فوائد حديث : ( عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة : بالحمد لله رب العالمين . وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك . وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً . وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً . وكان يقول في كل ركعتين التحية . وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى . وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم . أخرجه مسلم وله علة ) . حفظ
الشيخ : من فوائد هذا الحديث ضبط عائشة رضي الله عنها لأحوال النّبيّ لأحوال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وعباداته ومعاملاته لأنّ أخصّ النّاس به زوجاته فإنّهنّ يعلمن من السّرّ ما لا يعلمه غيرهنّ
ومنها سعة علمها رضي الله عنها حيث ساقت هذا الحديث كلّه بجمله وأفراده.
ومنها مشروعيّة افتتاح الصّلاة بالتّكبير، وهذا التّكبير ركن من أركان الصّلاة لا تنعقد الصّلاة إلاّ به وبهذا اللّفظ الله أكبر فلو أتى بمعناه لم يصحّ واختلف العلماء رحمهم الله فيمن لا يعرف الأذكار إلاّ بلغته هل يأتي بها بلغته أو يكلّف أن يتعلّمها بالعربيّة؟ والصّواب جواز ذلك، جواز أن يأتي به بلغته أمّا القرآن فقد علم أنّه لا يجوز أن يترجم وأمّا الأذكار فلا بأس والله عزّ وجلّ يعلم لغة كلّ قوم.
ومن فوائد هذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يجهر بالاستفتاح ولا بالتعوّذ ولا بالبسملة لقولها: " والقراءة بالحمد لله ربّ العالمين ".
ومنها أنّ الإنسان لا يقدّم السّورة التي بعد الفاتحة على الفاتحة، لم يكن هذا مشروعا فإن تعمّد على وجه التّلاعب فصلاته باطلة وإن تعمّد لا على وجه التّلاعب فصلاته غير باطلة لكنّه أخطأ وإن نسي فإنّه لا شيء عليه ولكن يعيد السّورة بعد الفاتحة وهل يسجد للسّهو؟
قيل إنّه يسجد للسّهو استحبابا لا وجوبا لأنّ مثل هذا القول لا يبطل الصّلاة عمدا لكنّه أتى به في غير موضعه وقالوا كلّ من أتى بقول مشروع في غير موضعه فإنّه يستحبّ له أن يسجد للسّهو، وعلى هذا فمن نسي وقرأ السّورة قبل الفاتحة قلنا له اقرأ الفاتحة ثمّ اقرأ السّورة ثمّ اسجد للسّهو، استحبابا أو وجوبا؟
الطالب : استحبابا.
الشيخ : استحبابا ولا نقول إنّه واجب لأنّ الإنسان لو تعمّده لم تبطل صلاته.
ومن فوائد هذا الحديث مشروعيّة الرّكوع في الصّلاة وهو ركن من أركان الصّلاة لأنّ الله تعالى عبّر به عن الصّلاة وإذا عبّر الله بالشئ بالبعض عن الكلّ دلّ ذلك على أنّه لا بدّ من وجود هذا البعض في الكلّ وهذه القاعدة ذكرها ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام في " كتاب الإيمان " أنّه إذا عبّر عن الشّيء ببعضه دلّ على أنّ هذا البعض واجب في ذلك الكلّ هل عبّر الله تعالى عن الصّلاة بالرّكوع؟
الطالب : نعم.
الشيخ : في أيّ آية؟
الطالب : ... (( واركعوا ))
الشيخ : في أيّ آية؟ ما أقول في أيّ سورة.
الطالب : ...
الشيخ : لا، هذه ليست في البقرة.
الطالب : (( واركعوا مع الرّاكعين )).
الشيخ : (( وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين )) طيّب الرّكوع الواجب منه الإنحناء ولكن هل له ضابط؟ قيل إنّ ضابط الإنحناء أن يمكن للمعتدل في طول يديه وقصرهما من مسّ الرّكبتين، وقيل إنّ الواجب أن يكون للرّكوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل وذلك أنّ الإنحناء قد يكون أقرب إلى القيام وقد يكون أقرب إلى الرّكوع وقد يكون مساويا، يعني ليس انتصابا تامّا ولا ركوعا تامّا، قالوا فالواجب هو أن يكون إلى الرّكوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل وأظنّ أنّ هذا متقارب يعني بمعنى أنّك لو نظرت إلى الرّجل المعتدل في طول الذّراعين وجدت أنّه إذا أمكنه أن يمسّ ركبتيه كان إلى الرّكوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل.
ومن فوائد هذا الحديث أنّ السّنّة في الرّكوع أن لا يرفع رأسه ولا ينزّله عن ظهره لقولها رضي الله عنها: " لم يشخص رأسه ولم يصوّبه ولكن بين ذلك " ومعلوم أنّه إذا كان الرّأس بين ذلك سوف يكون مساويا؟
الطالب : للظهر.
الشيخ : للظّهر؟ نعم، وهل يشمل هذا أن يصوّب الظّهر مع الرّأس أو يشخّص الظّهر مع الرّأس؟ نعم، فنحن مثلا لدينا أربعة أشياء:
أن يرفع الرّأس والظّهر، وأن ينزّل الرّأس والظّهر لأنّه بعض النّاس تجده يركع ينزل مرّة بظهره ورأسه، الثاني أن يكون الظّهر مستويًا ولكن يرفع رأسه هذه الثالثة، الرّابع أن يكون الظّهر مستويا ولكن ينزّل الرّأس، فهي نفت الارتفاع والانخفاض في الرّأس سواء كان معه الظّهر أم لا، فالاعتدال هو المطلوب ولهذا ذكر أنّ من صفة صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في ركوعه أنّه ( لو صبّ الماء على ظهره لاستقرّ ).
ومن فوائد هذا الحديث مشروعيّة الرّفع بلغ من الرّكوع لقولها رضي الله عنها: ( وكان إذا رفع من الرّكوع لم يسجد حتّى يستوي ) يعني حتّى يستقرّ قائما وهذا ركن من أركان الصّلاة، فلو أنّ الإنسان وهو راكع سجد قبل أن ينهض فقد ترك ركنا من أركان الصّلاة، واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : إذن لا بدّ أن يرفع حتى يستوي قائما
ومن فوائد هذا الحديث مشروعيّة السّجود لقوله: ( إذا كان رفع من السّجدة ) والرّفع من السّجود ركن من أركان الصّلاة لا بدّ منه.
ومن فوائد هذا الحديث أيضا نعم أنّه يجب البقاء بعد السّجود قاعدا حتّى يستقرّ لقولها: " إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا " وهذا الجلوس حكمه ركن من أركان الصّلاة.
( وكان يقول في ركعتين ... ) نعم
ومن فوائد هذا الحديث نعم التّشهّد في كلّ ركعتين سواء كانت ثنائيّة أو ثلاثيّة أو رباعيّة أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : الثنائيّة كالفجر فيتشهّد في الرّكعة الثانية، الثلاثيّة كالمغرب، الرّباعيّة كالظّهر والعصر والعشاء، هذه التّحيّة هل هي ركن أو لا؟ نقول مقتضى سياق الحديث أن تكون ركنا لأنّها ذكرتها مع الأركان، ولكن السّنّة يفسّر بعضها بعضا، ويقيّد بعضها بعضا، ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه ترك التّشهّد الأوّل ذات يوم وجبر هذا التّرك بسجود السّهو والأركان لا تجبر بسجود السّهو فدلّ هذا على أنّ التّشهّد الأوّل واجب ولكنّه يسقط بالسّهو ويجبر بسجدتين قبل السّلام كما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تماما
فإن قال قائل هل كلامها هذا يشمل الفرض والنّفل؟ فالجواب أنّه يشمل الفرض والنّفل، لأنّ ما ثبت في الفرض ثبت في النّفل، وما ثبت في النّفل ثبت في الفرض إلاّ بدليل، والدّليل على أنّ ما ثبت في النّفل ثبت في الفرض وما ثبت في الفرض ثبت في النّفل إلاّ بدليل أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لمّا حكوا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ( كان يصلّي على راحلته حيث ما توجّهت به قالوا غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة ) فاستثناؤهم هذا يدلّ على أنّه إيش؟ على أنّه من المتقرّر عندهم أنّ ما ثبت في النّفل ثبت في الفرض إلاّ بدليل، وعلى هذا فنقول النّفل جاز فيها الرّكعة الواحدة كالوتر والخمس بتسليمة واحدة، والسّبع بتسليم واحد، والتّسع بتسليم واحد إلاّ أنّه يجلس الثانية ويتشهّد ولا يسلّم، الثّلاث ورد فيها صفتان، إذا أوتر بثلاث فصفتان:
الأولى أن يسلّم من ركعتين ثمّ يأتي بواحدة والثانية أن يوتر بثلاث سردا دون تشهّد لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يشبّه الوتر بصلاة المغرب، بقيّة النّوافل يسلّم من كلّ ركعتين وعليه فلا بدّ من التّشهّد في كلّ ركعتين
وما ورد في فضل صلاة قبل الظّهر نعم أربع ركعات بتسليمة واحدة فهو ضعيف لا يعوّل عليه، صلاة اللّيل والنّهار مثنى مثنى وقد صحّح كلمة النّهار كثير من العلماء ومنهم الشّيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنّ هذه اللّفظة الزّيادة والنّهار زيادة صحيحة.
من فوائد هذا الحديث أنّ المشروع في جلسة الصّلاة أن يفرش المصلّي رجله اليسرى وينصب اليمنى وقد تمّ شرحها لكم فيما سبق، لكن ظاهر الحديث أنّه في كلّ الصّلوات يعني الثّلاثية والرّباعيّة والثّنائيّة، وقد يقول القائل إنّه ليس ظاهر الحديث، لأنّها قالت: ( وكان يقول في كلّ ركعتين التّحيّة وكان يفرش ) أي يفرش في هذه التّحيّة وهذا حقّ كلّما جلس الإنسان للتّشهّد في ركعتين فإنّه يفترش واضح؟
الطالب : واضح.
الشيخ : فقد يقول قائل ليس ظاهر الحديث أنّه في الصّلاة الثّلاثيّة والرّباعيّة في كلا التّشهّدين، فإن أبى آبٍ إلاّ أن يقول ظاهر الحديث إنّه يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى في جلسات الصّلاة للتّحيّات الأولى والثانية قلنا هذا الظاهر مدفوع بما جاء صريحا في حديث أبي حميد و غيره أنّه في الصّلاة الثلاثيّة والرّباعيّة يتورّك في التّشهّد الأخير ولا يفترش ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة فمنهم من قال إنه يفترش في جميع جلسات الصّلاة في التّحيّات الأولى والثّانية وبين السّجدتين ومنهم من فصّل وهذا التّفصيل هو الصّواب، إذن التّشهّد الأخير؟
الطالب : تورّك.
الشيخ : تورّك، التّشهّد الأول؟
الطالب : افتراش.
الشيخ : افتراش، الجلوس بين السّجدتين؟
الطالب : افتراش.
الشيخ : افتراش
ومن فوائد هذا الحديث النّهي عن مشابهة الشّيطان لقولها: ( وكان ينهى عن عقبة الشّيطان )
فإذا قال قائل الحديث نهى عن التّشبّه بالشّيطان في شيء واحد وهو الجلوس، فكيف تعمّم؟ فالجواب عن هذا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أضاف العقبة للشّيطان تقبيحا لها لكونها قعدة الشّيطان
ثانيا أنّ لدينا حديثا عامّا وهو أنّ ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) ولا يمكن أن يرضى أحد بالتّشبّه بالشّيطان وسبق القول في عقبة الشّيطان أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه وظاهر هذا الحديث العموم لأنّه سواء كانت القعدة بين السّجدتين أو في التّشهّدين وهذا ما ذهب إليه أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله وقالوا إنّ هذه القعدة إنها مكروهة ولكنّ ابن عبّاس رضي الله عنهما ذكر أنّ هذا الإقعاء من السّنّة ولا يبعد أن يكون ابن عبّاس رضي الله عنهما رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك ولم يعلم بما فعله أخيرا من كونه يفترش أو يتورّك، وقولي لا يبعد ليس معناه يقينا لكن لا يبعد هذا كما فعل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في التّطبيق والوقوف بين المأمومين، ابن مسعود رضي الله عنه يقف بين المأمومين يعني إذا صلّوا ثلاثة وقف بينهما ولكنّ هذا الحكم منسوخ بأنّه إذا كان الجماعة ثلاثة صار إمامهم أمامهم، ثانيا التّطبيق أن يضع يديه على الأخرى بين فخذيه إذا ركع هو رضي الله عنه متمسّك بهذا مع أنّه منسوخ لأنّ الرّجل إذا ركع أين يضع يديه؟ على ركبتيه فلا يبعد أن يكون ابن عبّاس رضي الله عنهما كحال عبد الله بن مسعود.
ومن فوائد هذا الحديث النّهي أن يفترش المصلّي ذراعيه كافتراش السّبع، والسّبع هنا المراد به الكلب كيف يفترش؟ إذا سجد يضع الذّراعين على الأرض كافتراش الكلب، نعم لأنّ الإنسان مأمور بأن ينصب الذّراعين ويعتدل في السّجود.
ومن فوائد هذا الحديث حكمة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوّة التّنفير عن العمل، الأوّل قال إيش؟ عقبة الشّيطان والثاني افتراش الكلب أو السّبع وهذا يسمّى عند البلاغيّين التّشبيه للتّقبيح لأنّ التّشبيه أنواع منها التّشبيه للتّقبيح
ومن فوائد هذا الحديث أنّ ختام الصّلاة بالتّسليم فيشرع عند ختام الصّلاة أن تسلّم تقول السّلام عليكم ورحمة الله وسبق في شرح الحديث هل " أل " للعهد أو لبيان الحقيقة؟ إن قلنا للعهد فكم يكون التّسليم؟
الطالب : تسليمتين.
الشيخ : يكون تسليمتين، وإن قلنا لبيان الحقيقة جاز الاكتفاء بواحدة والصّواب أنّه للعهد وأنّه لا بّد من تسليمتين.