فوائد حديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ... ). حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث : أنه إذا تنازع ثلاثة في طفل سواء كان غلاماً أو أَمَة ، إذا تنازعوا في طفل فإنه يقدم من هو أحق ، ولكنه يُشكل على هذا أن الخالة الآن متزوجة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للأم وهي أدنى من الخالة وأقرب إلى المحضون قال : ( أنت أحق ما لم تُنكحي ) فكيف الجواب ؟
الجواب أن هذا ليس فيه منازع ، وذلك لأن علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ليسا معهما أم ، يعني امرأة تقوم مقام الأم ، وإلا فإن علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب متساويان في القرب من هذه البنت ، فلما كان جانب هذا أرجح وليس في جانب الآخر ما يرجحه قضي به بذلك ، وقيل : بل العلة شيء آخر ، وهي أنه : إذا كان الزوج أجنبياً من المحضون فإن حضانة أمه تسقط ، وأما إذا كان قريباً فإنها لا تسقط ، ومن المعلوم أن جعفر بن أبي طالب قريب من بنت حمزة بن عبد المطلب ، وهذا هو الذي مشى عليه فقهاؤنا -رحمهم الله- وقالوا : " إن نكاح الأم أو الأنثى التي لها حق الحضانة لا يسقط حضانتها إذا كان الزوج من أقارب المحضون " ، وقال بعض أهل العلم : " إن العلة في النكاح ليس مجرد النكاح بل عدم رضا الزوج الذي تزوج الأم " ، أو بعبارة أعم الذي تزوج الحاضنة ، فإذا كان الزوج راضيًا بذلك بل مطالبًا به ، فإن حق الأم أو المرأة ، أو بعبارة أعم فإن حق المرأة التي لها الحضانة لا يسقط ، وعلى هذا يكون المراعى حق مَن ؟ حق الزوج ، فإذا رضي بذلك فلا بأس ، وعلى الوجه الثاني يكون المراعى حق المحضون إن كان الزوج قريباً منه فالحضانة باقية ، وإن كان غير قريب فإن الحضانة تسقط ، والقولان الأخيران كلاهما في الميزان سواء ، وذلك أن الزوج الجديد إذا رضي بأن تبقى بنت زوجته التي لها حضانتها ، إذا رضي أن تبقى وعُلم أن الرجل ثقة وأمين فينبغي ألا يسقط حق الأم ، لأن بقاء الطفلة أو الطفل مع أمه في هذه الحال أقرب إلى مصلحته مما لو كان عند أبيه وجعله الأب عند ضرة أمه التي فارقها ، فإن الأمر يكون صعباً .
وعلى هذا فنختار أحد الوجهين : إما أن نقول : إذا تزوجت من لها الحضانة بزوج أجنبي من المحضون سقطت حَضانتها ، أو نقول : وإن تزوجت بقريب فإنها لا تسقط ، أو نقول : إذا تزوجت من لها الحضانة بزوج لا يختار أن يكون مع زوجته أحد ، فإن الحضانة تسقط ، وإن اختار ورضي بل طالب فإن الحضانة لا تسقط ، لأنه في هذه الحال لن يضيع المحضون .
وعلى كل قول من هذين القولين مشى طائفة مِن العلماء .
وأما القول بتقديم حديث البراء بن عازب على ما سبق لأنه في * الصحيحين * بل أخرجه البخاري ، فيكون أصح ، فنقول : لا ، لا صحة لهذا القول ، لأن من العلماء من قال : " إن حقها لا يسقط بالنكاح مطلقا ، واستدل بحديث البراء " ، ولكننا نقول : لا نعدل إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع ، أما إذا أمكن الجمع بأحد الوجهين السابقين فإنه لا حاجة للترجيح .
في هذا الحديث فوائد :
من فوائده : عَدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فمن المعلوم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الثلاثة ، لكن لعدله عليه الصلاة والسلام قضى بما يقتضيه العدل .
ومن فوائد الحديث : تقديم الأنثى على الذكر في الحضانة إذا كانوا في منزلة واحدة ، وقد سبق ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رجح جانب جعفر لكون خالتها معه ، ولم يراع الأفضلية ولم يقرع بين علي وجعفر لتساويهما في القرابة ، بل رجح جانب الخالة .
ومن فوائد الحديث : أن الخالة بمنزلة الأم ، فهل هذا عام في كل شيء أو هو عام أريد به الخاص ؟ أي : أن الخالة بمنزلة الأم في الحضانة فقط ؟
الثاني هو المتفق عليه ، والأول فيه نزاع : القول بأنها بمنزلة الأم في كل شيء : فمن يرى أن ذوي الأرحام يرثون ، قال : الخالة بمنزلة الأم في الحضانة والميراث ، ومن رأى أنهم لا يرثون قال : الخالة بمنزلة الأم في الحضانة فقط .