تتمة فوائد حديث : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ... ). حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث :
أولا : ذكر الخَصم ما يبرر خصومته ويرجح جانبه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرها .
ومن فوائده : أنه لا يُذم السجع إذا كان بحق ، لأن هذه المرأة سجعت : وعاء سقاء حواء ، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنكر على حَمَل بن النباغة حين قال : ( كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يُطل ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : إنما هذا من إخوان الكهان ) : من أجل سجعه ، وهنا لم يقل هذه المرأة من إخوان الكهان والفرق ظاهر ، لأن هذه المرأة تطالب بحق ، وذاك يريد أن يبطل حقا ، فلهذا لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فدل هذا على جواز السجع إذا لم يتوصل به إلى إبطال حق أو إحقاق باطل .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز مخاصمة الزوجين بعضهما لبعض ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُنكر على هذه المرأة ، هذا إذا كانت المسألة من باب الخصومة ، أما إذا كان من باب الاستفتاء كما استفتت هند بنت عتبة في شأنها مع زوجها أبي سفيان ، فإنه لا يدل على ذلك ، ولكن لو سُئلنا : هل يجوز للمرأة أن تطالب زوجها أو الزوج أن يطالب امرأته بحق ؟
فالجواب : نعم يجوز ذلك ، لأنه لا يُمنع أحد من طلب حقه ، إنما الذي يمنع مطالبة الابن أو البنت أباهما فإنه لا يجوز لهما مطالبته ، لأن له أن يتملك من مالهما ما شاء إلا في حال واحدة استثناها العلماء ، وهي : النفقة الواجبة ، فإن النفقة الواجبة للولد ذكرا كان أو أنثى أن يطالب أباه بها ، لأن هذه لحفظ النفس ، وحفظ النفس ضرورة .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : أن الأم مقدمة على الأب في الحضانة ، إلا إذا تزوجت لقوله : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) .
ومن فوئد الحديث : الإشارة إلى أن أهم مقصود في الحضانة هي رعاية الطفل لقوله : ( ما لم تنكحي ) ، لأن الحكمة من سقوط حضانتها بنكاحها انشغالها بالزوج وضيق الزوج ذرعا بالولد .
ومن فوائد هذا الحديث : أن حضانتها تسقط ولو رضي الزوج بذلك ، أي بحضانتها ، بأن شُرط عليه أن تبقى حضانتها لولدها من الزوج السابق فرضي فإنها ليست أحق به لعموم قوله : ( ما لم تُنكحي ) ، أو ( ما لم تَنكحي ) ، ولأن الزوج ربما يرضى عن إكراه في أول الأمر ثم تختلف الحال .
ومن فوائد الحديث : أن ظاهره أنه لا فرق بين أن تتزوج بزوج قريب من المحضون ، أو بعيد منه ، وجهه ؟ العموم ، ( ما لم تنكحي ) ، لكن سيأتينا في حديث البراء بن عازب ما يخالف ذلك ويأتي الكلام عليه إن شاء الله . فإذا قال قائل : هل هناك من ضابط يضبط من يُقدم في الحضانة ؟
نقول : نعم ، ذكر العلماء ضوابط لكن اختلفوا واضطربوا فيها اضطرابا كثيرا وذلك لأنه ليس هناك دليل يفصل تفصيلا واضحاً ، وأحسن ما ما ذُكر في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورأيه يتلخص في البيتين الآتيين :
" وقدمِ الأقربَ ثم الأنثى *** وإن يكونا ذكرًا وأنثى
فأقرِعن في جهة وقدمِ *** أبوة إن "

نسيت آخر البيت من يحفظه منكم ؟
" إن لجهات تنتمي " ، " أبوة إن لجهات تنتمي " .
قوله : " وقدم الأقرب " : يعني لو اجتمعت جدة وأب فهنا يقدم الأب ، لأنه أقرب ، أُم وجدة ؟ الأم ، لأنها أقرب .
" ثم الأنثى " : إذا كانا سواء في القرب فقدم الأنثى ، فأم وأب ؟ الأم ، جد وجدة ؟ الجدة ، خال وخالة ؟ الخالة ، عم وعمة ؟ العمة وهلم جرا .
ووجه ذلك : القياس على الأب والأم ، حيث قضى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه للأم مع نزاع الأب ، لأنهما في القرب سواء ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأنثى ، ولأن الأنثى في الغالب أشد شفقة وحناناً من الذكر .
" وإن يكونا ذكرا أو أنثى " : يعني أن يكون اثنين ذكور ، اثنين إناث ، " فأقرعن في جهة " : أقرع بين الذكرين أو بين الأنثيين إذا كانا في جهة ، مثاله : عمَّان ، تنازعا في حضانة ابن أخيهما ، فمن يقدم ؟ يقرع بينهما ، يقرع بينهما . عمتان تنازعتا في حضانة ابن أخيهما ! ماذا نعمل ؟ نُقرع لأنه لا فضل لواحد على الآخر ، والقرعة تعين المبهم .
فإن قال قائل : القرعة مبنية على الحظ والنصيب وهذا غرر ميسر ، فكيف تجوز القرعة ؟
قلنا : تجوز بالنص والنظر ، بالأثر والنظر : ففي كتاب الله عز وجل قصتان أُقرع فيهما ، القصة الأولى : (( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفُل مريم )) : تنازعوا في كفالة مريم واقترعوا .
والقصة الثانية يونس : (( فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم )) .
أما في السنة فوردت في عدة أشياء ، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) ، ومنها : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ) .
وأما النظر فلأن الذين أقرعنا بينهم قد تساووا في الحقوق بدون مرجح ، ولا يمكن الجمع ، يعني لا يمكن أن نجعل هؤلاء في هذا الحق الواحد ، لأنه لا يمكن أن يكون إلا لواحد منهم ، فاستعمال القرعة خير من كون الشيء معلقا ، فيكون القرعة قد دل عليها الأثر والنظر ، إذًا إذا اجتمع حاضنان أو وليان في الحضانة وتنازعا فإنه يُقرع بينهما إذا كانا في جهة واحدة وكانا من جنس واحد إما ذكرين وإما أنثيين .
" وقدمِ أبوة إن لجهات تنتمي " : يعني إذا تساووا وهم في جهات ، فقدم جهة الأب ، لأن الأصل أن الانتماء للأب .
مثال ذلك : عمة وخالة ، عمة وخالة في جهتين ، وكلاهما أنثى ، أو كلتاهما أنثى ، فمن نُقدم الخالة أم العمة ؟ نقدم العمة ، لأنها من جهة الأب ، وهذا الضابط هو أحسن ما قيل في ضوابط الحضانة .
ولكن لا بد أن نلاحظ شرطا مهما وهو / مراعاة مصلحة المحضون ، فلو كان الأحق يضيع المحضون ، والمحقوق أشد مراعاة وتربية من الأحق ، فإنا نقدم المحقوق ، لأن المقصود بذلك رعاية الطفل .
ويستفاد من هذا الحديث : ( ما لم تنكحي ) أنها إذا نكحت انتقلت الحضانة إلى الأب ، ولكن هذا ما لم يكن انتقال الحضانة إلى الأب سببا لإضاعة الطفل ، مثل أن يجعله الأب عند ضرة أمه ، عند ضرة أمه التي تزوجت ، ومعروف ما بين الضرتين من الغيرة التي قد تؤدي إلى البغضاء ، وحينئذ لا تقوم زوجة أبيه بمصالحه ، فمثل هذا لا يجوز أن نعطيه الأب حتى وإن تزوجت الأم بل تكون الأم أحق ، فإن خفنا أن تضيعه أيضًا انتقلت الحضانة إلى ما بعدهما ، لأنه لا يجوز إقرار المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه طيب ، نعم ؟
الطالب : ... .
الشيخ : السؤال بعدين ، فنحن نقول : إذا كان يلزم من رده إلى أبيه بنكاح أمه أن يضيع الولد ، وألا يتربى ، فإنها تنتقل الحضانة من الأب إلى الأم إذا كان يمكن أن تقوم بواجب الحضانة أو إلى من سواها .