شرح خطبة كتاب بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله وهي قوله: ( بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا أما بعد فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي . وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وبالستة من عدا أحمد ، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد ، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول ، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير ،وبالمتفق البخاري ومسلم ، وقد لا أذكر معهما ، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى. ). حفظ
الشيخ : نبدأ؟ سمّع.
القارئ : بسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين قال ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه " بلوغ المرام كتاب الطّهارة " ..
الشيخ : ليس هذا، الخطبة.
القارئ : قال رحمه الله في كتاب بلوغ المرام من أدلّة الأحكام:
" الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديمًا وحديثًا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرًا حثيثًا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثًا وموروثًا، أما بعد:
فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرًا بالغًا ليصير من يحفظه بين أقرانه نابغًا "
.
الشيخ : من بين أقرانه.
القارئ : ليصير من يحفظه من بين؟
الشيخ : من بين أقرانه.
القارئ : " ليصير من يحفظه من بين قرانه نابغًا ، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي، وقد بينت عقيب كل حديث ".
الشيخ : كيف عُقيب؟ عندي عقب وإن لم تكن كذلك فهي عَقِيب وليست عُقَيْب.
الطالب : مشكّلة عُقَيْب.
الشيخ : لا، غلط، عندنا عَقِب.
القارئ : " وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة، فالمراد بالسبعة: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة: من عدا أحمد، وبالخمسة: من عدا البخاري ومسلم، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة والأول " ..
الشيخ : من عدا.
القارئ : " وبالأربعة من عدا الثّلاثة والأوّل ".
الشيخ : لا، الأُوَل، " من عدا الثّلاثة الأُوَل "
القارئ : " وبالأربعة: من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة: من عداهم والأخير " ..
الشيخ : وعدا الأخير، " من عداهم وعدا الأخير ".
القارئ : " وبالمتّفق عليه البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين، وسميته بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالًا ، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحمن .
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد : فهذه اللّيلة هي ليلة الإثنين الحادي عشر من شهر جمادى الأولى عام سبعة عشر وأربعمائة وألف وبها نفتتح دراستنا لبلوغ المرام، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلّغنا جميعًا المرام في الدّنيا والآخرة.
اعلم أوّلا أنّ أصل أدلّة الأحكام التي تعبّدنا الله بها هما شيئان: الكتاب والسّنّة، وما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من السّنّة فله حكم الكتاب تمامًا، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذّر ممّن يعمل بالقرآن ولا يعمل بالسّنّة فيقول: ( يوشك أن يكون أحدكم متّكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري، يقول: ما ندري! ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه! ) يعني: وما ليس في كتاب الله لا نتّبعه، ومعنى أنّ الرّسول قال: ( لاألفينّ أحدكم على أريكته ) أي: لا أجدنّه على ذلك، وهذا تحذير من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمن يأخذ بما في القرآن ولا يأخذ بما في السّنّة، فالأصلان الذان تبني عليهما الأحكام التي تعبّدنا الله بها هما: الكتاب والسّنّة، أمّا الإجماع فهو دليل مستند على الكتاب والسّنّة لولا الكتاب والسّنّة ما كان الإجماع دليلًا إذن فهو ثابت بالكتاب والسّنّة، كذلك القياس، القياس ثابت بالكتاب والسّنّة، ولولا الكتاب والسّنّة ما صار القياس دليلًا، وعلى هذا فثبوت كون القياس دليلًا إنّما كان بالكتاب والسّنّة، وثبوت كون الإجماع دليلًا إنّما كان بالكتاب والسّنّة، وحينئذ تنحصر الأدلّة التي تثبت بها الأحكام بإيش؟
الطالب : الكتاب والسّنّة.
الشيخ : بالكتاب والسّنّة، طيب بعد هذا نقول: الكتاب العزيز لا يحتاج إلى نظر في إثباته، لأنّه ثابت بطريق التّواتر المفيد للعلم القطعيّ الذي لا يعتريه الشّكّ ولا يعتريه التّردّد، لأنّ الأمّة نقلته قرنا عن قرن، وصغيرا عن كبير ولم يختلف فيه أحد، ولهذا قال أهل العلم من أنكر حرفًا واحدًا من كتاب الله عزّ وجلّ مما لم يكن قراءة فإنّه كالذي أنكر القرآن كلّه فيكون كافرًا، إذن النّاظر في كتاب الله العزيز لا يحتاج إلى إيش؟
الطالب : النظر في ثبوته.
الشيخ : إلى النّظر في ثبوته، لماذا؟ لأنّه ثابت بالدّليل، بالتّواتر القطعيّ الذي لا يعتريه الشّكّ لكنّه يحتاج إلى النّظر في دلالته على الحكم، يحتاج إلى النّظر في دلالته على الحكم، وهذا هو الذي يختلف فيه النّاس اختلافًا عظيمًا وكثيرًا، ربّما يستنبط بعض النّاس من الآية الواحدة أكثر من حكم بل عشرات الأحكام، وآخر لا يستنبط منها إلاّ قليلًا أو لا يستنبط منها شيئًا، ولهذا لمّا سأل أبو جحيفة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: " هل عهد إليكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشيء؟ " يعني إمّا أن يقال: إنه أوصى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالخلافة لعليّ بن أبي طالب وما أشبه ذلك ممّا أشيع، أشاعته الشّيعة في ذلك الوقت، قال رضي الله عنه: " لا والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، ما عهد إلينا بشيء إلاّ فهمًا " وإلاّ هنا استثناء منقطع " إلاّ فهمًا يؤتيه الله تعالى أحدًا في كتابه أو ما في هذه الصّحيفة، قال: وما في هذه الصّحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر " فالشّاهد قوله: " إلاّ فهمًا " فإنّ النّاس يختلفون في فهم كتاب الله عزّ وجلّ اختلافًا عظيمًا، ولا يخفى علينا أنّ أصول التّفسير أو قواعد التّفسير تدلّ على أنّ أوّل ما يفسّر به القرآن القرآن، لأنّ الكلّ كلام الله والله تعالى أعلم بمراده بكلامه، ثمّ بالسّنّة، ثمّ بأقوال الصّحابة ولا سيما الفقهاء منهم، ثمّ بأقوال التّابعين الذين أخذوا التّفسير عن الصّحابة، أمّا السّنّة فيحتاج النّاظر فيها لإثبات الحكم إلى أمرين:
الأمر الأوّل: ثبوتها عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
والأمر الثاني: دلالتها على الحكم، فيشترك القرآن والسّنّة في هذا الأخير وهو إيش؟ الدّلالة على الحكم، وتنفرد السّنّة بالنّظر إلى ثبوتها عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بأنّ ما ينسب عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فيه الصّحيح وفيه الحسن وفيه الضّعيف وفيه الموضوع المكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لهذا احتاج النّاس إلى أن يعرفوا كيف صحّت النّسبة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فألّفوا في ذلك الكتب العظيمة الحديثيّة والقواعد المرعيّة ثمّ أيضًا كتب الرّجال وبيان أحوالهم، ثمّ ألّفوا أيضًا تاريخ مواليد الرّجال ووفياتهم، لأنّ النّاظر في ذلك يحتاج إلى معرفة الرّجال بأحوالهم هل هم عدول أم غير عدول، هل هم حفّاظ أو غير حفّاظ، ثمّ يحتاج إلى تاريخ حياتهم ووفاتهم من أجل أن يسلم من أن يحكم على السّند بأنّه متّصل وهو منقطع، لأنّه إذا تقدّم موت الشّيخ ونسب أحد إليه رواية وهو لم يدرك وقته، علمنا بأنّ الرّواية هذه منقطعة، إذن لا بدّ من تعب في إثبات السّنّة أو في إثبات ما ينسب إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إليه، ومن ثَمَّ احتجنا إلى علم الرّجال وإلى علم مصطلح الحديث وقواعده، وإلى مراجعة كتب العلماء فيما يتعلّق بالحديث وهو باب واسع متعب، ولقد كان النّاس برهة من الزّمن طويلة لا يعتنون بهذا كثيرًا لأنّهم انهمكوا في تحرير المذاهب وتنقيحها والتّفريع عليها، لكن في الآونة الأخيرة والحمد لله بدأ النّاس يهتمّون بعلم الحديث والنّظر في سند الحديث وفي متن الحديث وفي كلام أهل العلم فيه، فأصبح هناك اهتمام كبير في طلب علم الحديث وهو أمر لا بدّ منه.
ثمّ إنّ العلماء رحمهم الله ألّفوا في الحديث على جهات شتّى، منهم من ألّف على الأبواب ومنهم من ألّف على المسانيد، ومنهم ألّف على التّاريخ على وفيات الرّواة، إلى آخر ما هو معروف في علم المصطلح، وممّن ألّف على الأبواب قاض من قضاة مصر في عهده عليّ بن أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله، ألّف هذا الكتاب المبارك وهو " بلوغ المرام من أدلّة الأحكام " وهو كتاب مختصر لكنّه مفيد فائدة عظيمة، فإذا وفّق الله تعالى من يشرحه شرحًا وافيًا بحيث يتكلّم على الحديث الذي يحتاج إلى الكلام على سنده وثبوته، ويتكلّم أيضًا على مفرداته من حيث المعنى اللّغوي والشّرعي، ثمّ يتكلّم على شرح الحديث مبيّنًا أسبابه والظّروف التي تحدّث فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحديث، وكذلك مبيّنًا الفوائد لو وُفِّق هذا الكتاب لمثل هذا الشّرح لكان أسفارًا عديدة ولحصل فيه فائدة كثيرة، لكنّ النّاس يغلب عليهم حبّ الاختصار خوفًا من الملل من وجه واجتنابًا للمشقّة والكلفة، نسأل الله أن يثيب مؤلّفه خيرًا وأن ينفعنا به.