فوائد حديث : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد أولًا :جوب اجتناب المعاصي لقوله : ( اجتنبوا هذه القاذورات ) وتأكيد ذلك يستقبح كالزنا واللواط وشرب الخمر وما أشبه ذلك لقوله إيش ؟ ( القاذورات ).
ومن فوائده : إرشاد من ألم بشيء منها أن يستتر ويتوب إلى الله لقوله : ( فمن ألم بها فليستتر بستر الله ) ونحن نقول : إرشاد ولا نقول : وجوب لأنه لو كان واجبًا لمنع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إقرار الذين أقروا عنده بالزنا وقال لهم : استتروا ولا تقروا، لكن هذا من باب الإرشاد أن الإنسان يستتر بستر الله وربما يكون الآن غضبان على نفسه، لكن فيما بعد تطمئن نفسه ويتوب إلى الله وتصلح حاله.
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب التوبة من أين تؤخذ ؟ من قوله : ( وليتب ) ولعل قائلًا يقول : كيف تقول في اللام في قوله : ( فليستتر ) أنها للإرشاد والاستحباب وتقول في قوله : ( فليتب ) إنها للوجوب وهل هذا إلا تفريق بين كلمتين في نص على نسق واحد ؟ الجواب : نعم هو كذلك، لكن التفريق ليس مبنيًّا أو مأخوذًا من هذا الحديث وإنما هو من أدلة أخرى من أدلة أخرى، فالتوبة من الذنب واجبة بالنص والإجماع (( وتوبوا إلى الله جميعًا أيُّه المؤمنون لعلَّكم تفلحون )) فالتوبة واجبة بالإجماع وعلى هذا فقوله : ( فليتب ) هذا الأمر للوجوب طيب.
ومن فوائد هذا الحديث : أن من أقر عند الحاكم بذنب وجب على الحاكم أن يقيم عليه ما يستحقه بهذا الذنب لقوله في الحديث : (فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ).
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يربط الوقائع والأحكام بكتاب الله حتى يألف الناس الرجوع إلى كتاب الله عز وجل، فإن لم يكن في كتاب الله فليربطهم بالسنة ولا مانع أن يضم إلى ذلك الدليل العقلي الذي نسميه الدليل النظري، لأن الدليل العقلي حجة على الشاك بالأدلة الشرعية وزيادة طمأنينة فيمن آمن بالنصوص الشرعية، وكثير من الناس لا يقبل الحكم الشرعي ولو قيل له : قال الله ورسوله إلا إذا قيل : بأنه كذا وكذا ثم ذكر له التعليل ولاسيما إذا كان ناقص الإيمان، ولهذا نحث إخواننا طلبة العلم ألا يهدروا الدلالة العقلية مطلقًا وألا يعتمدوا عليها مطلقًا بل يجمعوا بينها وبين النصوص الشرعية التي تسمى الأدلة السمعية ويركز عليها مع الخصم الذي لا يقر بالأدلة السمعية، ولهذا نجد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يضرب الأمثلة العقلية لإقرار المنكرين مدلول خطاب الشرع مثلًا الذين أنكروا إحياء الموتى ضرب الله أمثلة عقلية حسية بل عقلية وحسية ضرب أمثلة عقلية وحسية أما العقلية فقال : (( وهو الذي يبدأ الخلق ثمَّ يعيده وهو )) إيش ؟ (( وهو أهون عليه )) هذا دليل عقلي، لأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، وأما الحسية فالله تعالى يضرب مثلًا بالأرض هامدة فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت قال الله تعالى : (( إنَّ الذي أحياها لمحي الموتى إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ )) فالحاصل لا تغفلوا الأدلة العقلية مطلقًا ولا تعتمدوا عليها مطلقًا وتهدروا الأدلة السمعية، نجد الذين اعتمدوا على الأدلة العقلية ضلوا مثل المعطلة وأصحاب الرأي والفلاسفة عاد وحدث ولا حرج نعم مثلًا يجوز أن تزوج المرأة العاقلة الرشيدة نفسها كما يجوز أن تبيع مالها تزويج المرأة نفسها قياس على تجويز بيع مالها هذا دليل عقلي قياس كله عقلي، لكن هذا مصادم للنص فضل الذين قالوا بذلك لاعتمادهم على العقل دون الرجوع إلى السمع، ونجد مثلًا الذين أنكروا صفات الله عز وجل اعتمدوا على إيش ؟ على العقول وهي في الحقيقة ما هي عقل هي أوهام أوهام ما هي حقيقة، يتوهمون من كذا وكذا وكذا مما يجعلهم ينكرون، فالحاصل أنك لا تهمل الأدلة العقلية ولا تعتمد على الأدلة السمعية دون النظر إلى الأدلة العقلية، مثلًا أهل الظاهر يقابلون أهل الرأي، أهل الظاهر اعتمدوا على ظواهر النصوص ولم يرجعوا إلى العقل إطلاقًا حتى إنهم من جمودهم على الظاهر قالوا : إن الإنسان لو ضحى بثنية من الضأن لم تقبل أضحيته ولو ضحى بجذعة قبلت أضحيته أيهما أولى بالقبول ؟ الثنية نعم لكن قالوا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ) عرفتم؟ طيب هذا احتمل جمود على ظاهر بعيد من العقل وقالوا : إن الرجل إذا جاء لابنته البكر وقال : يا بنية إن فلانًا خطبك فقالت : نعم الرجل فلانًا ديانة وأخلاق وعلم ومال وشجاعة أنا لا أطلب إلا مثل هذا الرجل فزوجنيه قالوا : لا نزوجها نعم لأن الرسول قال : إذنها وهي بكر أن تسكت إذنها أن تسكت، أما إذا صرحت قالت : أبي هذا الرجل ما يصلح فلا نزوجها إذًا ماذا أصنع معها ؟ أعيد عليها الاستئذان وأقول : اسكتي فإذا أعدنا عليها الاستئذان وسكتت حينئذ نزوجها فأقول : إن الجمود على الظاهر دون أن يعرف مغزى الشريعة وأسرارها وحكمها هذا أيضًا خطأ .