فوائد حديث ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة ...). حفظ
الشيخ : فعلى هذا نقول في هذا الحديث دليل على أمور:
أولا: أن العقود لا تنعقد عن هزل إلا هذه الثلاث، فلو باع الإنسان بيته على شخص يمزح فإن البيع لا ينعقد لو كان يمزح قال تبيع بيتك قال بيتي غال عندي قال: أنا أعطيك مليونا يمزح عليه، قال: بعتك فهذا لا ينعقد به البيع، لماذا؟ لأنه كان هازلا، ولكن لو ادعى أحد المتعاقدين أنه هزل وادعى الآخر أنه جد فالقول قول مدعي الجد، لأن الأصل في العقود أنها إيش؟ أنها جد إلا إذا قامت البينة على أنه هازل أو قامت القرينة القوية على أنه هازل فحينئذ لا ينعقد البيع.
كذلك في الإجارة صار يمزح معه فقال: أجرني بيتك، فقال: أجرتك إياه بكذا وكذا، فقال: قبلت وهو يمزح، فإن الإجارة لا تنعقد، لأنها هزل ولكن لو اختلف المستأجر والمؤجر هل العقد هزل أو جد؟ فالقول قول من يقول: إنه جد لأنه الأصل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يذكر أشياء أحيانا للتقسيم والحصر مثل قوله ( أربع لا تجوز في الأضاحي ) وقوله: ( ثلاث جدهن جد ) وقوله: ( ثلاثة لا يكلمهم الله ) ( سبعة يظلهم الله في ظله ) وأمثلة هذا كثيرة يحصرها النبي عليه الصلاة والسلام من أجل التقريب، لأن الشيء إذا عُدد وحصر سهل حفظه وبعد نسيانه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن هذه الأمور الثلاثة تثبت بالجد والهزل وهي: النكاح والطلاق والرجعة، والحكمة من ذلك ما أشرنا إليه سابقاً وهو عظم هذه العقود وخطرها فجُعل فيها الهزل كالجد، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء أو أكثر العلماء.
وقال بعض أهل العلم: لا تنعقد مع الهزل إذا ثبت أنه هزل فإنها لا تنعقد لقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهذا لم ينو إنما قاله على سبيل المزح، وعلى سبيل الهزل، وعكس النظر أو التعليل السابق قال هذه العقود لعظمها وخطرها لا ينبغي أن يلزم الإنسان بحكمها إلا بوجه متيقن، وأنها لخطرها لا ينفع فيها الهزل أو لا تثبت بالهزل، وهذا مذهب الظاهرية وذهب إليه بعض الفقهاء بأن هذه الثلاثة كغيرها وقالوا: إن الأحاديث الواردة فيها لا تثبت فضعفوا أدلتها.
ولكن الجمهور على أنها تثبت وهذا هو الأحوط وهو الأسلم من التلاعب، لأن الناس إذا علموا أنهم إذا هزلوا فيها ألزموا بحكمها، توقفوا عن الهزل، وإذا علموا أن الهزل لا يثبتها صاروا يهزلون بها كثيراً وكثر التلاعب وصار ربما إذا طلق قال أنا هازل وإذا عقد قال أنا هازل، وإذا راجع قال أنا هازل وهذا يترتب عليه أمور كثيرة من ثبوت النسب والمصاهرة والتحريم بالمصاهرة وغير ذلك مما هو خطير فجُعل فيها الهزل كالجد لئلا يتلاعب الناس بذلك.
وفي رواية لابن عدي من وجه آخر ضعيف: ( الطلاق والعتاق والنكاح )، أما الطلاق والنكاح فسبق وجهه، وأما العتاق فلتشوف الشارع إلى العتق، ولهذا يحصل العتق بأمور لا يحصل بها غيره قد يحصل العتق كرهاً على الإنسان مثل العتق للسرايه، لو أعتق الإنسان نصف عبده عتق كله، ولو عتق شركا له في العبد يملك من العبد مثلا واحدا من عشرة فأعتق نصيبه عتق العبد كله وألزم بقيمة نصيب شركائه. إذن نزيد أمرا رابعا على ما سبق وهو العتق.
" وللحارث بن أبي أسامة: من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه رفعه "
رفعه يعني: إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمي مرفوعاً لارتفاع مرتبته لأن خير كلام البشر كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: ( لا يجوز اللعب في ثلاث : الطلاق والنكاح والعتاق ) وهذا الحديث يوافق الرواية الأخرى لابن عدي وأُسقط في هذين الحديثين ذكر الرجعة ( فمن قالهن فقد وجبن ) يعني: من قالهن على سبيل الجد أو على سبيل الهزل فقد وجبن يعني لزمن وثبتن.