وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ) . رواه الترمذي وصححه هو والحاكم . حفظ
الشيخ : نأخذ درس اليوم بعد هذه .
بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله : " عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ) رواه الترمذي وصححه هو والحاكم " :
قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا يحرم من الرضاع إلا ) : هذه الجملة فيها حصر ، فما طريقه ؟
النفي والاستثناء ، طريقه النفي والاستثناء لأن الحصر له طرق متعددة ، أقواها النفي والاستثناء ، لا إله إلا الله ، وبإنما في المرتبة الثانية : (( إنَّما الله إلهٌ واحدٌ )) .
يأتي تقديم ما حقه التأخير يفيد أيضًا الحصر مثل : (( ولله ملك السَّموات والأرض )) .
يأتي ضمير الفصل يفيد الحصر : زيد هو الفاضل ، يعني لا غير ، يأتي إذا كانت الجملة المكونة من مبتدأ وخبر كلاهما معرفة فإنها تفيد الحصر عند الجمهور مثل : القائم زيد .
فالمهم أن الحصر له طرق بعضها أقوى من بعض .
هذا الذي معنا : ( لا يحرم من الرضاع إلا ) هي أقواها ، وقوله : ( إلا ما فتق الأمعاء ) : لو أخذنا بهذه الجملة لكان الذي يحرم من الرضاع هو ما يرضعه الطفل أول مرة ، لأنه هو الذي يفتق أمعاءه ، إذ إن أمعاء الطفل حين الولادة غير منفتقة ، لأنه يتغذى في بطن أمه بواسطة الصرة ، إذ أنه لا يأكل ولا يشرب ، ولكن يتغذى من دم أمه بواسطة الصرة ، هذه الصرة بإذن الله كعرق النخلة في الأرض ، يمتص من الدم ما به ينمو ويحيا ، حتى يأذن الله له بالخروج وحينئذ يرتضع من أمه بطريق أخرى ، وهما الثديان اللذان ركبهما الله عز وجل على الصدر ، ليكون الطفل حين رضاعه في حضن أمه ، فيكون هذا أقوى للحنان من أمه عليه ، ويكون أريح له أيضًا لأنه سيبقى مضطجعًا على فخذيها وتدلى عليه هذه الثدي ، والله سبحانه عليم حكيم .
المهم أن ظاهر الحديث في الجملة الأولى : " أنه لا يحرم إلا ما كان أول رضعة " ، لأنه هو الذي بها تنفتق الأمعاء ، ولكنه قال : ( وكان قبل الفطام ) ، فأشار في قوله : ( وكان قبل الفطام ) إلى أن العلة هي الفطام ، وعلى هذا فيكون فتق الأمعاء في أول رضعة فتقًا حقيقيًا ، وفتقها فيما بعد فتقًا حكميًا لأنها عند الجوع تنسفط ، فإذا جاءها الغذاء باللبن انفتقت ، ( وكان قبل الفطام ) : ومتى يكون الفطام ؟ الفطام في الأصل يكون عند تمام الحولين لقوله تعالى : (( وحمله وفصله ثلاثون شهرًا )) وقال : (( وفصاله في عامين )) وقال : (( والولدت يرضعن أولدهنَّ حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة )) هذا هو الأصل لكن من الأطفال من ينمو سريعاً ولا يحتاج إلى الرضاع إلا لمدة أقل من الحولين ، فإذا فطم لأقل من حولين تم الفطام .
ومن الأطفال من يكون نموه ضعيفا إما لوراثة وإما لمرض وإلا لقلة لبن أو لغير ذلك ، المهم هذا يحتاج إلى إلى زيادة عن الحولين ، والحكم يدور مع علته ، ولهذا لما قال الله عز وجل : (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وعلى المولود له رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف لا تكلَّف نفسٌ إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالًا )) ، (( فإن أرادا )) : الضمير يعود على الأم والأب ، (( فصالًا عن تراض منهما وتشاور )) : قيود ، تراضي وتشاور ، فالمسألة ليست بالهينة ، وهذا يدل على كمال رعاية الله عز وجل للأطفال وأن رعايته لهم أشد من رعاية الوالدين .
طيب المهم أن قوله : ( وكان قبل الفطام ) لو قال قائل : الفطام قبل الحولين أو بعدهما أو معهما ؟ قلنا ذلك يختلف بحسب حال الطفل ، طيب .