وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) . أخرجه مسلم، وعند الأربعة :( أيما إهاب دبغ ). حفظ
الشيخ : " وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) أخرجه مسلم، وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ ) -يعني فقد طهر-
وعن سلمة بن المحبق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دباغ جلود الميتة طهورها ) صحّحه ابن حبان.
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: ( مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها فقال: لو أخذتم إهابها، فقالوا: إنّها ميتة، فقال: يطهّرها الماء والقرظ ) أخرجه أبو داود والنسائي "
.
هذه الأحاديث في حكم الجلود التي تكون من ميتة هل تطهر بالدّباغ أو لا تطهر، وأتى بها المؤلّف في هذا الباب لأنّ الجلود تتّخذ أوعية للماء والسّمن وغير ذلك.
الأوّل قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ، فيقول إذا دبغ الإهاب يعني الجلد قبل دبغه إذا دبغ فقد طهر وهذا لا شكّ أنّه يعني به الجلد النّجس لأنّ قوله فقد طهر بعد ذكر الدّبغ يدلّ على أنّه كان قبل الدّبغ نجسًا، إذن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يتحدّث عن الجلود النّجسة إذا دبغت هل تطهر أو لا؟ فالحديث يدلّ على أنّها تطهر، والإهاب هنا اسم جنس محلّى بأل فيكون للعموم ويؤيّد العموم اللّفظ الذي ذكره عند الأربعة ( أيّما إهاب دبغ فقد طهر ) ووجه ذلك أنّه يؤيّد العموم أنّ أيّما إهاب أداة شرط والنّكرة في سياق الشّرط تفيد العموم إذن أيّ إهاب دبغ فإنّه يطهر، وكذلك أيضًا ( دباغ جلود الميتة طهورها ) يدلّ على أنّ الميتة إذا أخذت جلودها ودبغت فإنّها تطهر.
وحديث ميمونة: ( أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: لو أخذتم إهابها، فقالوا: إنها ميتة، فقال: يطهرها الماء والقرظ ) القرظ حبّ ينبت في الأثل ونحوه يدبغ به فقال: ( يطهّرها الماء والقرظ ) وهذا يعرفه الدّبّاغون.
إذا نظرنا إلى الأحاديث الثلاث الأولى قلنا إنّ الحديث عامّ وأنّ أيّ إهاب نجس يدبغ فإنّه يطهر سواء كان هذا الإهاب ممّا يؤكل لحمه وكان سبب نجاسته أنّ البهيمة ماتت أو ممّا لا يؤكل وإذا نظرنا إلى حديث ميمونة وجدنا أنّ الحديث فيما إيش؟ فيما يؤكل لحمه ولكن هل نقول إنّنا نربط العموم بالسّبب أو نقول إنّ ذكر فرد من أفراد العموم لا يقتضي التّخصيص؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من يقول كلّ جلد دبغ فإنّه يكون طاهرا سواء كان ممّا يؤكل لحمه أو ممّا لا يؤكل، وبناء على هذا القول لو دبغ جلد الكلب صار طاهرًا، جلد الذّئب صار طاهرا، جلد الأسد صار طاهرًا، جلد الثّعبان صار طاهرًا كلّ جلد يدبغ يكون طاهرًا وبهذا أخذ كثير من العلماء ومنهم الظّاهريّة قالوا كلّ جلد يدبغ فإنّه يكون طاهرًا وهذا القول فيه نوع سعة للنّاس باعتبار أنّه يوجد الآن خفاف كثيرة من جلود الثّعابين أو غيرها ممّا يحرم أكله، والقول الثاني أنّ الجلد لا يطهر بالدّباغ وهو مقابل الأوّل، لا يطهر بالدّباغ مطلقا حتى وإن كان جلد ما يؤكل واستدلّوا بحديث ضعيف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب قبل أن يموت بشهر ألاّ تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، لكن الحديث ضعيف ولا يدلّ على النّسخ ولكنّ هؤلاء قالوا إنّه إذا دبغ تخفّ نجاسته فيجوز استعماله في اليابس دون الرّطب يعني يجوز أن تجعله وعاء للحبوب، وعاء للأشياء اليابسة كالدّراهم والثّياب وما أشبهها أمّا الرّطب لأنّه على رأي هؤلاء إيش؟ لا يطهر بالدّباغ هو نجس، والنّجس إذا لاقى شيئًا رطبًا نجّسه، القول الثّالث أنّه يفرّق بين جلود البهيمة التي تباح بالذّكاة وجلود البهيمة التي لا تباح بالذّكاة فجلود البهيمة التي تباح بالذّكاة تطهر بالدّباغ، وجلود البهيمة التي لا تحلّ بالذّكاة لا تطهر بالدّباغ، مثال الأوّل: جلد الشّاة لو أنّ شاة ماتت وسلخوا جلدها ودبغوه صار الجلد صار الجلد طاهرًا يستعمل في اليابس والرّطب في الماء واللّبن وكلّ شيء، ولو أنّ ذئبا قتل وأخذ جلده ودبغ فإنّه لا يطهر، يكون نجسًا وعلّلوا ذلك أنّه إذا كانت الذّكاة لا تحلّ هذا الذّئب ولا تطّهره فالدّباغ من باب أولى أن لا يطهّر جلده بخلاف الشّاة ونحوها، وهذا القول وسط يعني معناه هذا القول خلاصته أنّه إذا دبغ جلد الميتة التي تحلّ بالذّكاة فإنه يطهر وإاذ دبغ جلد البهيمة التي لا تحلّ بالذّكاة فإنّه يبقى على نجاسته لكن يستعمل في اليابس لأنّه استعمل في اليابس نجاسته لا تتعدّى، وألفاظ الحديث كما رأيتم، لكن قلنا هل نحمل أيّما إهاب دبغ أو إذا دبغ الإهاب على سبب الحديث الخاصّ ونقول إنّ قوله الإهاب يعني إهاب الشّاة ونحوها لأنّه قال ذلك حين مرّوا بالشّاة يجرّونها، ونظير ذلك أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم رأى زحاما ورجلا قد ظلّل عليه وهو مسافر في رمضان فقال ما هذا؟ قالوا: صائم، قال: ( ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) الحديث الآن عامّ وإلاّ غير عامّ؟
الطالب : عامّ.
الشيخ : ( ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) هو عامّ والسّبب خاصّ فهل نقول إنّه يختصّ بمن كانت هذه حاله أو هو عام؟ الجواب يختصّ بمن هذه حاله، بمن إذا صام شقّ عليه مشقّة شديدة كهذا الرّجل فيكون صومه من غير برّ، كذلك هنا لمّا رأى الشّاة قال: ( إذا دبغ الإهاب ) يعني كهذه الشّاة ونحوها ( فقد طهر ) وحينئذ يكون عامًّا في مثل الحال التي رآها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، أي عامًّا بالنّسبة لإيش؟ للشّاة وما يؤكل لأنّه إنّما قال ذلك حينما رأى هذه الشّاة التي تجرّ، الحديث فيه فوائد لكن أظنّ أنّه لا يمكننا الآن.