تتمة فوائد حديث :( أن أعمى كانت له أم ولدٍ تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه ... ). حفظ
الشيخ : من فوائد هذا الحديث: أنّ سبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان معلوما عند جميع الناس أنّه مبيح للدّمّ، وجه ذلك أنّ هذا الصّحابيّ لم يستأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قتلِ أمّ ولده.
ومن فوائده: جواز إقامة السّيّد الحدّ على رقيقه، أو من كان في حكم الرّقيق، لأنّ هذا الرّجل قتلها والقتل نوع من الحدّ وإن كان ليس حدّا، القتل على الرّدّة ليس حدّا في الواقع، لأنّ الحدّ لا يمكن إسقاطه والقتل الواجب بالرّدّة يمكن إسقاطه بالتّوبة ولو بعد القدرة عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ مَن أُبيح قتله جاز قتله على أيّ صفة كان، يعني بمعنى: أنّه لا يكون القتل ذبحاً ،لأنّ هذا الرّجل طعنها في بطنها، ولكن لا يجوز أن يقتل على سبيل التّمثيل به أو على سبيل التألم به أكثر لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ).
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الإشهاد على الأحكام، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( ألا اشهدوا فإنّ دمها هدر ) ، مع أنّه عليه الصّلاة والسّلام لا يحتاج إلى إشهاد ، لكن هذا من باب تأكيد الحكم : أنّ دمها هدر، ثمّ انتهى باب: " قتال الجاني وقتل المرتدّ " .
وذكر المؤلّف : " كتاب الحدود " ، وفي فصله كتاب الحدود عن قتل المرتدّ دليل على أنّ قتل المرتدّ ليس من الحدود.
وما يكتبه بعض الكتّاب المعاصرين فيذكر أنّ قتل المرتدّ من الحدود فإنّ هذا وهم منه وليس من الحدود في شيء، لأنّ الحدود إذا وصلت السّلطان وجبت إقامتها على كلّ حال، أمّا المرتدّ فإذا وصل إلى السّلطان واستتابه وتاب، وجب رفع القتل عنه.
قال المؤلّف -رحمه الله-: " كتاب الحدود " :
الحدود : جمع حدّ وهو في اللّغة الشّيء الفاصل بين شيئين، وسمّي حدّا لأنّه يمنع امتزاج كلّ واحدٍ بالآخر، ومنه حدود الأرض وهي: المراسيم التي تُجعل بين أرض زيد وعمرو، أمّا في الشّرع فله إطلاقات :
منها : المناهي ، ومنها: الواجبات، يعني أنّ المناهي تسمّى حدودا والواجبات تسمّى حدودا، فما نهي عن تجاوزه فهو أوامر، وما نهي عن الدّخول فيه فهو نواهي.
يعني إذا قيل: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) فهذه نواهي، وإذا قيل: (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )) فهذه أوامر، لماذا؟
لأنّ الواجبات يكون الإنسان داخلها في ضمنها، فلا يجوز أن يتعدّاها، والنّواهي الأصل أن يكون؟
الطالب : خارجًا منها.
الشيخ : خارجًا منها، فلا يقربها، ولذلك نقول: إذا كانت الآية : (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )) فاعلم أنّها أوامر، وإذا كان في الآية: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) : فهي نواهي.
مثال ذلك : قوله تبارك وتعالى في آية الطّلاق لما ذكر ما يجب على المطلّق وعلى المطلّقة قال: (( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه )) ، لأنّها أوامر.
وقال تبارك وتعالى: (( تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون )) : لما ذكر ما يتعلّق بأموال اليتامى وغيرها قال: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) .
والمهمّ أن القاعدة : " أنّ ما كان من النّواهي فإنّه يقال فيه: لا تقربوها، وما كان من الأوامر يقال فيه: لا تعتدوها " .
يطلق أيضًا الحدّ في الشّرع على العقوبة وهو المراد هنا ونحدّه بأنّه: " عقوبة مقدّرة شرعا في معصية لتكون كفّارة للفاعل ورادعة عن الفعل ".
تكون كفارة للفاعل ورادعة عن الفعل، فإنّ السارق إذا كان يعلم أنّه إذا سرق قطعت يده فإنّ هذا سيمنعه ويردعه عن السّرقة، الزّاني إذا علم أنّه سيجلد ويغرّب إن كان بكرا سوف يردعه، وإن كان ثيّبا فسوف يرجم فسيردعه، إذن فتعريف الحدود هنا:
" عقوبة مقدّرة شرعا في معصية لتكون كفّارة للفاعل ورادعة عن الفعل " ، هذه الحكمة من الحدود.
والحدود إقامتها فرض واجب، لقوله تعالى: (( والسارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما )) وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأنّ القرينة تؤيّده إذ أنّ قطع عضو من معصوم حرام، والحرام لا ينتهك إلاّ إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : إلاّ بواجب، وكذلك: (( الزّانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة )) يدلّ على وجوب إقامة الحدّ.
وقد صرّح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه فريضة حيث قال: ( وإنّ الرجم فريضة على من زنى إذا أحصن ) ، وعلى هذا فإقامة الحدود واجبة، على من؟
يعني من الذي يخاطب؟
يخاطب بذلك وليّ الأمر، فإذا ترك حدّا من الحدود لم يقمه كان تاركاً لواجب، ثمّ إنّ الحدود تجب إقامتها على الشّريف والوضيع، والغنيّ والفقير، والحرّ والعبد، والذّكر والأنثى، والقريب مِن ولي الأمر والبعيد من وليّ الأمر، حتى إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أقسم وهو الصّادق البارّ : بأنّ فاطمة بنت محمّد لو سرقت لقطع يدها.
بدأ المؤلف -رحمه الله- بحدّ الزّنا فقال: " باب حدّ الزّنا " :
وذلك لأنّ الزّنا فاحشة، وسقوط، وسفول بالإنسان، وشرّ مستطير في المجتمع، فكان أولى أن يبدأ به.
والزّنى فعل الفاحشة في قبل أو دبر، هذا تعريفه: " فعل الفاحشة في قُبُل أو دبر " ، ولكن لا بدّ أن يكون من آدميّ، فلا يعتبر فعل الفاحشة في البهيمة لا يعتبر زنا ، ولهذا لا يجب الحدّ على من أتى البهيمة، فالزنا إذن فعل الفاحشة في قبل أو دبر من آدميّ.
قال: " عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما : ( أنّ رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ) " :
أنّ رجلا من الأعراب، الرّجل هنا مبهم، ونحن لا يعنينا تعيين المبهم إذا لم يتغيّر بإبهامه الحكم -انتبهوا- لا يعنينا أن نعرف المبهم متى؟
إذا لم يتغيّر بإبهامه الحكم، إذا صار ذكره أو عدم ذكره على حدّ سواء لا يتغيّر به الحكم، فإنّ هذا لا يهمّنا، الذي يهمّنا هي القضيّة، القضيّة الواقعة سواء كان الذي وقعت منه فلانة أم فلان ولهذا قال: " أنّ رجلا من الأعراب " والأعراب اسم جمع للأعرابي وهم سكّان البادية، والغالب على الأعراب الجهل، هذا الغالب عليهم لقول الله تبارك وتعالى: (( الأعراب أشدّ كفرًا ونفاقًا وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )) ، ولكن مِن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتّخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرّسول، لأنّ الغالب عليهم الجهل، فقال: " ( فقال: يا رسول الله ! أنشدك الله إلاّ قضيت لي بكتاب الله ) " : هذه كلمة عظيمة أن توجّه للرّسول صلّى الله عليه وسلّم لكن من الموجِّه ومن الموجَّه إليه؟
الطالب : أعرابي.
الشيخ : الموجّه أعرابي، الناس عنده سواء، والموجَّه إليه أحلمُ الخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وإلاّ كلمة عظيمة : " أنشدك الله " يعني : أذكّرك الله عزّ وجلّ وأعاهدك به أن تقضي بيننا بكتاب الله، وهذا لا يحتاج إليه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لأنّه إذا قضى فسوف يقضي بكتاب الله ولا بدّ.
( أنشدك الله إلاّ قضيت ) : قال العلماء : إنّ قوله ( إلاّ قضيت ) فيها إشكال من أنّها وردت على جملة مثبتة، نعم فقالوا : إنّ أنشدك على تقدير ما، أي: ما أنشدك إلاّ قضيت، يعني ما أنشدك إلاّ القضاء بكتاب الله، أعرفتم؟
وعلى هذا فتكون إلاّ حرف استثناء مفرّغ وليست المثبتة، لأنّ أنشدك على تقدير ما أنشدك إلاّ كذا، إلاّ قضيت لي بكتاب الله تعالى، يعني: إلاّ حكمت، القضاء هنا بمعنى الحكم.
وقوله : بكتاب الله أي: بمقتضى كتاب الله، سواء كان من عند الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، أو من القرآن نفسه.
( فقال الآخر -خصمه- وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله ) :
قوله: ( قال الآخر وهو أفقه ) : جملة : وهو أفقه جملة معترضة ، تبيّن حال الرّجل الثاني وهو أنّه أفقه من الأوّل.
ولكن من أين علم الرّاوي أنّه أفقه؟
يحتمل أنّه علم أنّه الأفقه بأنّه لم يقل: كما قال الأعرابي: ( أنشدك الله ) ، أو أنّه يعلم من حاله أنّه أفقه لكونه مدنيّا، وحاضرا من أهل الإقامة والمدينة والغالب أنّ هؤلاء أفقه من الأعراب.
المهمّ أنّه قد تبيّن له أي: للرّاوي أنّه أفقه من الأوّل، قال: ( نعم ) : نعم هنا حرف جواب لكنّها ليست حرف جواب في الواقع ، ولكنّها لتحقيق ما سبق ويستعملها العلماء كثيرا في كتبهم ، ولا سيما العلماء الذين يكتبون كتابة مستقلّة، تجده يكتب ثم يقول : نعم لو كان كذا وكذا، فهي حرف لتصديق ما سبق هنا، وإلاّ فالأصل أنّها جواب، جواب لاستفهام.
( فاقض بيننا بكتاب الله ) : اقض، الأمر هنا ليس للوجوب طبعا، لأنّه ليس في مرتبة تؤهّله بأن يأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سبيل الوجوب ، ولكنّا نقول : إنّها من باب الإلتماس والترجي وما أشبه ذلك.
( فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي ) : يعني أرخص لي أن أتكلّم ، وهذا من أدبه، أنّه استأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتكلّم والأعرابي؟
الطالب : لم يستأذن .
الشيخ : استأذن وإلاّ ما استأذن؟
الطالب : لم يستأذن.
الشيخ : الأعرابيّ لم يستأذن، بل قال ذلك الكلام الغليظ.
( وائذن لي، فقال: قل ) : يعني قل ما شئت، وهذا إذن.
( قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته ) : على هذا : يعني الأعرابي، وعسيفًا : بمعنى أجيرًا، فهو كأجير لفظا ومعنى، وإن شئت قلت: كأجير وزنا ومعنى، فمعنى عسيفا أي: أجيرا عليه يعني قد استأجره لرعي إبله أو غنمه أو ما أشبه ذلك.
( فزنى بامرأته ) الزّاني من؟
الطالب : الأجير.
الشيخ : العسيف، الابن، ويظهر أنّ هذا شابّ.
( وإنّي أُخبرت أنّ على ابني الرّجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة ) : أُخبرت أخبره بلا شكّ رجل جاهل، جاهل مركّب أو جهل بسيط؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : كيف؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : مركّب؟ ليش؟
الطالب : لأنه أخبره بباطل .
الشيخ : لأنّه أخبره بما ليس هو الحقّ، فهو جاهل مركّب، ويقول العلماء : الجاهل المركّب هو الذي لا يعلم ولا يدري أنّه لا يعلم ، ولهذا ركّب جهله من كونه لا يعلم الواقع، ولا يعلم بحاله أنّه لا يعلم، فهو في الحقيقة مركّب من جهلين .
والبسيط هو الذي لا يعلم ويعلم أنّه لا يعلم، مثال ذلك ثلاثة رجال سألنا أحدهم فقلنا له : متى كانت غزوة الخندق؟
قال : كانت غزوة الخندق في رمضان في السّنة الثامنة من الهجرة، إيش هذا؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : هذا جهل مركّب؟ ليش؟
لأنّ غزوة الخندق في شوّال في السّنة الخامسة، وهذا قال في رمضان في السّنة الثامنة.
وسألنا الآخر فقال: لا أدري، هذا جهل بسيط.
وسألنا الثالث فقال في شوّال سنة خمسة من الهجرة، هذا عالم، فالذين أخبروه أنّ عليه الرّجم هؤلاء جهّال جهلا مركّبا.
نعم طيب ( فافتديت منه ) : فافتديت منه يعني: أعطيت فداء عن ابني، الرّجم يعني يقتل .
( بمائة شاة ووليدة ) : مائة شاة معروفة، وهي الواحد من الضّأن أو أعمّ من ذلك، أو الأنثى من الضّأن، المهمّ أنّها واحدة من الغنم، ووليدة من الوليدة؟ يعني أَمَة.
( فسألت أهل العلم ) : فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، أهل العمل أخبروه بالحقّ أنّه لا يجب الرّجم على ابنه وأنّ عليه جلد مائة وتغريب عام.
( وأنّ على امرأة هذا الرّجل ) : كان بالأوّل الأعرابي أتاه مائة شاة ووليدة وامرأته سالمة من فتوى الجهلة، لكن الآن صار الرّجم على امرأته، امرأة الأعرابي وهذا ليس عليه إلاّ جلد مائة وتغريب عام.
جلد مائة بماذا؟
قال العلماء : يجلد بسوط لا جديد ولا خَلَق.
ومن فوائده: جواز إقامة السّيّد الحدّ على رقيقه، أو من كان في حكم الرّقيق، لأنّ هذا الرّجل قتلها والقتل نوع من الحدّ وإن كان ليس حدّا، القتل على الرّدّة ليس حدّا في الواقع، لأنّ الحدّ لا يمكن إسقاطه والقتل الواجب بالرّدّة يمكن إسقاطه بالتّوبة ولو بعد القدرة عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ مَن أُبيح قتله جاز قتله على أيّ صفة كان، يعني بمعنى: أنّه لا يكون القتل ذبحاً ،لأنّ هذا الرّجل طعنها في بطنها، ولكن لا يجوز أن يقتل على سبيل التّمثيل به أو على سبيل التألم به أكثر لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ).
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الإشهاد على الأحكام، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( ألا اشهدوا فإنّ دمها هدر ) ، مع أنّه عليه الصّلاة والسّلام لا يحتاج إلى إشهاد ، لكن هذا من باب تأكيد الحكم : أنّ دمها هدر، ثمّ انتهى باب: " قتال الجاني وقتل المرتدّ " .
وذكر المؤلّف : " كتاب الحدود " ، وفي فصله كتاب الحدود عن قتل المرتدّ دليل على أنّ قتل المرتدّ ليس من الحدود.
وما يكتبه بعض الكتّاب المعاصرين فيذكر أنّ قتل المرتدّ من الحدود فإنّ هذا وهم منه وليس من الحدود في شيء، لأنّ الحدود إذا وصلت السّلطان وجبت إقامتها على كلّ حال، أمّا المرتدّ فإذا وصل إلى السّلطان واستتابه وتاب، وجب رفع القتل عنه.
قال المؤلّف -رحمه الله-: " كتاب الحدود " :
الحدود : جمع حدّ وهو في اللّغة الشّيء الفاصل بين شيئين، وسمّي حدّا لأنّه يمنع امتزاج كلّ واحدٍ بالآخر، ومنه حدود الأرض وهي: المراسيم التي تُجعل بين أرض زيد وعمرو، أمّا في الشّرع فله إطلاقات :
منها : المناهي ، ومنها: الواجبات، يعني أنّ المناهي تسمّى حدودا والواجبات تسمّى حدودا، فما نهي عن تجاوزه فهو أوامر، وما نهي عن الدّخول فيه فهو نواهي.
يعني إذا قيل: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) فهذه نواهي، وإذا قيل: (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )) فهذه أوامر، لماذا؟
لأنّ الواجبات يكون الإنسان داخلها في ضمنها، فلا يجوز أن يتعدّاها، والنّواهي الأصل أن يكون؟
الطالب : خارجًا منها.
الشيخ : خارجًا منها، فلا يقربها، ولذلك نقول: إذا كانت الآية : (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )) فاعلم أنّها أوامر، وإذا كان في الآية: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) : فهي نواهي.
مثال ذلك : قوله تبارك وتعالى في آية الطّلاق لما ذكر ما يجب على المطلّق وعلى المطلّقة قال: (( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه )) ، لأنّها أوامر.
وقال تبارك وتعالى: (( تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون )) : لما ذكر ما يتعلّق بأموال اليتامى وغيرها قال: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) .
والمهمّ أن القاعدة : " أنّ ما كان من النّواهي فإنّه يقال فيه: لا تقربوها، وما كان من الأوامر يقال فيه: لا تعتدوها " .
يطلق أيضًا الحدّ في الشّرع على العقوبة وهو المراد هنا ونحدّه بأنّه: " عقوبة مقدّرة شرعا في معصية لتكون كفّارة للفاعل ورادعة عن الفعل ".
تكون كفارة للفاعل ورادعة عن الفعل، فإنّ السارق إذا كان يعلم أنّه إذا سرق قطعت يده فإنّ هذا سيمنعه ويردعه عن السّرقة، الزّاني إذا علم أنّه سيجلد ويغرّب إن كان بكرا سوف يردعه، وإن كان ثيّبا فسوف يرجم فسيردعه، إذن فتعريف الحدود هنا:
" عقوبة مقدّرة شرعا في معصية لتكون كفّارة للفاعل ورادعة عن الفعل " ، هذه الحكمة من الحدود.
والحدود إقامتها فرض واجب، لقوله تعالى: (( والسارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما )) وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأنّ القرينة تؤيّده إذ أنّ قطع عضو من معصوم حرام، والحرام لا ينتهك إلاّ إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : إلاّ بواجب، وكذلك: (( الزّانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة )) يدلّ على وجوب إقامة الحدّ.
وقد صرّح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه فريضة حيث قال: ( وإنّ الرجم فريضة على من زنى إذا أحصن ) ، وعلى هذا فإقامة الحدود واجبة، على من؟
يعني من الذي يخاطب؟
يخاطب بذلك وليّ الأمر، فإذا ترك حدّا من الحدود لم يقمه كان تاركاً لواجب، ثمّ إنّ الحدود تجب إقامتها على الشّريف والوضيع، والغنيّ والفقير، والحرّ والعبد، والذّكر والأنثى، والقريب مِن ولي الأمر والبعيد من وليّ الأمر، حتى إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أقسم وهو الصّادق البارّ : بأنّ فاطمة بنت محمّد لو سرقت لقطع يدها.
بدأ المؤلف -رحمه الله- بحدّ الزّنا فقال: " باب حدّ الزّنا " :
وذلك لأنّ الزّنا فاحشة، وسقوط، وسفول بالإنسان، وشرّ مستطير في المجتمع، فكان أولى أن يبدأ به.
والزّنى فعل الفاحشة في قبل أو دبر، هذا تعريفه: " فعل الفاحشة في قُبُل أو دبر " ، ولكن لا بدّ أن يكون من آدميّ، فلا يعتبر فعل الفاحشة في البهيمة لا يعتبر زنا ، ولهذا لا يجب الحدّ على من أتى البهيمة، فالزنا إذن فعل الفاحشة في قبل أو دبر من آدميّ.
قال: " عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما : ( أنّ رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ) " :
أنّ رجلا من الأعراب، الرّجل هنا مبهم، ونحن لا يعنينا تعيين المبهم إذا لم يتغيّر بإبهامه الحكم -انتبهوا- لا يعنينا أن نعرف المبهم متى؟
إذا لم يتغيّر بإبهامه الحكم، إذا صار ذكره أو عدم ذكره على حدّ سواء لا يتغيّر به الحكم، فإنّ هذا لا يهمّنا، الذي يهمّنا هي القضيّة، القضيّة الواقعة سواء كان الذي وقعت منه فلانة أم فلان ولهذا قال: " أنّ رجلا من الأعراب " والأعراب اسم جمع للأعرابي وهم سكّان البادية، والغالب على الأعراب الجهل، هذا الغالب عليهم لقول الله تبارك وتعالى: (( الأعراب أشدّ كفرًا ونفاقًا وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )) ، ولكن مِن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتّخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرّسول، لأنّ الغالب عليهم الجهل، فقال: " ( فقال: يا رسول الله ! أنشدك الله إلاّ قضيت لي بكتاب الله ) " : هذه كلمة عظيمة أن توجّه للرّسول صلّى الله عليه وسلّم لكن من الموجِّه ومن الموجَّه إليه؟
الطالب : أعرابي.
الشيخ : الموجّه أعرابي، الناس عنده سواء، والموجَّه إليه أحلمُ الخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وإلاّ كلمة عظيمة : " أنشدك الله " يعني : أذكّرك الله عزّ وجلّ وأعاهدك به أن تقضي بيننا بكتاب الله، وهذا لا يحتاج إليه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لأنّه إذا قضى فسوف يقضي بكتاب الله ولا بدّ.
( أنشدك الله إلاّ قضيت ) : قال العلماء : إنّ قوله ( إلاّ قضيت ) فيها إشكال من أنّها وردت على جملة مثبتة، نعم فقالوا : إنّ أنشدك على تقدير ما، أي: ما أنشدك إلاّ قضيت، يعني ما أنشدك إلاّ القضاء بكتاب الله، أعرفتم؟
وعلى هذا فتكون إلاّ حرف استثناء مفرّغ وليست المثبتة، لأنّ أنشدك على تقدير ما أنشدك إلاّ كذا، إلاّ قضيت لي بكتاب الله تعالى، يعني: إلاّ حكمت، القضاء هنا بمعنى الحكم.
وقوله : بكتاب الله أي: بمقتضى كتاب الله، سواء كان من عند الرّسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، أو من القرآن نفسه.
( فقال الآخر -خصمه- وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله ) :
قوله: ( قال الآخر وهو أفقه ) : جملة : وهو أفقه جملة معترضة ، تبيّن حال الرّجل الثاني وهو أنّه أفقه من الأوّل.
ولكن من أين علم الرّاوي أنّه أفقه؟
يحتمل أنّه علم أنّه الأفقه بأنّه لم يقل: كما قال الأعرابي: ( أنشدك الله ) ، أو أنّه يعلم من حاله أنّه أفقه لكونه مدنيّا، وحاضرا من أهل الإقامة والمدينة والغالب أنّ هؤلاء أفقه من الأعراب.
المهمّ أنّه قد تبيّن له أي: للرّاوي أنّه أفقه من الأوّل، قال: ( نعم ) : نعم هنا حرف جواب لكنّها ليست حرف جواب في الواقع ، ولكنّها لتحقيق ما سبق ويستعملها العلماء كثيرا في كتبهم ، ولا سيما العلماء الذين يكتبون كتابة مستقلّة، تجده يكتب ثم يقول : نعم لو كان كذا وكذا، فهي حرف لتصديق ما سبق هنا، وإلاّ فالأصل أنّها جواب، جواب لاستفهام.
( فاقض بيننا بكتاب الله ) : اقض، الأمر هنا ليس للوجوب طبعا، لأنّه ليس في مرتبة تؤهّله بأن يأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سبيل الوجوب ، ولكنّا نقول : إنّها من باب الإلتماس والترجي وما أشبه ذلك.
( فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي ) : يعني أرخص لي أن أتكلّم ، وهذا من أدبه، أنّه استأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتكلّم والأعرابي؟
الطالب : لم يستأذن .
الشيخ : استأذن وإلاّ ما استأذن؟
الطالب : لم يستأذن.
الشيخ : الأعرابيّ لم يستأذن، بل قال ذلك الكلام الغليظ.
( وائذن لي، فقال: قل ) : يعني قل ما شئت، وهذا إذن.
( قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته ) : على هذا : يعني الأعرابي، وعسيفًا : بمعنى أجيرًا، فهو كأجير لفظا ومعنى، وإن شئت قلت: كأجير وزنا ومعنى، فمعنى عسيفا أي: أجيرا عليه يعني قد استأجره لرعي إبله أو غنمه أو ما أشبه ذلك.
( فزنى بامرأته ) الزّاني من؟
الطالب : الأجير.
الشيخ : العسيف، الابن، ويظهر أنّ هذا شابّ.
( وإنّي أُخبرت أنّ على ابني الرّجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة ) : أُخبرت أخبره بلا شكّ رجل جاهل، جاهل مركّب أو جهل بسيط؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : كيف؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : مركّب؟ ليش؟
الطالب : لأنه أخبره بباطل .
الشيخ : لأنّه أخبره بما ليس هو الحقّ، فهو جاهل مركّب، ويقول العلماء : الجاهل المركّب هو الذي لا يعلم ولا يدري أنّه لا يعلم ، ولهذا ركّب جهله من كونه لا يعلم الواقع، ولا يعلم بحاله أنّه لا يعلم، فهو في الحقيقة مركّب من جهلين .
والبسيط هو الذي لا يعلم ويعلم أنّه لا يعلم، مثال ذلك ثلاثة رجال سألنا أحدهم فقلنا له : متى كانت غزوة الخندق؟
قال : كانت غزوة الخندق في رمضان في السّنة الثامنة من الهجرة، إيش هذا؟
الطالب : مركّب.
الشيخ : هذا جهل مركّب؟ ليش؟
لأنّ غزوة الخندق في شوّال في السّنة الخامسة، وهذا قال في رمضان في السّنة الثامنة.
وسألنا الآخر فقال: لا أدري، هذا جهل بسيط.
وسألنا الثالث فقال في شوّال سنة خمسة من الهجرة، هذا عالم، فالذين أخبروه أنّ عليه الرّجم هؤلاء جهّال جهلا مركّبا.
نعم طيب ( فافتديت منه ) : فافتديت منه يعني: أعطيت فداء عن ابني، الرّجم يعني يقتل .
( بمائة شاة ووليدة ) : مائة شاة معروفة، وهي الواحد من الضّأن أو أعمّ من ذلك، أو الأنثى من الضّأن، المهمّ أنّها واحدة من الغنم، ووليدة من الوليدة؟ يعني أَمَة.
( فسألت أهل العلم ) : فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، أهل العمل أخبروه بالحقّ أنّه لا يجب الرّجم على ابنه وأنّ عليه جلد مائة وتغريب عام.
( وأنّ على امرأة هذا الرّجل ) : كان بالأوّل الأعرابي أتاه مائة شاة ووليدة وامرأته سالمة من فتوى الجهلة، لكن الآن صار الرّجم على امرأته، امرأة الأعرابي وهذا ليس عليه إلاّ جلد مائة وتغريب عام.
جلد مائة بماذا؟
قال العلماء : يجلد بسوط لا جديد ولا خَلَق.