تتمة فوائد حديث ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله ...). حفظ
الشيخ : وهل يجوز على سبيل السؤال؟
تأتي إلى شخص أمين تخبره بأنّك في حاجة لعلّه يعطيك؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الحديث : ( لا تحلّ المسألة إلاّ لثلاث ).
الشيخ : نشوف من هذا الحديث؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، لأنّه حين قال : ( أعلى أفقر منّي؟ ) فإنّ لسان الحال يقول أعطني إيّاه .
الطالب : ما قال هذا صراحة.
الشيخ : دقيقة، فإنّ لسان حاله يقول: أعطني إيّاه ، وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يذكر حاله للشّخص تعريضًا لإعطائه، وإن كان هذا الرّجل جاء ليستفتي، لكن نقول: إذا جاز لهذا وإنّما جاء ليستفتي فالذي جاء للغرض نفسه من باب أولى ما دام الشّرع أباح له وإلاّ لكنّا نقول: أنت ما جئت لهذا، أنت جئت لتنقذ نفسك ممّا وقعت فيه، ولا ينبغي لك إذا جئت لهذا الغرض أن تدخل أمور الدّنيا في هذا.
طيب ومن فوائد الحديث: جواز إخبار الإنسان عمّا لا يحيط به علما بحسب ظنّه، هاه؟
الطالب : ( ما بين لابتيها ).
الشيخ : قوله: ( فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ) ، لأنّ هذا إذا أردنا أن نصل إلى العلم اليقين فيه لكان لا بدّ أن نبحث كلّ بيت وحده ، وهذا الرّجل ما بحث كلّ بيت وحده قطعا ، إذن يجوز أن تخبر بما يغلب على ظنّك ولا يعدّ هذا رجما بالغيب، ولهذا قال تعالى: (( إنّ بعض الظنّ إثم )) ولم يقل: إنّ الظّنّ إثم، لأنّ الظّنّ المبنيّ على القرائن إيش إثم ولاّ لا؟
ليس بإثم، نعم، كذلك الظنّ الذي لا يحقّق فيه ، بمعنى: أنّ الإنسان إذا اتّهم أحدا ذهب يبحث ويتجسّس هذا لا يجوز.
طيب وفي بعض ألفاظ الحديث، يعني الحديث هذا في الواقع في بعض ألفاظه اختلاف أو نخلّيه بعد ما ننتهي.
ومن فوائد الحديث: جواز ضحك الإمام بحضور رعيّته هاه؟
من قوله: ( ضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ) ، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إمام الأئمّة عليه الصّلاة والسّلام، وهو أشدّ النّاس حياء، لو كان هذا ممّا يستحيا منه نعم، ما فعله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، بل هذه تدلّ على طيب النّفس وسعة الخُلُق، بعض النّاس إذا كان له منزلة أو جاه يأنف أن يضحك، يعني حتى لو ضحك النّاس يأنف أن يضحك، يقول: أضحك وأنا كبير، أضحك وأنا غنيّ، أضحك وأنا عالم، أضحك وأنا الوزير، أضحك وأنا الأمير، أضحك وأنا الملك، ما يصلح هذا الضّحك للصّغار، وش نقول؟
الطالب : النبي ضحك .
الشيخ : نقول: ضحك من هو خير منّا، الرّسول عليه الصّلاة والسّلام .
طيب وفيه أيضا أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كما أنّه يتبسّم كثيرا فإنّه يضحك أحيانا، ليس كثيرا، ضحكه قليل لكن تبسّمه كثير عليه الصّلاة والسّلام، نعم.
طيب هل يستفاد منه أيضا جواز الضّحك على ما يتعجّب منه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟ مطلقا حتى غير الإمام؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : حتى غير الإمام؟
الطالب : من باب أولى.
الشيخ : هاه؟
الطالب : إذا وجد داعيا.
الشيخ : إيه إذا وجد داعيا، واحد يكركر من دون شيء ما يصلح لكن إذا وجد الدّاعي؟
الطالب : من باب أولى.
الشيخ : من باب أولى؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ليش؟
لأنّه إذا جاز للإمام الذي هو محلّ الوقار فجوازه لغيره من باب أولى، لكن لا بدّ أن يكون لها سبب، أمّا أن يضحك على غير سبب فهذا يعتبر؟ ماذا نقول؟
الطالب : من قلّة الأدب.
الشيخ : من قلّة الأدب، يعتبر من قلّة الأدب، لكن إذا كان لسبب فهذا يعتبر أنّ الإنسان على فطرته، وأنّه ما عنده تزمّت، ولا عنده انزواء، ولا عنده كبرياء، نعم لأنّ ما تدعو الفطرة إلى الضّحك به هذا لا بأس به.
طيب ومن فوائد الحديث: أنّ الأمر قد يراد به الإباحة، الشّاهد: ( أطعمه أهلك ) هذا أمر، لكنّه يراد به الإباحة، وهكذا نأخذ قاعدة : " أنّ الأمر بعد الاستئذان للإباحة " ، الأمر بعد الاستئذان للإباحة ، لأنّ الاستئذان يفيد المنع، فإذا جاء الأمر بعد المنع فللإباحة كما قال العلماء رحمهم الله: إنّ الأمر بعد النّهي للإباحة واستدلّوا بقوله تعالى: (( وإذا حللتم فاصطادوا )) نعم.
ومن فوائد الحديث جواز كون الإنسان مصرفا لكفّارته، هاه؟
الطالب : ( أطعمه أهلك ).
الشيخ : طيب، هذه المسألة نشوفها الآن نناقش فيها قال: ( أطعمه أهلك ) هل هو على سبيل الكفّارة أو على سبيل أنّك في حاجة والكفّارة ما تجب إلاّ لغنيّ قادر عليها أيّهما؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : طيب.
الطالب : ...
الشيخ : ستقولون: إنّه يحتمل، الرّجل الآن هو غنيّ حين أعطي، لكن هو بيته في حاجة الآن، هو يقول محتاجين، كلّ الذين في المدينة أغنى منا، ما فيها أهل بيت أحوج منّا، طيب الذي ليس في البلد أحوج منه معناه هو المسكين وحينئذ لا تجب عليه الكفّارة.
بعض العلماء استنبط الفائدة التي أشرنا إليها: أنّه يجوز أن يكون الإنسان مصرفا لكفّارته بشرط أن يقوم بها غيره، أمّا أن يقوم بها هو فما هو صحيح، واحد عليه إطعام ستّين مسكينا ويروح يشري ما يكفي إطعام ستّين مسكينا ويعطيه أهله ليأكلوه هذا ما يصلح، لكن إذا أعطاها إيّاه غيره قالوا: فهذا يدلّ على جواز ذلك.
لكنّ علماء آخرين قالوا : هذا ليس بصحيح ، ولا يستفاد هذا من الحديث ، لأنّ قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( أطعمه أهلك ) إنّما أعطاه إيّاه لا على أنّه كفّارة لكن على أنّه لدفع حاجته ، بدليل أنّه لا بدّ من إطعام كم؟ ستّين مسكينا، ومن يقول : إنّ أهل هذا الرّجل ستّون نفرا ، فإن قلت يمكن ذلك ولاّ ما يمكن؟
الطالب : يمكن.
الشيخ : يمكن.
الطالب : بعيد.
الشيخ : هههههه، لكن يمكن، هو يمكن، لكن نقول: حتى وإن كان ممكنا كان على الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يقول: هل أهلك يبلغون، لما قال أعلى أفقر منّا، قال: هل أهلك يبلغون ستين مسكينا حتى يتبيّن أنّ ذلك من أجل الكفّارة ، ولهذا الصّواب في هذه المسألة أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ( أطعمه أهلك ) من باب دفع الحاجة لا من باب الكفّارة.
وحينئذ يبقى النّظر في الفائدة التي أشرنا إليها سابقًا وهي: هل تسقط الكفّارة عن الفقير أو تبقى دينا في ذمّته؟
الطالب : تبقى.
الشيخ : نعم بارك الله فيكم، فيه خلاف بين العلماء:
بعضهم قال: إنّها لا تسقط، لأنّ هذا دين والدّين لا يسقط بالإعسار، بل يبقى في ذمّة المدين إلى أن يغنيه الله، ويدلّ لذلك أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بعد أن قال له الرّجل إنّه لا يستطيع قال له : ( خذ هذا فتصدّق به ) ولو كانت ساقطة بعدم الاستطاعة لكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ما يقول: ( خذ هذا تصدّق به ) لكان قال: سقطت عنك ويعطيه هذا إمّا لدفع حاجته وإمّا يعطيه غيره من النّاس أعرفتم؟
وهذا في الحقيقة إيراد جيّد على أنّها تسقط بالعجز، ولكنّ الصّحيح أنّها تسقط بالعجز، ويدلّ لذلك:
أوّلاً: عموم قوله تعالى: (( فاتّقوا الله ما استطعتم ))، وقوله: (( لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها )) هذا واحد.
ثانياً: تدبّرنا جميع موارد الشّريعة ومصادر الشّريعة وجدنا أنّها لا توجب على الإنسان ما لا يستطيع، كالزّكاة لا تجب على الفقير، والحجّ لا يجب على الفقير، والصّوم لا يجب على العاجز عنه، وهكذا أيضا هذه الكفّارة لا تجب عن العاجز عنها.
ثالثًا: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في هذا الحديث لما قال: ( أطعمه أهلك ) ، لم يقل وإذا اغتنيت فكفّر، وهذا يدلّ على سقوطها.
وأمّا قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( خذ هذا فتصدّق به ) فيمكن أن يجاب عنه بأنّ الرّجل إذا اغتنى في الحال فإنّه تلزمه الكفّارة ، مثل لو كان حين الجماع في نهار رمضان فقيرًا وفي ذلك اليوم أو بعده بيوم أو يومين مات له مورّث غنيّ فاغتنى حينئذ نقول؟
الطالب : تجب عليه.
الشيخ : تجب عليه الكفّارة، لأنّ الوقت قريب، فيمكن أن يفرّق بين شخص اغتنى قريباً وبين شخص آخر لم يغتن فإنّ هذا لا تلحقه، نعم وهذا أقرب شيء: أنّها تسقط بالعجز لأنّ الأدلّة تشهد لذلك.
في هذا الحديث اختلاف في الألفاظ، فهل هذا الاختلاف يقتضي أن يكون الحديث مضطربا، وإذا اقتضى أن يكون مضطربا صار الحديث ضعيفاً، لأنّ المضطرب كما سيأتينا إن شاء الله تعالى من قسم الضّعيف ؟
فالجواب: لا، لأنّ الاختلاف في الألفاظ إذا كان لا يعود إلى أصل الحديث فإنه لا يضرّ، لأنّ الأصل المقصود من الحديث هو وجوب الكفّارة على من جامع في نهار رمضان، والرّوايات كلّها متّفقة في ذلك، نعم، أمّا اختلاف الألفاظ في كونه أقسم أنّ ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منه، وفي قوله: ( أطعمه أهلك )، وفي قوله : ( ما بين لابتيها أفقر منّا )، وما أشبه ذلك فإنّ هذا لا يضرّ ، وهذه القاعدة ذكرها المحدّثون رحمهم الله وممّن ذكرها ابن حجر عند اختلاف الرّواة في حديث فضالة بن عُبيد حين اشترى قلادة من ذهب باثني عشر دينارا ففصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارا ، فإنّ الرّواة اختلفوا في عدد الثّمن هل هو اثنا عشر دينارا أو أقل أو أكثر ، فقال ابن حجر: إنّ هذا لا يضرّ لأنّ هذا ليس في أصل الحديث، واختلاف الرّواة في مقدار الثّمن هذا أمر يقع إذ أنّ الإنسان قد ينسى كم عدد الثّمن، هذه أيضا اختلاف الألفاظ لكنّها لا تعود إلى أصل الحديث، وعلى هذا فالحديث سالم من؟
الطالب : الاضطراب.
الشيخ : من الاضطراب وهو صحيح.
فيه أيضا هل المرأة زوجة الرّجل عليها كفّارة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : الحديث ليس فيه شيء، فمن ثمّ اختلف العلماء:
هل على المرأة المجامعة كفّارة أو لا؟
منهم من قال: إنّه لا شيء عليها، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل له: مر أهلك بالكفّارة، والسّكوت عن الشّيء مع دعاء الحاجة إلى ذكره دليل على عدم وجوبه، فسكوت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام مع أنّ الحاجة داعية إلى الذّكر يدلّ على أنّه ليس بواجب، أعرفتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ومنهم من قال: بل المرأة المختارة كالرّجل، لأنّ الأصل تساوي الرّجال والنّساء في الأحكام إلاّ بدليل.
وأجاب عن هذا الحديث بعدّة أوجه:
الوجه الأوّل: قال إنّ هذا الرّجل جاء يستفتي عن نفسه والاستفتاء عن النّفس في أمر يتعلّق بالغير يجاب الإنسان فيه على قد استفتائه ولا يبحث عن الغير، واستدلّوا لذلك بأنّ هند بنت عتبة جاءت إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فقالت: ( إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النّفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ ، فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ، ولم يطلب أبا سفيان يسأله هل كلام المرأة صحيح أم لا، واضح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ثانياً: أنّ الرّجل يقول: هلكت وفي بعض الألفاظ : وأهلكت وهذا يشعر بأنّه قد أكره الزّوجة، أهلكت ، ولم يقل: هلك معي أهلي، ومعلوم أنّ الزّوجة إذا كانت مكرهة فليس عليها شيء، فيكون هنا لم تذكر الكفّارة على المرأة لوجود ما يشعر بأنّها مكرهة، والمكرهة ليس عليها شيء.
ثالثا: ربّما كانت هذه المرأة غير صائمة ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب لماذا؟
الطالب : حائض.
الشيخ : قد تكون مريضة.
الطالب : حائض.
الشيخ : اصبر، قد تكون مريضة ما تستطيع الصّوم، أو طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر، -والصّحيح أنّ من طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر لا يلزمها الإمساك-، نعم فتكون تأكل وتشرب، ولو أنّ زوجها قدم من سفر وهي طهرت بعد الفجر وهو قدم بعد الفجر جاز له أن يجامعها، لأنّ كلاّ منهما لا يلزمه الصّوم، ربّما تكون حائضًا.
الطالب : ما يجوز يا شيخ.
الشيخ : ما يخالف، هذا الرّجل يقول: هلكت وأهلكت، لكن هذه بعيدة بالنّسبة لحال الصّحابة، لكن فيه احتمال عقلا ما هو ممتنع، ولاّ لا؟
قد تكون حاملا جاز لها الفطر ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كلّ هذا ممكن، نعم، قد تكون مرضعاً جاز لها الفطر، فإذن المرأة فيها احتمالات كثيرة، وعندنا قاعدة أصيلة مؤصّلة في الشّريعة الإسلاميّة وهي: " تساوي الرّجال والنّساء في العبادات إلاّ ما قام عليه الدّليل " ، وحينئذ فنقول: المرأة المطاوعة كالرّجل، فإذا طاوعت المرأة زوجها في الجماع في نهار رمضان فإنّ عليها من الكفّارة ما على زوجها: إعتاق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم تستطع فإطعام ستّين مسكينا.
طيب إذا كانت هي تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين وزوجها لا يستطيع فماذا يكون؟
تصوم، وزوجها يطعم، فإذا قال زوجها: تبطئ عليّ شهرين متتابعين صائمة، نقول له: لك اللّيل يكفيك، خلّيها تصوم، نعم.
فيه أيضا بحث في الحديث: لم يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهذا الرّجل قضاء ذلك اليوم، فهل نقول إنّه لا قضاء عليه لأنّه قد تعمّد الفطر، هاه؟
الطالب : كيف هذا؟
الشيخ : تعمّد الفطر، فهل نقول من تعمّد الفطر فلا قضاء عليه؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : نقول: ذهب إلى هذا بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال : " من تعمّد الفطر في نهار رمضان فلا قضاء عليه " ، معناه أنّه لا يقبل منه القضاء فعليه أن يتوب عن الفطر وعن الصوم.
وقال رحمه الله شيخ الإسلام : " إنّ أمر المجامع يعني هذا الرّجل بالقضاء ضعيف " ، لأنّه ورد أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: ( صم يوما مكانه ) ، لكن هذا الحديث يرى شيخ الإسلام أنّه ضعيف.
ونحن نقول: عدم الذّكر الصّوم هنا إمّا أن يخرّج على ما خرّجه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أنّ المتعمّد؟
الطالب : لا يقضي
الشيخ : لا يقضي لأنّه غير معذور، هذا واحد، وهذا فيه نظر، لأنّ القول الرّاجح أن الإنسان إذا شرع في الصّوم لزمه وصار في حقّه كالنّذر، لأنّه يبتدأ به معتقداً؟
الطالب : لزومه.
الشيخ : لزومه، ووجوبه عليه، فهو كالنّاذر، والنّذر يجب الوفاء به ولو أفسده صاحبه .
وعلى هذا فنقول: إذا شرع في الصّوم ثمّ أفطر متعمّدا فهو آثم وعليه القضاء، أمّا إذا لم يشرع في الصّوم أصلا مثل: رجل تعمّد أن يفطر هذا اليوم من قبل الفجر فالصّحيح أنّه؟
الطالب : لا قضاء.
الشيخ : لا قضاء بمعنى: لا ينفعه القضاء، لأنّه تعمّد تأجيل العبادة عن وقتها بدون عذر، وكلّ عبادة مؤقّتة إذا تعمّد الإنسان تأجيلها أو تأخيرها عن وقتها فإنّها لا تقبل منه، طيب إذن هل هناك وجه آخر؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : نعم، ما هو؟
قال بعض العلماء: لم يجب عليه قضاء الصّوم لأنّه أوجب الكفّارة فكانت الكفّارةُ كفّارةً عن هذا اليوم وعن الجماع، فهما ذنبان دخل أحدهما في الآخر وصارت الكفّارة لهما جميعاً ، قال : لأنّ الكفّارة للأمرين للوطء والفطر، وعلى هذا فيكتفى بها عن الصّوم هذا جواب ثاني.
جواب ثالث: قالوا: لم يذكر وجوب الصّوم عليه لأنّ هذا أمر معلوم أنّ من أفطر يوما فعليه قضاؤه، وما كان أمرًا معلوما فإنّه لا حاجة إلى الإستفصال عنه أو التّنصيص عليه ، لأنّ هذا الرّجل هو نفسه قد أقرّ بأنّه هلك فكان مقتضى الحال أن يكون ملتزماً بقضاء هذا اليوم.
طيب فيه أيضا مناقشة ثانية: هل في الحديث دليل على أنّ الجماع مفسد للصّوم موجب للكفّارة سواء كان الإنسان عالما أو جاهلا أو ذاكراً أو ناسيا؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، قال بعض العلماء: فيه دليل لأنّ الرسول لم يستفصل، هل عليه قضاء أو لا فقط أو ذكرنا غيره؟
الطالب : إذا كان جاهلا أو ناسيا.
الشيخ : إيه إذا كان جاهلا أو ناسيا، مثلا: مما يتعلّق بالحديث : هل أنّ الإنسان إذا جامع وهو جاهل يفسد صومه أو لا؟
نقول: إنّ ظاهر الحديث وهو قوله: هلكت ، يدلّ على أنّ الرّجل كان عالما بذلك، لأنّه لا هلاك إلاّ مع علم .
ولكن قد يقول قائل: ربّما أنّ هذا الرّجل أخبر بعد أن فعل بأنّ هذا حرام، فقال: هلكت ؟
نقول : نعم هذا الاحتمال وارد ، لكن الأصل أخذ الكلام على ظاهره وأنّ الرّجل علم أنّه هالك قبل أن يخبر، لأنّ الإخبار وارد على حاله، والأصل عدمه، نعم وعلى هذا فنقول: ليس فيه دليل على أنّ من جامع وهو جاهل فعليه؟
الطالب : الكفّارة.
الشيخ : الكفارة، بل الجماع مع الجهل كالأكل مع الجهل، وكسائر المحظورات مع الجهل، فإنّه يعذر فيها، طيب ذكرنا كل الفوائد الظّاهر؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب.