وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت : يا نبي الله ، أصبت حدا ، فأقمه علي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها . فقال :( أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ) ، ففعل . فأمر بها فشكت عليها ثيابها . ثم أمر بها فرجمت . ثم صلى عليها ، فقال عمر : أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال : ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟ ) . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه ( أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي حبلى من الزنى ).
قوله : ( وهي حبلى من الزنا ) الجملة هنا في محل نصب على الحال من فاعل أتت ( وهي حبلى من الزنا فقالت : يا نبي الله أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت : يا نبي الله أصبت حدًّا ، فأقمه علي ) ( أصبت حدًّا ) أي : أصبت ما يوجب الحد ولهذا قالت : ( أقمه علي ) وإطلاق المسبب على السبب كثير كما في قوله تعالى : (( وينزِّل لكم من السَّماء رزقًا )) فالذي ينزل من السماء هو المطر يكون به الرزق تقول : ( أصبت حدًّا فأقمه علي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها ) يعني من يتولى أمرها من أب أو زوج أو غير ذلك فقال : ( أحسن إليها ) أحسن إليها بالقول والفعل، أما بالقول فلا تخجلها ولا تثرب عليها ولا تبد لها تسخطًا مما وقع منها، لأن هذه المرأة جاءت تائبة، وأما بالفعل فلا تقصر عليها بالنفقة من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك.
( فإذا وضعت فائتني بها ) ففعل يعني أحسن إليها حتى وضعت ثم أتى بها ( فأمر بها ) أي فاعل فعل الولي، وفاعل فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( فشكت عليها ثيابها ) شكت يعني شدت عليها ثيابها، وذلك لئلا تنكشف إذا أحست بألم الحجارة.
( ثم أمر بها فرجمت ) يعني بعد أن شكت ثيابها أمر بها فرجمت أي : رجمت بالحجارة على ما سيأتي وصفها.
( ثم صلى عليها ) الفاعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عمر : ( أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ ) الاستفهام هنا يحتمل أنه للاستعلام ويحتمل أنه للاستنكار، ولكن الاحتمال الثاني باطل لأن عمر لا يمكن أن يستفهم هذا الاستفهام منكرًا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما يريد الاستفهام، ولكن يؤيد الاحتمال الثاني قوله : ( وهل وجدت ) نعم قال : ( قد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت ؟ ) إلى آخره مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهم من عمر أنه استنكر هذه الصلاة فقال : ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ) توبة نكرة لكنها للتعظيم، ولهذا وصفت بعد ذلك بقوله : ( لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة ) فما هي التوبة ؟ هي الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته ( وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟ ) يعني هل وجدت شيئًا أفضل من هذا امرأة جاءت وهي تعلم أنها سترجم وتفقد الحياة، ولكنها جادت بنفسها وسهل عليها بذل النفس لله عز وجل هذا من أفضل المقامات، ولهذا صلى عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .