وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :( كنت رجلاً مذاءً ، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : فيه الوضوء ). متفق عليه ، واللفظ للبخاري . حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف وهو درس الليلة إن شاء الله : " وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كنت رجلاً مذاءً ) " :
( كنت رجلا مذاء ) أي: فيما سبق، أو المراد بكان هنا تحقيق هذه الصفة ؟ الجواب: الثاني، لأن كان تأتي ويراد بها تحقيق هذه الصفة دون ملاحظة الزمن وهي كثيرة في أسماء الله، مثل قوله تعالى : (( وكان الله غفورا رحيما )) (( وكان الله سميعا بصيرا )) وما أشبه ذلك، هذا ليس المعنى أنه كان في زمن مضى بل المراد تحقيق هذه الصفة بقطع النظر عن الزمان.
طيب إذًا ( كنت رجلا مذاء ) ليس فيما سبق وأني الآن سلمت من المذي .وقوله : ( مذاءً ) صيغة مبالغة ، أي : كثير المذي ، والمذي فيه لغتان : المذي وهي الأكثر ، والمذيُّ بتشديد الياء وهي لغة صحيحة .
وهو ماء لزج يخرج عند الشهوة ، وليس يخرج بشهوة ، ولا يلزم منه انتصاب الذكر ، بل يخرج إذا أحس الإنسان بالشهوة ، مثلا بتقبيل أو نظر أو تذكر خرج منه هذا الماء ، والناس يختلفون فيه ، منهم المقل ومنهم المستكثر ومنهم من لا يعرفه أبدًا.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من الذين يلحقهم هذا كثيرًا .
( فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ) : قوله : ( أمرت المقداد ) قد يقال : لماذا لم يسأل هو بنفسه ، وقد بين في رواية أخرى أنه استحيا أن يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ابنة النبي صلى الله عليه وسلم معه زوجته وهذا يتعلق بالنساء ، فاستحيا رضي الله عنه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم .
ويقال : لماذا أمر المقداد، أليس هناك صحابة آخرون ؟
فالجواب: بلى، لكنه يتناوب هو المقداد بن الأسود في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان عمر رضي الله عنه يتناوب في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحب له ، فلهذا أمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله.
فقال : " ( فيه الوضوء ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري " :
والمؤلف -رحمه الله- اختار هذا السياق أو هذه الرواية لمناسبة الباب وهو نواقض الوضوء ، وإلا فلهذه القصة مناسبة في باب الوضوء وأيضًا في النجاسة وكيف تزال وهل المذي نجس أو غير نجس ؟
لكن المؤلف أعني ابن حجر اختار في * بلوغ المرام * هذه الرواية لأن المقصود موجود فيها .
فقال : ( فيه الوضوء ) ، لكن لا مانع أن نذكر ما يتعلق بهذا فإن المقداد لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يغسل ذكره ويتوضأ ) ، وفي رواية : ( اغسل ذكرك وتوضأ ) : فأشكل هذا على العلماء ، هل معناه أن علي بن أبي طالب سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه كما جاء في بعض الروايات أنه سأل بنفسه ، أو أن المعنى أن المقداد لما سأله قال : ( اغسل ذكرك ) لأن علي هو الذي يروي الحديث الآن ، هو الذي يروي الحديث فيحكي عن نفسه كأنه هو السائل ، وإلا فمن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجهه إلى المقداد على أنه هو المصاب بهذا ، إنما وجهه إلى علي بن أبي طالب باعتبار أن عليًا هو الذي رواه ، فكأنه نقله بالمعنى .
طيب أما إذا قلنا : ( يغسل ذكره ) فلا إشكال ، لأن المقداد قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يكون مذَّاءً فماذا يصنع ؟
فقال : ( يغسل ذكره ) .
وقوله : ( يغسل ذكره ) معلوم أن الذكر يطلق على جميع القصبة ، ليس على ما أصابه المذي فقط ، وإلا لقال : يغسل ما أصابه ، بل قال : ( يغسل ذكره ).
وفي رواية في غير * الصحيحين * : ( وأنثييه ) يعني: خصيتيه ، فعلى هذا يغسل الذكر والأنثيين ، كل الذكر.
قال : ( فيه الوضوء ) يعني ويتوضأ، يغسل ذكره ويتوضأ.
وفي بعض الألفاظ : ( توضأ واغسل ذكرك ).
على كل حال الآن الحديث في بيان حكم المذي هل ينقض الوضوء أو لا ينقض ؟
ففي هذا الحديث دليل واضح على أنه ينقض الوضوء لقوله : ( فيه الوضوء ) نعم .
ولكن يقال : إذا كان الرجل يمذي دائمًا ، لأن بعض الناس يبتلى بهذا يكون كل ما تذكر ولو يسيرًا أمذى، وهو لا يستطيع أن يمنع نفسه من التفكير فإنه يلحق بسلس البول إذا كان لا يستطيع منعه .