وعن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً ، وقال : ( اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) . رواه مسلم . حفظ
القارئ : " وعن ثوبان رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) رواه مسلم " :
الشيخ : هذا أيضًا من الأذكار التي ينبغي أن يقولها الإنسان بعد الصلاة ، كان عليه الصلاة والسلام إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا يعني قال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ، ومعنى أستغفر الله : أسأله المغفرة ، والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه ، هذه المغفرة ، قال العلماء : مشتقة من المغفر ، والمغفر هو الذي يوضع على الرأس من حديد ونحوه ليتقى به السهام .
إذن فهو ساتر، وفي نفس الوقت وقاية، ستر ووقاية .
وقوله: ( استغفر ثلاثا ) : الحكمة من الاستغفار بعد الانصراف من الصلاة لأن الإنسان لا يخلو من تقصير ، فهذا الاستغفار إن كانت الصلاة تامة كان كالطابع لها ، وإن كان فيها نقص كان كفارة لها ، كما جاء ذلك في سيد الاستغفار أو في كفارة المجلس ، كما جاء ذلك في كفارة المجلس .
فهذا الاستغفار بعد أداء العبادة نقول: إن كانت العبادة تامة فهو طابع عليها وإن كانت ناقصة فهو كفارة لها .
وهذا كقوله تعالى في الحج: (( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم )).
وقال: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) : في هذا الموضع ما تقول: وتعاليت، تقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لأن الأذكار توقيفية ما يزاد فيها إلا ما جاء به النص، والنص هنا ما ذكر وتعاليت.
فتقول: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) أنت السلام: وش معنى أنت السلام ؟
يعني السالم من كل نقص ومن كل عيب ، فالله عز وجل سلام أي: سالم من كل نقص ومن كل عيب.
فإذا قلت: هذه الصيغة فعال كيف تحولها إلى فاعل؟
نقول: هذه من باب الصفة المشبهة، والصفة المشبهة تدل على إيش؟
على الثبوت والاستمرار، بخلاف اسم الفاعل، فإنه قد يدل على الحدث بدون ثبوت واستمرار.
فالسلام أبلغ من السالم، ولهذا جاء اسماً لله عز وجل.
( ومنك السلام ): هنا السلام بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم، يقال: كلمته كلاما وكلمته تكليما، فسلام هنا بمعنى تسليم أي: منك التسليم يعني أنك أنت المسلّم لمن تشاء من خلقك، فالسلام من الله عز وجل ، وهو جل وعلا سالمُ سلاما سالم من كل نقص وعيب.
( تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) : تباركت قلنا: إن المعنى كثرت خيراتك، لأن أصل البركة: الخير الثابت الدائم ، مأخوذ من بركة الماء ، لكثرة الماء فيها وسعتها ودوامه وثبوته فيها ، فمعنى تباركت أي: أنك يا ربنا كثير الخيرات والبركات .
وهنا ما قال : بوركت ، بل قال : تباركت لأن التبارك صفته بخلاف غيره فإنه يكون مبارك ، وليس هو المتبارك ، ولهذا قال الله تعالى عن عيسى وعن يحيى: (( وجعلني مباركا )) أي: لما قلته، لكن تفاعل صفة ذاتية فيه.
( تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ذا : بمعنى صاحب.
والجلال بمعنى العظمة، يعني يا صاحب العظمة.
والإكرام لها معنيان:
أحدهما: أنه أهل لأن يكرم عز وجل وأن يعظّم .
والثاني: أنه مكرم لمن يستحق الإكرام من خلقه بالثواب الجزيل والثناء، وهذا الإكرام يتعلّق بالله عز وجل وبالخلق.
فبالله من حيث أنه محل التكريم والتعظيم، وبالخلق لأنهم مكرمون يكرمهم الله عز وجل.
ونظيره الودود: بمعنى الواد، وبمعنى المودود، فهو يود من شاء، وغيره أيضا من أحبابه يودونه.
إذن الإكرام صفة تتعلق بالخالق وبالمخلوق، بالخالق أنه أهل لأن يكرم ويعظم، وبالمخلوق أنه يكرم من يستحق الإكرام من خلقه.
إذن ينبغي لنا إذا سلمنا أن نقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام قبل كل ذكر ، ولهذا تقول عائشة : ( كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يجلس إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف ) : فدل هذا على أن هذا الذكر يكون قبل كل الأذكار .
والمناسبة فيه ظاهرة أيضًا لأنه ينبغي أن يلي الصلاة لأجل أن يكون طابعا لها أو كفارة لها، والله الموفق.