فوائد حديث : ( أبي أمية المخزومي - رضي الله تعالى عنه - قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص قد اعترف اعترافا ، ولم يوجد معه متاع ... ). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث : دليل على أن حد السرقة يثبت بالاعتراف أي بالإقرار، وهذا هذا يعتبر فردًا من قاعدة جاءت في كتاب الله وهي قوله تعالى : (( يا أيها الَّذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم )) فقوله : (( ولو على أنفسكم )) هذا هو الإقرار أن يشهد الإنسان على نفسه بما فعل، واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط تكرار الإقرار أو لا ؟ فقيل : إنه يشترط وذلك لأن السرقة لا تثبت على القاعدة المعروفة عند أكثر العلماء إلا بشاهدين عدلين، فلا تثبت بشاهد واليمين ولا بشهادة امرأتين ولا بشهادة رجل وامرأتين، إلا أنه إذا أتى المسروق منه بشهادة رجل وامرأتين ثبت ماله دون القطع، وذلك لأن الحدود على قاعدة هؤلاء العلماء الحدود لا تثبت بشهادة النساء يختص بالشهادة فيها الرجل فقط.
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يشترط تكرار الإقرار وأن الإنسان إذا اعترف وهو بالغ عاقل مختار ولو مرة واحدة ثبت الحكم، وهذا القول هو القول الراجح وقد سبق لنا هذا البحث في الإقرار بالزنا، وبينا أن الصواب أنه إذا أعترف الإنسان وهو بالغ عاقل مختار ثبت مقتضى إقراره.
ومن فوائد هذا الحديث : التعريض للمقر بالرجوع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ما إخالك سرقت ) أي : ما أظنك وهذا تعريض له بالرجوع يعني ليقول : نعم أنا على ما ظننت يا رسول الله.
واختلف العلماء في هذه المسألة هل يسن للحاكم أن يعرض بالرجوع عن الإقرار أو لا ؟ فمن العلماء من قال : إنه يسن أن يعرض بالرجوع عن الإقرار وأنه إذا رجع عن إقراره ارتفع عنه الحد، لأن هذا هو فائدة التعبير بالرجوع عن الإقرار، وقال بعض العلماء : لا يسن ذلك وهذا هو الصحيح أنه لا يسن إلا إذا كان هناك أحوال تقتضي أن يعرض له بذلك كهذا الحديث، لأن هذا الحديث اعترف الرجل بأنه سارق، لكن لم يوجد معه متاع فيخشى أن يكون هذا الرجل ظن أن السرقة تثبت بكل قليل وكثير تثبت بكل قليل وكثير أو أن السرقة تثبت بما دون ذلك، ومن المعلوم أن من السراق من يسرق ويعترف ويقول : هذا سرقته من البيت الفلاني من الحرز فهل يمكن مثل هذا أن نعرض له بالرجوع ؟ لا لا نعرض له بالرجوع ثم ينبني على القول بالتعريض بالرجوع لو رجع المقر فهل يقبل رجوعه يعني بعد أن أقر بالسرقة رجع فهل نقبل رجوعه أو لا نقبل ؟ اختلف العلماء في ذلك أيضًا فمنهم من قال : إنه لا يقبل رجوعه مطلقًا لأنه شهد على نفسه، ولو أننا قلنا بقبول رجوع المقر بما يقتضي الحد لم يثبت حد في الدنيا كيف ؟ لأن كل واحد يمكنه أن يرجع يمكنه أن يرجع ويسلم من الحد، والاستدلال بقصة ماعز رضي الله عنه لا وجه له لأن ماعزًا لم يرجع عن إقراره لم يكذب نفسه، لكن هرب ليتوب وفرق بين من يرجع بإقرار ويكذب نفسه ويلعب بالحكام وبين إنسان ما زال على إقراره لكنه هرب ليتوب فيما بينه وبين الله، فالاستدلال ليس بوجيه لكن هذا الحديث قد يؤخذ منه أن الإنسان إذا رجع عن إقراره قبل، لكن هذا إذا لم يكن هناك قرينة أو قرائن تقتضي تكذيب رجوعه، فمثلًا لو أن السارق أقر بالسرقة وقال : سرقت المال الفلاني ووصفه كمًّا ونوعًا وقال : سرقته من المكان الفلاني ووصف المكان بأنه حرز ووجد نفس المتاع الذي وصفه عنده فهل بعد ذلك يمكن أن تقول : بقبول رجوعه عن إقراره ؟ أبدًا لا يمكن وإن كان بعض العلماء يقول : يمكن لأنه لعله اشتراه لعله وهب له كيف اشتراه ووهب له وهو يقر ويصف لما السرقة هذا لا يمكن أن يقبل رجوعه عن إقراره لأن القرائن إيش ؟ تكذب رجوعه وتمنع قبول رجوعه، وعلى هذا فيكون القول الراجح الوسط في هذا إذا وجدت قرائن تشهد بأن رجوعه ليس بصحيح فإن رجوعه لا يقبل، وإن لم توجد فإنه يقبل رجوعه لكن لو رأى الحاكم أن يعزره بما يقتضي ألا يتلاعب بالحكام فله ذلك، لأن القضية سوف تعرض ويكون لها جلسة عند القاضي ومحضر وكتابة وبعد هذا كله يقول : والله أنا أكذب أقررت بالسرقة ولكني أكذب أبى أشوف ويش عندك نعم ولما علمت أن السكينة الباترة مهيأة لقطع يدي فأنا أكذب هذا، ربما نقبل رجوعه إذا لم يكن هناك قرينة تكذبه، وأما مع وجود القرينة فلا وجه لقبول رجوعه ولا يمكن أن يكون هذا القول عمليًّا في أحوال الناس لاسيما مع كثرة السرقات.
وفي هذا الحديث : حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث إنه أعاد عليه هذا القول عدة مرات، لأن حاله تقتضي ألا يكون سرق وذلك لعدم وجود متاع معه.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يطلب من الإنسان بعد إقامة الحد أن يستغفر الله ويتوب إليه يعني ينبغي للقاضي أن يقول : استغفر الله وتب إليه لجواز أن يعود مرة أخرى إلى الذنب، فإن قال قائل : أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الحدود كفارة للمعاصي ؟ فالجواب : بلى ثبت ذلك لكن هنا مما يزيد توبة الله عليه ثم إنها كفارة لما مضى، والاستغفار والتوبة عما مضى وعما يستقبل لأن من تمام التوبة بل من شروط التوبة أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان إذا أمر شخصًا بالاستغفار والتوبة من أي ذنب كان أن يشرح صدره له أن يشرح صدره له وأن يشرح صدر التائب فيدعو له بالتوبة ويقول : اللهم اغفر له اللهم تب عليه، لأن هذا مما ينشطه على الاستمرار في توبته.
وفي رواية الحاكم قال : ( اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ) الحسم بمعنى القطع لكن القطع هنا غير القطع الذي سبقه فإن قوله : ( فاقطعوه ) أي : فاقطعوا يده ( احسموه ) اقطعوا الدم اقطعوا نزيف الدم، قال العلماء : وكيفية الحسم أن يغلى الزيت بالنار ثم يغمس طرف الذراع في الزيت وهو يغلي لأن هذا يسد أفواه العروق، إذ لو بقيت أفواه العروق مفتوحة لنزف الدم ومات، فيستفاد من هذا الحديث : وجوب حسمه أي : يد السارق، ولكن إذا قال قائل : هل يتعين الطريق الذي ذكره العلماء بأن يغلى الزيت ثم يغمس فيه طرف الذراع ؟ الجواب : لا، لا يتعين هذا إذا وجد طريقة أخرى يمكن بها الحسم وهي أهون من هذا فإن الواجب اتباعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) فإذا وجد طريق للحسم أهون من هذا الطريق وجب اتباعه، فإن قيل : هل يجوز أن يبنج محل القطع حتى لا يحس به المقطوع ؟ فالجواب : نعم يجوز ذلك لأن المقصود هو إتلاف اليد وهو حاصل سواء بنج أم لم يبنج، فإن قال قائل : يرد عليكم أنه يجوز لمن أريد جلده أن يبنج قلنا : لا لا يرد هذا لأن المقصود بالجلد هو الإيلام ولا يحصل بالبنج، أما المقصود بقطع اليد فهو إتلاف اليد وهو حاصل بالبنج، فإن قال قائل : فهل تعدون ذلك إلى اليد المقطوعة قصاصًا ؟ فالجواب: لا اليد المقطوعة قصاصًا لا يجوز أن تبنج لأننا لو بنجناه لم يتم القصاص لو بنجناها لم يتم القصاص، إذ إن قطع المعتدي ليد المعتدى عليه حصل به الإتلاف والإيلام فإذا بنج لم يتم القصاص، ما الذي يفوت من القصاص ؟ الإيلام وهذه مسائل ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها لأن بعض الناس قد يقول : اليد باليد حصل قطعنا يد القاطع كما قطع هو يد المقطوع قلنا : لكن الله تعالى يقول : (( والجروح قصاص )) الجروح قصاص فلا بد من أن يذوق هذا ألم الجرح كما ذاقه المعتدى عليه، فإن قال قائل : الحسم يحتاج إلى نفقة الحسم يحتاج إلى نفقة الزيت له قيمة غليه له قيمة وما يقوم مقام الزيت له قيمة فعلى من تكون أعلى الذي أقيم عليه الحد أم في بيت المال ؟ قلنا : بالثاني تكون في بيت المال لأن إقامة الحدود من واجبات ولي الأمر، وعلى هذا فتكون في بيت المال، فإن قيل : لماذا لا تكون على ولي الأمر ؟ قلنا : لأن هذا ليس لمصلحة خاصة بل لمصلحة عامة فيكون في بيت المال الذي هو عام للمسلمين.
ويستفاد من الحديث : اطمئنان الصحابة رضي الله عنهم على إقامة الحدود وانشراح صدورهم لها، فهذا الرجل الذي قطعت يده ثم حسمت إذا تأملت القصة وجدت أنه طيب النفس منشرح لم يتضجر ولم يظهر السخط مما وقع، وذلك لأن قطعه كان بأمر من ؟ بأمر الله ورسوله (( وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) والإنسان المؤمن حقًّا يجري أمر الله ورسوله على نفسه وإن كان في ذلك مرارة، لأنه يرى أن امتثال أمر الله خير من المرارة التي يحس بها .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يشترط تكرار الإقرار وأن الإنسان إذا اعترف وهو بالغ عاقل مختار ولو مرة واحدة ثبت الحكم، وهذا القول هو القول الراجح وقد سبق لنا هذا البحث في الإقرار بالزنا، وبينا أن الصواب أنه إذا أعترف الإنسان وهو بالغ عاقل مختار ثبت مقتضى إقراره.
ومن فوائد هذا الحديث : التعريض للمقر بالرجوع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ما إخالك سرقت ) أي : ما أظنك وهذا تعريض له بالرجوع يعني ليقول : نعم أنا على ما ظننت يا رسول الله.
واختلف العلماء في هذه المسألة هل يسن للحاكم أن يعرض بالرجوع عن الإقرار أو لا ؟ فمن العلماء من قال : إنه يسن أن يعرض بالرجوع عن الإقرار وأنه إذا رجع عن إقراره ارتفع عنه الحد، لأن هذا هو فائدة التعبير بالرجوع عن الإقرار، وقال بعض العلماء : لا يسن ذلك وهذا هو الصحيح أنه لا يسن إلا إذا كان هناك أحوال تقتضي أن يعرض له بذلك كهذا الحديث، لأن هذا الحديث اعترف الرجل بأنه سارق، لكن لم يوجد معه متاع فيخشى أن يكون هذا الرجل ظن أن السرقة تثبت بكل قليل وكثير تثبت بكل قليل وكثير أو أن السرقة تثبت بما دون ذلك، ومن المعلوم أن من السراق من يسرق ويعترف ويقول : هذا سرقته من البيت الفلاني من الحرز فهل يمكن مثل هذا أن نعرض له بالرجوع ؟ لا لا نعرض له بالرجوع ثم ينبني على القول بالتعريض بالرجوع لو رجع المقر فهل يقبل رجوعه يعني بعد أن أقر بالسرقة رجع فهل نقبل رجوعه أو لا نقبل ؟ اختلف العلماء في ذلك أيضًا فمنهم من قال : إنه لا يقبل رجوعه مطلقًا لأنه شهد على نفسه، ولو أننا قلنا بقبول رجوع المقر بما يقتضي الحد لم يثبت حد في الدنيا كيف ؟ لأن كل واحد يمكنه أن يرجع يمكنه أن يرجع ويسلم من الحد، والاستدلال بقصة ماعز رضي الله عنه لا وجه له لأن ماعزًا لم يرجع عن إقراره لم يكذب نفسه، لكن هرب ليتوب وفرق بين من يرجع بإقرار ويكذب نفسه ويلعب بالحكام وبين إنسان ما زال على إقراره لكنه هرب ليتوب فيما بينه وبين الله، فالاستدلال ليس بوجيه لكن هذا الحديث قد يؤخذ منه أن الإنسان إذا رجع عن إقراره قبل، لكن هذا إذا لم يكن هناك قرينة أو قرائن تقتضي تكذيب رجوعه، فمثلًا لو أن السارق أقر بالسرقة وقال : سرقت المال الفلاني ووصفه كمًّا ونوعًا وقال : سرقته من المكان الفلاني ووصف المكان بأنه حرز ووجد نفس المتاع الذي وصفه عنده فهل بعد ذلك يمكن أن تقول : بقبول رجوعه عن إقراره ؟ أبدًا لا يمكن وإن كان بعض العلماء يقول : يمكن لأنه لعله اشتراه لعله وهب له كيف اشتراه ووهب له وهو يقر ويصف لما السرقة هذا لا يمكن أن يقبل رجوعه عن إقراره لأن القرائن إيش ؟ تكذب رجوعه وتمنع قبول رجوعه، وعلى هذا فيكون القول الراجح الوسط في هذا إذا وجدت قرائن تشهد بأن رجوعه ليس بصحيح فإن رجوعه لا يقبل، وإن لم توجد فإنه يقبل رجوعه لكن لو رأى الحاكم أن يعزره بما يقتضي ألا يتلاعب بالحكام فله ذلك، لأن القضية سوف تعرض ويكون لها جلسة عند القاضي ومحضر وكتابة وبعد هذا كله يقول : والله أنا أكذب أقررت بالسرقة ولكني أكذب أبى أشوف ويش عندك نعم ولما علمت أن السكينة الباترة مهيأة لقطع يدي فأنا أكذب هذا، ربما نقبل رجوعه إذا لم يكن هناك قرينة تكذبه، وأما مع وجود القرينة فلا وجه لقبول رجوعه ولا يمكن أن يكون هذا القول عمليًّا في أحوال الناس لاسيما مع كثرة السرقات.
وفي هذا الحديث : حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث إنه أعاد عليه هذا القول عدة مرات، لأن حاله تقتضي ألا يكون سرق وذلك لعدم وجود متاع معه.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه يطلب من الإنسان بعد إقامة الحد أن يستغفر الله ويتوب إليه يعني ينبغي للقاضي أن يقول : استغفر الله وتب إليه لجواز أن يعود مرة أخرى إلى الذنب، فإن قال قائل : أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الحدود كفارة للمعاصي ؟ فالجواب : بلى ثبت ذلك لكن هنا مما يزيد توبة الله عليه ثم إنها كفارة لما مضى، والاستغفار والتوبة عما مضى وعما يستقبل لأن من تمام التوبة بل من شروط التوبة أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان إذا أمر شخصًا بالاستغفار والتوبة من أي ذنب كان أن يشرح صدره له أن يشرح صدره له وأن يشرح صدر التائب فيدعو له بالتوبة ويقول : اللهم اغفر له اللهم تب عليه، لأن هذا مما ينشطه على الاستمرار في توبته.
وفي رواية الحاكم قال : ( اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ) الحسم بمعنى القطع لكن القطع هنا غير القطع الذي سبقه فإن قوله : ( فاقطعوه ) أي : فاقطعوا يده ( احسموه ) اقطعوا الدم اقطعوا نزيف الدم، قال العلماء : وكيفية الحسم أن يغلى الزيت بالنار ثم يغمس طرف الذراع في الزيت وهو يغلي لأن هذا يسد أفواه العروق، إذ لو بقيت أفواه العروق مفتوحة لنزف الدم ومات، فيستفاد من هذا الحديث : وجوب حسمه أي : يد السارق، ولكن إذا قال قائل : هل يتعين الطريق الذي ذكره العلماء بأن يغلى الزيت ثم يغمس فيه طرف الذراع ؟ الجواب : لا، لا يتعين هذا إذا وجد طريقة أخرى يمكن بها الحسم وهي أهون من هذا فإن الواجب اتباعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) فإذا وجد طريق للحسم أهون من هذا الطريق وجب اتباعه، فإن قيل : هل يجوز أن يبنج محل القطع حتى لا يحس به المقطوع ؟ فالجواب : نعم يجوز ذلك لأن المقصود هو إتلاف اليد وهو حاصل سواء بنج أم لم يبنج، فإن قال قائل : يرد عليكم أنه يجوز لمن أريد جلده أن يبنج قلنا : لا لا يرد هذا لأن المقصود بالجلد هو الإيلام ولا يحصل بالبنج، أما المقصود بقطع اليد فهو إتلاف اليد وهو حاصل بالبنج، فإن قال قائل : فهل تعدون ذلك إلى اليد المقطوعة قصاصًا ؟ فالجواب: لا اليد المقطوعة قصاصًا لا يجوز أن تبنج لأننا لو بنجناه لم يتم القصاص لو بنجناها لم يتم القصاص، إذ إن قطع المعتدي ليد المعتدى عليه حصل به الإتلاف والإيلام فإذا بنج لم يتم القصاص، ما الذي يفوت من القصاص ؟ الإيلام وهذه مسائل ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها لأن بعض الناس قد يقول : اليد باليد حصل قطعنا يد القاطع كما قطع هو يد المقطوع قلنا : لكن الله تعالى يقول : (( والجروح قصاص )) الجروح قصاص فلا بد من أن يذوق هذا ألم الجرح كما ذاقه المعتدى عليه، فإن قال قائل : الحسم يحتاج إلى نفقة الحسم يحتاج إلى نفقة الزيت له قيمة غليه له قيمة وما يقوم مقام الزيت له قيمة فعلى من تكون أعلى الذي أقيم عليه الحد أم في بيت المال ؟ قلنا : بالثاني تكون في بيت المال لأن إقامة الحدود من واجبات ولي الأمر، وعلى هذا فتكون في بيت المال، فإن قيل : لماذا لا تكون على ولي الأمر ؟ قلنا : لأن هذا ليس لمصلحة خاصة بل لمصلحة عامة فيكون في بيت المال الذي هو عام للمسلمين.
ويستفاد من الحديث : اطمئنان الصحابة رضي الله عنهم على إقامة الحدود وانشراح صدورهم لها، فهذا الرجل الذي قطعت يده ثم حسمت إذا تأملت القصة وجدت أنه طيب النفس منشرح لم يتضجر ولم يظهر السخط مما وقع، وذلك لأن قطعه كان بأمر من ؟ بأمر الله ورسوله (( وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) والإنسان المؤمن حقًّا يجري أمر الله ورسوله على نفسه وإن كان في ذلك مرارة، لأنه يرى أن امتثال أمر الله خير من المرارة التي يحس بها .