رد الشيخ على قول الغزالي بأن القائلين بعدم وجوب زكاة عروض التجارة قد أضروا بالإسلام إذ ... . حفظ
الحويني : شيخنا، الشيخ محمد الغزالي في كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث..
الشيخ : وهل تشيخه؟
الحويني : ... .
الشيخ : بعدما فعل فعلته ... !! -يضحك-
الحويني : الأستاذ محمد الغزالى ... - يضحك الشيخ والطلبة - يقول أن القائلين بأن عروض التجارة لا تجب فيها الزكاة بفتواهم هذه أصاب الإسلام ضر شديد إذ لا يعقل أن تفرض الزكاة على رجل عنده فدَّان شعير لا يكاد يخرج منه شيء مذكوراً، ويترك أصحاب الملايين بل المليارات لا يؤخذ منهم زكاة، فما جوابكم على هذه المقولة؟
الشيخ : جوابي على هذا القيل من ناحيتين: الناحية الأولى أنه كما عهدناه في كل زلاته وشطحاته التي ظهرت في كتابه الأخير وفى ما قبله أنه يعتمد على الرأي فيما يصدره من أحكام شرعية ولا يعتمد على النقل، والسبب في ذلك معروف منذ قديم أن أهل الرأي لمّا كانت بضاعتهم مزجاة في علم السنة والحديث النبوي ولذلك فهم يلجأون لتعويض ما فاتهم من الخير إلى الاعتماد على آرائهم وأفكارهم التي لا مستند لها من كتاب ولا سنة. وكل إنسان يستطيع أن يفعل فعل أهل الرأي، أن يقول رأيي كذا، كل إنسان يستطيع هذا وليس كذلك أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال كذا وكذا، أو أنه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال كذا وكذا، لأن لجأه إلى مثل هذه الدعوة تتطلب منه جهداً كبيراً ودراسة واسعة جدا وهو ما يُعلَم عند المحدثين بدراسة علم الجرح والتعديل من جهة وأصول علم الحديث من جهة أخرى فضلاً عن دراسة أو إطلاع واسع جداً على الأحاديث المروية في كتب السنة بأسانيدها. وبما لا شك فيه ولا ريب أن مثل هذه الدراسة تأخذ من عمر الإنسان حياته كلها مهما بارك الله عزّ وجلّ له فيها ولما كان هذا الأمر شاق وصعب تناوله على كثير من الناس ولذلك وجدناهم قد استقصروا الطريق وأتوه من أقرب السبل، بلاش دراسة علم الحديث وأصول الحديث ورجال الحديث ورواة الحديث، وإنما هو الرأي، أنا أرى كذا وأعتقد كذا ولا شيء يكلفهم من ذلك جهداً يذكر ولقد انتبه لهذا الأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رُوِيَ عنه من قوله رضي الله عنه: " إذا جادلكم أهل الأهواء بالقرآن فجادلوهم بالسنة فإن القرآن ذو وجوه "، وهذه حقيقة فيمكن مثلاً أن نأخذ آية عامة وتكون السنة قد خصصتها فيأتي صاحب الهوى ويحتج بآية عامة لجهله بما جاء في السنة بما يخصصها أو يقيدها حسب النصوص الواردة في القرآن الكريم ولذلك نجد أهل الرأي قديماً وحديثاً استسهلوا طريق أهل الرأي واستصعبوا طريقة أهل السنة فوقعوا في مخالفات شرعية كثيرة وكثيرة جداً حتى في مخالفة القرآن لأننا نعلم والحمد لله جميعاً نحن أهل السنة نعلم أنه لا سبيل إلى تفسير القرآن الكريم تفسيراً صحيحاً إلا بالرجوع إلى السنة فإذا لم يرجع المسلم إلى السنة في تفسير القرآن لا شك أن مصيره مصير أي فرقة من الفرق القديمة التي كانت تسمى عند السلف بأهل الأهواء: كالمعتزلة والمرجئة والخوارج ونحوهم . لابد أن يقع من أعرض عن السنة في فهمه للقرآن في شيء من هذا الانحراف لأنه يكون قد تجاهل آيات كثيرة في القرآن الكريم تحض المسلم على أن لا يعتمد في فهمه ودراسته للقرآن الكريم على عقله وإنما على سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم هذه السنة التي أشار إليها القرآن الكريم بأنها البيان حيث قال تبارك وتعالى في القرآن: (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، هذا البيان هو السنة فإذا لم يرجع ولم يرجع طالب العلم إلى السنة لفهم القرآن الكريم فلا شك في أنه سوف ينحرف كثيراً كثيراً جداً عن مراد الله تبارك وتعالى فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم من الآيات البينات للآية السابقة: (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمِْ )) .منطق هذا الرجل الذي يثبت وجوب الزكاة على عروض التجارة يلزمه أن يثبت كثيراً من الأحكام وينسبها إلى الإسلام لمجرد الرأي، ذلك لأن العلماء مثلاً اتفقوا إجمالاً على أنه لا يجب الزكاة على كثير مما تنبت الأرض بعد أن اختلفوا في بعض الأنواع لكنهم مثلاً اتفقوا على أن الخضروات لا زكاة عليها ونحن في هذا العصر نعرف بأن هناك أراضي كثيرة تزرع بالخضرة وفى فصول من السنة مختلفة متعددة وتثمر لصاحبها أموال طائلة جداً فهل على هذه الخضر زكاة؟ الجواب باتفاق العلماء فيما نعلم أنه لا زكاة عليها، بل قد جاء في السنة تحديد الزكاة المفروضة على ما تنبت الأرض بأنواع أربعة كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حينما أرسله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم إلى اليمن فقال له عليه الصلاة والسلام : ( لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة )، فذكر عليه الصلاة والسلام : ( الحنطة والشعير والتمر والزبيب ). إذنً، خرج بهذا الحصر كثير مما تنبت الأرض منه مثلاً الذرة وقس على ذلك الخضروات كما ذكرنا آنفاً، صحيح كما أيضاً أشرت سابقاً أن هناك بعض الأمور اختلف الفقهاء لكن الخضر التي لا تُدَّخر فهذه قد اتفقوا على الأقل المذاهب الأربعة على أنه لا تجب الزكاة عليها. فإذا أخذت القضية بالرأي فنخن نجد مثلاً الفوارق التالية من كان عنده مائتا درهم فضة: وجب عليه الزكاة، عنده عشرون مثقال من الذهب: وجب عليه الزكاة، عنده خمس رؤوس من الإبل : وجب عليها الزكاة، عنده أربعون رأس من الغنم: وجب عليه الزكاة، فهل قيم هذه الأمور التي فرض عليها الزكاة متساوية؟ الجواب: لا، فأين قيمة الفضة لو كان هناك مثلاً عملة فضية يتعاملها الناس اليوم من قيمة الذهب فلو استعملنا الرأي لقلنا ما في عدل هنا، في عشرين مثقال عشرين دينار يساوى اليوم تقريباً عشر جنيهات ذهبيه سعودية أو إنجليزية، بينما مائتا درهم فضية -ما أدرى على الضبط- لكن لا يساوى إلا نذراً قليلاً من هذه القيمة، فلو أننا حكمنا الرأي لأصاب شريعة الإسلام ما أصاب اليهود والنصارى من تحريف خطير في دينهم ولذلك كان من الواجب علينا أن نقف عند حدود الشرع ولا نتعداها لقوله عزّ وجلّ: (( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا )) . هذا الرجل وأمثاله كثير ممن يناقش الأحكام الشرعية وبخاصة إذا كان فيها اختلاف بين الفقهاء فالراجح عنده ما حكم به عقله ورأيه، والآن نحن نقول يتوهم هذا الرجل وأمثاله أن الشارع الحكيم حينما لم يفرض الزكاة على عروض التجارة وفرضها على خمسة أوسق مثلا من القمح أوالشعير أخذ المسألة بعقله وهو بلا شك مهما كان مغرورا به فسوف لا يستطيع إلا أن يوافق على قوله أن عقله محدود وقاصر ولا يستطيع أن يعرف حقائق الأحكام الشرعية إلا بالاعتماد على كتاب الله وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم وإلا ألغى حكمة إرسال الرسل وإنزال الكتب. وعلى ذلك فهو استعمل عقله فقال: كيف يُعقل أن يفرض الزكاة على من زرع شعيرا وكان قد بلغ النصاب وهو خمسة أوسق أما رجل عنده من عروض التجارة الملايين المملينة ومع ذلك نحن نقول: لا زكاة على عروض التجارة. جوابنا على هذه الشبهة العقلية من ناحيتين اثنتين: الناحية الأولى: لو فرضنا أن تاجر ما عنده من عروض التجارة ما يساوي مليون ريال أو جنيه -ليس مهم-، ويقابله إنسان آخر عنده مليون نقد وليس عروض تجارة، نحن نسأل هذا الرجل العاقل الذي يحكم عقله في أحكام الشريعة أي الرجلين تصرفه في ماله أنفع لأمته؟ آلرجل الأول الذي حول المليون جنيه أو ريال إلى عروض تجارة وحرك مصالح الناس ونفع العشرات والمئات من الناس، أهذا أنفع للمجتمع من الناحية المادية والاقتصادية أم ذاك الذي حبس وكنز المليون جنيه في الصندوق الحديدي؟ ثم هو مع ذلك يُخرج النسبة المفروضة في المئة اثنين ونصف، نحن نسأل الآن أهل العلم بالاقتصاد أي الرجلين أنفع لأمته؟ آَلذي كنز ماله وأخرج زكاته بالمائة اثنين ونصف أم الرجل الذي طرح ماله واشترى به بضاعة ونفع أمته؟ الآن هذا السؤال يوجه إلى الحاضرين على اختلاف علمهم وثقافتهم أي الرجلين أنفع فيما تظن؟
السائل : الأول.
الشيخ : الأول، إذاً هذا الرجل يغالط الناس أو أنه يتجاهل، ومثله عندي كمثل الحزورة التي يحزر لما كنا صغار الأطفال بعضهم بعض، يفاجئ زميله في المدرسة أريد حزرك حزورة قنطار من قطن أثقل وإلا من رصاص؟ يقول لا الرصاص. وهو محدود الوزن بالقنطار والأمر بدهي جداً فالوزن واحد لكن فيه إيهام في اللفظ الرصاص أثقل من القطن لكن هو لم يلاحظ أن النسبة من حيث الوزن واحدة !! هو لم يلاحظ أن نسبة المنفعة بالنسبة للأمة عكس ما يتواهم هو !! حينما يتساءل مستنكراً كيف يعقل أن يفرض الزكاة على من عنده كذا من المال ولا يفرض على من كان عنده من العروض التجارية الملايين المملينة. هذا هو الجواب رقم واحد. الجواب رقم اثنين: نحن نقول لا يجب على عروض التجارة زكاة مطلقاً إنما نقول ما تقتضيه الأدلة الشرعية أولاً ثم ما تقتضيه قاعدة اليسر في الشريعة ثانياً (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) ، نحن حينما نقول لا زكاة على عروض التجارة إنما نعني ما هو معروف عند المذاهب الأربعة أن كل تاجر عليه في آخر كل سنة أن يقوِّم بضاعته ثم أن يخرج عن مجموع القيمة كما لو كانت هذه القيمة في يده أو في صندوقه نقداً فعليه أن يخرج في المائة اثنين ونصف. هذا الذي نحن ننكره ونقول لا دليل عليه في الشرع لكن يقابل هذا أننا نقول أن هذا الرجل الغني الذي حوَّل نقوده إلى بضاعة نفع بها مجتمعه الإسلامي لم ينج من الزكاة المطلقة، وأعني أن كل تاجر يجب أن يحقق في نفسه قول الله تبارك وتعالى: (( أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )) ، وأن يزكى نفسه مما طبعت عليه وأحضرت عليه كما قال تعالى: (( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ )) ، فعليه أن يزكيها ولا يكون ذلك أبداً إلا بأن يخرج بقسم من ماله عن طيب نفسه. فهذا التاجر الكبير الذي عنده أنواع من العروض عليه أن يخرج منها ما تطيب به نفسه تزكية وتطهيراً لها هذا واجب عليه من باب استعمال النصوص العامة، أمَّا الذين يقولون ما ذكرناه آنفاً من التقويم فهذا ليس له أصل في الشرع، ولذلك فنحن أعملنا النصوص العامة التي معانيها واضحة جداً في تزكية النفس وتطهيرها من الشح والبخل وأعرضنا عن تلك الآراء التي لا مستند لها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم. فإذا عرفتم من الجواب الأول أن التاجر الذي حوَّل رأس ماله إلى بضاعة هو أنفع لأمته من الذي كنز ماله في صندوقه أنه يجب عليه أن يخرج من تلك العروض ما تطيب نفسه من الزكاة حينئذ نعلم مغالطة هذا الإنسان، لكني لا أريد أن أتجنى عليه فأقول مغالطة ولأن المغالطة تكون عادة بعلم من المغالط وأنا أعتقد أنه لا علم عنده ولكنه يحكم برأيه فيقع في مثل هذه المخالفات.
أضم إلى هذا البيان شيئاً آخر وهو من الكمال من الكلام فأقول: إن الذي يكنز ماله ويخرج زكاته ويقدمها إلى الفقير فيده هي العليا، ويد الآخذ هي السفلى كما جاء في الحديث الصحيح، أما الغني الذي حوّل ماله إلى عروض فهو والمتعاملون معه في مرتبة واحدة ليس هناك يد عليا وليس هناك يد سفلى، فيكون تحويل المال إلى العروض أشرف للأمة من أن يكون هناك يد عليا ويد سفلى، وبهذا ينتهي جوابي.
الشيخ : نعم.
الحويني : بالنسبة لمحصول الأرز، الفدان عندنا ينتج حوالي ألفين كيلو اثنين طن
الشيخ : ألفين
الحويني : ألفين كيلو فالجمعية الزراعية تجبر الفلاح أنه يورد طن ونصف مثلاً بسعر بخس أو قليل فممكن لو فيه فدان ينتج اثنين طن فسيعطى الجمعية طن ونصف ويبقى له نصف طن .