فوائد حديث : ( عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه خطب فقال : إن الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه كتاب ... ). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث فوائد جمة منها : أن عادة السلف أن الذي يتولى خطبة الجمعة هو الإمام أي : الخليفة وهو كذلك، ولهذا قال العلماء رحمهم الله : إن الذي يتولى إمامة الجمعة وخطبتها وإمامة العيدين هو الإمام نفسه، لأنه إمام فيؤم الناس في المجامع الكبيرة العامة.
ومنها : أن الله تعالى بعث محمدًا بالحق وأن دينه ليس فيه شيء من الباطل لقوله رضي الله عنه : ( إن الله بعث محمدًا بالحق ).
ومنها : فضيلة عمر حيث أعلن هذا الإعلان المبني الذي هو أساس التوحيد، أو بالأصح هو أساس الشهادة بالرسالة أن الله بعثه بالحق.
ومن فوائد هذا الحديث : أن القرآن كلام الله لقوله : ( أنزل عليه الكتاب ) والكتاب قول والقول لا بد له من قائل، وإذا كان نازلًا من عند الله صار هو القائل.
ومن فوائده : إثبات علو الله لقوله : ( أنزل عليه الكتاب ).
ومن فوائد هذا الحديث : أن آية الرجم كانت من القرآن ولكنها نسخت لقوله : ( وكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم ) فنسخت لفظًا وبقي العمل بها حكمًا، فإن قال قائل : هل يمكن أن نستنبط من ذلك لذلك حكمة ؟ قلنا : نعم يمكن وهي تميز هذه الأمة وتمام انقيادها لشريعة الله، فإن الأمة الإسلامية تطبق الحكم الشرعي وإن لم يكن موجودًا لفظًا في الكتاب، بينما بنو إسرائيل لم يطبقوا الحكم الشرعي مع أنه موجود في كتابهم، هذا والله أعلم هو الحكمة أن الله رفعها لفظًا وأبقى حكمها ليتبين بذلك فضيلة هذه الأمة وتميزها عن بني إسرائيل، وللأمة والحمد لله فضائل كثيرة من أبرزها ما مر علينا في قصة أصحاب السبت الذين حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فجعلوا حيلة لصيدها بأن يضعوا شباكًا يوم الجمعة ويأخذوا الحوت يوم الأحد هذه الأمة ابتليت بشيء قريب من ذلك كما قال تعالى : (( يا أيُّها الَّذين آمنوا ليبلونَّكم اللَّه بشيءٍ من الصَّيد تناله أيديكم ورماحكم )) يعني وهم محرمون فهل أحد منهم أخذ صيدة واحدة ؟ لا، مع تيسر ذلك لهم لكن تركوه.
ومن فوائد هذا الحديث : تأكيد عمر رضي الله عنه بأن هذه الآية نزلت في القرآن لقوله : ( قرأناها ووعيناها وعقلناها ).
ومن فوائد هذا الحديث : أن هذه الآية أو أن هذا الحكم لم ينسخ لقوله : ( رجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجمنا بعده ) ومعلوم أن بقاء الحكم إلى ما بعد وفاة الرسول دليل على أنه ثابت لم ينسخ نعم.
ومن فوائد هذا الحديث : وقوع ما توقعه عمر حيث قال : (أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ) بل قالوا أشد من ذلك قالوا : إن إقامة الحدود وحشية ولا يجوز أن نقيم الحدود، وقالوا : إنا إذا قطعنا يد السارق لزم أن يكون نصف الشعب أشل مشوه نعم فنقول لهم : أقررتم الآن على أنفسكم بأن نصف شعبكم حرامية سراق ؟ نعم ونقول لكم : لو أنكم قطعتم يد السارق لنقص العدد إلى الربع، وإذا قطعتم الثاني نقص إلى الثمن ثم لا يزال يتناقص حتى لا يوجد أحد يسرق نعم، وكذلك أيضًا الرجم يقولون : وحشية كيف نقيم رجلًا إنسانًا ونرجمه بالحجارة ؟! إذا كان ولا بد فلنقتله ولا نرجمه فيقال : أنتم أرحم أم الله ؟ لا يستطيعون أن يقولوا : نحن أرحم، لكن ربما يقولون قولًا غير سديد بأن هذا كان في زمن غير زمننا الآن زمننا الآن زمن الحضارة التي هي خسارة في الحقيقة ما هي حضارة، زمن الحضارة وزمن الإنسانية أما في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فالناس رعاة إبل وبدو وما أشبه ذلك، فنقول لهم : إذًا كفرتم بالإسلام إذا ادعيتم أن الإسلام لا يصلح إلا في وقت معين وأنه في هذا الوقت غير صالح فهذا هو الكفر بعينه وحينئذ لا جدال معكم.
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب إقامة الحدود لقوله : ( بترك فريضة ) فصرح رضي الله عنه أن إقامة الحد فريضة حتى في الرجم وهو كذلك، انظر إلى آية السرقة : (( والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من اللَّه واللَّه عزيزٌ حكيمٌ )) وقال : (( الزَّانية والزَّاني فاجلدوا كلَّ واحدةٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين اللَّه إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر )) إذًا أمر (( فاجلدوا )) وتهديد (( لا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين اللَّه إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر )) (( والَّذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً )) إذًا الحدود من فرائض الله، ويجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحدود على الصغير والكبير والشريف والوضيع بشرط أن يكون الصغير قد بلغ، لأن من دون البلوغ لا يقام عليه الحد.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الرجم حق وليس بباطل لقوله : ( وإن الرجم حق في كتاب الله ) خلافًا لهؤلاء الخلف الخالفون المخالفون الذين يقولون : إن الرجم همجية ووحشية والعياذ بالله.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا يثبت الحد أعني حد الرجم إلا بشرط الإحصان الزنا من محصن لقوله رضي الله عنه : ( على من زنى إذا أحصن ) فإن كان غير محصن فإنه لا يرجم ولكنه يجلد مائة جلدة ويغرب سنة طيب.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الزنا يثبت بواحد من طرق ثلاثة : البينة، الحمل، الاعتراف، أما البينة فلا بد أن يشهد أربعة رجال عدول على فعل واحد، فإن شهد اثنان على أنه زنى بالأمس واثنان على أنه زنى اليوم فإن الشهادة لا تكمل، ويحد كل واحد منهم ثمانين جلدة، كذلك أيضًا لو قالوا : نعم هو زنى اليوم ولكن شاهدين قالا : إنه زنى في البيت رقم واحد وشاهدان قالوا : زنى في البيت رقم اثنين فهل تكمل الشهادة ؟ لا، لا تكمل طيب فإن قال اثنان : زنى في الحجرة وقال اثنان : زنى في الصالة لا تكمل طيب ألا يمكن أن يتدحرج الفاعلان إلى الصالة ؟ هذا بعيد لكن في حجرة واحدة عين اثنان ربعة والآخرون ربعة أخرى يمكن أن تكمل لأن هذا شيء قريب طيب، فإن قال أحد الشهود الأربعة : أنا رأيته عليها ورأيت حركة تدل على الجماع لكنني لا أشهد أن ذكره في فرجها والثلاثة قالوا : نشهد أن ذكره في فرجها لا تكمل، ويسلم الرابع ويجلد الثلاثة الرابع يسلم لأنه لم يصرح بالزنا، والثلاثة يجلدون لأنهم صرحوا بالزنا طيب أو كان الحبل هذا الطريق الثاني لثبوت الزنا : الحبل الحمل لكن يشترط أن يكون ممن ليس لها زوج ولا سيد، فإن كان لها زوج فإنه لا يمكن أن يقام عليها حد الزنا بالحمل لماذا ؟ لاحتمال أن يكون من زوجها، وكذلك لو كان لها سيد فإنه لا يقام عليها حد الزنا لأن الاحتمال أن يكون السيد قد جامعها والسيد تحل له مملوكته، فإن ادعت شبهة وقالت : إن هذا الحمل من زنا ولكنني مكرهة، فإنه لا يقام عليها الحد لاحتمال إيش ؟ لاحتمال صدقها، وكذلك لو ادعت أن أحدا زنا بها وهي نائمة ولم تعلم فإنه لا يقام عليها الحد لوجود الشبهة طيب.
أو الاعتراف أي اعتراف كان ؟ نقول : أو الاعتراف وأطلق أمير المؤمنين عمر فيحتمل أن تكون أل لبيان الحقيقة أو للعهد والأصح أنها لبيان الحقيقة وأنه لا يشترط تكرير الاعتراف، بل إذا اعترفت بل إذا اعترف الزاني مرة واحدة فإنه يقام عليه الحد وقد عرفتم الجواب عن قصة ماعز رضي الله عنه.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا مانع من أن تتضمن خطبة الجمعة المسائل الفقهية ولاسيما المسائل الكبيرة العظيمة التي يحتاج الناس إليها، وأنه لا يشترط أن تكون الخطبة خطبة وعظ فقط بل حسب ما تقتضيه الحال، قد تقتضي الحال أن تكون الخطبة خطبة وعظ، وقد تقتضي الحال أن تكون الخطبة بيان الأحكام .