فوائد حديث : (أن عمر رضي الله عنه مر بحسان ينشد في المسجد ... ) . حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث فوائد منها جواز إنشاد الشّعر في المسجد لهذا الحديث وهل نقول أنّه بإقرار عمر أو بإقرار النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني، بإقرار النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لكنّ هذا مشروط، مشروط بأن يكون موضوع الشّعر موضوعا مفيدا وليس موضوع لهو وإنشاد للمآثر وما أشبه ذلك ممّا ينشد عن السّابقين، فيكون الشّعر فيه مصلحة، الشّرط الثاني أن لا يؤذي بذلك أحدا فإن آذى المصلّين فإنّه يمنع للأذيّة، ودليل هذا الشّرط أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منع آكل البصل والثّوم من دخول المسجد لئلاّ يتأذّى الناس بالرّائحة فكيف إذا تأذّوا ممّا يسمعون من أصوات هذا المنشد يشوّش عليهم صلاتهم ودعاءهم وقراءتهم وغير ذلك، الشّرط الثالث أن لا يلزم منه تجمّع النّاس عنده حتى يشوّشوا على أهل المسجد لأنّه إذا كان المنشد جيّد الإنشاد حسن الصّوت فإنّه لا بدّ أن يسلب عقول النّاس ويتجمّعوا إليه فإذا حصل هذا منع لئلاّ يشوّش على النّاس ولئلاّ تحصل الفتنة به، بهذا الرّجل فيزدحم النّاس عليه.
ومن فوائد هذا الحديث أدب عمر رضي الله عنه حيث إنّه لم ينكر عليه رأسا لكن لاحظ عليه، لحظه لأنّه أي عمر رضي الله عنه كان في قلبه أنّ هذا الرّجل لا يمكن أن ينشد في المسجد إلاّ عن برهان لكن مع ذلك لم يتركه بل لحظه، وفيه من الفائدة أنّه أخبره بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقرّه.
ومن فوائد هذا الحديث جواز العمل بالإشارة والسّيما التي تظهر على وجه الإنسان وهو يشبه العمل بالفراسة، يؤخذ من فهم حسّان أنّ عمر إيش؟ ينكر عليه وهذا شيء مفطور عليه النّاس أنّهم يحسّون برضى الإنسان وكراهة الإنسان فيما يظهر على وجهه وقد قال الله تعالى: (( سيماهم في وجوههم من أثر السّجود )) وقال: (( تعرفهم بسيماهم )) وقال: (( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم )) ايش؟ (( بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول )) فالعمل بمثل هذه القرائن له أصل في الشّريعة ولكن هل يقوم ... هذا بيّنة ملزمة أو لا؟ الجواب لا، لكنّه قرينة ينبغي بعد وجودها أن يبحث الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث جرأة الصّحابة رضي الله عنهم بالحقّ وذلك في قول حسّان: ( قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ) لأنّ هذه بالنّسبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عبارة قويّة وكان يغني عنها لو شاء أن يقول قد كنت أنشد فيه وإيش؟
الطالب : ...
الشيخ : وفيه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم
وفيه أيضا العمل بإقرار النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وأنّ ما أقرّه فهو حجّة لأنّ حسّانا استدلّ بإيش بإقرار النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إيّاه على الإنشاد في المسجد ولا شكّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يقرّ على باطل، ولهذا جعل العلماء سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثلاثة أقسام: القول والفعل والإقرار، يعني إقرار غيره على الشّيء ولكن ما أقرّ عليه فإمّا أن يكون ممّا يتعبّد به فيكون عبادة وإمّا أن يكون ممّا لا يتعبّد به فلا يكون عبادة ولكن يكون جائزا ولكن الذي يقرّه من العبادات هل يكون من سنّته التي يدعى إليها جميع النّاس أو لا يكون؟ الجواب سبق لنا هذا وقلنا إنّه لا يكون من سنّته التي يدعى إليها النّاس وضربنا لهذا أمثلة منها:
إقرار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرّجل الذي كان يقرأ لقومه في سفره فيختم ب (( قل هو الله أحد )) فأقرّه ولم ينكر عليه لكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يسنّه لأمّته، لم يقل لأمّته إذا قرأتم القرآن فاختموا ب (( قل هو الله أحد )) أو هو يفعلها أيضا لكنّه من باب الجائز لكن إقرار مثل هذا الفعل من السّنّة، ففرق بين أن نقول الفعل من السّنّة أو الإقرار عليه من السّنّة نحن لا ننكر عليه إذا التزم ب (( قل هو الله أحد )) يختم بها لا ننكر عليه لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقرّه لكنّنا لا نقول للنّاس اختموا قراءة صلاتكم ب (( قل هو الله أحد ))
ومن ذلك الوصال في الصّوم هو جائز لكنّ المبادرة بالفطر إيش؟ أفضل منه حتى قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر )
ومن ذلك أيضا إقراره عائشة رضي الله عنها على الإتيان بعمرة حينما أنشأت الإحرام بالعمرة لتكون متمتّعة ولكن حال بينها وبين إتمامها أنّها حاضت في أثناء الطريق فأمرها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تدخل الحجّ على العمرة لتصير قارنة وأخبرها أنّها بذلك حصل لها حجّ وعمرة فقال لها: ( طوافك بالبيت وبالصّفا والمروة يسعك لحجّك وعمرتك ) ولكنّها لم تطب نفسها إلاّ أن تأتي بعمرة مستقلّة حتى لا يفخر عليها زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ويقلن أتينا بعمرة وحجّة وأنت أتيت بحجّة وحينئذ لا نقول يسنّ لكلّ امرأة أحرمت متمتّعة ثمّ حاضت قبل أداء العمرة وقرنت أن تعتمر بعد الحجّ لكن لو فعلت فلا حرج لا نقول إنّها مبتدعة أو ننهاها عن هذا بل نقول لا حرج لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لم يعط أمّته كلاما عامّا ويقول من اعتمرت متمتّعة ثمّ حاضت قبل أن تؤدّي العمرة أن تأتي بها بعد الحجّ بل إنّ ظاهر محاورته مع عائشة أنّ الأفضل عدم ذلك ولهذا جاء في بعض ألفاظ مسلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ان قال لها ذلك مداراة لها لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يحبّ أن يكون الإنسان قلقا في شيء من عباداته ما دام الأمر واسعا فليفعل.
ومن فوائد هذا الحديث بيان حرمة المساجد وأنّ ذلك أمر مشهور عند النّاس وذلك لأنّ عمر لحظ حسّانا وحسّان أخبر بأنّه يفعل ذلك في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.