وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ليس على خائن ، ولا مختلس ، ولا منتهب قطعٌ ) . رواه أحمد والأربعة ، وصححه الترمذي وابن حبان . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع ) رواه أحمد والأربعة ، وصححه الترمذي وابن حبان ".
هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله بعد العارية لأحد احتمالين : إما أنه يريد أن يضعف الوجه الثاني في " صحيح مسلم " وهو أن هذه المرأة قطعت يدها لجحدها العارية، وإما أنه يريد الفرق بين جحد العارية وهذه الصور الأربع، الخائن ثلاثة خائن مختلس منتهب -حطوا بالكم يا جماعة- المؤلف رحمه الله جاء بهذا الحديث لأحد احتمالين إما أنه يريد إضعاف الوجه الثاني الذي رواه مسلم كما ضعفه بعضهم بهذا، وإما أن يريد بيان الفرق بين جحد العارية وبين المسائل الثلاثة، وهذا هو الأقرب وهذا هو الأقرب.
فلنرجع إلى الحديث ( ليس على خائن ) الخائن : هو الذي يغدر بك عند الائتمان هذا الخائن، من غدر بك في موضع الائتمان فهو خائن، ومن غدر بك في غير موضع الائتمان فليس بخائن عرفتم؟ ولهذا صارت الخديعة مما يحمد به الإنسان في بعض الأحيان ويذم عليها في بعض الأحيان، وأما الخيانة فهي مذمومة بكل حال، وانظر إلى قول الله تعالى : (( إنَّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم )) فذكر أن الله خادعهم لأن الخديعة هي المكر في غير موضع الائتمان، وانظر إلى الخيانة فقد قال الله تعالى نعم نعم : (( وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم )) ولم يقل : فخانهم والفرق ظاهر أن الخيانة غدر في موضع الائتمان، وأما الخديعة فهي الغدر بالإنسان في غير موضع الائتمان، ولهذا جاء في الحديث : ( الحرب خدعة ) ( الحرب خدعة ) ويذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراد أن يبارز عمرو بن ود فخرج إليه عمرو وخرج علي فصاح بن عمرو علي فصاح به علي وقال : ما خرجت لأبارز رجلين فظن عمرو أن وراءه أحد فالتفت فماذا صنع به علي ؟ ضربه عنقه ضرب عنقه الخديعة هنا في محلها ولا في غير محلها ؟ في محلها تمامًا لأن هذا الرجل جاء ليقتله فغره وخدعه بهذه الخديعة حتى قتله، فالحاصل : أن الخائن من هو ؟ الغادر في محل الائتمان ولهذا جاء في الحديث : ( لا تخن من خانك ) ( لا تخن من خانك ) حتى من جحد مالك وعندك له مال فلا تخته، مثال الخائن الخائن في الوديعة ائتمنته على وديعة فخان هذا خائن.
الثاني : مختلس المختلس : هو الذي يخطف الشيء ويمر به وإن شئت فقل : هو الذي يتحين غفلتك حتى يعني يأخذ ما أراد، وهنا يكثر في السراق يكثر في السراق يجي اثنين إلى الدكان ويقول أحدهم لصاحب الدكان : كم هذا ؟ كم هذا ؟ فيتكلم معه بالمماكسة والثاني يسرق ويمشي هذا نسميه نعم مختلس مختلس، ويذكر أن رجلين في بلد عربي من السراق رأيا يهوديًّا قبل مسألة فلسطين فقال أحدهما للآخر : سنوقع هذا اليهودي قال : طيب ماذا نعمل ؟ قال : تقدم أنت ومعه بوك تعرفون البوك ؟ الذي تحفظ فيه الدراهم قال : روح قدامه وارم بالبوك، وعلى كل حال جرت العادة أن الإنسان إذا سقط بوك إنسان أمامه يقول : يا فلان خذ بوكك وخل فيه دينار ونبي ندعي فيه مائة دينار عرفتم؟ تقدم الرجل ورمى بالبوك وأخذه هذا اليهودي فقال : خذ بوكك قال له : إنك لأمين وأثنى عليه خيرًا وفتح البوك وقال : لكن كيف البوك فيه مائة دينار والآن ما فيه إلا دينار وشلون تأخذ انزعج الرجل فقال : أبد ما أخذت شيء فأمسكه الثاني اللي وراه قال : لا أنا أشهد أن البوك هذا فيه مائة دينار السارق الثاني نعم المهم حصل نزاع بينهم فذهبوا إلى القاضي تخاصموا، طبعًا الرجلان مدعيان واليهودي منكر ورأى القاضي أن اليهودي صادق لأنه أقسم إقسامات عظيمة لا يقسم بها اليهودي إلا وهو صادق، فقال القاضي : أروني البوك أروني البوك قال : هذا البوك ... ما فيه إلا دينار قال : طيب إذًا البوك الذي سقط منك غير هذا روح دور عرفتم ولا لا؟ ها؟ هذا ما هو لك هذا ما هو لك ما دام تقول : بوكك فيه مائة دينار هذا فيه دينار واحد راح دور بوكك فسقط في أيديهم وخسروا بوكهم ودعواهم، على كل حال أن قصدي إن السراق لهم طرق منها الاختلاس.
الثاني : المنتهب المنتهب هو الذي يأخذ الشئ على وجه الغنيمة يعني بدون مخادعة لصاحبه هذا منتهب، والمراد يعني يؤخذ من هذا الحديث : أن السرقة لا بد أن تكون من حرز لا بالمخادعة بل محرزة، فيأتي السارق ويكسر الحرز ويسرق المال وهذا هو الراجح من أقوال العلماء، وإن كان أهل الظاهر رحمهم الله لا يرون اشتراط الحرز لكن الصحيح أنه يشترط، وسيأتي إن شاء الله في قصة صفوان في قصة ردائه ما يدفع به حجة أهل الظاهر.
إذًا نقول : الخائن في جميع الأمانات لا تقطع يده إلا في العارية، المختلس والمنتهب لا تقطع يده لأنه لم يسرق من حرز ويدل لاشتراط الحرز ما سيأتي أيضًا .