فوائد حديث :( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ... ). حفظ
الشيخ : هذا الحديث يستفاد منه فوائد متعدّدة منها :
أنّ الأحكام الشّرعيّة مبنيّة على العلل المناسبة، لأنّ ذلك هو الحكمة: أن تكون الأحكام مبنيّة على العلل المناسبة، وجه ذلك: أنّ إلزام أهل المواشي بحفظ مواشيهم في اللّيل، وإلزام أهل الحوائط بحفظ حوائطهم في النّهار مناسب تمامًا للحكمة.
ومن فوائدها : أنّ ما أتلفت البهيمة من الحوائط في اللّيل من ثمر أو زرع فهو على أهلها، لأنّهم هم الذين فرّطوا بتركها مرسلة في اللّيل في وقت لم تجر به العادة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ ما أتلفته البهيمة بالنّهار من الحوائط فليس فيه ضمان، لأنّ المسؤول عن حفظ الحوائط هم أهلها.
إلاّ أنّ بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما إذا أرسلها بقرب ما تتلفه في العادة ، إذا أرسلها صاحبها بقرب ما تتلفه في العادة ، مثل أن يكون حوله مزرعة فأرسل البهيمة فإنّ عليه الضمان، واستدلّوا لذلك بقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه -أو- أن يرتع فيه ) : فبيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّ الذي يرعى حول الحمى يقرب جدّا أن يرتع فيه ، وهذا الذي قالوه مراعاة للمعنى ، وإلاّ فلو أخذنا بظاهر الحديث ما كان على أهل الماشية ضمان ولو أرسلوها بقرب ما تتلفه. نعم لو أنّهم تقصّدوا ذلك مثل أن يقول صاحب الماشية : سأذهب بها إلى هناك إلى قرب مزرعة فلان، نعم، وأتحيّن غفلته، فحينئذ نعرف أنّ الرّجل نوى العدوان فيضمن.
ومن فوائد هذا الحديث: اعتبار العُرف والعمل به، لأنّنا لا نعلم أنّ في التفريق بين إتلاف البهائم في النّهار وفي اللّيل إلاّ ما جرى به العرف، حيث إنّ العرف أنّ أهل الحوائط يحفظونها في النّهار، وأنّ أهل المواشي يحفظونها في اللّيل.
وهذا الحديث أعني كون صاحب الماشية يضمن ما أتلتفته في اللّيل يخصّص قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( العجماء جبار ) العجماء: يعني البهيمة، وجُبار: بمعنى هدر، لا ضمان في ما أتلفته، فيقال: إنّه يستثنى من ذلك هذه المسألة، وهي ما إذا أرسلها صاحبها في اللّيل وأتلفت شيئا من الحوائط.
وهل يلحق بذلك ما أتلفته الأموال الأخرى غير الحوائط؟
فالجواب: لا، غير الحوائط يلزم صاحبها حفظها، فلو أنّ البهيمة انطلقت على أكياس من الشّعير في حوش مثلا فأتلفته فإنّه لا ضمان على صاحبها، إلاّ أن تكون يده عليها، إن كانت يده عليها فهو ضامن ، ومعنى كون يده عليها: أن يكون قائدا أو سائقا أو راكبا، لأنه إذا كان قائدا فهو يتصرّف فيها يقودها إذا كان سائقا كذلك، إذا كان راكبا فكذلك، فإذا كانت يده عليها فهو ضامن، لكن إذا لم تكن يده عليها فإنّ الأصل في ما أتلفته أنّه هدر ولا ضمان فيه، ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مسألة الحوائط فرّق بين اللّيل والنّهار.