وعنها رضي الله عنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : ثم قال :
" وعنها رضي الله عنها قالت : ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمسٍ معلومات . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن ) رواه مسلم " :
قولها : ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات ) : ( أُنزل ) مَن المنزل ؟ الله ، ولا مانع أن نبني الإنزال للمجهول ، وذلك للعلم بالفاعل .
وقد قال الله تعالى في الكتاب العزيز : (( شهر رمضان الَّذي أُنزل فيه القرءان )) ، وقال : (( إنَّا أنزلنه في ليلة القدر )) : فالذي أنزل القرآن هو الله عز وجل ، (( كتابٌ أنزلنه إليك مباركٌ )) .
والذي نزل به جبريل أفضل الرسل وأقواهم وأشدهم أمانة ، وكلهم أمناء وأقوياء ، لكن الخلق يتفاوتون .
نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : ( عشر رضعات معلومات يحرمن ) : عشر رضعات معلومات حِسًا أو حكمًا ؟ بمعنى أنه لا بد أن نعلم أن العشر حصلت أو معلومات بالشرع ؟
الطالب : بالاثنين .
الشيخ : آه الاثنين ، بالشرع وبالحس ، الشرع معلوم بما جاءت به السنة ، ( ثم نسخن بخمس معلومات ) : نسخن يعني رفع حكمهن بل ولفظهن أيضاً ، لأننا لا نجد في القرآن شيئا في ذلك ، فنسخ اللفظ ونسخ الحكم .
( بخمس معلومات ) يعني يحرمن .
( فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن ) : ( توفي ) أي : قبض ، والذي توفاه الله عز وجل ، وحذف الفاعل للعلم به ، ويقال : توفي ولا يقال : توفى ، يعني لا يقال توفى فلان بل يقال توفي فلان ، كما قال تعالى : (( الله يتوفَّى الأنفس حين موتها )) ، (( قل يتوفَّكم مَّلك الموت )) ، (( حتَّى إذا جاء أحدكم الموت توفَّته رسلنا )) : فالإنسان متوفَّى ، وما يذكره بعض الناس من هذا التعبير : توفى فلان ، فهذا ليس بصحيح ، وإن كان له وجه بعيد على أنه توفى بمعنى استوفى أجله ورزقه ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ) ، لكن هذا بعيد . ( توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي -أي : الخمس- فيما يقرأ من القرآن ) : فيما يقرأ من القرآن أي : أن الناس يقرؤونها بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام .
هذا الحديث كما علمتم خبر ، خبر آحاد انفرد به مسلم عن البخاري ، وفيه نوع من الغرابة أو النكارة في متنه ، ولهذا طعن فيه كثير من المتأخرين وقال : هذا الحديث لا يصح ، كيف ذلك ؟ قال : كيف يثبت أنها مِن القرآن بعد وفاة الرسول ثم تنسخ ، ولا نسخ بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكون مدلول الحديث هذا يطعن في صحته عِلة مُعلِلة ، لأنه كيف يموت الرسول عليه الصلاة والسلام وهي فيما يقرأ من القرآن وقد قال الله تعالى : (( إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحفظون )) ، والآن ابحث في القرآن من أوله إلى آخره لا تجد شيئا ، إذًا فالحديث منكر ، الحديث منكر ، لأنه مخالف لما يعلم بالضرورة من الدين ، القرآن محفوظ ، وهذا الحديث مدلوله : أن هذا الحكم باقي وهي قراءتها في الكتاب العزيز حتى توفي الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولا شك أن هذا علة معلِلة مؤثرة ، ولكن جمهور العلماء أجابوا عنه ، قالوا : إن معنى قولها : ( توفي وهي فيما يقرأ ) لأن الجملة ( وهي فيما يقرأ ) حال : أن النسخ كان متأخرا نعم ، ولم يعلم به كثير من الناس فصاروا يقرؤون القرآن على أنها محكمة ثابتة فيه ، ولم يعلموا بالنسخ ، ثم بعد ذلك علم الناس ، وعند جمع المصحف في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان أزيلت لأنها منسوخة ، منسوخة لفظا .
فإن قال قائل : نسخ اللفظ مشكل أيضًا لأن الله يقول : (( إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحفظون )) ، فكيف ينسخ اللفظ ؟
والجواب : أنه ينسخ اللفظ لأن الله قال : (( وإنَّا له لحفظون )) : فحافظه هو الذي إيش ؟ هو الذي نسخه ، وقد ثبت في * الصحيحين * من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال معلنا على المنبر : " كان فيما أنزل الله من القرآن آية الرجم ، فقرآناها ووعيناها وحفظناها ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده " : وهذا متفق عليه ولا إشكال فيه ، فالذي قال : (( إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحفظون )) هو الذي ينسخ ما يشاء ، (( يمحوا الله ما يشاء ويثبت )) وحينئذ لا إشكال في نسخ اللفظ ، لكن الخبر الذي معنا المشكل فيه أنها قالت : ( توفي وهي فيما يُقرأ من القرآن ) ، هذا وجه الإشكال ، وأما نسخ اللفظ فمعهود .
والجواب عند الجمهور كما سمعتم ما هو ؟ أن النسخ كان متأخرا ولم يعلم به كثير من الناس ، فكانوا يتلون الآية على أنها محكمة باقية ، ثم تبين بعد ذلك أنها منسوخة .