تتمة فوائد حديث ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا ...). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد :
منها : مشروعية بعث السرايا سواء كانت تقطع من الجيش أو مرسلة من الأصل من البلد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
ومنها : جواز المسح على العمائم يعني: التي تعمم على الرأس.
وهل لها شروط ؟
لننظر ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط أن يلبسها على طهارة قياسًا على الخف، فإن الخف لا بد أن يلبسه على طهارة قالوا : فكذلك العمامة ، ولكن هذا قياس غير صحيح :
أولًا : أنه لم يذكر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر الإنسان أن يلبس العمامة على طهارة ، مع أنه لو كان شرطا لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، فلما لم يرد قلنا : الأصل عدم الاشتراط.
ثانيًا : أن القياس لا بد فيه من مساواة الفرع للأصل، وهنا لا توجد مساواة، وذلك لأن الرجل مغسولة والرأس ممسوح، فتطهير الرأس قد سُهل فيه من أصله حيث إنه مسح، فإذا كان سهل فيه من أصله فلا يمكن أن يقاس الأسهل على ما هو أصعب منه، فيقال : كما سهل في أصله، أصل تطهير الرأس، كذلك يسهل في الفرع وهي العمامة التي تلبس عليه .
ثانيًا : هل يشترط أن تكون المدة يوما وليلة ، أم يجوز ما دام لابسا على العمامة فإنه يمسح عليها ؟
المذهب أنه لا بد أن تكون يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، قياسا على الخف وقد علمتم أن هذا القياس لا يصح ، لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لا صحيح ولا ضعيف أنه وقَّت لمسح العمامة يوما وليلة أو ثلاثة أيام .
ثم إن القياس أيضاً غير تام لاختلاف الأصل والفرع .
طيب على هذا نقول : البس العمامة متى شئت ، وامسح عليها متى شئت. ثالثا : هل يشترط في العمامة شرط فوق كونها مطلق عمامة ؟
المذهب نعم ، لا بد أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة :
فالمحنكة أن يدار منها لية تحت الحنك .
أو ذات ذؤابة : بأن يكون لها ذؤابة من الخلف ، حجتهم في ذلك قالوا : لأن الحكمة من جواز المسح على العمامة مشقة النزع ، وهذا لا يتحقق في عمامة وضعت على الرأس دون أن تكون محنكة ، لكن المحنكة يشق على الإنسان نزعها ، أما ذات الذؤابة فلأن هذه هي العمامة المشهورة عند العرب، وفاقدتها لا تسمى عمامة ، ولكن هذا فيه نظر ، والصواب أنه يجوز أن نمسح على العمامة الصماء التي ليست ذات ذؤابة ولا محنكة .
أما الأول فنقول : أين الدليل على أنه لا بد أن تكون محنكة ؟
والتعليل بأنه لمشقة النزع ، يقال : إن هذا لا يقاس على الخف ، لأن أصل تطهير الرأس مخفف فيه ، ثم إنه قد يشق على الإنسان أن يخلع العمامة ليمسح الرأس ، لأن بعض العمائم تكون لياتها كثيرة ، فلو نزعها بقي وقتا يرد طيها. وثانياً : أن هناك أذى ، لأن العمامة لا بد أن تكسب الرأس حرارة ، فإذا كشفها أو نزعها ليمسح الرأس في أيام الشتاء خاصة فإنه يتأذى بذلك وربما يتضرر لأنه سيقابل رأسه برودة ، فالصواب إذًا : أنه لا يُشترط في العمامة أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة ، وأما كون هذه عمائم العرب فإن سُلِّم هذا فالنصوص جاءت مطلقة بدون تقييد.
فإن قال قائل : وهل تجيزون المسح على الطاقية والغترة ؟
فالجواب : لا ، لأنها لا تسمى عمامة ، وليس فيها أدنى مشقة ، لكن هناك شيء قد يقاس على العمامة وهو القبع ، القبع الذي يلبس على الرأس في أيام الشتاء ، وهو قبع من صوف أو من قطن يلبسه الإنسان على رأسه ويكون له فتحة للوجه وطوق على العنق ، فهذا لا شك أن المسح عليه جائز ، وهو أولى بجواز المسح من العمامة ، لأن هذا يشق على الإنسان أن يخلعه ، وهو أيضا أشد ضررًا على الرأس من خلع العمامة ، لأنه يستعمل غالبا في أيام الشتاء . فإن قال قائل : وهل تجيزون المسح على الرأس إذا كان ملبدا بالصمغ والعسل وما أشبه ذلك ؟
فالجواب: نعم نجيز هذا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قد لبد رأسه ، وهذا مسامح فيه يعني هذا مما يدلك على أن المسح على ما فوق الرأس أمر ميسر .
طيب فإن قال قائل : فالنساء تلبس حليا على رأسها وتشبكه في الشعر ، وتخيطه عليه ، فهل يلزمها نزعه عند الوضوء أو تمسح عليه ؟
الجواب: الثاني، لأن مشقة نزع هذا أيضًا شديدة، وكما سمعتم أن المسح على الرأس أمره مخفف .
طيب ( التساخين ) يقول : هي الخفاف ، يؤخذ من هذا الحديث جواز المسح على الجوارب ، لأن عموم قوله : ( التساخين ) وإن فُسرت بالخفين فإنها من باب تفسير الشيء ببعض معناه ، فالتساخين كل ما تسخن به الرجل من جوارب وخفاف وغيرها.
فهل يجوز المسح على الخف الرقيق أو المخرق ؟
الجواب : نعم ، على القول الراجح ، لأن هذا يحصل فيه تسخين القدم ، وهل يجوز المسح على اللفائف ؟
يعني لو كان هناك برد شديد أو حر شديد لأجل وقاية الرجل فلف عليها لفائف فهل يجوز المسح عليها ؟
الجواب: نعم، لا شك في هذا لأن إزالة هذا الملفوف أشد من خلع الخف أو الجورب.
فإن قال قائل : وهل يجوز المسح على الخف المخرق ؟
قلنا : نعم ما دام اسم الخف باقيا أو اسم الجورب باقيا فإنه يجوز المسح عليه لأن النصوص جاءت مطلقة .
ثم إن المقام مقام رخصة وتسهيل ، وإذا كان المقام رخصة وتسهيل فلا ينبغي أن نشدد على عباد الله في شيء لم يثبت في شريعة الله ، وهذه قاعدة يجب على الإنسان أن يهتم بها ، أي شرط تشترطه في أي حكم من الأحكام فاعلم أنك بذلك ضيقت الشريعة ، لأن الشروط قيود ، وإذا قيد المطلق صار إيش ؟ تضييقاً على الناس، فأي شرط تضيفه إلى حكم من الأحكام فاعلم أنك ضيقت شريعة الله وسوف يحاسبك الله على هذا، لأن الله أطلق لعباده ويسر لعباده ثم تأتي أنت بزيادة قيد أو شرط لم يكن موجودا في القرآن والسنة ولا القياس الصحيح، فإنك سوف تحاسب على هذا .