تتمة فوائد حديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن ...). حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
نأخذ الفوائد حتى نبدأ بدرس جديد إن شاء الله تعالى:
قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله ) : يستفاد من هذا :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن، لأن الإعجاب هنا بمعنى المحبة والسرور .
ومن فوائده : تقديم اليمين على اليسار لقولها : ( يعجبه التيمُّن ) ، قال العلماء -رحمهم الله- : " إلا في مواطن الأذى والقذر فتقدم اليسرى " ، وأخذوا هذا الاستثناء من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين والتمسح بها ، وعلى هذا فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه هذه القاعدة ، والأشياء ثلاثة أقسام :
أذى ، ونزاهة ، ولا أذى ولا نزاهة ، تقدم اليمين في موضعين: في النزاهة وفي إيش ؟
وفي ما ليس بأذى ولا نزاهة لفضلها ، أما ما فيه أذى وقذر فإنه تقدم له اليسرى.
طيب السواك هل يبدأ بيمين فمه أو بشماله ؟
نقول : يبدأ بيمين الفم، لدخوله في قوله : ( وطهوره ) أو في قوله : ( وشأنه كله ).
وهل يمسك السواك باليمنى أو باليسرى ؟
قال بعض العلماء : يمسكه باليسرى مطلقا، وقال بعضهم : باليمنى مطلقا، وفصل آخرون :
فمن قال : باليسرى قال : إن السواك آلة تنظيف وآلة تطهير، فهي كالحجر يستجمر به الإنسان، والحجر الذي يستجمر به الإنسان يأخذه باليسار، فيستاك باليسار وهذا هو المذهب عندنا عند الحنابلة، أنه يستاك بيده اليسرى. وقال بعض العلماء : بل باليمين، لأن السواك عبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( السواك مَطهرة للفم مرضاة للرب ) : فهو عبادة ولا ينبغي للإنسان أن يفعل العبادة إلا باليمين، ما يفعلها بآلة القذر .
وفصل آخرون فقالوا : إن كان السواك لتطهير الفم فيأخذه باليسار كما لو كان بعد الأكل بعد النوم بعد تغير الفم تغير رائحته فيكون باليسار.
وإذا كان لمجرد التطوع فهو باليمين، كما لو توضأ الإنسان واستاك ثم جاء إلى الصلاة فورًا فهنا الفم لا يحتاج إلى تطهير لكنه يستاك عند الصلاة تسننا وتعبدا لله عز وجل فيأخذه باليمين .
ولو قيل : إن الأمر في هذا واسع وأن الإنسان إن شاء باليمين وإن شاء باليسار لم يكن بعيدًا، لأن هذه علل قد لا يستطيع الإنسان أن يجزم ببناء الحكم عليها.
فنقول : الأمر واسع.
وأما البداءة بالفم فيبدأ باليمين الجانب الأيمن .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : جواز التنعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان.
الترجل قلنا فيه استحباب الشعر اتخاذ الشعر، لكن هل هو سنة عبادة أو سنة عادة ؟
قال الإمام أحمد -رحمه الله- : " هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه، ولكن له كلفة ومؤونة " : كلفة ومؤونة : كلفة بالعمل، مؤونة بثمن الدهن ونحوه.
فالإمام أحمد -رحمه الله- ترك اتخاذ الشعر لهذا وإلا فهو سنة عنده.
وقيل : إنه سنة عادة، وأن الناس إذا اتخذوه عادة فلا ينبغي للإنسان أن يخرج عن عادتهم، وإن لم يتخذوه فلا ينبغي أن يخالف عادتهم، وهذا عندي أقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، بل قال في الغلام الذي حُلق بعض رأسه : ( احلقه كلَّه أو اتركه كله ) .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بنفسه في النظافة، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل شعره، وهذا لا شك أنه تنظيف له، فالذي ينبغي للإنسان ألا يكون أشعث أغبر، بل يُصلح من شعره ما استطاع إصلاحه، لما في ذلك من النظافة والتجمل والله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال .
وأما أن يبقي نفسه رثًّا كريه المنظر فهذا ليس من الأدب الإسلامي، الأدب الإسلامي أن يكون الإنسان متجملا كما قال الصحابة رضي الله عنهم : ( يا رسول الله: إن أحدنا يحب أن يكون وجهه حسنا ونعله حسنة، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ) .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز التنعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنعل.
لكن هل الأفضل التنعل أو الحفاء أو في ذلك تفصيل ؟
نقول : أما إذا كان الإنسان سيمشي على أرض تضره فلا شك أن التنعل أولى، بل قد يكون واجباً، لأن الله تعالى قال : (( ولا تقتلوا أنفسكم )) كما لو كانت الأرض ذات حصى له أَسِنَّة فهنا لا يجوز أن يمشي عليها بلا نعال، مثل أرض الحرة في المدينة هذه لو مشى الإنسان عليها أمتارا غير بعيدة تقطعت رجله ، فهنا نقول : لا يجوز للإنسان أن يخاطر بنفسه ويمشي على هذه الأرض التي تضره ، لأن الإنسان مأمور بحفظ نفسه .
وأما إذا كانت الأرض عادية فالأفضل أن يحتفي أحياناً وينتعل أحياناً كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثرة الإرفاه، ويأمر بالاحتفاء أحياناً ) ، ومن هنا نعرف أن ما يذهب إليه المترفون الذين يلبسون الجوارب والخفين حتى في أحر الأيام صيفاً هذا لا داعي له، اللهم إلا أن يكون أحد في رجله شيء يحب أن يستره، أو أن فيها مرضاً لو كشفها لتأثرت بالكشف هذا معذور، أما أن يعود نفسه إلى هذا الحد فإن رجله ستكون أرق من يده، لأنها في هذه الحال لا تبدو للشمس ولا للهواء، فتكون رقيقة لا يستطيع أن يخرجها ويمشي عليها كما قال لي ذلك بعضهم، قال : إني إذا مشيت على رجلي كأنما أمشي على خدي من شدة الألم ، من شدة الألم ما يستطيع أن يمشي أبدًا، لأنه عود نفسه على هذه الرفاهية، ( والرسول عليه الصلاة والسلام كان ينهى عن ذلك ويأمر بالاحتفاء أحيانا ) .
ومن فوائد هذا الحديث : استحباب البداءة باليمين في الطُّهور، يعني في التطهر، اليدان والرجلان لا شك أن الإنسان يبدأ باليمين فيهما كما تواترت به السنة.
الأذنان هل يمسحهما جميعا أو نقول : هما جزء من الرأس ؟ نعم هل يمسحهما اليمنى قبل اليسرى أو نقول هما جزء من الرأس يمسحهما جميعا ؟
الثاني هو الحق : أن الأذنين لا ترتيب بينهما أي : بين اليمين واليسار ، اللهم إلا إذا كان لا يستطيع أن يمسحهما جميعاً فهنا نقول ابدأ باليمين .
طيب الخفان ؟ إذا كان على الإنسان خفان هل يمسحهما جميعًا أو يمسح اليمنى قبل اليسرى ؟
هذا فيه احتمال، حديث المغيرة بن شعبة ذكر أن النبي صلى الله عليه سلم لما أهوى المغيرة لينزع خفيه أنه قال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما ) ، وهذه الجملة يحتمل أنه مسح عليهما بالترتيب ويحتمل أنه مسح عليهما جميعاً .
والعلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا:
فمنهم من قال : يمسحان مرة واحدة، لأن هذا شأن كل ممسوح، وهو ظاهر حديث المغيرة .
ومنهم من قال : يبدأ باليمنى لأن المسح عليهما بدل عن الغَسل، والغسل يبدأ فيه باليمنى قبل اليسرى.
والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع، إلا إذا كان لا يستطيع المسح إلا بيد واحدة فهنا يبدأ باليمين.
طيب في حال الغُسل ، الغُسل من الطهور بلا شك هل يبدأ بالجانب الأيمن قبل الأيسر أو يغسل الجسم جميعا مرة واحدة ؟
الأول ، أنه يبدأ بالجانب الأيمن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية وهي ممن شارك في غسل إحدى بناته قال : ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) .
وقيل : إنه في الغسل لا يرتب ، بل يغسل الجسم جميعاً ، لأن الجسم عضو واحد ، والعضو الواحد ما فيه ترتيب ، ولكن الأول أولى أنه يتيامن حتى في الغسل .