب بالحكام مرة يقر ومرة ينكر الإقرار ويرجع عن إقراره، ثم إنه إذا احتفت به القرائن لا يتجه إطلاقًا القول بجواز الرجوع أو بقبول الرجوع إذا احتفت به القرائن، مثال ذلك : رجل أقر على نفسه بالزنا فقلنا : كيف ؟ قال : أخذت بنتًا من بيتها الفلاني في الزقاق الفلاني وركبت أنا وهي سيارة وذهبنا إلى مكان ما وعينه وفعلت بها الفاحشة ثم رددتها وكان ذلك في الليلة الفلانية من الشهر الفلاني نعم ثم أرانا الأثر ثم رجع وقال : أنا رجعت عن إقراري هل يمكن أن تأتي الشريعة الحكيمة بقبول رجوع مثل هذا ؟ أبدًا لا يمكن أما نعم لو كان مجرد إقرار بأن قال : إنه زنى فهذا ربما يكون أقر بسبب ضغط عليه أو حياء أو خجل بأن يكون شهده أناس فرأى من نفسه أنه لا بد أن يقر فأقر ولولا هذا لم يقر هذا ربما نقول بقبول رجوعه مع أن في النفس منه شيء في القلب من ذلك شيئًا، أما إذا صرح في إقراره بالزنا وذكر القرائن التي تشهد لما صنع ثم نقول : يرجع استدلالًا بحديث ماعز فهذا بعيد جدا وحديث ماعز ليس فيه الرجوع بل فيه الإقرار لكنه هرب من أجل أن الحجارة أذلقته ويتوب فيتوب الله عليه نعم .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز الإقرارات في المسجد، جواز الإقرارات في المسجد مع أن أصل بناء المساجد للذكر وقراءة القرآن والصلاة، لكن لا بأس بالإقرارات، فأما ما يتعلق بأمور الدين فلا شك في جوازه، لأنه مما تعمر له المساجد، ومنه هذه المسألة لأن ماعزًا رضي الله عنه أقر في المسجد ولم يقل له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : انتظر حتى نخرج بل قبل إقراره، لكن إذا كان إقرارا في أمور دنيوية كرجل أقر بدين عليه في المسجد فهل ذلك جائز ؟ الجواب : نعم هو جائز، لأن إقرار الإنسان بحق عليه قد نقول : إنه من الدين، حيث إنه اعتراف بما يجب عليه من حقوق الناس، وكذلك يجوز التقاضي في المسجد أي : أن الإنسان يكون عليه دين فيرى غريمه في المسجد فيوفيه فإن ذلك جائز أيضًا، لأن إبراء الذمة من الأمور إيش ؟ المطلوبة فلا بأس بقضاء الدين في المسجد، وأما البيع والشراء سواء كان بالصيغة المعروفة المعهودة كبعت واشتريت أو بما يدل على ذلك مثل أن يقول الرجل للتاجر : يا فلان أرسل إلى البيت كيسًا من الرز أو كيسًا من السكر أو ما أشبه ذلك فيقول : أفعل
فإن هذا لا يجوز لماذا ؟ لأنه بيع هذا بيع وشراء، فقوله : أرسل إلي يعني بع علي وأرسله إلى البيت، وقول الثاني : نعم أفعل هذا هو القبول أو الإيجاب.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز رفع الصوت في المسجد، من أين يؤخذ ؟ من قوله : ( فناداه ) لأن النداء يكون بصوت عال، كما قال الله تعالى : (( وناديناه )) أي : موسى (( من جانب الطُّور الأيمن وقرَّبناه نجيًّا )) شوف لما قرب صار كلامه مناجاة ولما كان بعيدًا صار كلامه نداء (( وناديناه جانب الطُّور الأيمن وقرَّبناه نجيًّا )) إذًا ناداه أي : بصوت مرتفع.
ومن فوائد الحديث : جواز التصريح بما يلام عليه العبد إذا دعت الحاجة إليه لقوله : ( إني زنيت ) وكان بإمكانه أن يقول : يا رسول الله إني أتيت أمرًا عظيمًا أو كلمة نحوها، لكنه صرح بهذا وكأنه والله أعلم فعل ذلك غضبًا لله عز وجل وانتقامًا لنفسه من نفسه، وهذا يجري كثيرًا في أولياء الله، فها هو سليمان عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الخيل قبل صلاة العصر فانشغل بها عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فلما رأى ما حصل قال : (( ردُّوها عليَّ )) فردوها عليه (( فطفق مسحًا بالسوق والأعناق )) المراد بذلك قطع أعناقها وعقر سوقها، والسوق جمع ساق فعل ذلك انتقامًا من نفسه لنفسه، يعني لأنه ألهته عن ذكر الله (( إنِّي أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربِّي حتَّى توارت بالحجاب )) ولا حرج أن الإنسان إذا رأى شيئًا من ماله ألهاه عن ذكر الله لا حرج عليه أن يكسره أو أن يبيعه ويخرجه عن ملكه حتى لا يتلهى به، ونظير ذلك إحراق رحل الغال الذي يغل من الغنيمة مع أن الأنفع فيما يبدو أن أن يدخل في بيت المال في الغنيمة ينتفع به الناس، لكنه يحرق هنا لما يترتب على ذلك من النكال والعقوبة.
ومن فوائد هذا الحديث : حسن معاملة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه حيث ينزل كل إنسان منزلته، وذلك أنه أعرض عن ماعز بن مالك متشككًا في أمره، لكنه لم يعرض في المسألة الأولى في قضية العسيف لأن الأمر كان معلومًا وواضحًا.
ومن فوائد هذا الحديث : فضيلة ماعز بن مالك رضي الله عنه حيث إنه ألح على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى كان كلما تنحى عنه اتجه إليه فأقر بأنه زنى حتى أتم ذلك أربع مرات.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يقبل في الإقرار بالزنا إلا أربع مرات، وأنه لو قال : زنيت ثم قال : زنيت ثم قال : زنيت فإنه لا يقام عليه الحد لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على ماعز حتى شهد على نفسه أربع مرات، ولأن كل إقرار مرة بمنزلة الشاهد، والزنا لا يقبل فيه بالشهادة إلا أربعة رجال : (( ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء )) أي : بأربعة رجال شهداء، يعني لو شهد على إنسان ثلاثة رجال أنه زنى فماذا نصنع ؟ نجلد الثلاثة كل واحد ثمانين جلدة، والمتهم بالزنا المشهود عليه لا نتعرض له، لماذا ؟ لأنه لا بد أن تكون الشهادة بالزنا أربعة، ما دون الأربعة يكونون قذفة نعم وهذا الذي دل عليه ظاهر الحديث هو ما ذهب إليه الإمام أحمد في المشهور عند أصحابه أنه لا بد من الإقرار أربع مرات، وقد سبق لنا في الحديث الأول أن في ذلك خلافًا بين العلماء فمنهم من قال : إن قضية ماعز إنما احتاج النبي عليه الصلاة والسلام أن يقر أربع مرات لأنه كان شاكًّا في أمره، ولهذا أعرض عنه وظن أن في عقله شيئًا، ثم لما تأكد أن الرجل ليس في عقله خلل حكم عليه، وكون ذلك أربع مرات قد يقول قائل : إن هذا وقع اتفاقًا وليس مقصودًا بأن تكون كل إقرار مرة بأن يكون كل إقرار مرة عن شهادة رجل، وما دام الاحتمال قائمًا فإن الاستدلال يكون ساقطًا، ومن قواعدهم المقررة : إذا إيش ؟ " إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال " والقول الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا أقر مرة واحدة وهو بالغ عاقل يعلم ما يقول فإنه يثبت عليه الحد.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حالها لقوله : ( أبك جنون ؟ فقال : لا ) فإذا رأينا رجلًا مفطرًا يعني ينبني على هذه القاعدة أن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حالها إذا رأينا شخصًا مفطرًا فقلنا : لم أفطرت في رمضان أأنت مريض ؟ فقال : نعم، هل نتعرض له ؟ لا، لأن الإنسان مؤتمن على نفسه في بيان حاله وحسابه على الله، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لماعز : ( أبك جنون ؟ قال : لا ) فأقره على ذلك وحكم بمقتضى هذا الإقرار.
ومن فوائد هذا الحديث : أن إقرارات المجنون لا تعتبر، وجه الدلالة أن قوله : ( أبك جنون ؟ ) يريد أن يرتب عليه الحكم فيما لو قال : إنه مجنون يعني فلا إقرار له وهو كذلك، والمجنون جميع أقواله لاغية لا يحاسب عليها سواء كانت متعلقة بنفسه أو بحق الله أو بحق العباد فهي لاغية لا يترتب عليها شيء، اللهم إلا أن يحصل من أقواله أذية فهنا يحبس لئلا يؤذي الناس، فلو أن مجنونًا قال لإنسان : أنت زاني فإننا نعم؟ لا نقول له شيئًا، يعني لا يترتب على قوله أو على قذفه هذا إقامة حد القذف لأنه مجنون، ولو قال المجنون لشخص : في ذمتي لك ألف ريال وهو مجنون فهل تثبت المائة في ذمته ؟ نعم؟ لا، ولو قال المجنون : زوجتي طالق هل تطلق ؟ لا، إذًا جميع أقواله غير معتبرة، ولو قال المجنون : إن لله شريكًا فهل يحكم بكفره ؟ لا، طيب هل يلحق بالمجنون من زال عقله بسبب ؟ نقول : إن كان السبب غير محرم فإنه يلحق بالمجنون ولا يترتب على أقواله شيء، كما لو بنّج على وجه حلال أو أصيب بحادث فاختل عقله أو ما أشبه ذلك أو كان مريضًا مرضًا شديدًا وصار يخرف فإنه لا عبرة بقوله، لأنه لا يعي ما يقول وأما إذا كان بسبب محرم كما لو شرب مسكرًا فهل تعتبر أقواله ؟ في هذا خلاف بين العلماء مثاله : رجل سكر والعياذ بالله فطلق زوجته قال : زوجتي طالق فهل تطلق ؟ نعم في هذا خلاف من العلماء من قال : إنها لا تطلق، ومنهم من قال: إنها تطلق، فأما من قال : إنها تطلق فحجته أن هذا الرجل الذي لا يعي ما يقول إنما فعل ذلك باختياره فيعاقب بما تكلم به كما عاقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من طلق ثلاثًا بمنعه من الرجوع على زوجته لأن الطلاق الثلاث محرم، ومن العلماء من يقول : إن طلاق السكران لا يقع لأنه لا يدري ما يقول وقد صرح الله عز وجل بأن السكران لا يعلم ما يقول فقال تعالى : (( يا أيُّها الَّذين آمنوا لا تقربوا الصَّلاة وأنتم سكارى حتَّى تعلموا ما تقولون )) ومن المعلوم أن من طلق بلا علم ولا وعي كيف نلزمه بالطلاق وهو لا يعي ولا يدري ما يقول ؟ وهذا هو الصحيح وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طلاق في إغلاق ) لأن السكران مغلق عليه، وقد صح ذلك أيضًا عن الخلفاء الراشدين أنه لا طلاق على السكران، وقولهم : إننا نلزمه بالطلاق عقوبة له كما ألزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المطلق ثلاثًا بعدم الرجوع إلى زوجته عقوبة له، نقول : الفرق بينهما ظاهر، لأن شارب الخمر لم يشرب ليطلق بخلاف الذي قال : إنها طالق ثلاثًا فإنه طلق ثلاثًا من أجل أن تبين منه من أجل أن تبين منه فعوقب بما قصد، وأما السكران فإنه لم يسكر ليطلق فصار بينهما فرق، وأيضًا عقوبة السكران ثبتت في السنة وذلك بالجلد، فإذا زدنا على تلك العقوبة فهذا فيه نوع من تعدي حدود الله عز وجل، لا سيما على القول بأن عقوبة شارب الخمر من باب إيش ؟ من باب الحدود، فالصواب أن طلاق السكران لا يقع كسائر أقواله.
بقي علينا : ماذا نقول في أفعال السكران في أفعال المجنون في أفعال المجنون هل تعتبر أو لا تعتبر ؟ الجواب : تعتبر ولكن ذلك في حق العباد لا في حق الله تعتبر في حق العباد لا في حق الله انتبهوا لهذا الشرط، فمثلًا لو أتلف شيئًا أتلف مالًا لشخص هل نضمنه ؟ نضمنه نعم لأن هذا حق آدمي وإتلاف مال الآدمي يستوي فيه العامد وغير العامد فنضمنه، ولو قتل صيدًا في الحرم هل نضمنه ؟
الطالب : لا نضمنه .
الشيخ : لماذا ؟ لأن هذا حق لله فصارت أفعال المجنون تنقسم إلى قسمين الأول : ما يتعلق بحق العباد فهذا يضمن إياه، وما يتعلق بحق الله فإنه لا يضمن لأنه رفع القلم عنه.
هنا بحث آخر : هل يضمن حق الآدمي كما يضمن العاقل ؟ الجواب : لا، لكنه يضمن حق الآدمي كما يضمن المخطئ مثال ذلك : لو أن هذا المجنون تعمد قتل إنسان عمدًا فهل يقتص منه يعني هل يقتل المجنون ؟ لا، لأن فعله عن غير قصد فهو كفعل العاقل المخطئ فكما أن العاقل إذا رمى صيدًا فأصاب إنسانًا فإنه لا يقتص منه، فكذلك المجنون إذا قتل إنسانًا فإنه لا يقتص منه، لأنه لا يتصور منه العمد فيعامل معاملة إيش ؟ المخطئ يعامل معاملة المخطئ هل يلحق بذلك السكران بمعنى أن السكران لو قتل إنسانا فإنه لا يقتص منه ؟ نعم هذا نعم هذا إن سكر ليقتل فلا شك أنه يقتل، إن سكر ليقتل يعني إنسان قال : أنا لا سبيل لي إلى قتل فلان إلا إذا سكر والعياذ بالله، فسكر ليتوصل إلى قتله فهنا لا شك أنه يقتل، لأن السبب محرم والمباشرة محرمة، وأما إذا سكر لا ليقتل ولكن حصل منه الفعل ففي تضمينه نظر أي : ففي القصاص منه نظر وذلك لأنه إيش ؟ غير عامد غير عامد والقصاص لا بد فيه من العمد.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز التوكيل في إقامة الحد أي : أنه يجوز للإمام وهو ذو السلطة العليا للدولة أن يوكل من ينفذ عنه إقامة الحد من قوله : ( اذهبوا به فارجموه ).
ومن فوائد هذا الحديث : جواز توجيه الخطاب إلى العموم لقوله : ( اذهبوا به ) ولم يعين شخصًا، وإذا كان كذلك فإن إقامة الحد تكون من باب فرض العين ولا الكفاية ؟ الكفاية نعم طيب في بقية الحديث التي لم يسقها المؤلف رحمه الله أخذ بعض العلماء من الحديث أنه يجوز رجوع المقر في الحد، يعني لو أقر الإنسان بالزنا وثبت عليه ثبوتًا شرعيًّا بإقراره سواء قلنا : إن المرة تكفي أو الأربع ثم رجع عن الإقرار فهل يقام عليه الحد ؟ قال : بعض العلماء لا يقام عليه الحد استدلالًا بحديث ماعز لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ؟ ) وقال بعض العلماء : إنه لا يقبل رجوعه عن الإقرار ولا سيما إذا احتفت به قرائن، لأن ماعزًا رضي الله عنه لم يرجع لكنه هرب، بخلاف الراجع فإن الراجع في الحقيقة متلاعب متلاعب بالأحكام الشرعية ومتلاعب بالحكام مرة يقر ومرة ينكر الإقرار ويرجع عن إقراره، ثم إنه إذا احتفت به القرائن لا يتجه إطلاقًا القول بجواز الرجوع أو بقبول الرجوع إذا احتفت به القرائن، مثال ذلك : رجل أقر على نفسه بالزنا فقلنا : كيف ؟ قال : أخذت بنتًا من بيتها الفلاني في الزقاق الفلاني وركبت أنا وهي سيارة وذهبنا إلى مكان ما وعينه وفعلت بها الفاحشة ثم رددتها وكان ذلك في الليلة الفلانية من الشهر الفلاني نعم ثم أرانا الأثر ثم رجع وقال : أنا رجعت عن إقراري هل يمكن أن تأتي الشريعة الحكيمة بقبول رجوع مثل هذا ؟ أبدًا لا يمكن أما نعم لو كان مجرد إقرار بأن قال : إنه زنى فهذا ربما يكون أقر بسبب ضغط عليه أو حياء أو خجل بأن يكون شهده أناس فرأى من نفسه أنه لا بد أن يقر فأقر ولولا هذا لم يقر هذا ربما نقول بقبول رجوعه مع أن في النفس منه شيء في القلب من ذلك شيئًا، أما إذا صرح في إقراره بالزنا وذكر القرائن التي تشهد لما صنع ثم نقول : يرجع استدلالًا بحديث ماعز فهذا بعيد جدا وحديث ماعز ليس فيه الرجوع بل فيه الإقرار لكنه هرب من أجل أن الحجارة أذلقته ويتوب فيتوب الله عليه نعم .