فوائد حديث : ( سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه عن رجالٍ من كبراء قومه أن عبد الله بن سهلٍ ومحيصة بن مسعودٍ خرجا إلى خيبر ... ) وحديث : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ... ). حفظ
الشيخ : وعلى كلّ حال يستفاد من هذا الحديث فوائد كثيرة:
الفائدة الأولى: الحكم بالقسامة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأنكرها بعض العلماء من الصّحابة، والتّابعين، ومن بعدهم، ووجه إنكارهم إياها أنّها خارجة عن قواعد الدّعاوي، وقد أشرنا قبل هذا الدّرس إلى الوجوه التي خرجت فيها عن إيش؟
عن قاعدة الدّعاوي، وأجبنا عن ذلك بما فيه الكفاية وسبق.
وأما الجمهور فحكموا بها، حكموا بها ولكن أما على وفق ما جاء به النّصّ فمتّفق عليه، يعني في دعوى قتل قتيل قُتل عند قبيلة معادية، هذا لا أحد من الجمهور يخالف فيه لكن فيه بعض المسائل سيأتي التّنبيه عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّنا لا نأمن من اليهود يعني: معناه أنّ اليهود ليسوا أمناء، ودليل ذلك: أنّ ظاهر الحال أنّهم هم الذين قتلوا عبد الله بن سهل، ولا غرابة أن يغدروا فهم عاهدوا الرّسول كلّ القبائل الثّلاثة بنو النّضير، وبنو قينقاع، وبنو قريظة ، كلّهم عاهدوا النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لمّا قدم المدينة، وكلّهم نقضوا العهد، لم يف أحد منهم.
وهم أعني: اليهود من أغدر النّاس، وأكذب النّاس، وهم الطائفة التي وصفها ابن القيّم رحمه الله في كتابه: *إغاثة اللّهفان* : " بالأمّة الغضبيّة "، يعني المغضوب عليهم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه إذا قُتل شخص ولم يُعلم عن قاتله، وليس هناك عداوة توجب التّهمة فإنّه لا قَسامة، وجه ذلك؟
أنّ العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة فمن أجلها أُجريت القسامة، أما إذا لم يكن عداوة فإنّنا لا نقبل من المدّعي دعوى القتل إلاّ ببيّنة أو اعتراف من المدّعى عليه، وهل يحلف؟
يعني في غير موضع القسامة ، هل يحلف المدّعى عليه أو لا؟
انتبهوا، يعني رجل ادّعى أنّ قاتل أبيه فلان، بدون عداوة، بدون لوث، فهل يُحلّف المدّعى عليه؟
قال العلماء : إن كانت الدّعوى في قتل الخطأ فإنه يحلّف المدّعى عليه، وإن كانت في قتل عمد فإنّه لا يحلّف، أفهمتم؟ هاه؟
الطالب : لا .
الشيخ : كيف لا؟! إذا قال هذا الرّجل إنّ فلانا دعس والدي خطأ، فأنكر صاحب السّيّارة قال : أبدًا ما فعلت، فهنا يحلّف صاحب السّيّارة، وأمّا إذا قال: أنّه قتل والدي عمدا بالرّصاص أو بالسّيف وأنكر المدّعى عليه القتل فإنّه لا يحلّف ويخلّى سبيله ولا يتعرّض له، والأول يؤتى به ويُحلّف، فإن حلف وإلاّ قضي عليه بالنّكول، أفهمتم الآن؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب هذا الحكم، لماذا؟
قد يقول قائل: إنّ ادّعاء العمد أولى بالتّحليف من ادّعاء الخطأ، لكن العلماء قالوا : مدّعي العمد يريد القصاص، والقصاص لا يُقضى عليه بالنّكول، أي: لا يقضى على المدّعى عليه بالنّكول، ومدّعي الخطأ يريد الدّية المال، والمال يقضى على المدّعى عليه بالنّكول، واضح؟
النّكول يعني الإمتناع عن اليمين، طيب نكمّل المثال: ادّعى شخص على آخر بأنّه دعس والده فأنكر صاحب السّيّارة، وقال أبدًا ما دعسته فنقول احلف، قل: والله ما دعسته، فإذا حلف خلّينا سبيله لماذا؟ لأنّه لو ثبت ذلك كان الواجب الدّية .
كما لو ادّعيت على شخص فقلت: هذا الرّجل أتلف مالي فأنكر فهل يحلّف أو لا يحلّف؟
يحلّف، فإن نكل وقال: أنا لا أحلف ولست الذي أتلفه، قلنا: يقضى عليك بالنّكول ، هذا واضح وإلاّ غير واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : طيب، قالوا : دعوى قتل الخطأ توجب المال فيُحلّف المدّعى عليه أنّه ما قتل فإن لم يفعل ونكل ضمّناه الدّية.
كما لو قال شخص لآخر : هذا الرّجل أتلف مالي فأنكر قال: ما أتلفته، ماذا نقول له؟
نقول: احلف، إن أبى أن يحلف وهذا هو النّكول قضينا عليه قلنا: اضمن المال، وإلاّ ما الذي يضرّك إذا حلفت؟!
في باب العمد إذا ادّعى شخص على آخر أنّه قتل أباه عمدا عدوانا فقال المدّعى عليه: أنا ما قتلت هل نحلّفه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لماذا؟ لأنّه لو قال: لا أحلف لم نقتله، إذ القصاص لا يقضى فيه بالنّكول، لأنّ القصاص أعظم حرمة من المال، يعني قتل النّفس أعظم حرمة من المال فلا يقضى فيه بالنّكول أفهمتم الآن؟
هكذا المشهور عند العلماء : أنّه إذا كانت الدّعوى بقتل عمدٍ فإنّ المدّعى عليه لا يلزم باليمين، وإذا نكل لا يقضى عليه بالنّكول، وإن كانت بالخطأ فإنّه يلزم باليمين، فإن نكل إيش؟ قُضي عليه بالنّكول.
وقال بعض العلماء: يحلّف في العمد، لاحتمال صدق دعوى المدّعي، فإن حلف نجى، وإن نكل قُضي عليه بالدّية دون القصاص، لأنّه إذا نكل لم يثبت أنّ دمه الآن صار حلالا فهو محرّم الدّم، لكن المال يثبت، خصوصا إذا قلنا: إن قتل العمد يثبت به أحد أمرين إما القصاص وإمّا الدّية، وأنّه ليس الواجب القصاص عينًا والدية بدل، واضح وإلاّ؟
الطالب : واضح.
الشيخ : كلام عربي مبين، طيب، اليمين واحدة، في غير القسامة ما فيه إلاّ يمين واحدة، طيب ومن فوائد هذا الحديث، كيف؟
الطالب : الرّاجح؟
الشيخ : الرّاجح قلنا لكم: أنّه يحلّف في العمد، فإن حلف نجى وإن لم يحلف قضي عليه بالدّية لا بالقصاص.
نعم ومن فوائد الحديث: أنّ اليهود يعظّمون الله لكونهم يحلفون به، والحلف تعظيم للمحلوف به، ولكن تعظيمهم لله تعظيم لا فائدة منه لأنّهم لو عظّموا الله لصدّقوا رسله ولكنّهم هم مكذبّون للرّسل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ مرجع الصّحابة في الأحكام إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ولهذا جاؤوا إليه فزعين يخبرونه بالقضيّة من أجل الحكم فيها.
ومن فوائد الحديث: اعتبار تقدّم السّنّ بالكلام لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( كبّر كبّر )، وحينئذ نسأل هل هذا على إطلاقه؟ أو نقول: هذا إذا تساوى الشّخصان في البيان والتّعريف، وأمّا إذا كان الكبير لا يكاد يُبيِن فإنّه يقدّم الصّغير عند الحكومة والخصومة، لأنّه إذا تكلّم الكبير وهو لا يكاد يبين ضاع الحقّ، فيقال: يرجع إلى كبر السّنّ عند التّساوي والتّقارب بالأوصاف المعتبرة في القضيّة، ( ولهذا يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ) وإن كان أصغرهم سنّا.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز الفتيا في حقّ الغائب، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفتى هؤلاء في حكم اليهود الذين اتُّهموا بقتل صاحبهم، وادّعى بعضهم أنّ هذا من باب الحكم على الغائب، وليس بصحيح، وهذا نظير ما فعله النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام مع هند امرأة أبي سفيان، حيث شكت إليه أنّ أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها فأذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنّ أهل الذّمّة إذا اعتدوا على المسلم بقتل فإنّ عهدهم ينتقض لقوله: ( وإما أن يأذنوا بحرب ).
ومن فوائده: أنّ الذّميّ إذا اعتدى على مسلم ثمّ أراد أن يضمن موجب عدوانه فإنّه يبقى على عهده لقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( إمّا أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب ) ، وقيل : بل ينتقض العهد مطلقا بمجرّد العدوان، لأنّ مجرّد اعتدائهم على مسلم انتهاك لحرمة المسلمين وإهدار للعهد.
ومن فوائد الحديث: جواز المكاتبة في القضاء، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى مَن؟
إلى اليهود في القضيّة، فردّوا عليه، فكتبوا، فدلّ هذا على جواز المكاتبة لإثبات الحكم وإثبات القضيّة، ومن هنا أخذ الفقهاء ما يسمّى : " بكتاب القاضي إلى القاضي ".
ومن فوائد الحديث: أنّه يبدؤ في القسامة بأيمان من؟ المدّعين أو المدّعي عليهم؟
الطالب : المدعين .
الشيخ : بأيمان المدّعين لقوله: ( أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم؟ ) .
فإن قال قائل: كيف كانت اليمين في جانب المدّعي، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جانب المنكر؟
قلنا: إنّ اليمين لا تكون في جانب المدّعى عليه وهو المنكر دائما، وإنّما تكون اليمين في جانب؟
الطالب : الأقوى .
الشيخ : أقوى المتداعيين فمن قوي جانبه شرعت اليمين في حقّه.
ومن فوائد الحديث: أنّ القسامة يؤخذ فيها بالقصاص، من أين تؤخذ؟
من قوله: ( تستحقّون دم صاحبكم ) جملة معترضة يقول.
طيب من فوائد الحديث: أنّه يجري القصاص في باب القسامة، لقوله: ( تستحقّون دم صاحبكم ) ، وهذا هو الصّحيح الذي عليه جمهور العلماء، وقال بعض العلماء: إنّه لا تنتهك بها الدماء، وأنّها إذا تمّت تجب الدّية تعظيما لشأن الدّماء.
والصّحيح أنّها إذا تمّت، وتمّت الشّروط فإنّه يثبت القصاص إن اختار أولياء المقتول أو الدّية أو العفو.
ومن فوائد الحديث: الاعتداد بحلف الخصم وإن كان كافرا، من أين يؤخذ؟
من قوله: ( فيحلف لكم يهود ) وهو كذلك، فلو ادّعى مسلم على كافر بأنّه أخذ ماله وأنكر الكافر وحلف فإنّه يبرأ.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه لو لم يرض المدّعون بأيمان المدّعى عليهم فإنّهم لا يلزمون بذلك، وجهه : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُلزم عبد الرّحمن بن سهل وحويّصة ومحيّصة أن يقبلوا أيمان اليهود.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه إذا جرت القضيّة على مثل ما جاء به الحديث فإنّه يجب دفع ديته من بيت المال، لقوله: ( فوداه النبي صلّى الله عليه وسلّم من عنده ) : ووجه الوجوب أن لا يضيع دم مسلم هدرا.
ومن فوائد الحديث: أنّ الأصل في الدّية الإبل لقوله: ( فبعث إليهم مائة ناقة ) ، والحديث هنا يقول : مائة ناقة ، وقد سبق أنّها من أربعة أصناف منها ذكور، فما الجمع بين هذا وبين ما سبق؟
يقال: الجمع أنّ ما سبق في بيان الواجب، وما هنا على سبيل التّبّرّع.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز تأكيد الحديث بما يصحبه من حادثة، يعني جواز تأكيد الخبر بما يصحبه من حادثة، لقول سهل: ( فلقد ركضتني منها ناقة حمراء ) ، ومن هنا أخذ المحدّثون باب المسلسل، المسلسل وهو : حكاية الرّاوي الحال التي كان عليها حين التّحديث، أو أن يذكر كلمة قالها شيخه حين التّحديث، أو ما أشبه ذلك.
هذا ما يتعلّق بفوائد الحديث وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الحديث ورد في قتل النّفس فهل يُلحق بها الجراح، يعني لو أنّنا وجدنا رجلا مقطوعة يده، أو رجله، عند قبيلة معادية فهل تجرى القسامة؟
في هذا خلاف بين العلماء: منهم من قال أنّها تجرى القسامة، لأنّ ما ثبت في النّفس ثبت في الطرف، لقوله تعالى: (( والجروح قصاص ))، والعدوّ ربّما لا يقتل عدوّه ولكن يقطّع يديه ورجليه، وموته أهون عنده من قطع يديه ورجليه، أهون عند المصاب.
والصّحيح أنّها تجرى القسامة في الأطراف، والتّعليل ما ذكرتُ لكم : " أنّ ما جرى في النّفس يجري في الطّرف " .
وأمّا قول بعضهم : " إنّ القسامة خرجت عن الأصل، وما خرج عن الأصل لا يقاس عليه " ، هذه قاعدة معروفة عند العلماء أنّ ما خرج عن الأصل فإنّه لا يقاس عليه، ولكن يقال: هذه لم تخرج عن الأصل لما سبق بيانه لكم قبل هذا الدّرس.
المسألة الثانية: هل تجرى القسامة في الأموال أو لا؟
بمعنى: لو أنّ شخصا قد أوقف سيّارته بقرية وأهل القرية عدوان لقبيلته، قبيلة صاحب السّيّارة فجاء فوجد سيّارته مكسّرة فهل تجري القسامة في هذه الحال؟ أو نقول: هذه كسائر الدّعاوي يقال: للمدّعي ائت بالبيّنة وإلاّ فليس لك إلاّ يمين صاحبك، إلاّ يمين من ادّعيت عليه؟
في هذا أيضا خلاف لكنّه أقلّ من الخلاف الأوّل:
فمنهم من قال: إنّها تجرى القسامة في الأموال كما تُجرى في الدّماء، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )، ولم يفرّق بين المال والدّمّ.
ولكن الجمهور على خلاف ذلك: أنّها لا تُجرى في الأموال، قالوا: وإنّما أجريت في الدّماء حقنا للدّماء وحماية لها، ولئلاّ يجترئ مجترئ على القتل ويذهب دم المقتول هدرًا إذا لم يكن بيّنة.
طيب والرّاجح والله أعلم أنّها لا تجرى في الأموال، أن يقال لمن ادعى ذهاب ماله عند أعداء له أن يقال : أقم البيّنة وإلاّ فلا، لكن في هذه الحال يجب على القاضي أن يتحرّى، لأنّ صدق المدّعي قرينة، فيجب عليه أن يتحرّى أكثر مما لو وقع هذا الإتلاف من غير عدوّ، آدم باقي مسائل نكملها أو نأتي بالأسئلة؟
الطالب : نكمل.
الشيخ : طيب، المسألة الثالثة: إذا أجرينا القسامة فيمن جيء فيه، سواء في النّفس، أو في المال، أو في الطّرف فهل تكرّر فيها الأيمان أو لا؟
نقول: تكرّر فيها الأيمان، سواء في النّفس كما في الحديث، أو في الطرف، أو في المال على القول بإجراء القسامة فيه، وذلك، لأجل أن يقوى جانب المدّعي فإن الأصل أن المدعي يلزمه إيش؟
البيّنة، فإذا أخذنا بيمينه قلنا: تكرّر اليمين من أجل أن يقوى جانبك، كما أنّها إذا كانت في الدّماء من أجل تعظيم الدّماء.
المسألة الرّابعة: إذا كان ورثة القتيل كلّهم نساء فهل تجرى القسامة؟
يقول العلماء: لا تجرى لأنّ الرّسول يقول: ( يحلف خمسون منكم ) ، ( خمسون رجلا منكم ) في بعض الألفاظ، والنّساء ليس لهنّ أيمان في القسامة، لكن فيها قول لبعض العلماء: أنّ النّساء يحلفن، لا سيما إذا لم يوجد الرّجال فإنّ لهنّ الحلف، المسألة الخامسة !
الطالب : والراجح ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : الراجح ؟
الشيخ : أتوقف في هذا ، المسألة الخامسة : هل يشترط تعيين المدّعى عليه أو يجوز أن يدّعي على جماعة؟
هذه المسألة وهي: هل يشترط تعيين المدّعى عليه وأن يكون واحدا أو هل يجوز الدّعوى على أكثر من واحد؟
الجمهور على أنّها لا بدّ أن تكون على واحد بعينه ، لقوله في بعض ألفاظ الأحاديث: ( يحلف خمسون منكم على رجل منهم ) ، ولأنّ القتيل واحدا فلا نقتل به أكثر إلاّ ببيّنة، ومجرّد دعوى المدّعين نقول : نعم لكم الحقّ بأن تقتلوا بدعواكم واحدا أما أن تدّعوا على جماعة فإنّنا لا نقبل منكم هذا ولا قسامة، إمّا أن تأتوا ببيّنة أو يقرّ هؤلاء ، وإلاّ فلا حقّ لكم ، وهذا أقرب إلى الصّواب. وقيل: إنّه يجوز أن يدّعي أهل القتيل على جماعة لكن يعيّنونهم.
وقيل: يجوز أن يدّعوا على القبيلة كلّها ويختار منهم خمسين رجلا يحلفون إذا أنكرت القبيلة.
وهذه المسائل سبب الخلاف فيها: أنّ القضيّة وقعت مرّة واحدة في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، واختلفت فيها الرّوايات، ثمّ اختلفت فيها أوجه النّظر بين العلماء: هل هي مسألة خارجة عن القياس فلا يقاس عليها، أو موافقة للقياس فيقاس عليها، وهل يقاس الجزء على الكلّ؟ وهل يقاس المال على الدّمّ؟ وهلمّ جرّا !
المسألة السّادسة: هل نقول كلّ ما يُغلّب على الظّنّ يُجرى مجرى العداوة، مثل أن يكون رجل قد تهدّد رجلا بالقتل، أو مثل ما يكون بين السّيّد وعبده من المنازعات والمخاصمات، وتعرفون أنّ العبيد في الغالب سريعوا الغضب ربّما يغضب على سيّده، ويقول له: أنت تقولين كذا وكذا ويخاطب المذكّر بصيغة المؤنّث ، ثم يكون قوي فيأخذ العصا ويضربه على رأسه يمكن، ولهذا يقولون: " احذر العبد إذا صاج والفحل إذا هاج " ، الفحل يعني فحل الإبل إذا رددته عن الناقة فيا ويلك! نعم عن قريب أو بعيد، حتى إنّه حكى لنا بعض النّاس : " أنّ رجلاّ كان في مبيعة الإبل، وإذا بجمل ينظر إلى هذا الرّجل ويكرّر النّظر ثمّ أقبل إليه بغضب شديد وضربه برقبته حتى سقط على الأرض ثم برك عليه، ولولا أنّ الله أتى بالناس يعني ضربوا الجمل حتى أوجعوه لأهلكه، فقالوا وش الذي حمله على هذا؟ قال: إنّي قد رددته منذ كم سنة عن ناقة أراد أن ينزو عليها " ، فهو عنده حقد عظيم.
فالذي يكون بين عبده وسيّده قد يغلّب على الظّنّ صدق أولياء السّيّد إذا ادّعى أولياؤه على العبد أنّه قتله، والصّحيح في هذه المسألة : " أنّ كلّ ما يغلّب على الظّنّ صدق المدّعي فإنّه تجرى فيه القسامة " ، نعم.
الفائدة الأولى: الحكم بالقسامة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأنكرها بعض العلماء من الصّحابة، والتّابعين، ومن بعدهم، ووجه إنكارهم إياها أنّها خارجة عن قواعد الدّعاوي، وقد أشرنا قبل هذا الدّرس إلى الوجوه التي خرجت فيها عن إيش؟
عن قاعدة الدّعاوي، وأجبنا عن ذلك بما فيه الكفاية وسبق.
وأما الجمهور فحكموا بها، حكموا بها ولكن أما على وفق ما جاء به النّصّ فمتّفق عليه، يعني في دعوى قتل قتيل قُتل عند قبيلة معادية، هذا لا أحد من الجمهور يخالف فيه لكن فيه بعض المسائل سيأتي التّنبيه عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّنا لا نأمن من اليهود يعني: معناه أنّ اليهود ليسوا أمناء، ودليل ذلك: أنّ ظاهر الحال أنّهم هم الذين قتلوا عبد الله بن سهل، ولا غرابة أن يغدروا فهم عاهدوا الرّسول كلّ القبائل الثّلاثة بنو النّضير، وبنو قينقاع، وبنو قريظة ، كلّهم عاهدوا النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لمّا قدم المدينة، وكلّهم نقضوا العهد، لم يف أحد منهم.
وهم أعني: اليهود من أغدر النّاس، وأكذب النّاس، وهم الطائفة التي وصفها ابن القيّم رحمه الله في كتابه: *إغاثة اللّهفان* : " بالأمّة الغضبيّة "، يعني المغضوب عليهم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه إذا قُتل شخص ولم يُعلم عن قاتله، وليس هناك عداوة توجب التّهمة فإنّه لا قَسامة، وجه ذلك؟
أنّ العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة فمن أجلها أُجريت القسامة، أما إذا لم يكن عداوة فإنّنا لا نقبل من المدّعي دعوى القتل إلاّ ببيّنة أو اعتراف من المدّعى عليه، وهل يحلف؟
يعني في غير موضع القسامة ، هل يحلف المدّعى عليه أو لا؟
انتبهوا، يعني رجل ادّعى أنّ قاتل أبيه فلان، بدون عداوة، بدون لوث، فهل يُحلّف المدّعى عليه؟
قال العلماء : إن كانت الدّعوى في قتل الخطأ فإنه يحلّف المدّعى عليه، وإن كانت في قتل عمد فإنّه لا يحلّف، أفهمتم؟ هاه؟
الطالب : لا .
الشيخ : كيف لا؟! إذا قال هذا الرّجل إنّ فلانا دعس والدي خطأ، فأنكر صاحب السّيّارة قال : أبدًا ما فعلت، فهنا يحلّف صاحب السّيّارة، وأمّا إذا قال: أنّه قتل والدي عمدا بالرّصاص أو بالسّيف وأنكر المدّعى عليه القتل فإنّه لا يحلّف ويخلّى سبيله ولا يتعرّض له، والأول يؤتى به ويُحلّف، فإن حلف وإلاّ قضي عليه بالنّكول، أفهمتم الآن؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب هذا الحكم، لماذا؟
قد يقول قائل: إنّ ادّعاء العمد أولى بالتّحليف من ادّعاء الخطأ، لكن العلماء قالوا : مدّعي العمد يريد القصاص، والقصاص لا يُقضى عليه بالنّكول، أي: لا يقضى على المدّعى عليه بالنّكول، ومدّعي الخطأ يريد الدّية المال، والمال يقضى على المدّعى عليه بالنّكول، واضح؟
النّكول يعني الإمتناع عن اليمين، طيب نكمّل المثال: ادّعى شخص على آخر بأنّه دعس والده فأنكر صاحب السّيّارة، وقال أبدًا ما دعسته فنقول احلف، قل: والله ما دعسته، فإذا حلف خلّينا سبيله لماذا؟ لأنّه لو ثبت ذلك كان الواجب الدّية .
كما لو ادّعيت على شخص فقلت: هذا الرّجل أتلف مالي فأنكر فهل يحلّف أو لا يحلّف؟
يحلّف، فإن نكل وقال: أنا لا أحلف ولست الذي أتلفه، قلنا: يقضى عليك بالنّكول ، هذا واضح وإلاّ غير واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : طيب، قالوا : دعوى قتل الخطأ توجب المال فيُحلّف المدّعى عليه أنّه ما قتل فإن لم يفعل ونكل ضمّناه الدّية.
كما لو قال شخص لآخر : هذا الرّجل أتلف مالي فأنكر قال: ما أتلفته، ماذا نقول له؟
نقول: احلف، إن أبى أن يحلف وهذا هو النّكول قضينا عليه قلنا: اضمن المال، وإلاّ ما الذي يضرّك إذا حلفت؟!
في باب العمد إذا ادّعى شخص على آخر أنّه قتل أباه عمدا عدوانا فقال المدّعى عليه: أنا ما قتلت هل نحلّفه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لماذا؟ لأنّه لو قال: لا أحلف لم نقتله، إذ القصاص لا يقضى فيه بالنّكول، لأنّ القصاص أعظم حرمة من المال، يعني قتل النّفس أعظم حرمة من المال فلا يقضى فيه بالنّكول أفهمتم الآن؟
هكذا المشهور عند العلماء : أنّه إذا كانت الدّعوى بقتل عمدٍ فإنّ المدّعى عليه لا يلزم باليمين، وإذا نكل لا يقضى عليه بالنّكول، وإن كانت بالخطأ فإنّه يلزم باليمين، فإن نكل إيش؟ قُضي عليه بالنّكول.
وقال بعض العلماء: يحلّف في العمد، لاحتمال صدق دعوى المدّعي، فإن حلف نجى، وإن نكل قُضي عليه بالدّية دون القصاص، لأنّه إذا نكل لم يثبت أنّ دمه الآن صار حلالا فهو محرّم الدّم، لكن المال يثبت، خصوصا إذا قلنا: إن قتل العمد يثبت به أحد أمرين إما القصاص وإمّا الدّية، وأنّه ليس الواجب القصاص عينًا والدية بدل، واضح وإلاّ؟
الطالب : واضح.
الشيخ : كلام عربي مبين، طيب، اليمين واحدة، في غير القسامة ما فيه إلاّ يمين واحدة، طيب ومن فوائد هذا الحديث، كيف؟
الطالب : الرّاجح؟
الشيخ : الرّاجح قلنا لكم: أنّه يحلّف في العمد، فإن حلف نجى وإن لم يحلف قضي عليه بالدّية لا بالقصاص.
نعم ومن فوائد الحديث: أنّ اليهود يعظّمون الله لكونهم يحلفون به، والحلف تعظيم للمحلوف به، ولكن تعظيمهم لله تعظيم لا فائدة منه لأنّهم لو عظّموا الله لصدّقوا رسله ولكنّهم هم مكذبّون للرّسل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ مرجع الصّحابة في الأحكام إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ولهذا جاؤوا إليه فزعين يخبرونه بالقضيّة من أجل الحكم فيها.
ومن فوائد الحديث: اعتبار تقدّم السّنّ بالكلام لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( كبّر كبّر )، وحينئذ نسأل هل هذا على إطلاقه؟ أو نقول: هذا إذا تساوى الشّخصان في البيان والتّعريف، وأمّا إذا كان الكبير لا يكاد يُبيِن فإنّه يقدّم الصّغير عند الحكومة والخصومة، لأنّه إذا تكلّم الكبير وهو لا يكاد يبين ضاع الحقّ، فيقال: يرجع إلى كبر السّنّ عند التّساوي والتّقارب بالأوصاف المعتبرة في القضيّة، ( ولهذا يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ) وإن كان أصغرهم سنّا.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز الفتيا في حقّ الغائب، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفتى هؤلاء في حكم اليهود الذين اتُّهموا بقتل صاحبهم، وادّعى بعضهم أنّ هذا من باب الحكم على الغائب، وليس بصحيح، وهذا نظير ما فعله النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام مع هند امرأة أبي سفيان، حيث شكت إليه أنّ أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها فأذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنّ أهل الذّمّة إذا اعتدوا على المسلم بقتل فإنّ عهدهم ينتقض لقوله: ( وإما أن يأذنوا بحرب ).
ومن فوائده: أنّ الذّميّ إذا اعتدى على مسلم ثمّ أراد أن يضمن موجب عدوانه فإنّه يبقى على عهده لقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( إمّا أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب ) ، وقيل : بل ينتقض العهد مطلقا بمجرّد العدوان، لأنّ مجرّد اعتدائهم على مسلم انتهاك لحرمة المسلمين وإهدار للعهد.
ومن فوائد الحديث: جواز المكاتبة في القضاء، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى مَن؟
إلى اليهود في القضيّة، فردّوا عليه، فكتبوا، فدلّ هذا على جواز المكاتبة لإثبات الحكم وإثبات القضيّة، ومن هنا أخذ الفقهاء ما يسمّى : " بكتاب القاضي إلى القاضي ".
ومن فوائد الحديث: أنّه يبدؤ في القسامة بأيمان من؟ المدّعين أو المدّعي عليهم؟
الطالب : المدعين .
الشيخ : بأيمان المدّعين لقوله: ( أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم؟ ) .
فإن قال قائل: كيف كانت اليمين في جانب المدّعي، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جانب المنكر؟
قلنا: إنّ اليمين لا تكون في جانب المدّعى عليه وهو المنكر دائما، وإنّما تكون اليمين في جانب؟
الطالب : الأقوى .
الشيخ : أقوى المتداعيين فمن قوي جانبه شرعت اليمين في حقّه.
ومن فوائد الحديث: أنّ القسامة يؤخذ فيها بالقصاص، من أين تؤخذ؟
من قوله: ( تستحقّون دم صاحبكم ) جملة معترضة يقول.
طيب من فوائد الحديث: أنّه يجري القصاص في باب القسامة، لقوله: ( تستحقّون دم صاحبكم ) ، وهذا هو الصّحيح الذي عليه جمهور العلماء، وقال بعض العلماء: إنّه لا تنتهك بها الدماء، وأنّها إذا تمّت تجب الدّية تعظيما لشأن الدّماء.
والصّحيح أنّها إذا تمّت، وتمّت الشّروط فإنّه يثبت القصاص إن اختار أولياء المقتول أو الدّية أو العفو.
ومن فوائد الحديث: الاعتداد بحلف الخصم وإن كان كافرا، من أين يؤخذ؟
من قوله: ( فيحلف لكم يهود ) وهو كذلك، فلو ادّعى مسلم على كافر بأنّه أخذ ماله وأنكر الكافر وحلف فإنّه يبرأ.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه لو لم يرض المدّعون بأيمان المدّعى عليهم فإنّهم لا يلزمون بذلك، وجهه : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُلزم عبد الرّحمن بن سهل وحويّصة ومحيّصة أن يقبلوا أيمان اليهود.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه إذا جرت القضيّة على مثل ما جاء به الحديث فإنّه يجب دفع ديته من بيت المال، لقوله: ( فوداه النبي صلّى الله عليه وسلّم من عنده ) : ووجه الوجوب أن لا يضيع دم مسلم هدرا.
ومن فوائد الحديث: أنّ الأصل في الدّية الإبل لقوله: ( فبعث إليهم مائة ناقة ) ، والحديث هنا يقول : مائة ناقة ، وقد سبق أنّها من أربعة أصناف منها ذكور، فما الجمع بين هذا وبين ما سبق؟
يقال: الجمع أنّ ما سبق في بيان الواجب، وما هنا على سبيل التّبّرّع.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز تأكيد الحديث بما يصحبه من حادثة، يعني جواز تأكيد الخبر بما يصحبه من حادثة، لقول سهل: ( فلقد ركضتني منها ناقة حمراء ) ، ومن هنا أخذ المحدّثون باب المسلسل، المسلسل وهو : حكاية الرّاوي الحال التي كان عليها حين التّحديث، أو أن يذكر كلمة قالها شيخه حين التّحديث، أو ما أشبه ذلك.
هذا ما يتعلّق بفوائد الحديث وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الحديث ورد في قتل النّفس فهل يُلحق بها الجراح، يعني لو أنّنا وجدنا رجلا مقطوعة يده، أو رجله، عند قبيلة معادية فهل تجرى القسامة؟
في هذا خلاف بين العلماء: منهم من قال أنّها تجرى القسامة، لأنّ ما ثبت في النّفس ثبت في الطرف، لقوله تعالى: (( والجروح قصاص ))، والعدوّ ربّما لا يقتل عدوّه ولكن يقطّع يديه ورجليه، وموته أهون عنده من قطع يديه ورجليه، أهون عند المصاب.
والصّحيح أنّها تجرى القسامة في الأطراف، والتّعليل ما ذكرتُ لكم : " أنّ ما جرى في النّفس يجري في الطّرف " .
وأمّا قول بعضهم : " إنّ القسامة خرجت عن الأصل، وما خرج عن الأصل لا يقاس عليه " ، هذه قاعدة معروفة عند العلماء أنّ ما خرج عن الأصل فإنّه لا يقاس عليه، ولكن يقال: هذه لم تخرج عن الأصل لما سبق بيانه لكم قبل هذا الدّرس.
المسألة الثانية: هل تجرى القسامة في الأموال أو لا؟
بمعنى: لو أنّ شخصا قد أوقف سيّارته بقرية وأهل القرية عدوان لقبيلته، قبيلة صاحب السّيّارة فجاء فوجد سيّارته مكسّرة فهل تجري القسامة في هذه الحال؟ أو نقول: هذه كسائر الدّعاوي يقال: للمدّعي ائت بالبيّنة وإلاّ فليس لك إلاّ يمين صاحبك، إلاّ يمين من ادّعيت عليه؟
في هذا أيضا خلاف لكنّه أقلّ من الخلاف الأوّل:
فمنهم من قال: إنّها تجرى القسامة في الأموال كما تُجرى في الدّماء، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )، ولم يفرّق بين المال والدّمّ.
ولكن الجمهور على خلاف ذلك: أنّها لا تُجرى في الأموال، قالوا: وإنّما أجريت في الدّماء حقنا للدّماء وحماية لها، ولئلاّ يجترئ مجترئ على القتل ويذهب دم المقتول هدرًا إذا لم يكن بيّنة.
طيب والرّاجح والله أعلم أنّها لا تجرى في الأموال، أن يقال لمن ادعى ذهاب ماله عند أعداء له أن يقال : أقم البيّنة وإلاّ فلا، لكن في هذه الحال يجب على القاضي أن يتحرّى، لأنّ صدق المدّعي قرينة، فيجب عليه أن يتحرّى أكثر مما لو وقع هذا الإتلاف من غير عدوّ، آدم باقي مسائل نكملها أو نأتي بالأسئلة؟
الطالب : نكمل.
الشيخ : طيب، المسألة الثالثة: إذا أجرينا القسامة فيمن جيء فيه، سواء في النّفس، أو في المال، أو في الطّرف فهل تكرّر فيها الأيمان أو لا؟
نقول: تكرّر فيها الأيمان، سواء في النّفس كما في الحديث، أو في الطرف، أو في المال على القول بإجراء القسامة فيه، وذلك، لأجل أن يقوى جانب المدّعي فإن الأصل أن المدعي يلزمه إيش؟
البيّنة، فإذا أخذنا بيمينه قلنا: تكرّر اليمين من أجل أن يقوى جانبك، كما أنّها إذا كانت في الدّماء من أجل تعظيم الدّماء.
المسألة الرّابعة: إذا كان ورثة القتيل كلّهم نساء فهل تجرى القسامة؟
يقول العلماء: لا تجرى لأنّ الرّسول يقول: ( يحلف خمسون منكم ) ، ( خمسون رجلا منكم ) في بعض الألفاظ، والنّساء ليس لهنّ أيمان في القسامة، لكن فيها قول لبعض العلماء: أنّ النّساء يحلفن، لا سيما إذا لم يوجد الرّجال فإنّ لهنّ الحلف، المسألة الخامسة !
الطالب : والراجح ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : الراجح ؟
الشيخ : أتوقف في هذا ، المسألة الخامسة : هل يشترط تعيين المدّعى عليه أو يجوز أن يدّعي على جماعة؟
هذه المسألة وهي: هل يشترط تعيين المدّعى عليه وأن يكون واحدا أو هل يجوز الدّعوى على أكثر من واحد؟
الجمهور على أنّها لا بدّ أن تكون على واحد بعينه ، لقوله في بعض ألفاظ الأحاديث: ( يحلف خمسون منكم على رجل منهم ) ، ولأنّ القتيل واحدا فلا نقتل به أكثر إلاّ ببيّنة، ومجرّد دعوى المدّعين نقول : نعم لكم الحقّ بأن تقتلوا بدعواكم واحدا أما أن تدّعوا على جماعة فإنّنا لا نقبل منكم هذا ولا قسامة، إمّا أن تأتوا ببيّنة أو يقرّ هؤلاء ، وإلاّ فلا حقّ لكم ، وهذا أقرب إلى الصّواب. وقيل: إنّه يجوز أن يدّعي أهل القتيل على جماعة لكن يعيّنونهم.
وقيل: يجوز أن يدّعوا على القبيلة كلّها ويختار منهم خمسين رجلا يحلفون إذا أنكرت القبيلة.
وهذه المسائل سبب الخلاف فيها: أنّ القضيّة وقعت مرّة واحدة في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، واختلفت فيها الرّوايات، ثمّ اختلفت فيها أوجه النّظر بين العلماء: هل هي مسألة خارجة عن القياس فلا يقاس عليها، أو موافقة للقياس فيقاس عليها، وهل يقاس الجزء على الكلّ؟ وهل يقاس المال على الدّمّ؟ وهلمّ جرّا !
المسألة السّادسة: هل نقول كلّ ما يُغلّب على الظّنّ يُجرى مجرى العداوة، مثل أن يكون رجل قد تهدّد رجلا بالقتل، أو مثل ما يكون بين السّيّد وعبده من المنازعات والمخاصمات، وتعرفون أنّ العبيد في الغالب سريعوا الغضب ربّما يغضب على سيّده، ويقول له: أنت تقولين كذا وكذا ويخاطب المذكّر بصيغة المؤنّث ، ثم يكون قوي فيأخذ العصا ويضربه على رأسه يمكن، ولهذا يقولون: " احذر العبد إذا صاج والفحل إذا هاج " ، الفحل يعني فحل الإبل إذا رددته عن الناقة فيا ويلك! نعم عن قريب أو بعيد، حتى إنّه حكى لنا بعض النّاس : " أنّ رجلاّ كان في مبيعة الإبل، وإذا بجمل ينظر إلى هذا الرّجل ويكرّر النّظر ثمّ أقبل إليه بغضب شديد وضربه برقبته حتى سقط على الأرض ثم برك عليه، ولولا أنّ الله أتى بالناس يعني ضربوا الجمل حتى أوجعوه لأهلكه، فقالوا وش الذي حمله على هذا؟ قال: إنّي قد رددته منذ كم سنة عن ناقة أراد أن ينزو عليها " ، فهو عنده حقد عظيم.
فالذي يكون بين عبده وسيّده قد يغلّب على الظّنّ صدق أولياء السّيّد إذا ادّعى أولياؤه على العبد أنّه قتله، والصّحيح في هذه المسألة : " أنّ كلّ ما يغلّب على الظّنّ صدق المدّعي فإنّه تجرى فيه القسامة " ، نعم.