وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) " :
هذا من الأذكار التي يقولها النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاته، وقد أمر الله بالذكر بعد الصلاة فقال جل وعلا: (( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم ))، فالذكر بعد الصلاة مأمور به بنص القرآن في الحضر وفي السفر، وهذه الآية: (( فإذا قضيتم الصلاة )) جاءت في سياق صلاة الخوف، وهو في السفر، ولهذا قال بعدها: (( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة )). فالأذكار المشروعة خلف الصلوات مشروعة في الحضر وفي السفر.
وقول الله عز وجل: (( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم )) : يدل على تأكد هذا الذكر، لأن الله أمر به في كل الحالات، سواء كنت قائمًا مثل أن يكون لك شغل فتقوم من بعد السلام مباشرة، أو قاعدًا أو على جنبك، تكون مريضًا فإذا انتهيت من الصلاة نمت كل هذا أنت مأمور به بأن تذكر الله عز وجل.
وهذا الذكر المجمل في كتاب الله عز وجل بيّنه النبي عليه الصلاة والسلام بالسنة، لأن السنة تبيّن القرآن وتفسره، وتقيّد مطلقه وتخصص عامَّه، وربما تأتي بأمور ليست بالقرآن بذاتها ولكنها في القرآن من حيث العموم، فإن كل ما أتانا الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الله أمرنا بقبوله وأخذه، وما نهانا عنه فإن الله أمرنا باجتنابه.
مما كان يقوله النبي عليه الصلاة والسلام في أذكار الصلوات هذا الحديث الذي ذكره المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان يقول: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) : وما معنى لا إله إلا الله ؟
يعني لا معبود حق إلا الله ، ما تقول: لا معبود إلا الله، لو قلت: أي: لا معبود إلا الله كان هذا كذبا، لأن هناك من يعبد من دون الله .
ولو قلت: لا موجود إلا الله كان هذا قولا بوحدة الوجود، لأنك إذا قلت لا موجود إلا الله معناه أن الخلق كلهم هو الله ، لأن الخلق موجودون ، ولهذا يغلط من قال : لا موجود إلا الله ، لا إله إلا الله أي: لا موجود إلا الله.
وإن قلت: لا إله موجود إلا الله، كان هذا أيضا كذب خطأ وكذب، لأنك إذا قلت: لا إله موجود قلنا: بل هناك إله موجود كما قال الله تعالى: (( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون )) وقال: (( فلا تدع مع الله إلها آخر )).
إذن لا إله حق إلا الله ، حق ، وفرق بين موجود وبين حق ، لأن الموجود منه ما هو حق ومنه ما هو باطل في كل شيء: (( ذلك بأن الله هو الحقُّ وأن ما يدعون من دونه الباطل )) ، فإذن الصواب أن لا نافية للجنس ، وأن إله اسمها، وأن خبرها محذوف تقديره: حق .
وإنما صرنا إلى ذلك حتى لا تفسّر بخلاف الواقع ، أو بتفسير ليس بصحيح .وأما الله : فإلا هنا أداة استثناء ، والله بدل من الخبر المحذوف ، إله بمعنى مألوه، وليست بمعنى آله، لكنه سبحانه وتعالى مألوه أي: معبودٌ حبًا وتعظيمًا، وأهل الكلام ومن ضاهاهم يجعلون إله بمعنى آله، ويفسّرون الإله بالقادر على الاختراع وعلى الصنع، فيقولون: لا إله إلا الله أي: لا آله أي: لا قادر على الاختراع والإبداع إلا الله، ولو كان هذا معنى لا إله إلا الله ما أنكره المشركون، أو لا ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لأن المشركين يقرون بهذا ، يقولون مافي خالق إلا الله، لكن (( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )) فلو كان هذا التفسير هو تفسير لا إله إلا الله لكان المشركون موحدين ، وهذا التفسير الذي فسره به المتكلمون فسروا كلمة الإخلاص به ، هذا من أبطل التفاسير ، ولا يصح ولا يستقيم .
وقوله: ( وحده لا شريك له ) وحده : تأكيد للإثبات ، ولا شريك له تأكيد للنفي ، لأن كلمة الإخلاص تضمنت إثبات ونفيا ، تضمنت إثبات الألوهية الحق لله ، ونفي الألوهية الحق لغير الله .
فلهذا وحده يكون تأكيدًا للإثبات ، ولا شريك له يكون تأكيدا للنفي.
( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : له الملك : جملة خبرية قدّم فيها الخبر ، وتقديم الخبر يدل على الحصر والاختصاص.
له: يعني لله وحده الملك، فلا أحد مالك إلا الله، وهو سبحانه وتعالى مالك ملك، ولهذا يقال: له الملك، وجاءت الفاتحة : (( ملك يوم الدين )) و (( مالك يوم الدين )) ، وذلك لأن كمال الملك بالملكية والتصرّف أو التدبير، الله عز وجل ملك مالك، الخلق منهم من يكون مالك وليس بملك ومنهم من يكون ملكا وليس بمالك ، فيه أناس يملّكون لكن ما لهم في تدبير الملك شيء، وفيه أناس يدبرون وليس لهم صفة الملك، فهم مالكون وليسوا بملوك، أما الرب عز وجل فإنه ملك الملوك، ومالك الملك ولهذا قال: ( له الملك ).
فإن قلت: إن الله تعالى أثبت لغيره ملكا، قال سليمان: (( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )) ، وقال الله تعالى: (( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )) ، وقال : (( أو ما ملكتم مفاتحه )) فكيف تقول: إن الملك مختص بالله ؟
فالجواب: أن الملك الذي لغير الله ملك محدود، من حيث الشمول ليس بشامل، ومن حيث التصرّف أيضا ليس بشامل، فأنت إنما تملك مالك فقط ما تملك مال فلان ومال فلان، وملكك لمالك محدود أيضًا، ما تملك التصرّف المطلق كما تشاء، وإنما تتصرف في ملكك كما أذن الله لك، فملكنا محدود مهما كان لنا من الملك .
وقوله: ( له الملك وله الحمد ) الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ، وهذا هو الفرق بين الحمد والمدح ، المدح : تصف الممدوح بصفات الكمال لكن بدون محبة ، لكن الحمد تجد قلبك ممتلئاً محبة لهذا الموصوف ، فالحمد: " هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم " .
وانظر إلى الفائدة في قرن الحمد بالملك ليتبين لك أن ملك الله عز وجل مبني على الحمد ، فكم من ملك لا يحمد ، وكم من مالك لا يحمد ، لكن الرب عز وجل محمود ، فملكه مقرون بالحمد ، ولهذا يقال : ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : كل شيء فالله تعالى قادر عليه ، سواء ما يتعلق بأفعاله أو بأفعال الخلق ، فالله تعالى قادر على أن يوجد المعدوم ويعدم الموجود، وقادر على أن يغيّر ويحوّل الشيء من شيء إلى شيء، قدرة مطلقة لا حدود لها، ولا تقيد بشيء، ولا تخصص بشيء.
( على كل شيء قدير ) ، (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرًا )) .
ثم ختم هذا الذكر بشيء من التفصيل من تمام ملك الله.