وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل تدري يا ابن أم عبدٍ كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ ) قال: الله ورسوله أعلم، قال: ( لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها ) رواه البزار والحاكم وصححه فوهم، لأن في إسناده كوثر بن حكيمٍ وهو متروكٌ، وصح عن علي من طرقٍ نحوه موقوفاً، أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم. حفظ
الشيخ : نبدأ الدّرس الجديد:
" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل تدري يا ابن أم عبدٍ كيف حكم الله ) " :
هذا الحديث فيه إشكال، الحديث الآن من مسند ابن عمر، والخطاب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقتضي أنّه يخاطب عبد الله بن مسعود، لأنّه هو المشهور بهذه الكنية، فما هو المخرج؟
المخرج نقول: لعلّه أي: ابن عمر يكنّى بهذه الكنية ولكن لم يشتهر بها وهذا ضعيف، أو يقال: لعلّ ابن عمر رواه عن ابن مسعود وحبس الواسطة بينه وبين الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يخاطب في الأوّل؟
الطالب : ابن مسعود.
الشيخ : ابن مسعود، الأمر الثالث وهو خير من ذلك كلّه: أنّ الحديث متروك، وحينئذ نستريح، لكن على تقدير صحّته وهي بعيدة يكون فيه الإحتمالان السابقان.
قال: ( تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمّة؟ قال: الله ورسوله أعلم ): فيمن بغى:
ذكر الله سبحانه وتعالى البغي في القرآن في طائفتين مقتتلتين تحت راية إسلاميّة، لقوله: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي )) ، والغالب أنّه إذا خوطب بالجمع في مثل هذا أنّه يخاطب به أهل الحلّ والعقد، فالبغي الذي في القرآن بين طائفتين مقتتلتين تحت إيش؟
الطالب : راية واحدة.
الشيخ : تحت إمرة واحدة، خلافة إسلاميّة أو إمامة إسلامية، لكن قد تكون الباغية مع نفس الإمام أو الخليفة الشّرعي، تبغي عليه، فأيّا كان الباغي له الحكم الآتي :
قال: ( الله وسوله أعلم ) : أعلم هنا مفرد وهو خبر عن اثنين، الله ورسوله أعلم وذلك لأنّ اسم التّفضيل يلتزم فيه الإفراد والتّذكير إذا كان على تقدير من، أما إذا لم يكن على تقدير من، فإنّه يكون مطابقا للموصوف، فتقول: زيد وعمرو الأفضلان، ولا تقول: الأفضل، وتقول: زيد وعمرو أفضلان وليس على تقدير من ، أما إذا كان على تقدير أفضل من كذا أو أعلم من كذا فإنّه يلتزم فيه الإفراد والتّذكير.
قال: ( الله ورسوله أعلم ) : وهكذا ينبغي للإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول: الله ورسوله أعلم في الأمور الشّرعيّة يقوله الآن وقبل الآن، أما في الأمور الكونيّة فيقول: الله أعلم فقط.
والفرق أنّ الأمور الكونيّة علمها علم غيب محض، والرّسول عليه الصّلاة والسّلام ليس عنده من علم الغيب إلاّ ما أعلمه الله.
أما الأمور الشّرعيّة فعلمها علم شرع والرّسول عليه الصّلاة والسّلام أعلم النّاس بالشّرع حتى وإن كان ميّتا، فهو أعلم النّاس بالشّرع، فيجوز أن أقول الآن في حكم شرعي: الله ورسوله أعلم، أما لو قيل لي: هل يقدم فلان غدا فماذا أقول؟ الله أعلم فقط.
قال يعني في حكم الله : ( لا يجهز على جريحهم ) يعني أنّ الجريح من البغاة لا يقتل يترك، ولكن هل يداوى؟ نعم يداوى يعني يسعف، له حرمة ولذلك لم يجهز عليه بخلاف لو جرح كافر حربيّ فإنّنا إيش؟ نجهز عليه نقتله.
( ولا يقتل أسيرها ) : الأسير من الأمّة الباغية أو من الفئة الباغية لا يقتل، والأسير فعيل بمعنى مفعول أي: المأسور الذي أسرناه حيّا فإنّه لا يقتل، لماذا؟ لأنّه مسلم حرمته باقية، وإنّما جاز قتال الفئة الباغية لدفع شرّها فقط.
وأمّا أسير الكفّار المحاربين فإنّه إن كان من النّساء أو الذّريّة فهو رقيق، بمجرّد السّبي يكون رقيقا أي: مملوكا، وإن كان من المقاتلين خيّر فيه الإمام بين أمور أربعة:
القتل، والفداء بنفس أو مال، والثالث: المنّ مجانا، والرّابع: الإسترقاق على خلاف في الرابع .
هذا حكم الأسير المقاتل من المحاربين الكفّار، فإذا أسرنا من المحاربين الكفّار فلنا الخيار : إمّا أن نقتله صبرا فورًا ، وإمّا أن نمنّ عليه بدون شيء ، نقول : اذهب أنت طليق، وإمّا أن نفادي به بمال أو منفعة، أو أسير مسلم، وش معنى بمال؟
يعني نقول: نفكّ أسرك وتعطينا مثلا مائة ألف.
أو منفعة: نفكّ أسرك وتعلّمنا كيف نشغّل هذه الطائرة أو الدّبّابة التي غنمناها منكم، لأنّه ربما يكون عليما بها ونحن لا نعلم، وكما فعل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بأسرى بدر حيث طلب منهم أن يعلّموا صبيان أهل المدينة الكتابة. الثالث: أو فداء أسير مسلم: يكون عندهم أسرى لنا نقول: يلاّ أعطونا أسرانا ونعطيكم أسراكم.
الرّابع إيش؟ الإسترقاق : بأن يسترقّه الإمام كما يسترقّ النّساء والذّريّة وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء : منهم من أجازها ومنهم من قال: لا تجوز. ومع ذلك فإنّه لا ينبغي المنّ إلاّ إذا أثخن المسلمون بالقتال كما قال الله تعالى: (( ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض )) ، لأنّ القتل أنكى للعدوّ ، (( تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة )).
طيب البغاة؟
الطالب : لا يسترق .
الشيخ : لا يسترق أسيرهم ولا يقتل، الخوارج؟
الخوارج إن قلنا: بكفرهم فهم كالكفّار الحربيين، وإن قلنا: بعدم كفرهم فهم كالبغاة، طيب.
قال: ( ولا يطلب هاربها ) : الهارب من البغاة لا يطلب لأنّ المقصود إيش؟
الطالب : كفهم .
الشيخ : المقصود كفّ شرّه، كفّ شرّ هذه الفئة، والهارب ليس منه شرّ، واختلف العلماء فيما إذا هرب إلى فئة، إلى فئة من قومه ليقويّهم ويأتي بهم، هل يُطلب أو لا يطلب؟
فمن نظر إلى ظاهر هذا الأثر قال إنّه؟
الطالب : لا يطلب.
الشيخ : لا يطلب، ومن نظر إلى المعنى قال: إنّه يطلب، والصّحيح النّظر إلى المعنى، وأنّنا إذا علمنا أنّ هذا الهارب هرب إلى فئة أخرى ليأتي بها إلينا فإنّنا نطلبه، نأسره حتى يكفّ شرّه.
( ولا يقسم فيئها ) الفيء: ما غنم منهم من سلاح ومتاع، وغير ذلك، لا يقسم أي : كما تقسم الغنائم كما لو كانت من أهل الحرب الكفّار، فإنّ غنائم الكفّار تقسم، تقسم أوّلا خمسة أسهم، سهم من هذه الخمسة، يقسم خمسة أسهم أيضًا، (( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرّسول )) وهذا واحد، (( ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل )) خمسة أسهم، الخمس يقسم خمسة يوزّع هكذا، والذي لله ورسوله يحعل في الفيء أي: في المصالح العامّة للمسلمين، وذووا القربى:
قيل: إنّهم قرابة الرّسول وهو الصّحيح.
وقيل: قرابة الوالي ولكنّه مرجوح.
الأربعة الأخماس الباقية أين تصرف؟
تصرف للغانمين، للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، هذا في غنيمة من؟
الطالب : الكفار.
الشيخ : الكفّار الحربيّين، أما البغاة فإنّه لا يقسم فيؤهم، بل يبقى مالهم لهم يردّ عليهم.
فإن جُهل مالكه جعل في بيت المال، وإن علم مالكه سلّم إليه.
قال: " رواه البزّار والحاكم وصحّحه فوهم " :
الحاكم صحّح الحديث ولكنّه وهم، أي: وقع في الوهم يعني في الغلط، لماذا؟ قال: " لأنّ في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك " :
في المصطلح أنّ معنى قوله متروك، أي متروك الرّواية لتهمته بالكذب، لأنّه متّهم بالكذب، فمن اتّهم بالكذب سمّي متروكًا تترك روايته ، وهو أشدّ من الفاسق تترك روايته لكنّه ليس كالمتّهم بالكذب ، لأنّ المتّهم بالكذب عيبه في صميم موضوع الخبر، يعني يتعلّق بصميم الموضوع بخلاف الفاسق ، فإنّ فسقه عامّ. لكن يقول: " وصحّ عن عليّ نحوه موقوفاً أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم " : صحّ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه موقوفا: أي: من قوله.
وقوله رضي الله عنه هو محض القياس، يعني هذه الأحكام الآن ثابتة، لكن هل ثبتت بحديث مرفوع أو موقوف؟
نقول: ثبتت بحديث موقوف، لكنّه محض القياس، والموافق للحكمة، وعليّ رضي الله عنه أحد الخلفاء الرّاشدين الذين لهم سنّة متّبعة حتى وإن لم نعلم حكمتها إذا لم تخالف سنّة الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وعلى هذا فالأحكام الموجودة ثابتة.
أرجو الآن أن نأخذ من هذا الأثر الفوائد،، انتهى الوقت؟
الطالب : نعم .
الشيخ : دخل الوقت؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب.