فوائد حديثي : ( كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها ... ) وحديث : ( فإنها ألهتني عن صلاتي ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد منها
جواز ستر البيت بالقماش، وجه هذا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أقرّها على ستره لكنّه أمرها أن تميطه لأجل أنّه يشغله في صلاته، وهذ مقيّد بما إذا لم يصل إلى حدّ السّرف، فإن وصل إلى حدّ السّرف دخل في النّهي المستفاد من قوله تبارك وتعالى: (( ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين )) فإن كان لحاجة بأن يكون الجدار باردا ويكسى بالقماش لتوقّي برودته في الشّتاء وحرارته في الصّيف فهذا جائز ولا إشكال فيه، وذلك لأنّه قد علم الآن أنّ كسوة الجدران بالقماش تجعله لطيفا أي تجعل الجدر لطيفة، لا تكون شديدة البرودة في الشّتاء ولا شديدة الحرارة في الصّيف.
ومن فوائد هذا الحديث إضافة البيت الذي تسكنه عائشة إليها لقوله: " بيتها " فهل هذا البيت ملك لها أو إنّه أضيف إليها لأنّها ساكنة فيه؟ الظاهر الأوّل أنّه ملك لها، ودليل ذلك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لمّا توفّي بقيت النّساء في بيوتهنّ، ومن المعلوم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يورث ولو كانت ملكا له أي للرّسول لم يرثنها أي لم ترث المرأة بيتها التي هي ساكنة فيه
فإذا قال قائل إذا قلتم أنّه بيت ملك لها فيرد عليه إشكال وهي هل بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم متساوية بحيث لا يدخل أحدهما على الآخر؟ إن قلتم نعم فهذا يحتاج إلى إثبات ودليل وإن قلتم لا وهو الغالب ورد إشكال وهو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لم يعدل بين زوجاته فيما يملك العدل فيه والجواب على هذا أن نقول إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علم برضاهم وإذا رضيت الزّوجات أن تفضّل إحداهما على الأخرى في المنزل فلا حرج لأنّ الحقّ لمن؟ الحقّ لمن؟
الطالب : الحق لهنّ.
الشيخ : لهنّ، فإذا رضين بالمفاضلة فلا حرج
ومن فوائد هذا الحديث أنّه لا ينبغي للإنسان أن يصلّي إلى شيء يشغله لقوله: ( أميطي قرامك عني ) ومن ثمّ كره العلماء رحمهم الله أن يكتب في قبلة المسجد شيء قالوا لأنّه يلهي المصلّي وصدقوا هذا بقطع النّظر عن المكتوب، فإذا كان المكتوب شيئا منكرا ازداد ظلمة إلى ظلمته، ومن هذا ما يكتب في بعض المساجد " الله، محمّد " لفظ الجلالة يكون عن يمين المحراب، ومحمّد عن يسار المحراب فإنّ هذا منكر ولا شكّ ووجه كونه منكرا أنّ وضعهما مكتوبين على حدّ سواء نوع من جعل النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ندّا لله تعالى ولهذا لمّا قال له الرّجل ( ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله ندّا بل ما شاء الله وحده ) والرّجل الذي لا يعرف المنزلة، منزلة الرّبّ عزّ وجلّ ومنزلة الرّسول إذا رآهما هكذا مكتوبين يظنّ أنّهما إيش؟ في منزلة واحدة وهذا منكر
وكذلك لو كان في مكتوب في الجدران أشياء لا يستقيم معناها كالذين يكتبون على المحراب (( فلمّا دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا )) هذا لا يجوز لأنّ المحراب موضع الصّلاة وليس الطاق الذي في القبلة وهم يجعلون هذه الآية منزّلة على إيش؟
الطالب : على الطاق.
الشيخ : على الطاق الذي في القبلة، والطاق الذي في القبلة قد اختلف النّاس فيه في جوازه، فمنهم من يرى أنّه لا يجوز لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ( نهى عن مذابح كمذابح النّصارى ) وفسّروا ذلك بالمحاريب والصّحيح أنّ المحرّم إنّما هو ما أشبه محاريب النّصارى، لأنّه قيّد نهى عن مذابح كمذابح النّصارى وأمّا المحاريب التي لا تشبه محاريب النّصارى فليس فيها كراهة بل فيها مصلحة وهي الدّلالة على القبلة وعلى مكان الإمام، إذن إذا رأينا هذه الآية مكتوبة على المحراب فإنّنا نتّصل بالمسؤولين ونبلغهم بذلك وإذا أبلغناهم بهذا برأت الذّمّة، ومنها أن تكتب أسماء لله عزّ وجلّ لم تثبت أو أسماء للرّسول صلّى الله عليه وسلم لم تثبت فهذا ينهى عنه ويزداد النّهي حيث إنّ هذه الأسماء لم تثبت.
ومن فوائد هذا الحديث أنّ النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كغيره من البشر قد يلهيه الشّيء عمّا هو أهمّ منه لقوله صلّى الله عليه وسلّم ( فإنّه لا تزال تصاويره تعرض لي ).
ومنها أنّه إذا غلب الوسواس على أكثر الصّلاة لم تبطل لقوله: ( لا تزال تعرض لي في صلاتي ) ولا تزال من الأفعال الدّالّة على إيش؟
الطالب : الاستمرار.
الشيخ : الاستمرار، وهذا القول هو الرّاجح من أقوال العلماء لأنّ السّنّة تدلّ عليه ولأنّ القول ببطلان الصّلاة إذا غلب الوسواس على أكثرها مشقّة على النّاس.
ومن فوائد هذا الحديث أنّه إذا حصل للإنسان ما يخل بكمال صلاته من فعل فاعل فإنّه يطلب من هذا الفاعل أن يزيله لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أمر عائشة أن تزيله.
ومنها حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حيث إنّه لم يزل هذا القرام بنفسه لأنّه لو أزاله بنفسه لكان في ذلك مشقّة عليها لكن أمرها أن تزيله لأنّها هي التي وضعته.
ومنها الإشارة إلى أنّه ينبغي إذا رأى الإنسان شيئا منكرا أو سمع شيئا منكرا من شخص أن يتّصل بهذا الشّخص ليبيّن له المنكر حتّى يزيله الشّخص بنفسه، وهذا يقع كثيرا تسمع بشخص أنّه كتب مقالا أو تكلّم بكلام ليس بصواب فهل الأولى أن تردّ عليه؟ أو الأولى أن تتّصل به وتبيّن له الخطأ ليكون هو الذي يباشر تصويب ما قال؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني بلا شكّ أنّ هذا أحسن، أمّا إذا أصرّ وعاند والأمر منكر لا يدخل فيه الاجتهاد فيجب عليك أن تبيّن الحقّ.
قال: " واتفقا على حديثها في قصة أنبجانية أبي جهم وقوله: ( فإنّها ألهتني عن صلاتي ) " الأنبجانية ذكرنا أنّها كساء غليظ، وأمّا الخميصة فهي كساء معلّم له أعلام وذلك أنّ أبا جهم لمّا أهدى الخميصة إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وكان من عادة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه يقبل الهديّة ويثيب عليها، يقبل الهديّة ويثيب عليها، فيحتمل أن تكون هذه الأنبجانيّة أثاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا جهم على هديّته ويحتمل أنّها لأبي جهم فعلى الاحتمال الأوّل لا إشكال، وعلى الاحتمال الثاني يقال كيف يطلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أبي جهم الإنبجانيّة؟ وسيأتي الجواب عن هذا الإشكال.
فمن فوائد الحديث المتّفق عليه جواز صلاة الإنسان بالثّياب الرّفيعة، رفيعة المنزلة والقيمة لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم صلّى في الخميصة ومحلّ ذلك ما لم يشغله عن صلاته، إن شغله عن صلاته فلا يفعل.
ومن فوائد ذلك حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حيث إنّه لمّا ردّ على أبي جهم هديّته طلب منه ما عند أبي جهم وهو الأنبجانيّة سواء قلنا إنّها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو لا، ووجه كون ذلك من حسن الخلق أنّه إذا طلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه الإنبجانيّة طاب قلبه ولم ينكسر خاطره وهذا أمر يجب على الإنسان أن يراعيه فيما إذا حصل ما يوجب كسر القلب أن يحرص على التئام القلب.
ومن فوائد هذا الحديث جواز سؤال الإنسان إذا علمنا أنّ المسؤول يسرّ بهذا السّؤال لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طلب إنبجانيّة أبي جهم لأنّه يعلم علم اليقين أنّ أبا جهم إيش؟ يسرّ بذلك ولا يستثقله.
ومن فوائده كراهة كلّ ما يلهي عن الصّلاة لقوله: ( فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي ). ( فإنّها ألهتني عن صلاتي ).
ومن فوائده أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كغيره من البشر يعرض له ما يلهيه عمّا هو أهمّ.