عن ابن عباس رضي الله عنهما :( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن - فذكر الحديث - وفيه : إن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم ). متفق عليه ، وللفظ للبخاري . حفظ
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن معاذ بن جبل رضي الله عنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أي أرسله وكان ذلك في ربيع الأول سنة عشر من الهجرة أي قبل موت الرسول صلى الله عليه وسلم بكم ؟ بسنة .
بعثه إلى اليمن داعيا ومعلما وحاكما بعثه يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويحكم بينهم والحكم هنا القضاء فذكر الحديث يعني ذكر ابن عباس الحديث رضي الله عنه لطوله ، وفيه أن أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن أجابوا أعلمهم بأن الله افترض عليهم صدقة ، خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أجابوا لذلك يقول وفيه ( أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم ) ، يعني فيه أنه قال له فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم متفق عليه . افترض بمعنى أوجب ، وأصل الفرض في اللغة الحذف والقطع ، ومنه سمي الحكم الحتمي فرضا لأنه مقطوع به لا يمكن أن يتخلف .
وقوله ( صدقة في أموالهم ) صدقة أي زكاة لا صدقة تطوع لأنه قال افترض والفرض لا يكون تطوعا ، وسمي بذل المال صدقة لأنه دليل على صدق إيمان باذله كيف ذلك ؟ لأننا نعلم أن المال محبوب إلى النفوس ، والنفوس لا يمكن أن يهون عليها بذل المحبوب إلا برجاء محبوب أعظم وكون الدافع يدفع ذلك لرجاء محبوب أعظم يدل على تصديقه تصديقه بثواب هذه الصدقة ، فلهذا سمي بذل المال صدقة .
وقوله ( تؤخذ من أغنيائهم ) : تؤخذ هنا مبني للمجهول فمن الآخذ ؟ الآخذ الإمام أو نائبه وهو الساعي .
وقوله ( من أغنيائهم ) أغنياء جمع غني والغني هو من عنده ما يستغني به عن غيره ، هذا في الأصل الغني هو الذي عنده ما يستغني به عن غيره ، ولكن يختلف الغنا باختلاف الأبواب فعندما نقول الغني في باب أهل الزكاة يكون المراد بالغني من عنده قوت نفسه وأهله لمدة سنة وعندما نقول الغني في زكاة الفطر نقول الغني من عنده زائد عن قوت يومه وليلته يوم العيد وعندما نقول غني في باب النفقات نقول هو من عنده ما يستطيع إنفاقه على من له النفقة عليه وعندما نقول الغني في باب الزكاة هنا نقول الغني هو الذي يملك نصابا زكويا نصابا زكويا فهنا قوله ( من أغنيائهم ) يعني من يملكون نصابا زكويا .
فإن قلت ماهو الدليل على ذلك أفلا تكون هذه الكلمة من الكلمات التي مرجعها العرف فالجواب : أننا لا نرد الكلمات إلى العرف إلا حيث لا يكون لها حقيقة شرعية ، فإن كان لها حقيقة شرعية فالواجب الرجوع إلى الشرع كما قيل :
" كل ما أتى ولم يحدد *** بالشرع كالحرز فبالعرف احدد "
إذا لم يحدد بالشرع أما هنا فقد حدد بالشرع قال النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل ( في كل خمس شاة ) إذن عرفنا الآن أن صاحب الإبل متى يكون غنيا إذا ملك خمسة وقال الرسول عليه الصلاة والسلام في الفضة ( ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة ) .
إذن فالذي يملك خمس أواق غني ولا لا ؟ يكون غنيا وفي الذهب عشرون دينارا فمن يملك عشرين دينارا يكون غنيا ، وهكذا الحبوب والثمار ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة فمن يملك خمسة أوسق فهو غني ، فهذا هو الذي أوجب لنا أن نخرج كلمة غني عن مدلولها العرفي إلى المدلول الشرعي لماذا ؟ هاه لأنه وجد لها مدلول شرعي محدد من قبل الشرع فلا يمكن أن نتعداه .
وقوله ( تؤخذ من أغنيائهم ) الإضافة هنا هل هي إضافة للجنس أو إضافة للقوم يعني هل المراد تؤخذ من أغنياء المسلمون عموما أو من أغنياء أهل اليمن فقط ؟ هاه الظاهر للجنس أنها عموما يعني تؤخذ من أغنياء الناس كلهم وبناء على ذلك فترد في فقرائهم ، فترد : أي الصدقة أي ترجع في فقرائهم .
وقوله ( في فقرائهم ) : دون إلى فقرائهم لأن رد في الغالب تتعدى بإلى لكن في أبلغ في الوصول لأن مدخولها يكون ظرفًا لما قبل فهي أبلغ من كلمة إلى .
وقوله ( في فقرائهم ) : من الفقير ؟ هاه إي نعم هل نقول إن الفقير ما كان فقيرًا عند الناس أو لا ؟ يرى بعض أهل العلم أن الفقير ما سمي فقيرٌ عند الناس وبناء على هذا فإن الفقر يكون أمرا نسبيًا يكون أمرا نسبيًا حط بالك ، وقال بعضهم إن الفقير هو الذي لا يجد ما يملك . طيب لو قال قائل لماذا لا تجعلون الفقير هو الذي لا يملك نصابًا زكويا لأن ظاهر الحديث التقابل فما دمتم قلتم إن الغني هو الذي يملك نصابا زكويًا فاجعلوا الفقير هو الذي لا يملك نصابا زكويا وقولوا من عنده خمس من الإبل فإنه لا يعطى من الزكاة لأنه ليس بفقير ومن عنده أربعون شاة لا يعطى من الزكاة لأنه إيش ؟ ليس بفقير ومن عنده خمس أواق من الفضة لا يعطى من الزكاة لأنه ليس بفقير لو قال قائل هكذا واستدل علينا بالمقابلة قال تؤخذ من الغني وترد إلى الفقير فالتقابل يقتضي أن الفقير هو ضد الغني والغني قلتم إنه من يملك نصابا زكويا فيكون الفقير من لا يملك .
فبماذا نرد على هذا نقول هذا لا شك أنه إيراد قوي لأن الأصل في الكلام إذا ذكر الشيء ومقابله أن يكون مقابله هو الذي يقابله في المعنى يكون ضده في المعنى ، ولكن نقول نحن إذا علمنا أن مقصود الشارع دفع حاجة المعطى صار تقييده بأن الفقير من لا يملك نصابا زكويًا غير وافٍ بالمقصود ، لأن الرجل قد يكون عنده عائلة كبيرة وخمس من الإبل ولا تكفيه ولا لمدة شهرين فيكون محتاجًا إلى الزكاة فما دمنا قد علمنا العلة وهي : أن المقصود بذلك إيش سد حاجة الفقير فليكن ذلك محققًا وقيدناه بالسّنَة لما أشرنا إليه من قبل أن الزكاة حولية وإلا فقد يقول قائل أعطوا الفقير حتى يكون غنيا مكتفيا يكون غنيا مكتفيا ، ولكن لو قال قائل هذ القول قلنا وما حد الاكتفاء صح ولا لا ؟ يعني لو قال أعطوه حتى يكون غني يكون اللي عنده يكفيه إلى الموت فهذا ما يمكن لا يمكن لأن مثل ذلك لا يُعلَم : إذا مات عن قرب صار كل شيء هاه يكفيه وإن عُمّر فهذا يحتاج إلى آلاف الألوف هذا لا يمكن تقديره .
نعم لو قال قائل أعطوا الفقير حتى تهيئوا له ما يمكن أن يعيش فيه لو قال قائل بهذا لكان له وجه ولكن متى يكون ذلك إذا لم نجد هناك حاجة شديدة يعني لو فرض أن المستوى العام للشعب مستوى جيد مستوى جيد ، وأردنا أن نؤمِّن مثلا نؤمِّن عمارة لهذا الفقير تكفيه من الزكاة فهذا جائز ، أما إذا كنا إذا أمّنا لهذا الفقير عمارة من الزكاة بمئة ألف حرمنا عشرات الفقراء الآخرين فلا ، لكن لو فرضنا أن الشعب متكامل يعني معناه أنه طيب الاقتصاد مزدهر اقتصاده فهذا وجه قوي : أن يشترى للفقير شيء يكفي نفقته على الاستمرار إما سيارات يكدّها مثلا وإلا عقارات يؤجرها حتى يكون غير محتاج .
وقوله ( تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) الإضافة هنا إضافة جنس أو إضافة قوم هاه
الطالب : فيه خلاف
الشيخ : إيه فيه الخلاف أيضا هو كالأول جنس هذا الصحيح لكن مع ذلك اختلف العلماء في هذه المسألة :
فقال بعضهم إلى فقرائهم أي فقراء قومهم بمعنى أن الزكاة أهل اليمن لأهل اليمن ما تخرج إلا إذا لم يوجد مستحق فتخرج لكن ما دام يوجد مستحق فإنها لا تصرف إلى غيرهم بأن يقال من أغنيائهم فترد في فقرائهم .
وذهب بعض أهل العلم إلى الإضافة هنا للجنس أي في فقراء المسلمين وعلى هذا القول فيجوز أن ننقل الزكاة من البلد إلى بلد آخر وسيأتي إن شاء الله في الفوائد ما يتبين به الأمر .
طيب طيب فهذا الحديث يقول متفق عليه واللفظ للبخاري وصدّر به المؤلف كتاب الزكاة لأن فيه التصريح بأن الزكاة فرض فرض افترض