فوائد حديث :( أن أعمى كانت له أم ولدٍ تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه ... ). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث عدّة فوائد:
الفائدة الأولى: أنّ من سبّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فدمه هدر، وظاهر هذا الحديث أنّه لا يستتاب، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لم يبيّن أنّه كان يجب أن يستتيبها، إلا أن يقال: إنّ نهيه إيّاها وامتناعها عن الإنتهاء بمنزلة الاستتابة، وعلى كلّ حال فمن سبّ الله عزّ وجلّ أو رسوله فهو كافر مرتدّ لا إشكال فيه.
ولكن يبقى النّظر إذا تاب هل تقبل توبته أو لا؟
فالمشهور من المذهب أنّها لا تقبل توبة من سبّ الله أو رسوله ، لأنّ هذا كفر ليس بعده كفر، هذا أعظم الكفر، مَن جعل لله ندّا فهو كافر لكن من سبّ الله فهو أعظم ممّن جعل لله ندّا، لأنّ سبّ الله بجعل النّدّ سبّ ضمنيّ، والسّبّ الصّريح أقوى في الاستهانة، وعلى هذا فمن سبّ الله أو رسوله حتى لو قال: إنّه تاب فإنّه لا يقبل منه ذلك ، هذا المشهور من المذهب وعلّلوا هذا بعظم كفره، وكذلك من سبّ القرآن ، فإنّه لا تقبل توبته، لأنّ سبّ القرآن سبّ لمن؟
لله عزّ وجلّ ، فمن سبّ القرآن فإنّها لا تقبل توبته لعظم كفره.
وقيل: تقبل التّوبة ممّن سبّ الله ورسوله، لقوله تعالى: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له )) : يغفر الذّنوب جميعًا مهما عظمت .
ولقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( التّوبة تجبّ أو تهدم ما قبلها ) ، ولقوله: ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التّوبة، ولا تنقطع التّوبة حتى تطلع الشّمس من مغربها ) .
ولعموم قوله تعالى: (( إنّما التّوبة على الله للذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب )) .
(( وليست التّوبة للذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن )) .
والقريب الذي في التائبين هي : التّوبة قبل الموت.
ولأنّ الله تعالى قال: (( ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم )) ، وهذا يدلّ على أنّ المشركين لا يبالون إذا سبّوا الله ، لكنّهم قد لا يسبّون الله تعالى إذا انتهينا عن سبّ آلهتهم ، وهذا القول هو الصّحيح : أنّ من سبّ الله أو كتابه أو رسوله ثمّ تاب فتوبته مقبولة، لعموم الأدلّة.
لكن إذا كان السّبّ لله أو لكتابه ارتفع عنه القتل، يعني لا يقتل، لأنّ الله تعالى أخبرنا أنّه يعفو عن حقّه بالتّوبة وإذا عفا انتهى كلّ شيء.
وأمّا من سبّ الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فإنّنا نقبل توبته لكن نقتله، نقتله لا كفرًا، بل نقتله نغسّله ونكفّنه ونصلّي عليه وندفنه مع المسلمين، لكنّنا نقتله أخذًا بالثّأر، حيث سبّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، والنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بشر، وليس حيًّا حتى نقول: إنّ الرّسول عفا عمّن سبّوه في حياته، في حياته هو بالخيار، لكن بعد موته من يقول لنا: أنّه يعفو عن هذا الرّجل الذي سبّه فنأخذ بالثّأر لنبيّنا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ، ونقول نقتل هذا الرّجل على أنّه مسلم لأنّه تاب ، والآجال يعني طالت أم قصرت لا بدّ من الموت .
طيب إذن القول الصّحيح في من سبّ الله ورسوله وكتابه تقبل توبته ، لكن من سبّ الرّسول فقط يقتل أخذًا بالثّأر لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
أمّا من سبّ الله وتاب وسبّ القرآن وتاب فإنّنا نقبل توبته ولا نقتله.
طيب من سبّ زوجات الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ولا سيما إذا سبّهنّ في عرضهنّ، فإن سبّ عائشة فيما برّأه الله عزّ وجلّ منه أي: بما قيل فيها في الإفك، فهو مرتدّ ولا شكّ في هذا ويجب أن يقتل، لماذا؟
لأنّه مكذّب للقرآن، يعني هو جامع بين أمرين، بل بين ثلاثة أمور:
تكذيب القرآن، القدح في أمّهات المؤمنين، القدح في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنّ هذا تدنيس لفراشه.
وأما من سبّها بغير ذلك، قذفها بغير ذلك، أو قذف غيرها من أمّهات المؤمنين فقد اختلف العلماء في ذلك، ولكن الصّحيح الذي لا شكّ فيه أنّه يكفر، إذ لا فرق، يكفر كفرًا مخرجًا عن الملّة ولا كرامة له.
ولكن هل تقبل توبته؟
نقول: تقبل توبته بناء على عموم الآيات، ولكن يقتل لأخذ الثّأر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ الواحد منّا لا يرضى أن تقذف أمّه من النّسب أو زوجته، فهل يمكن أن يرضى المسلمون بأن تُقذف أمّهات المؤمنين وهنّ أمّهاتهم؟ !
لا والله لا يرضون.
أو يرضون أن تقذف زوجات الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وهم لا يرضون أن تقذف زوجاتهم؟ أبدا.
طيب بقي لنا من؟ سبّ الصّحابة رضي الله عنهم، من سبّ الصّحابة وقال إنّهم ارتدّوا بعد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلاّ نفرا قليلا فهو كافر لا شكّ فيه، لماذا؟
لأنّ هذا قدح في الله، في حكمة الله عزّ وجلّ، وقدح في رسول الله، وقدح في شريعة الله، وقدح في الصّحابة أنفسِهم:
أمّا كونه قدح في الصّحابة فواضح، كيف يكون خيار الأمّة، خير القرون منذ خلق آدم إلى يوم القيامة هم من؟
أصحاب رسول الله، فيأتي إنسان ويقول : هم كفّار أو فسّاق أو ما أشبه ذلك !! إلاّ من أملى هواه عليه أنّهم بريؤون من ذلك ، فهو قدح في الصّحابة لا شكّ.
وهو أيضًا قدح في الشّريعة ، لأنّنا نقول من الذي نقل الشّريعة إلينا؟
الطالب : الصّحابة.
الشيخ : الصّحابة، إلى التّابعين ثمّ تابعي التّابعين إلى يومنا هذا، هم الصّحابة، فإذا كانوا كفّارًا أو فسّاقا فمن الذي يثق بما ينقلونه؟
أحد يثق بنقل الفاسق؟
الطالب : لا .
الشيخ : أو بنقل الكافر؟ !
ولهذا باتّفاق علماء الحديث أنّ من شرط قبول رواية الرّاوي أن يكون عدلا، عدلا في دينه، والله عزّ وجلّ يقول: (( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا )) تثبّتوا لا تقبلوا خبره، فيكون هذا قدحا في الشّريعة.
هو أيضا قدح في القرآن، لأنّ الذين حملوا القرآن إلينا من؟
الطالب : الصحابة .
الشيخ : الصّحابة، القرآن الذي بأيدينا إذا كان النّقلة له كفّارا أو فسّاقا كيف نثق به؟!
هو قدح في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجهه أن يقال : أنّ هؤلاء الأصحاب لمحمّد فسقة كفّار والمرء على دين خليله، والقدح في صاحب الإنسان قدح في الإنسان نفسه ، لأنّ القادح في صاحب الإنسان قدح في الإنسان من أحد وجهين ولا بدّ:
-انتبهوا يا جماعة- إمّا أنّه أبله ما يعرف ما صاحبه عليه من الإنحراف.
وإمّا أنّه موافق له في انحرافه، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، هو أيضا قدح في حكمة الله جلّ وعلا ، حيث يختار لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وهو أفضل النّبيّين مثل هؤلاء الأصحاب الذين انتهزوا الفرصة بموته ثمّ ارتدّوا بعد موته وفسقوا هل هذه حكمة؟
أبداً ، هذا من أسفه السّفه والرّبّ عزّ وجلّ ينزّه عنه ، وبهذا تبيّن أنّه لا إشكال فيمن كفّر الصّحابة أو فسّقهم إلاّ قليلا فهو كافر ، بل قال شيخ الإسلام : " لا شكّ في كفر من لم يكفّره " ، -انتبهوا لا شكّ في كفر من لم يكفّره- ، لأنّه يترتّب عليه هذه المفاسد التي سمعتموها.
طيب إذن الخلاصة أنّ هناك أشياء لا تقبل فيها التّوبة على المشهور من المذهب وهي من سبّ الله إيش؟ أو رسوله أو القرآن أو الصّحابة أو زوجات الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، لأنّ كل هذا ينافي الدّين.
طيب هناك أشياء أيضا قال الفقهاء : إنّها لا تقبل توبة من ارتدّ بها وهي: توبة الزّنديق، والزّنديق عند الفقهاء هو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، قالوا : هذا لا تقبل توبته، قلنا لم؟
قال: لأنّ الرّجل يظهر أنّه مسلم من الأصل ، أنت مسلم تعال، قال : أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ، ومتى يؤذّن الظّهر أصلّي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ويظهر إيش؟ الإسلام .
قالوا : هذا لا نقبل توبته إذا علمنا أنّه منافق ، لا نقبل توبته لأنّه لم يظهر لنا إلاّ إيش؟ إلاّ الإسلام، ولا نقبل منه، هذا هو التّعليل ، لكنّه تعليل في مقابلة النّصّ ، فإنّ الله تعالى صرّح في القرآن بقبول توبة المنافق ، لكنّه سبحانه وتعالى وضع قيودا وشروطا فقال: (( إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرا )) بعدها؟
الطالب : (( إلاّ الذين تابوا وأصلحوا )).
الشيخ : (( إلاّ الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله )) : أربعة قيود ، (( فأولئك مع المؤمنين )) .
ولهذا نتحرّى بقوّة في قبول توبة المنافق، ما نقبل على طول، بل نمهله ونسبر حاله وننظر وهذا هو الصّحيح لدلالة القرآن عليه ، وقد أشار إليه السّفّاريني في عقيدته فقال :
" قلتُ إن دلّت دلالة الهدى *** كما جرى للعيلبونيِّ اهتدى "
إذا دلّت القرائن على أنّ هذا الزّنديق، هذا المنافق حقيقة،، مسلم حقيقة فإنّنا نقبل منه، هذا الخامس ولا السادس؟
الطالب : السادس.
الشيخ : السادس، السابع : من تكرّرت ردّته، يعني : ارتدّ ثمّ أمسكناه فرجع إلى الإسلام فأطلقناه، ثمّ ارتدّ ثانية فأمسكناه فأسلم فأطلقناه، ثمّ ارتدّ ثالثة فهنا تكرّرت ردّته قالوا : هذا لا تقبل توبته لأنّه متلاعب، كيف بالأمس يكون كفر ثمّ أسلم، ثمّ كفر ثمّ أسلم فلا نقبل توبته.
واستدلّوا بقوله تعالى: (( إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفرًا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا )).
أعرفتم؟ الذي تتكرّر ردّته لا تقبل توبته، قالوا لأنّه؟
الطالب : متلاعب.
الشيخ : متلاعب، وللآية، ولكنّنا نقول: أمّا الآية فلا دليل فيها، لأنّ نهاية من تكرّرت ردّته فيها أن ازداد كفرًا، هو لم يتب وينتهي، ازداد كفرًا، وهذا يقال في حقّه: إنّه يبعد أن يهتدي للإسلام، بل لا يمكن أن يهتدي للإسلام لأنّ الله قال: (( لم يكن الله ليغفر لهم )) وهذا يعني أنّه لا يمكن أن يتوبوا بعد هذا التّكرار والزّيادة في الكفر.
لكن إذا علمنا أنّ هذا الرّجل أخلص حقيقة وتاب وقال : أنا أخطأت ، فلماذا لا نقبل التّوبة؟
وأمّا كونه متلاعبا فإنّ كلّ مرتدّ متلاعب مستهتر غير مبالٍ بما يجب لله من الحقّ.
وعلى هذا فنقول: إنّ القول الصّحيح أنّ جميع من ارتدّ بأيّ نوع من الرّدّة إذا تاب فإنّ توبته تقبل، للآيات التي سمعتم والأحاديث التي سمعتم إلاّ أنّ من النّاس من نحتاط ونتحرّز في توبته مثل؟
الطالب : المنافق.
الشيخ : طيب، فإن قال قائل: إذا كان صاحب بدعة مكفّرة وتاب، فهلا نقتله دفعا للفساد في الأرض، لأنّ أهل البدع مفسدون في الأرض ؟
فالجواب أن نقول: لا، لأنّ الرّجل تاب وإذا تاب زال؟
الطالب : فساده.
الشيخ : زال فساده، لكن نطالبه أن يكتب ردّا على بدعته التي كان يدعو إليها من قبل، ونلزمه بذلك، حتى لا يغترّ أحد بما كان عليه أوّلا، وإلاّ يفعل فإنّنا بلا شكّ سوف نشكّ في صحّة توبته وإخلاصه.
فللحاكم أو لوليّ الأمر في هذه الحال أن يجتهد فيما يرى من قتله أو إبقائه أو إلزامه تحت الضّغط الشّديد أن يكتب ما يبيّن أنّه رجع عن بدعته، وفي هذا الحديث .
الطالب : الساحر ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : الساحر ؟
الشيخ : نعم، الساحر أيضا ممّن اختلف العلماء في قبول توبته، فمن العلماء من قال: إنّ الساحر لا تقبل توبته وهو المشهور من المذهب لأنّ كفره عظيم وذلك بكونه مفسدا في الأرض معتديا على الخلق فلا يمكن أن نقبل توبته . ولكنّنا قد بينّا القول الرّاجح وأنّ جميع أهل الكفر تقبل توبتهم، لكن الساحر ننظر إذا كان قد صلحت حاله وترك ما هو عليه قطعا لا سرّا ولا علناً فإنّنا لا نتعرّض له، والله على كلّ شيء قدير، قد يهديه الله سبحانه وتعالى.
أمّا إذا كان تاب أمامنا ولكنّه في السّرّ يتعاطى هذا العمل فإنّه يجب قتله، يجب أن يقتل دفعا لشرّه وفساده، نعم؟