وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ). متفق عليه ، واللفظ للبخاري . حفظ
الشيخ : قال وعن حكيم بن حزام رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) هذه مبتدأ وخبر يد عليا ويد سفلى .
اليد العليا خير من اليد السفلى لأن العليا عالية والسفلى نازلة وما هي اليد العليا ؟ فسرها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر بأن اليد العليا يد المعطي ، واليد السفلى يد الآخذ المُعطى ، وهذا ظاهر لأن المعطي أعلى رتبة من المعطى على كل تقدير ، فتكون يده هي اليد العليا .
وقيل إن اليد العليا هي يد المعطى بلا سؤال واليد السفلى يد المعطى بسؤال .
ولكن ما دام الأمر قد فسّر من جهة المتكلم به فإن تفسير غيره إن كان لا ينافيه أخذ به وإن كان ينافيه فإنه لا يؤخذ به لأن المتكلم بالكلام أعلم به من غيره إذن يد المعطي هي اليد العليا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسّرها بذلك واليد السفلى هي يد الآخذ وإنما كانت خيرا منها لأنها معطية باذلة ولأن لها منة وأما الأخرى فهي معطاة محتاجة متشوفة للغير .
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( وابدأ بمن تعول ) يعني إذا أعطيت فابدأ بمن تعول أي بمن تنفق عليهم وهم عائلتك الذين في بيتك ومنهم نفسك فإنك تعول نفسك إذ أنك مأمور بإحيائها وإبقائها ومنهي عن إتلافها والإضرار بها وقال ( وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ) خير الصدقة هل يشمل الزكاة أو المراد صدقة التطوع ؟ الظاهر أنه يعم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى والزكاة لابد أن تكون عن ظهر غنى لأنها لا تجب إلا في مال يبلغ النصاب وتجب جزءا قليلا وهو ربع العشر في الذهب والفضة والعروض ونصف العشر في الزروع التي تسقى بمؤونة والعشر كاملا في الزروع التي تسقى بلا مؤونة وأما الماشية فليس لها حد محدود ولكنها معينة من قبل الشارع طيب أما الصدقة صدقة التطوع فقد تكون عن ظهر غنى وقد لا تكون تكون عن ظهر غنى .
إذا تصدق الإنسان بما زاد عن كفايته وكفاية عياله حتى وإن كان فقيرا لو كان هو يعد من الفقراء لكنه عنده فاضل عن قوته وقوت عياله فتصدق به فهذا صدقته عن ظهر غنى مثال ذلك رجل يدخل عليه في كل يوم خمسة ريالات ونفقته وعائلته أربعة ريالات فتصدق بدرهم بريال يعني صدقته هذه عن ظهر غنى ولا لا عن ظهر غنى وهو يعد في هذا الدخل في وقتنا هذا من الفقراء ولا من الأغنياء ؟
الطالب : من الفقراء
الشيخ : ليش ؟ من الفقراء يعني قصدا عرفا ماهو شرعا ليش ؟ لأن راتبه في الشهر كم ؟ ثلاثمئة ما هو خمسة ريالات
الطالب : مئة وخمسين
الشيخ : مئة وخمسين ، إيه مئة وخمسون ريالا، مئة وخمسون ريالا عندنا ماهي شيء ، لكن مع ذلك نقول إن هذا الرجل تصدق بصدقة عن ظهر غنى .
طيب مفهومه أن الصدقة لا عن ظهر غنى ليست خير الصدقة يعني أن الإنسان لو تصدق بما ينقص كفايته وكفاية عائلته فليست الصدقة هذه خيرا انتبه .
ويؤيد هذا قوله ( ابدأ بمن تعول ) فإذا صرفت المال لغير من تعول فقد خالفت أمر النبي عليه الصلاة والسلام .
فلو قال قائل أنا أبي أتصدق بما يأتيني من راتب وأبقى أنا وأهلي في حاجة ؟ قلنا هذا ليس بصواب وليس هذا خير الصدقة ، بل خير الصدقة أن تتصدق عن إيش عن ظهر غنى بالفاضل عن كفايتك وكفاية عائلتك .
فإن قلت ما تقول في قوله تعالى (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) وهذا في مقام مدح من الأنصار رضي الله عنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ؟
فالجواب أن الإيثار ليس أمرًا دائمًا إنما هو يعرض لحاجة فيبقى هذا الإنسان جائعًا ويعطي غيره لكنه يجوع ثم يجد الكفاية يجوع ثم يجد الكفاية .
فإن قلت ما تقول في قصة أبي بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه حين حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فقال عمر الآن أسبق أبا بكر ثم جاء بنصف ماله فسأله النبي عليه الصلاة والسلام ما ترك لأهله ؟ قال الشطر ثم جاء أبو بكر بكل ماله فقال ماذا تركت لأهلك قال تركت لهم الله ورسوله فقال عمر لا أسابق أبابكر بعد هذا أبدا .
فأبوبكر رضي الله عنه أتى بكل ماله ليتصدق به فالجواب كما قال أهل العلم إن الإنسان له أن يتصدق بكل ماله بشرط أن يعلم من نفسه الصبر ويعلم من أهله الصبر أما إذا كان لا يعلم الصبر على التقشف لا هو ولا أهله فإنه لا يتصدق بكل ماله بل يجب عليه أن يبقي كفايته.
قال ( ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ) يستعفف يستغني الفرق بينهما : أن الاستعفاف هو فيما يتعلق بالشهوة الجنسية والاستغناء فيما يتعلق بالمال يعني من يستعفف عن المحرم سواء كان ذلك نظرا أو لمسا أو قولا أو فعلا نعم فعلا أريد به الزنا الأكبر.
فمن استعف أعفه الله عز وجل قال الله تعالى (( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله )) ، وقال (( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن )) (( وأن يستعففن خير لهن )) فمن يستعفف يعفه الله أي يعينه حتى يكون عفيفًا بدون تكلف العفة ، لأن تكلّف العفة مأخوذ من قوله : ( من يستعفف ) أما العفة التي تكون طبيعية فهو قوله ( يعفه الله ) .
ويحتمل أن يراد بقوله يعفه الله : أي يهيؤ له ما يعفه من زوجة أو مملوكة يمين ، فقوله يعفه الله يحتمل معنيين أحدهما : أن يجعل العفة طبيعة له لا ينظر بعد أن استعف ومرّن نفسه على العفة لا ينظر بعد ذلك إلى الشيء ، أو أن المعنى يعفه الله يهيء له ما يعفه من زوجة أو مملوكة يمين .
( ومن يستغن يغنه الله ) طيب من يستغن يغنه الله : يعني من يستغن عما في أيدي الناس من المال فإن الله تعالى يغنيه . وهل المعنى يغنه الله أي يرزقه مالًا يستغني به عن غيره ؟ أو المعنى أن الله يجعل الغنى في قلبه وليس الغنى عن كثرة العرَضَ وإنما الغنى هاه غنى النفس أيهما ؟ هاه
الطالب : الأول
الشيخ : هاه لا ، شامل للأمرين ، شامل للأمرين .
كم من إنسان خزائنه مملوءة لكنه قلبه معدم والعياذ بالله تجد المال كثيرا عنده لكنه كالأرض الرملية لا تروى من الماء فهو لا يروى من المال أبدا ، وكم من إنسان ليس عنده إلا شيء يسير جدا فهو كالزجاجة صافية نعم ولا تشرب ماءً المعنى أنه لا يهتم بشيء قد استغنى قلبه بما في يده من قليل أو كثير ، وهذا أمر واضح .
إذن فقوله يغنه الله يشمل أمرين :
الغنا الذي هو كثرة المال والغنا الذي هو غنا القلب واستغناؤه بما في يده عن طلب غيره .
متفق عليه واللفظ للبخاري .