تتمة شرح الحديث السابق ( وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبوب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) . أخرجه مسلم والترمذي ، وزاد : ( اللهم أجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ). حفظ
الشيخ : وقوله : ( إلا الله ) لا يصح أن نعرب ( الله ) خبر لا، لأن لفظ الجلالة الله معرفة ، بل يقول النحويون : إنه أعرف المعارف .
ولا النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات ، وعلى هذا فلا يصح أن نعرب الله على أنه خبرها ، لأن من شرطها أن تعمل في النكرات.
طيب إذًا أين الخبر ؟
الخبر محذوف ، قدره بعضهم : لا إله موجود ، وهذا التقدير لا يصح ، لماذا ؟ لأنه موجود آلهة غير الله ، قال الله تبارك وتعالى : (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك )) ، وقال تعالى : (( ولا تجعل مع الله إلها آخر )) ، فالآلهة موجودة .
وقال تعالى في ذكر بطلان آلهة المشركين : (( إن هي إلا أسماء سميتموها )) ، فهم يسمونها آلهة لكن هل هي آلهة حق ؟
لا، وعليه فنقول : من قدر لا إله موجود فإنه غلط غلطا فاحشاً من وجهين :
الوجه الأول : أن الواقع يكذبه، لأنه توجد آلهة سوى الله.
الوجه الثاني : إذا قال : لا يوجد إله إلا الله، لزم أن تكون هذه الآلهة هي الله، وهذا خطأ فاحش، إذًا ما الذي نقدر ؟
نقدر ما دل عليه القرآن: (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل )) : فنقدر حق ، وهو أحسن من تقديرنا : بحق ، لأنك إذا قدرتها بحق لزم أن تكون بحق جار ومجرور متعلق بمحذوف والتقدير: لا إله كائن بحق إلا الله ، ومتى أمكن عدم الإضمار فهو أولى ، لاسيما أن عدم الإضمار فيه مطابقة للقرآن : (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل )) ، وعلى هذا نقدر : لا إله حق إلا الله .
فإذا قال قائل : يعني المعنى غير بين ؟
نقول : هو بين ، تقول : لا رجل قائم إلا زيد يمكن أو لا يمكن ؟
يمكن، لا رجل قائم إلا زيد فنقول : رجل اسمها وقائم خبرها.
وعليه فنقول : الله لفظ الجلالة يكون بدلا من الخبر المحذوف ، والبدل حكما له حكم المبدل ، فعلى هذا يكون المعنى: أنه لا يوجد إله حق إلا الله عز وجل وهذا هو المطلوب.
( لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ) : عندنا وحده توكيد للإثبات أو للنفي ؟ الطالب : للإثبات .
الشيخ : للإثبات ، توكيد للإثبات .
( لا شريك له ) توكيد للنفي، وحق لهذه الكلمة بمعناها العظيم أن تؤكد بأن الله وحده هو الحق ، لا شريك له لا مشارك له في هذه الألوهية .
( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) نقول في أشهد مثل ما قلنا في أشهد الأولى، وأن محمدًا هنا أن بقيت على ثقلها أو خففت ؟
بقيت على ثقلها لأنها تصح أن تدخل على الجملة الاسمية، أشهد أن محمدًا عبده ورسوله :
محمد علم شائع في جنس الأعلام فمن هو ؟
نعم محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه ، وإنما لم يقيد بوصف يبينه لأنه قد ملأ القلوب ، علم يعرف أنه فلان ، العلم ليس يعين الشخص بنفسه لكن يعين المسمى به ، وإذا كان المسمى به محمد مثلا عشرة صار مبهما أو معينا ؟
مبهم، لكن هذا لما كان معرفته في القلوب حالَّة لا يمكن أن ينصرف القلب لغيره أغنى عن ذكر الصفة الكاشفة ، وصار المراد بمحمد : محمدا رسول الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه ، وحقق لنا ولكم اتباعه.
( أن محمدًا عبده ورسوله ) : هذه عبودية أخص أنواع العبودية ، لأن العبودية أنواع : عبودية عامة : وهي التعبد لله تعالى كوناً ، التعبد لله كوناً هذا شامل لجميع الخلق ، كل الخلق يتعبدون لله كونا لا يمكن أن يخرجوا عن طاعته أبدًا حتى الكافر ؟ حتى الكافر عبد ؟
الطالب : في العموم ؟
الشيخ : إي في العموم ، في العبادة الكونية ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، حتى الكافر هو عبد لله ، قال الله تبارك وتعالى : (( إن كل من في السموت والأرض )) ، (( كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) : وهذه العبودية العامة لا يحمد عليها الإنسان ، لأن الإنسان مسخر ، عبودية خاصة : وهي العبودية بالشرع ، وهي التعبد لله بشرعه هذه هي التي يحمد عليها الإنسان وهي مدار الثناء .
العبودية لله بالشرع أقسام بعضها أخص من بعض ، فعبودية الصالحين ليست كعبودية الأولياء ، لأن عبودية الأولياء أخص ، عبودية الأولياء ليست كعبودية الأنبياء ، عبودية الأنبياء أخص ، عبودية الأنبياء ليست كعبودية الرسل ، عبودية الرسل أخص ، لأنهم محملون إبلاغ الرسالة إلى عباد الله والجهاد عليها إذا أذن لهم بالجهاد وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية من أي الأنواع ؟
من أخص الأخص ، بل هو عليه الصلاة والسلام وإخوانه من أولي العزم هم أخص أنواع العبودية ، ولذلك انظر إلى أعماله عليه الصلاة والسلام ماذا يصنع ؟
ذكر استغفار صلاة صدقة بذل لا يوجد له نظير ، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما كان يصلي حتى تتفطر قدماه يقال له في ذلك فيقول : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) : يعني هذه هي العبودية التامة ، أما الرسالة فحدث ولا حرج :
يخرج إلى الناس في أوطانهم يدعوهم إلى الله عز وجل ، ويرجع وهم قد أدموا عقبه ولم يستجيبوا له ، ومع ذلك هو صابر .
وخروجه إلى أهل الطائف ودعوته إياهم ، ثم إهانتهم له حتى يرموه بالحجارة ويدموا عقبه ، ثم يرجع لم يفق إلا في قرن الثعالب ، ويأتيه ملك الجبال يقرئه السلام ويقول : ( إن الله أمره إذا شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين ) : الآن الأمر بيده بإذن الله عز وجل ، لو شاء لأمر ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين ، لكنه ماذا قال ؟
قال : ( أستأني بهم ) أتأنى ، ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به ) ، وهذا وقع .
أتجدون أحدا أصبر من هذا ؟
حتى الفطرة والطبيعة تقتضي أن ينتقم الإنسان من هؤلاء وأمثالهم، لكنه عليه الصلاة والسلام لا ينتقم لنفسه أبدا، إنما أمره لله ، إذًا هو قد اتصف بأكمل أنواع العبودية.
( ورسوله ) يعني المرسل من قبله ، من قبل الله عز وجل ، فهو رسول من الله إلى مَن ؟
إلى الإنس والجن، إلى جميع الناس من يهود ونصارى ووثنيين وملحدين إلى كل الخلق.
وهل أرسل إلى الملائكة أو لا ؟
هذا محل لا حاجة إلى بحثه، لكنه أرسل إلى الجن والإنس، فالإنس والجن كلهم مكلفون بقبول رسالته والشهادة له بالرسالة.
وما أحسن كلمةً التي قالها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب " ، هذه يعني جملة جيدة جدًا، وتصورها سهل وهي جامعة : " هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب " : وسيأتينا إن شاء الله في البحث فوائد هذا الحديث : أن الناس صاروا فيه طرفين ووسط :
طرف عبدوه ، وطرف كذبوه ، والوسط من عبدوا الله برسالته وصدقوه ، هؤلاء هم الوسط ، -الأسئلة أعلن دخولها، ولا لا؟ أو تبون نستمر في الشرح؟-. طيب يقول عليه الصلاة والسلام : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة ) :
دائما في القرآن الكريم يشير الله إلى هاتين الشهادتين في عدة مواضع، نذكر منها موضعا واحدا وتقيسون عليه الباقي، قال الله تعالى : (( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )) : هذه تتضمن الشهادة لله عز وجل حيث جاء قوله وهو كلامه بتحقيق التوحيد، (( أم لم يعرفوا رسولهم )): هذه شهادة أن محمد رسول الله، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا، أن الله يذكر أولا ما يتضمن التوحيد ثم ما يتضمن الرسالة .
قوله : ( إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) : ( فُتِّحت ) : من المعلوم أن الجنة ليست في الأرض، وأن القائل لا يشاهدها ولا يشاهد أبوابها، لكن إذا جاءنا الخبر عن الصادق المصدوق فما موقفنا منه ؟
أن نصدق به أكثر مما نصدق ما نشاهده بأعيننا ، لأن العين قد تخطئ ، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئ ، وعلينا أن نؤمن بهذا الأمر الغيبي ، وأن الإنسان إذا تطهر وأسبغ الوضوء وقال هذا : فتحت له أبواب الجنة .
فماذا يترتب على فتحها ؟
يترتب على فتحها له أن الله ييسر له جميع الأعمال التي بها يدخل هذه الأبواب ، وتعرفون أن أبواب الجنة منها : باب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للجهاد كما جاء في الحديث ، فيكون مضمون هذا أن الله تعالى ييسر لهذا المتوضئ الذي أكمل وضوءه بالتوحيد وهي طهارة القلب، ييسر له الأعمال التي يدخل بها من أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء .
" أخرجه مسلم والترمذي وزاد -يعني الترمذي- : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) " :
( اللهم ) يعني يا الله ( اجعلني ) أي : صيرني من التوابين الذين يكثرون التوبة من كل ذنب فعلوه .
( واجعلني من المتطهرين ) الذين تطهروا بأبدانهم وقلوبهم ، وهذا مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى : (( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يجب التوابين ويجب المتطهرين )) .
فإذا جعلك الله من التوابين المتطهرين ، فإنك تنال بذلك محبة الله نعم .
الطالب : شيخ بارك الله فيكم مر معنا فيما سبق أن أبواب الجنة الثمانية يدخل من باب الصيام من أكثر الصيام .
الشيخ : نعم .
الطالب : ومن أكثر الصيام ، ويوجد كثير من الناس ممن يقول هذه الكلمة الأعمال الصالحة هل هذا له عدل ، يعني داخل في قوله وهو ممن يدخلها ؟
الشيخ : هو الواقع أن هذا السؤال يأتي بعد ذكر الفوائد لكن لا بأس أن نجيب عليه :
جميع الأسباب التي ترد في الكتاب والسنة حق لكن يوجد موانع ، الموانع في الأعمال الصالحة قد تكون من جهة القلب وإخلاصه قد يكون من جهة الاتباع وما أشبه ذلك ، حتى الأمور الكونية ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت ) أليس كذلك ؟
ومع ذلك يتداوى بها كثير من المرضى ولا ينتفعون ، وليس هذا إبطال لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل هذا لوجود مانع ، فهذه الأشياء مهمة أو هذا الإشكال الذي أوردت مهم ، نحن يجب علينا أن نؤمن بأن الأسباب الكونية والشرعية التي جعل الله أسبابا حق وإذا تخلفت فهو إما لقصور في السبب وإما لوجود مانع ، أي نعم ، نعم يحيى ؟
الطالب : أحسن الله إليكم قوله تعالى : (( إن الله يحب التوابين )) التوابين صيغة مبالغة .
الشيخ : نعم .
الطالب : من تاب مرة هل يدخل في هذا ؟
الشيخ : لا ، يدخل ومن باب أولى، التوابون ما يتوب إنسان إلا من ذنب، فإذا أذنب وتاب، أذنب وتاب، أذنب وتاب، أذنب وتاب، أحبه الله ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل أذنب ذنبا فتاب إلى الله ، ثم غلبته نفسه فيما بعد ففعله وتاب إلى الله، ثم غلبته نفسه في الثالثة ففعل وتاب إلى الله، فقال الله عز وجل : ( علم عبدي ) وفي لفظ: ( أَعَلِم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذه به قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ) : هذه من جهة. من جهة أخرى : قد تكون صيغة المبالغة باعتبار كثرة التائبين، لا كثرة التوبة من واحد ، أفهمت ؟ طيب.
إي نعم ؟
الطالب : قوله : ( ارجع فأحسن وضوءك ) .
الشيخ : إيش ؟
الطالب : قوله للرجل الذي رأى في قدمه لمعة .
الشيخ : نعم .
الطالب : ... مدة طويلة ، ومن المعروف أنه إذا طالت الموالاة ... ؟
الشيخ : ما يمكن توضأ حول المسجد أو الرسول رآه في غير المسجد أو قد يكون في سفر من الأسفار انتهى من الوضوء وعلى طول رآه .
الطالب : يا شيخ هذا يرجح القول الثالث .
الشيخ : ما هو ؟
الطالب : الاحتمال الأول أن الموالاة طالت المدة يعني بين الأمر بالوضوء وبين الأمر بالإعادة ، فيكون المعنى إحسان فقط يعني ارجع فأحسن وضوءك العضو .
الشيخ : أي نعم ، أنا أنصحك وإخوانك ألا تنظروا إلى النصوص بعين أعور فتضلوا ، الأحاديث الأخرى التي يقول : ( أمره أن يعيد الوضوء ) صريحة في أنه أمره بالإعادة .
ونحن قلنا في الشرح الإحسان يحتمل أنه إحسان بالوضوء كله فيبتدأ من أوله، ويحتمل أنه تمام يعني أو كمال، وترى ما ضلَّ من ضلَّ من الناس حتى في العقائد إلا بهذا الطريق أن الإنسان ينظر إلى النصوص من جانب واحد، أهل التمثيل مثلوا الله بخلقه نظروا إلى إيش ؟
إلى نصوص الإثبات، وأهل التعطيل نظروا من جانب واحد، وهي نصوص التنزيه أو نفي التمثيل ، فالمهم أنا أنصحكم ألا تنظروا إلى النصوص من جانب واحد ، الشريعة واحدة ، يقيد بعضها بعضًا ، وتخصص بعضها بعضا ، نعم ؟
الطالب : أحسن الله إليكم في قولنا كان إذا أتى بعضها مضارع فإنها تفيد الدوام غالبا .
الشيخ : نعم .
الطالب : تفيد الدوام غالبا هل معنى أن بعض الأدلة التي كان فيها يعني الفعل كان والفعل المضارع أنها تفيد الدوام فنستمر عليها غالبا في هذه ؟
الشيخ : أي نعم هو غالبا نعم ، هو غالب تفيد العموم تفيد الدوام .
الطالب : غالبا متعلقة .
الشيخ : تفيد الدوام غالبا ، وقد تأتي لغير الدوام ، نعم ؟
الطالب : كان رسول الله يتوضأ بالمد هذا يدل على أن الماء قليل جدا فهل كان يعني دائما يتوضأ مرة مرة ؟
الشيخ : هذا هو الغالب ، الغالب أنه يتوضأ بالمد .
الطالب : وفي مرة مرة ؟
الشيخ : كيف ؟
الطالب : يكون الوضوء غالبا مرة واحدة ؟
الشيخ : ما تقدر تقول ذلك ، يقدر الإنسان يأخذ شيء يسير ويقول هكذا ويجري ، لكن السبب أن نستغرب هذا الشيء لأنا ما تعودنا عليه ، ابن عباس رضي الله عنهما يقولون : إنه كان يتوضأ ولا يوجد نقط تحت وضوئه ، نحن ما تعودنا على هذا ، انتهى ؟