تتمة شرح حديث :( ... وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبعٍ من أصابع اليد والرجل عشرٌ من الإبل، وفي السن خمسٌ من الإبل، وفي الموضحة خمسٌ من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف ). حفظ
الشيخ : بقيّة حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يقول: ( وفي المأمومة ثلث الدية ) :
المأمومة هي: الشّجّة التي تصل إلى أمّ الدّماغ، والشّجّة قال العلماء: لا تكون إلاّ في الوجه والرّأس فقط، وما عدا ذلك يسمّى جرحا.
فإذا جرحه في السّاق، أو في الفخذ، أو في البطن، أو في الظّهر فهذا جرح، أمّا إذا كان في الرّأس أو الوجه فإنّها تسمّى شَجّة، ولها مراتب عند العرب:
أولها الموضحة وستأتي، المأمومة هي: التي تصل إلى أمّ الدّماغ، الدّماغ بإذن الله في كيس، إذا جرحه حتى كسر العظم ونفذت الجناية إلى هذا الكيس الذي فيه الدّماغ فهذه تسمّى مأمومة، فجاء في الحديث فيها ثلث الدّية، كم من بعير؟
الطالب : ثلاثة وثلاثين .
الشيخ : ثلاثة وثلاثون بعيرا، وثلث بعير، ثلث البعير لا يتبعّض فيؤخذ من الدّراهم.
( وفي الجائفة ثلث الدّية ) الجائفة هي: التي تصل إلى باطن الجوف، كما لو جرح إنسانا في بطنه حتى شقّ بطنه ووصل إلى جوفه ففيها أيضًا ثلث الدّية، وكلّ هذا ما لم يصل إلى الموت، إن وصل إلى الموت فإنّه يكون فيه الدّية كاملة، لكن الكلام في هذه الجناية إذا برأ منها، إذا برأ منها ولم يتسبّب بشيء من المضاعفات كالدّماغ مثلا لو أنّه أوصله إلى أن يكون فيه هلوسة، أو أنّه لا يحفظ، أو ما أشبه ذلك فهذا يجعل له شيء آخر.
لكن مجرّد المأمومة إذا وصلت إلى أمّ الدّماغ وبقي الإنسان سليما، فإنّه فيها ثلث الدّية وفي الجائفة ثلث الدّية.
( وفي المنقّلة خمس عشرة من الإبل ) : خمس عشرة هذه مركّب مبني على الفتح ، وإلاّ فهي مبتدأ مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.
المنقّلة هي: الشّجّة التي تكسر العظم وتنقله إلى داخله، مثلا ضربه بحجر أو بسيخ أو ما أشبه ذلك حتى انكسر العظم ونزل من مكانه، انتقل من مكانه هذه تسمّى منقّلة، فيها خمس عشرة من الإبل، فعندنا الآن المأمومة والمنقّلة وسيأتي الموضحة إن شاء الله.
الطالب : الجائفة .
الشيخ : لا، الجائفة ما هي في الرأس، الجائفة في البطن، ما يصل إلى باطن الجوف، كلامنا على الذي في الرّأس.
يقول: ( وفي كلّ أصبع من أصابع اليد والرجل عشرٌ من الإبل ) : في كلّ أصبع عشر من الإبل، الإصبع من أوسع الكلمات في اللّغة، يجوز فيه عشر لغات، مجموعة في هذا البيت:
" وهمزَ أنملة ثلّث وثالثه *** التسع في أصبع واختم بأصبوع "
: عشر لغات، يعني معناه الهمزة مثلّثة، والثالث منه وهي الباء مثلّثة، فإذا ضربنا ثلاثة في ثلاثة تسعة، والعاشرة أصبوع، ما شاء الله الآن ما أحد يغلط في إصبع إلاّ في الإعراب، الإعراب ربما يخطئ فيه لكن في التّصريف ما يخطئ فيه أحدا، إذا فتحنا الهمزة جاز في الباء؟
الطالب : ثلاثة أوجه.
الشيخ : ثلاثة أوجه، وإذا كسرناها جاز في الباء ثلاثة أوجه، هذه ستّة، وإذا ضممناها؟ جاز في الباء ثلاثة أوجه فهذه تسعة، والعاشر أصبوع، همزة أنملة مثلها، أَنْمُلة فيه تسع لغات، أَنْمُلة، أَنْمَلة إلى آخره، افتح الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات، اكسر الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات هذه ستّة، ضمّ الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات هذه تسع.
طيب المهم الأصبع في كلّ أصبع من أصابع اليد والرّجل عشر من الإبل، وحينئذ نعرف أنّ الدّية ليست مقدّرة بالنّفع، ولو كانت مقدّرة بالنّفع لكان نفع الإبهام من اليد، بل لكان نفع الخنصر من الرّجل لا يساوي شيئا بالنّسبة لنفع الإبهام مِن اليد، الخنصر من الرّجل الآن فيه كما في الإبهام مِن اليد، والانتفاع بكلّ واحد منهما بينهما شيء كثير، لكن الدّيات ليست مبنية على النّفع، ولهذا يستوي الرّجل المجنون البذيء بالعاقل حسن الأخلاق، الكريم بماله، النافع بعلمه، يستويان في الدّية، يعني لو قتل خطأ شخصا مجنونا لاستراح النّاس بقتله إيّاه، وقتل خطأ رجلا عالما غنيّا سخيّا لكانت الدّية واحدة.
ولهذا تجدون أنّ الأصابع المنافع فيها مختلفة أليس كذلك؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ومع ذلك ديتها واحدة.
قال: ( وفي السن خمسٌ من الإبل ) : كلّ سنّ فيه خمس من الإبل ولو اختلف في المنافع، ومعلوم أنّ الأسنان تختلف منافعها لا من حيث الجمال، ولا من حيث المضغ عليها، فإنّها تختلف اختلافا عظيما ومع ذلك في كلّ واحد خمس من الإبل.
الأضراس والثّنايا كلّها واحدة، مع الفرق العظيم بين الأضراس والثّنايا في الجمال وفي المضغ، فيحصل بالثّنايا من الجمال ما لا يحصل بالأضراس، لو أنّ الإنسان ليس له أضراس ولكن الثّنايا والرّباعيّات والأنياب سليمة ما يهمّه، يكون فمه جميلا، لكن لو كسرت الثنيّتان والرّباعيّتان فإنّه يشوّه ولو كان عنده من الأضراس ما يكفيه، على كلّ حال في كلّ سنّ خمس من الإبل، فكم يكون في مجموع الأسنان عقيل؟
الطالب : كم سن ؟
الشيخ : ما تعرف أسنانك؟!
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : مئة وستين .
الشيخ : مائة وستين، لأنّ كلّ واحد فيه خمس من الإبل، ففيه مائة وستّون، وهذا هو ظاهر الحديث وأنّه لا فرق بين أن تكون الجناية على كلّ سنّ وحده، أو تكون جناية واحدة قضت على الأسنان كلّها .
وقال بعض العلماء : إنّه إذا كانت جناية واحدة قضت على الأسنان كلّها فإنّه ليس فيها إلاّ دية واحدة، يعني مائة من الإبل بدلا من مائة وستّين، لكن جمهور العلماء أخذوا بظاهر الحديث وعمومه: ( في كلّ سنّ خمس من الإبل ) .
طيب ( وفي السن خمسٌ من الإبل، وفي الموضحة خمسٌ من الإبل ) : الموضحة الشّجّة في الرّأس والوجه توضح العظم، ولو بقدر رأس الإبرة ، إذا أوضحت العظم فهذه موضحة وفيها خمس من الإبل، فحصل لنا الآن في الشّجاج ثلاثة أنواع ما هي؟
الطالب : المأمومة.
الشيخ : المأمومة، والمنقّلة، والموضحة، أوّلها: الموضحة فيها خمس من الإبل، يليها الهاشمة فيها عشر من الإبل، يليها الموضحة فيها ؟
الطالب : المنقلة .
الشيخ : المنقّلة نعم، يليها المنقّلة فيها خمس عشرة من الإبل، يليها المأمومة ثلث الدّية، يليها الدّامغة التي تخرق الجلدة، جلدة الدّماغ، فهذه فيها ثلث الدّية قطعا، لأنّه إذا كانت المأمومة في ثلث الدّية ففي الدّامغة؟
الطالب : من باب أولى.
الشيخ : من باب أولى، لكنّ بعض أهل العلم يقول: الدّامغة فيها ثلث الدّية وأرش للزّائد، لأنّ أنهى ما جاء به الحديث المأمومة وفيها ثلث الدّية وهذه زائدة على المأمومة فيكون فيها أرش، لكن ما هو الأرش؟
هل نجعل الأرش كالفرق بين الموضحة وبين الهاشمة وهي خمس من الإبل؟
أو الفرق بين المأمومة والمنقّلة؟ كم الفرق بينهما المأمومة والمنقّلة؟
الطالب : ثمانية عشر .
الشيخ : ثمانية عشر وثلث، الفرق، يحتمل هذا وهذا، وإنّما كان الفرق بين المنقّلة والمأمومة هذا الكثير دون المنقّلة والهاشمة، لأنّ المأمومة أخطر بكثير من إيش؟
من المنقّلة، المنقّلة يمكن هذه العظام التي نزلت من الجناية يمكن تنقل تردّ إلى مكانها، لكن المأمومة يقلّ من يحيا بعد إصابته بها.
فإذن خمس شجاج فيها مقدّر: الموضحة ثم الهاشمة ثمّ المنقّلة ثمّ المأمومة، ثمّ الدّامغة.
ما قبل ذلك ليس فيه شيء مقدّر، ما قبل ذلك مما فيه شجاج في الرّأس والوجه ليس فيه شيء مقدّر، وإنّما فيه الحكومة، أنتم معنا؟
يعني إنسان جنى على رأس شخص وفرى اللحم لكن لم يتبيّن العظم ما الذي يجري فيه؟
الطالب : حكومة .
الشيخ : حكومة، ما نعطيه خمس من الإبل، لأنّ الخمسة من الإبل إنما جعلها الشّرع في؟
الطالب : الموضحة.
الشيخ : في الموضحة، فما فوق الموضحة يعني ما دونها أي ما لم يصل إلى حدّ الموضحة ففيه حكومة، والحكومة كما أسلفنا : " أن يقدّر المجنيّ عليه كأنّه عبد سليم، ثمّ يقدّر وفيه هذه الإصابة ، فما بينهما من القيمة يعطى بقسطه من الدّية " ، ولكن لو فرض أنّ الحكومة في ما دون الموضحة وصلت إلى حدّ الموضحة أو أكثر، فإنّه لا يتجاوز فيها حدّ الموضحة، أنتم معنا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، هذا إنسان جُني عليه، فشُجّ رأسه حتى انفرى اللّحم، ووصل إلى القشرة الرّقيقة التي بين اللّحم وبين العظم، وتسمّى السمحاق، لكنّه لم يشقّ هذه القشرة الرّقيقة، فإذن لم يصل إلى حدّ إيش؟
الموضحة، ما الذي يجب؟ يجب حكومة نقول لأهل النّظر والمعرفة : قدّروا هذا المجنيّ عليه كأنّه عبد سليم، ثمّ قدّروه كأنّه عبد مصاب بهذه الجناية، قدّروه فوجدنا أنّ التّقدير يتضمّن أن يكون أرش الجناية خمسة من الإبل، فإنّنا لا نعتبر هذا، لا نعتبر هذا التّقدير، لماذا؟
لأنّ هذا ينافي النّصّ، النّصّ أثبت خمسة من الإبل في؟
الطالب : الموضحة.
الشيخ : في الموضحة، وهذا دون الموضحة ، فلا يمكن أن نلحق ما دون الشّيء الذي نصّ عليه الشارع بالشّيء الذي نصّ عليه، فيجب أن يقال: له خمس من الإبل إلاّ قليلا.
ونظير ذلك، لو أنّ رجلا فعل بالمرأة كلّ شيء إلاّ الجماع، وهي امرأة حرام عليه، امرأة أجنبية، وقُضي عليه بالتّعزير بمائة جلدة، نعم أو بأكثر، فإنّنا لا نقبل هذا التّعزير، لماذا؟
لأنّه إذا كان الشّرع جعل في الجماع مائة فلا بدّ أن يكون ما دونه أقل منه، لأنّ الشّرع أحكم منّا، طيب إذن الشّجاج التي فيها مقدّر خمس: الموضحة، ثمّ الهاشمة، ثمّ المنقّلة، ثمّ المأمومة، ثمّ الدّامغة، ففي الموضحة خمس من الإبل، وفي المنقّلة؟
الطالب : عشرة.
الشيخ : عشر .
الطالب : خمسة عشر .
الشيخ : المنقّلة؟
الطالب : خمسة عشر.
الشيخ : أيهما أعظم المهشّمة أو المنقّلة؟
الطالب : المنقلة .
الشيخ : طيب، إذن الهاشمة عشر من الإبل، المنقّلة؟
الطالب : خمس عشرة من الإبل.
الشيخ : خمس عشرة من الإبل، المأمومة ما تكون بهذه النّسبة، تكون يعني أعظم فيها ثلث الدّية، وفي الدّامغة ثلث الدّية، والصّحيح أنّ فيها ثلث الدّية وزيادة أرش.
قال: ( وإنَّ الرجل يقتل بالمرأة ) : والأحسن أن يقال: وأنّ الرّجل، أنّ الرّجل يقتل بالمرأة، وقد سبق الكلام فيه، وبيّنّا أن الأدلّة تدل على أنّ الرّجل يقتل بالمرأة دون أن يدفع أولياء المرأة الفرق بين دية الرّجل ودية المرأة.
( وعلى أهل الذهب ألف دينار ) : وكأنّ هذا الحديث يدلّ على أنّه إذا وجبت الدّية على أهل الإبل ففيها هذه من الإبل، وإذا وجبت على أهل الدّينار، على أهل الذّهب وهم التّجّار فالدّية ألف دينار، وبناء على ذلك تكون الدّية إمّا مائة بعير، وإمّا ألف دينار، على أهل الإبل مائة بعير، وعلى أهل الذّهب ألف دينار، وذلك من أجل التّسهيل على النّاس حتى لا يكلّف صاحب الذّهب بشراء الإبل، ولا يكلّف صاحب الإبل ببيعها بالذّهب حتى يسلّم الذّهب، فيكون هذا من باب التّخفيف، وأنتم تعلمون أنّ الغالب أنّ العاقلة هي التي تحمل الدّية، فناسب أن يخفّف عنها.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- هل الذهب والفضّة والبقر والغنم التي ورد في الحديث أنّها من الدّية هل هي أصول؟ أو أنّ الأصل الإبل وهذه مقوّمة؟
فقال بعض العلماء: الأصل الإبل، وليس الذّهب، ولا الفضّة، ولا البقر، ولا الغنم، فالأصل الإبل، وعلى هذا القول: إذا اختلفت القيم نرجع إلى إيش؟
الطالب : الإبل.
الشيخ : إلى الإبل، فلو كان ألف الدينار لا يأتي إلاّ بعشرين بعيرا فقط، فإنّنا نرجع إلى الإبل مائة بعير، ولو كان ألف الدّينار يأتي بخمسمائة بعير فإنّنا نرجع إلى إيش؟
إلى الإبل، وهذا القول هو الرّاجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والدّليل على هذا : أنّكم ترون أنّ الجروح التي هي دون النّفس قدّرها الشّرع بالإبل، فدلّ هذا على أنّ الأصل هو الإبل، وهذا الذي يُقضى به هنا في المملكة العربية السعودية أنّ الأصل الإبل، ولهذا يختلف تقدير الدّية من وقت إلى آخر.
كانت الدّية في الأوّل أربعمائة ريال فرنسي، ثمّ رفعت، ثمّ استقرّت الآن بإيش؟
بمائة ألف، وربّما تتغيّر، لكن لا يمكن كلّ سنة يغيّرونها، كلّما طال الزّمن واختلف السّعر اختلافا بيّنا غيّروا.
" أخرجه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبّان وأحمد واختلفوا في صحّته " : ولكنّ المحقّقين من أهل العلم قالوا: إنّ هذا الحديث صحيح، بقطع النّظر عن سنده، وذلك لأنّ الأمّة تناقلته وتلقّته بالقبول، ومثل هذا لا بدّ أن يكون صحيحًا، وعليه فيكون ما ذكر في هذا الحديث من تقدير الدّية يكون صحيحاً معمولًا به.
المأمومة هي: الشّجّة التي تصل إلى أمّ الدّماغ، والشّجّة قال العلماء: لا تكون إلاّ في الوجه والرّأس فقط، وما عدا ذلك يسمّى جرحا.
فإذا جرحه في السّاق، أو في الفخذ، أو في البطن، أو في الظّهر فهذا جرح، أمّا إذا كان في الرّأس أو الوجه فإنّها تسمّى شَجّة، ولها مراتب عند العرب:
أولها الموضحة وستأتي، المأمومة هي: التي تصل إلى أمّ الدّماغ، الدّماغ بإذن الله في كيس، إذا جرحه حتى كسر العظم ونفذت الجناية إلى هذا الكيس الذي فيه الدّماغ فهذه تسمّى مأمومة، فجاء في الحديث فيها ثلث الدّية، كم من بعير؟
الطالب : ثلاثة وثلاثين .
الشيخ : ثلاثة وثلاثون بعيرا، وثلث بعير، ثلث البعير لا يتبعّض فيؤخذ من الدّراهم.
( وفي الجائفة ثلث الدّية ) الجائفة هي: التي تصل إلى باطن الجوف، كما لو جرح إنسانا في بطنه حتى شقّ بطنه ووصل إلى جوفه ففيها أيضًا ثلث الدّية، وكلّ هذا ما لم يصل إلى الموت، إن وصل إلى الموت فإنّه يكون فيه الدّية كاملة، لكن الكلام في هذه الجناية إذا برأ منها، إذا برأ منها ولم يتسبّب بشيء من المضاعفات كالدّماغ مثلا لو أنّه أوصله إلى أن يكون فيه هلوسة، أو أنّه لا يحفظ، أو ما أشبه ذلك فهذا يجعل له شيء آخر.
لكن مجرّد المأمومة إذا وصلت إلى أمّ الدّماغ وبقي الإنسان سليما، فإنّه فيها ثلث الدّية وفي الجائفة ثلث الدّية.
( وفي المنقّلة خمس عشرة من الإبل ) : خمس عشرة هذه مركّب مبني على الفتح ، وإلاّ فهي مبتدأ مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.
المنقّلة هي: الشّجّة التي تكسر العظم وتنقله إلى داخله، مثلا ضربه بحجر أو بسيخ أو ما أشبه ذلك حتى انكسر العظم ونزل من مكانه، انتقل من مكانه هذه تسمّى منقّلة، فيها خمس عشرة من الإبل، فعندنا الآن المأمومة والمنقّلة وسيأتي الموضحة إن شاء الله.
الطالب : الجائفة .
الشيخ : لا، الجائفة ما هي في الرأس، الجائفة في البطن، ما يصل إلى باطن الجوف، كلامنا على الذي في الرّأس.
يقول: ( وفي كلّ أصبع من أصابع اليد والرجل عشرٌ من الإبل ) : في كلّ أصبع عشر من الإبل، الإصبع من أوسع الكلمات في اللّغة، يجوز فيه عشر لغات، مجموعة في هذا البيت:
" وهمزَ أنملة ثلّث وثالثه *** التسع في أصبع واختم بأصبوع "
: عشر لغات، يعني معناه الهمزة مثلّثة، والثالث منه وهي الباء مثلّثة، فإذا ضربنا ثلاثة في ثلاثة تسعة، والعاشرة أصبوع، ما شاء الله الآن ما أحد يغلط في إصبع إلاّ في الإعراب، الإعراب ربما يخطئ فيه لكن في التّصريف ما يخطئ فيه أحدا، إذا فتحنا الهمزة جاز في الباء؟
الطالب : ثلاثة أوجه.
الشيخ : ثلاثة أوجه، وإذا كسرناها جاز في الباء ثلاثة أوجه، هذه ستّة، وإذا ضممناها؟ جاز في الباء ثلاثة أوجه فهذه تسعة، والعاشر أصبوع، همزة أنملة مثلها، أَنْمُلة فيه تسع لغات، أَنْمُلة، أَنْمَلة إلى آخره، افتح الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات، اكسر الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات هذه ستّة، ضمّ الهمزة وحرّك الميم بثلاث حركات هذه تسع.
طيب المهم الأصبع في كلّ أصبع من أصابع اليد والرّجل عشر من الإبل، وحينئذ نعرف أنّ الدّية ليست مقدّرة بالنّفع، ولو كانت مقدّرة بالنّفع لكان نفع الإبهام من اليد، بل لكان نفع الخنصر من الرّجل لا يساوي شيئا بالنّسبة لنفع الإبهام مِن اليد، الخنصر من الرّجل الآن فيه كما في الإبهام مِن اليد، والانتفاع بكلّ واحد منهما بينهما شيء كثير، لكن الدّيات ليست مبنية على النّفع، ولهذا يستوي الرّجل المجنون البذيء بالعاقل حسن الأخلاق، الكريم بماله، النافع بعلمه، يستويان في الدّية، يعني لو قتل خطأ شخصا مجنونا لاستراح النّاس بقتله إيّاه، وقتل خطأ رجلا عالما غنيّا سخيّا لكانت الدّية واحدة.
ولهذا تجدون أنّ الأصابع المنافع فيها مختلفة أليس كذلك؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ومع ذلك ديتها واحدة.
قال: ( وفي السن خمسٌ من الإبل ) : كلّ سنّ فيه خمس من الإبل ولو اختلف في المنافع، ومعلوم أنّ الأسنان تختلف منافعها لا من حيث الجمال، ولا من حيث المضغ عليها، فإنّها تختلف اختلافا عظيما ومع ذلك في كلّ واحد خمس من الإبل.
الأضراس والثّنايا كلّها واحدة، مع الفرق العظيم بين الأضراس والثّنايا في الجمال وفي المضغ، فيحصل بالثّنايا من الجمال ما لا يحصل بالأضراس، لو أنّ الإنسان ليس له أضراس ولكن الثّنايا والرّباعيّات والأنياب سليمة ما يهمّه، يكون فمه جميلا، لكن لو كسرت الثنيّتان والرّباعيّتان فإنّه يشوّه ولو كان عنده من الأضراس ما يكفيه، على كلّ حال في كلّ سنّ خمس من الإبل، فكم يكون في مجموع الأسنان عقيل؟
الطالب : كم سن ؟
الشيخ : ما تعرف أسنانك؟!
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : مئة وستين .
الشيخ : مائة وستين، لأنّ كلّ واحد فيه خمس من الإبل، ففيه مائة وستّون، وهذا هو ظاهر الحديث وأنّه لا فرق بين أن تكون الجناية على كلّ سنّ وحده، أو تكون جناية واحدة قضت على الأسنان كلّها .
وقال بعض العلماء : إنّه إذا كانت جناية واحدة قضت على الأسنان كلّها فإنّه ليس فيها إلاّ دية واحدة، يعني مائة من الإبل بدلا من مائة وستّين، لكن جمهور العلماء أخذوا بظاهر الحديث وعمومه: ( في كلّ سنّ خمس من الإبل ) .
طيب ( وفي السن خمسٌ من الإبل، وفي الموضحة خمسٌ من الإبل ) : الموضحة الشّجّة في الرّأس والوجه توضح العظم، ولو بقدر رأس الإبرة ، إذا أوضحت العظم فهذه موضحة وفيها خمس من الإبل، فحصل لنا الآن في الشّجاج ثلاثة أنواع ما هي؟
الطالب : المأمومة.
الشيخ : المأمومة، والمنقّلة، والموضحة، أوّلها: الموضحة فيها خمس من الإبل، يليها الهاشمة فيها عشر من الإبل، يليها الموضحة فيها ؟
الطالب : المنقلة .
الشيخ : المنقّلة نعم، يليها المنقّلة فيها خمس عشرة من الإبل، يليها المأمومة ثلث الدّية، يليها الدّامغة التي تخرق الجلدة، جلدة الدّماغ، فهذه فيها ثلث الدّية قطعا، لأنّه إذا كانت المأمومة في ثلث الدّية ففي الدّامغة؟
الطالب : من باب أولى.
الشيخ : من باب أولى، لكنّ بعض أهل العلم يقول: الدّامغة فيها ثلث الدّية وأرش للزّائد، لأنّ أنهى ما جاء به الحديث المأمومة وفيها ثلث الدّية وهذه زائدة على المأمومة فيكون فيها أرش، لكن ما هو الأرش؟
هل نجعل الأرش كالفرق بين الموضحة وبين الهاشمة وهي خمس من الإبل؟
أو الفرق بين المأمومة والمنقّلة؟ كم الفرق بينهما المأمومة والمنقّلة؟
الطالب : ثمانية عشر .
الشيخ : ثمانية عشر وثلث، الفرق، يحتمل هذا وهذا، وإنّما كان الفرق بين المنقّلة والمأمومة هذا الكثير دون المنقّلة والهاشمة، لأنّ المأمومة أخطر بكثير من إيش؟
من المنقّلة، المنقّلة يمكن هذه العظام التي نزلت من الجناية يمكن تنقل تردّ إلى مكانها، لكن المأمومة يقلّ من يحيا بعد إصابته بها.
فإذن خمس شجاج فيها مقدّر: الموضحة ثم الهاشمة ثمّ المنقّلة ثمّ المأمومة، ثمّ الدّامغة.
ما قبل ذلك ليس فيه شيء مقدّر، ما قبل ذلك مما فيه شجاج في الرّأس والوجه ليس فيه شيء مقدّر، وإنّما فيه الحكومة، أنتم معنا؟
يعني إنسان جنى على رأس شخص وفرى اللحم لكن لم يتبيّن العظم ما الذي يجري فيه؟
الطالب : حكومة .
الشيخ : حكومة، ما نعطيه خمس من الإبل، لأنّ الخمسة من الإبل إنما جعلها الشّرع في؟
الطالب : الموضحة.
الشيخ : في الموضحة، فما فوق الموضحة يعني ما دونها أي ما لم يصل إلى حدّ الموضحة ففيه حكومة، والحكومة كما أسلفنا : " أن يقدّر المجنيّ عليه كأنّه عبد سليم، ثمّ يقدّر وفيه هذه الإصابة ، فما بينهما من القيمة يعطى بقسطه من الدّية " ، ولكن لو فرض أنّ الحكومة في ما دون الموضحة وصلت إلى حدّ الموضحة أو أكثر، فإنّه لا يتجاوز فيها حدّ الموضحة، أنتم معنا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، هذا إنسان جُني عليه، فشُجّ رأسه حتى انفرى اللّحم، ووصل إلى القشرة الرّقيقة التي بين اللّحم وبين العظم، وتسمّى السمحاق، لكنّه لم يشقّ هذه القشرة الرّقيقة، فإذن لم يصل إلى حدّ إيش؟
الموضحة، ما الذي يجب؟ يجب حكومة نقول لأهل النّظر والمعرفة : قدّروا هذا المجنيّ عليه كأنّه عبد سليم، ثمّ قدّروه كأنّه عبد مصاب بهذه الجناية، قدّروه فوجدنا أنّ التّقدير يتضمّن أن يكون أرش الجناية خمسة من الإبل، فإنّنا لا نعتبر هذا، لا نعتبر هذا التّقدير، لماذا؟
لأنّ هذا ينافي النّصّ، النّصّ أثبت خمسة من الإبل في؟
الطالب : الموضحة.
الشيخ : في الموضحة، وهذا دون الموضحة ، فلا يمكن أن نلحق ما دون الشّيء الذي نصّ عليه الشارع بالشّيء الذي نصّ عليه، فيجب أن يقال: له خمس من الإبل إلاّ قليلا.
ونظير ذلك، لو أنّ رجلا فعل بالمرأة كلّ شيء إلاّ الجماع، وهي امرأة حرام عليه، امرأة أجنبية، وقُضي عليه بالتّعزير بمائة جلدة، نعم أو بأكثر، فإنّنا لا نقبل هذا التّعزير، لماذا؟
لأنّه إذا كان الشّرع جعل في الجماع مائة فلا بدّ أن يكون ما دونه أقل منه، لأنّ الشّرع أحكم منّا، طيب إذن الشّجاج التي فيها مقدّر خمس: الموضحة، ثمّ الهاشمة، ثمّ المنقّلة، ثمّ المأمومة، ثمّ الدّامغة، ففي الموضحة خمس من الإبل، وفي المنقّلة؟
الطالب : عشرة.
الشيخ : عشر .
الطالب : خمسة عشر .
الشيخ : المنقّلة؟
الطالب : خمسة عشر.
الشيخ : أيهما أعظم المهشّمة أو المنقّلة؟
الطالب : المنقلة .
الشيخ : طيب، إذن الهاشمة عشر من الإبل، المنقّلة؟
الطالب : خمس عشرة من الإبل.
الشيخ : خمس عشرة من الإبل، المأمومة ما تكون بهذه النّسبة، تكون يعني أعظم فيها ثلث الدّية، وفي الدّامغة ثلث الدّية، والصّحيح أنّ فيها ثلث الدّية وزيادة أرش.
قال: ( وإنَّ الرجل يقتل بالمرأة ) : والأحسن أن يقال: وأنّ الرّجل، أنّ الرّجل يقتل بالمرأة، وقد سبق الكلام فيه، وبيّنّا أن الأدلّة تدل على أنّ الرّجل يقتل بالمرأة دون أن يدفع أولياء المرأة الفرق بين دية الرّجل ودية المرأة.
( وعلى أهل الذهب ألف دينار ) : وكأنّ هذا الحديث يدلّ على أنّه إذا وجبت الدّية على أهل الإبل ففيها هذه من الإبل، وإذا وجبت على أهل الدّينار، على أهل الذّهب وهم التّجّار فالدّية ألف دينار، وبناء على ذلك تكون الدّية إمّا مائة بعير، وإمّا ألف دينار، على أهل الإبل مائة بعير، وعلى أهل الذّهب ألف دينار، وذلك من أجل التّسهيل على النّاس حتى لا يكلّف صاحب الذّهب بشراء الإبل، ولا يكلّف صاحب الإبل ببيعها بالذّهب حتى يسلّم الذّهب، فيكون هذا من باب التّخفيف، وأنتم تعلمون أنّ الغالب أنّ العاقلة هي التي تحمل الدّية، فناسب أن يخفّف عنها.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- هل الذهب والفضّة والبقر والغنم التي ورد في الحديث أنّها من الدّية هل هي أصول؟ أو أنّ الأصل الإبل وهذه مقوّمة؟
فقال بعض العلماء: الأصل الإبل، وليس الذّهب، ولا الفضّة، ولا البقر، ولا الغنم، فالأصل الإبل، وعلى هذا القول: إذا اختلفت القيم نرجع إلى إيش؟
الطالب : الإبل.
الشيخ : إلى الإبل، فلو كان ألف الدينار لا يأتي إلاّ بعشرين بعيرا فقط، فإنّنا نرجع إلى الإبل مائة بعير، ولو كان ألف الدّينار يأتي بخمسمائة بعير فإنّنا نرجع إلى إيش؟
إلى الإبل، وهذا القول هو الرّاجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والدّليل على هذا : أنّكم ترون أنّ الجروح التي هي دون النّفس قدّرها الشّرع بالإبل، فدلّ هذا على أنّ الأصل هو الإبل، وهذا الذي يُقضى به هنا في المملكة العربية السعودية أنّ الأصل الإبل، ولهذا يختلف تقدير الدّية من وقت إلى آخر.
كانت الدّية في الأوّل أربعمائة ريال فرنسي، ثمّ رفعت، ثمّ استقرّت الآن بإيش؟
بمائة ألف، وربّما تتغيّر، لكن لا يمكن كلّ سنة يغيّرونها، كلّما طال الزّمن واختلف السّعر اختلافا بيّنا غيّروا.
" أخرجه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبّان وأحمد واختلفوا في صحّته " : ولكنّ المحقّقين من أهل العلم قالوا: إنّ هذا الحديث صحيح، بقطع النّظر عن سنده، وذلك لأنّ الأمّة تناقلته وتلقّته بالقبول، ومثل هذا لا بدّ أن يكون صحيحًا، وعليه فيكون ما ذكر في هذا الحديث من تقدير الدّية يكون صحيحاً معمولًا به.