وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الآخر شفاء ) . أخرجه البخاري وأبو داود ، وزاد : ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) . حفظ
الشيخ : نقرأ درس اليوم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ) ". الذباب معروف وهو من أوهن الحيوانات ولهذا ضربه الله مثلًا في التّحدّي فقال الله تعالى: (( يا أيّها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) استمع، استمع لهذا المثل من الله عزّ وجلّ، الرّبّ عزّ وجلّ يستنصتك وهو فوق سبع سماوات يقول: (( ضرب مثل فاستمعوا له )) ماذا نقول؟ سمعًا وطاعة نستمع، (( إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له )) الذّباب من أوهن ما يكون من الحيوان لا يمكن أن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، ولهذا تجد الذّباب ليس له بيت وليس له قرار، أي مكان يكون فيه ينزل فيه فهو من أضعف الحيوانات (( إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له )) لو اجتمعوا كلّهم ما استطاعوا أن يخلقوا ذبابًا، وانظر هذا التّحدّي القدريّ مع التّحدّي الشّرعي، (( قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا )) فتحدّى الله الخلق أن يأتوا بمثل آياته الشّرعيّة أو بمثل آياته الكونيّة، بمثل آياته الشّرعيّة في قوله: (( قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا )) والكونيّة: (( إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له )) هذه الذّباب الطائر المعروف الكثير المتكاثر في بعض الأزمنة أو في بعض الأمكنة يقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا وقع في شراب أحدكم ) أيّ شراب؟ عامّ لأنّه مفرد مضاف فيفيد العموم، أيّ شراب: ماء، لبن، مرق، أيّ شيء كان ( فليغمسه ثمّ لينزعه ) لمّا قال: ( فليغمسه ) علمنا أنّه لا بدّ أن يكون شرابًا مائعًا، لأنّ غير المائع لا يمكن غمسه، إذن الشّراب المائع فمثلًا العسل شراب هل يغمس فيه؟ لا، لا يمكن يغمس فيه.
الطالب : ...
الشيخ : لكن هل يمكن؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ما يمكن اللهمّ إلاّ إن جعلت معه ماء أو لبنًا فيمكن، على كلّ حال الحديث يدلّ على أنّ المراد الذي يمكن غمس الذّباب فيه ( ثمّ لينزعه ) ينزعه يعني: يخرجه من الشّراب لئلاّ يقع في ... وتعرفون أنّه صغير ممكن يدخل مع الشّراب من غير أن يشرب به الإنسان ولكن لينزعه ( فإنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ) سبحان الله! الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يكن متخرّجًا من كليّة طبّ لكنّه يأتيه الوحي وإلاّ فمن يدري في ذلك الوقت أنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء؟ ما فيه تحليلات ولا فيه طبّ راق ولكنّه الوحي من عند الله عزّ وجلّ، داء يعني مرض وفي الآخر شفاء أي من هذا المرض أو العموم؟ يحتمل أنّ المراد شفاء أي من ذلك المرض الذي في الجناح الآخر، ويحتمل أن يكون المراد الشّفاء عمومًا وحينئذ إذا قلنا بالعموم هل يشمل كلّ مرض؟ يقال في ذلك كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الكمأة: ( إنّها من المنّ وماؤها شفاء للعين ) فليس شفاء للعين من كلّ داء يصيبها ولكنّه من نوع من أنواع الأدواء.
( وفي الآخر شفاء ) أخرجه البخاري وأبو داود وزاد: ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) هنا نقول أخرجه البخاري ظاهر كلام المؤلّف أنّه لم يخرجه غير البخاري وأبي داود، فلو قال قائل: أين بقيّة الأئمّة لماذا لم يخرجوه؟ فيقال: هل الأئمّة كلّهم إذا رووا عن أناس يتّفقون في الرّواية عنهم؟ لا، ربّما لا يرونهم ولا يدركونهم، كما أنّنا ترد علينا أحاديث كثيرة ليس فيها ذكر أبي بكر وعمر، ونحن وإن لم نعلم فيغلب على ظنّنا أنّ أبا بكر وعمر قد سمعاه لكن لم يرووه، فلا يلزم من كون بقيّة الأئمّة لم يرووه أن يكون من أفراد البخاري الضّعيفة مثلًا وهو ليس ضعيفًا بل هو صحيح والطّبّ الحديث يشهد له، وسنسأل الأخ إرشاد الآن إن كان عنده علم؟ يقول أخرجه البخاري وأبو داود وزاد أبو داود: ( وإنّه يتّقي بجناحه الذي فيه الدّاء ) يتّقي يعني أنّه إذا خاف على نفسه وأهوى ليسقط في هذا الشّراب ماذا يقدّم؟ يقدّم الجناح الذي فيه الدّاء، وهذا إمّا إلهام من الله عزّ وجلّ وإمّا أن يكون هذا الجناح يختصّ بخصيصة ليست في الجناح الآخر يعرفها الذّباب، على كلّ حال ما لنا ولهذا نحن نقول آمنّا وصدّقنا أنّه يتّقي بجناحه الذي فيه الدّاء والله أعلم لماذا يتّقي به، الأخ إرشاد عندك علم بهذا؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ما وصلنا بعد إلى هذا، أنا أقول هذا الدّاء، على كلّ حال أنا قرأته في عدّة صحف ومجلاّت أثبتوا أنّ فيه الحمّى ما أدري إيش، وأنّ هذه بإذن الله إذا غمسه فإنّ في الجناح الآخر ما يضادّه ونحن في الحقيقة -انتبهوا يا جماعة- إنّما نستشهد بأقوال الأطبّاء أو الفلكيّين على ما دلّ عليه الكتاب والسّنّة ليس من أجل أنّنا لا نقبل إلاّ إذا شهدوا أبدًا، نحن نقبل وإن لم يشهدوا بل ولو شهدوا بخلافه ولقد صحّ ثبوتًا ودلالة فإنّنا لا نعبأ بهم لكنّنا نستفيد من ذلك فائدتين: الأولى: زيادة الطّمأنينة لا شكّ، والثاني: محاجّة أولئك الذين يقدحون في الشّريعة فيما لا يدخل عقولهم القاصرة فنقول شهد علماء الفلك بهذا أو شهد علماء الطّبّ بهذا فنستفيد يعني نحن لا نقول نلقي كلّ ما يقوله النّاس في مسألة الطّب والفلك والأجرام السّماويّة ولكنّنا لا نقبل كلّ ما يقولون، إذا كان الذي يقولون يخالف الكتاب والسّنّة الثابتين دلالة ورواية فإنّنا لا نقبل كلامهم، نأخذ بما جاء في الكتاب والسّنّة ونقول إنّ كلامكم الآن الذي يضادّ الكتاب والسّنّة ونقول إنّ كلامكم الآن الذي يضادّ الكتاب والسّنّة سوف يأتي الزّمن الذي يشهد فيه النّاس بصحّة ما جاء في الكتاب والسّنّة، أوّلًا: نسأل لماذا أتى المؤلّف في باب المياه؟ الجواب: أتى به ليفيد أن مثل الذّباب إذا مات في الماء القليل فإنّه لا ينجّسه، لأنّكم تعرفون أنّ الإناء في شراب أحدكم إذا الإنسان أراد أن يشرب يشرب من أين؟ من إناء كبير أو صغير؟
الطالب : صغير.
الشيخ : صغير إذا غمس في الذّباب وهو حارّ سوف يموت، فإذن أتى به المؤلّف ليفيد أنّه إذا وقع في الماء القليل شيء مثل الذّباب فمات فإنّ الماء لا ينجس بذلك هذا هو المناسب.