وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال :( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على راحلته ، ولعابها يسيل على كتفي ). أخرجه أحمد والترمذي وصححه . حفظ
الشيخ : ثمّ قال المؤلّف رحمه الله: " وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على راحلته ، ولعابها يسيل على كتفي ) أخرجه أحمد والترمذي وصححه ".
خطبنا: الخطبة هي التّذكير بالأحكام الشّرعيّة وغالبًا ما تكون بانفعال وتأثير، وقد لا تكون كذلك لكن في الغالب هو هذا.
وقوله: بمنى كان ذلك يوم العيد، وقد خطب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد ويوم الثاني عشر، يوم العيد خطبهم ليعلّمهم كيف يرمون الجمرات وكيف يطوفون وكيف يسعون، وفي اليوم الثاني عشر علّمهم ماذا يصنعون إذا أرادوا أن يتعجّلوا، لأنّه في اليوم الثاني عشر ينتهي الحجّ لمن أراد أن يتعجّل، وكان من عادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يخطب النّاس إمّا خطبة راتبة وإمّا خطبة عارضة، الخطب الرّاتبة كخطب الجمعة والعيدين والاستستقاء.
واختلف العلماء في خطبة صلاة الكسوف والصواب أنّها خطبة راتبة وأنّه يسنّ عقب كلّ صلاة كسوف خطبة، وتكون أحيانًا خطبه عارضة إذا وجد ما يستدعي ويتكلم فيخطب النّاس عليه الصّلاة والسّلام كما في قصّة بريرة التي اشترتها عائشة رضي الله عنها واشترط أهلها أن يكون الولاء لهم فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( خذيها واشترطي لهم الولاء ) ثمّ خطب النّاس وقال: ( ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ كلّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحقّ وشرط الله أوثق وإنّما الولاء لمن أعتق ).
وفي الحجّ خطب في عرفة وفي منى فهل هذه الخطبة راتبة أو عارضة؟ فيه احتمال أن تكون راتبة أو عارضة لكن ليست هي خطبة الجمعة ولا يقال إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام خطب في عرفة خطبة الجمعة وإن كان ذلك اليوم هو يوم الجمعة لكنّها ليست خطبة الجمعة، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام خطب قبل الأذان فإنّه خطب ثمّ أذّن ولأنّه خطب خطبة واحدة ولو كانت الجمعة لكانت خطبتين، ولأنّ حديث جابر يقول: " ثمّ فقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر " فصرّح بأنّها الظّهر وليست الجمعة، وأيضًا لو كانت الجمعة ما جمعت إليها أصلا لأنّ العصر لا تجمع إلى الجمعة، فالمهمّ أنّ هناك قرائن كثيرة تدلّ على أنّ خطبة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم عرفة ليست خطبة جمعة، وقوله في منى، منى اسم مكان وهو المشعر الحلال أو الحرام؟
الطالب : الحرام، الحرام.
الشيخ : ليست مشعرًا بارك الله فيكم، عندنا مشعران: مشعر حلال وهو عرفة، ومشعر حرام وهو مزدلفة أمّا منى فهي مقرّ الحجّاج، قالوا: وسمّيت منى لكثرة ما يمنى فيها من الدّماء أي ما يراق فيها من الدّماء.
قوله: " وهو على راحلته " الجملة حاليّة من فاعل خطب أي: والحال أنّه على راحلته وهي بعيره وكانت البعير التي حجّ عليها تلقّب بالقصواء، والبعير التي كان عليها في عمرة الحديبية تلقب بالعضباء وكان من هدي الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه يسمّي وما عنده من الدّوابّ أي البهائم وكذلك ما عنده من السّلاح، السّيف الفلاني، السّهم الفلاني أو ما أشبه ذلك، وهذا سنّة وفيها فائدة حتى لا يحصل اشتباه فيما لو قال لغلامه مثلا أعطنى النّاقة، فمثلًا إذا كان له عدّة نوق يحتاج يستفهم أيّ نوق؟ إذا قال أعطني العضباء، أعطني القصواء انتهى المشكل وتبيّن كلّ شيء فيكون من هدي الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه يسمّي مواشيه وكذلك سيفه، إذن نحن نسمّي سيّاراتنا مثلًا أليس كذلك؟ هذا إذا كانت من جنس واحد، أمّا إذا كانت مختلفة مثلًا حوض وغمارة هذا ما يحتاج، يكون يبيّنها نفس الوصف، وقوله: " ولعابها يسيل على كتفي " الواو هنا يجوز أن تكون استئنافيّة ويجوز أن تكون حاليّة، حاليّة منين؟ حال من الراحلة، أي: والحال أنّ لعابها يسيل على كتفي واللّعاب ما يخرج من الرّيق.