وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثني عليه وقال : ( لكني أنا أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : ( صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه، وقال: لكني أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
هذا الحديث له سبب وهو أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لشدة رغبتهم في الخير جاءوا إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألونهن عن عمله في السر، يعني في بيته، فأخبروا بذلك فكأنهم تقالوا هذا العمل، وقالوا: إن النيي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكننا نحن لسنا كذلك، فقال بعضهم أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، غرضه بذلك أن ينقطع عن الزواج إلى العبادة، هكذا قالوا اجتهاداً منهم، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما ذكره المؤلف وذلك لأن هذا المبدأ الذي ابتدأه هؤلاء مبدأ خطير يشبه مبدأ النصارى الذين ابتدعوا رهبانية ما كتبها الله عليهم، لكن يبتغون بذلك رضوان الله، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، ثم بعد ذلك عجزوا، وهكذا كل إنسان يشدد على نفسه لابد أن يعجز في النهاية.
المهم: أن هؤلاء جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحمد الله وأثنى عليه كعادته في خطبه أنه كان يحمد الله ويثني عليه: الحمد لله مثل أن يقول: الحمد لله هذا حمد، الثناء: أن يكرر صفات الكمال، لأنه مأخوذ من الثنيا، وهى العودة بعد البدء، قد يطول وقد لا يطول.
ثم قال: ( لكني أنا أصلي وأنام )، هذا هديه يصلي وينام، وقد قال الله تعالى في سورة المزمل: (( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه )) (( أدنى من ثلثي )) يعني: فوق النصف بقليل، ونصفه النصف وثلثه دون النصف، فهو عليه الصلاة والسلام لا يكمل الثلثين قائمًا إلا في رمضان، فإنه إذا دخل العشر الأواخر من رمضان كان يقوم الليل كله، لكن هذا عارض، إنما هديه الدائم هو هذا، ومع ذلك فكان ينام في آخر الليل كما في صحيح البخاري أنها قالت: ما ألفيته سحراً إلا نائماً يعني أنه ينام قليلًا في آخر الليل.
وقد بين عليه الصلاة والسلام أن أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه.
وقوله: ( أصلي وأنام ) هذا في ليلة واحدة، أحيانا يقوم كل الليالي، يعني معناه كل ليلة يقوم حتى يقال: لا ينام، وأحياناً ينام حتى يقال: لا يقوم، وسبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يتعبد لله سبحانه وتعالى بما هو أصلح، إلا الفرائض فإنه لا يخل بها، لكن النوافل يتعبد لله بما يكون أصلح أحياناً يكون الأصلح إذا جاءه ضيف يحتاجون إلى إكرام وسهر معهم في أول الليل ولم يقم صار هذا أفضل، كما شغله الضيف عن سنة الظهر فلم يصلها إلا بعد العصر، أحياناً يعرض له مسألة من مسائل العلم يحقق فيها في أول الليل وينام في آخره هذا أيضاً أفضل كذلك في الصوم كما سيأتي إن شاء الله.
المهم: أن ما عدا الفرائض فإنه يرجع فيه إلى الأصلح، فإن تساوى فإن كل نافلة تبقى على وظيفتها.
طيب يقول: ( أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر )، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها في أول الشهر أم في وسطه أم في آخره هذا راتبة، وربما صام يوم الاثنين والخميس، وكذلك يصوم في الأيام التي يندب صيامها كيوم عرفة ويوم عاشوراء، وقال: ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ).
فالحاصل: أنه كان يصوم ويفطر، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً قال ذلك لعبد الله بن عمرو بن العاص الذي بلغه أنه قال: (إني أقوم ولا أنام، وأصوم ولا أفطر) ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام بين له أن هذا ليس من السنة، وما زال يحاططه حتى أذن له أن يصوم يومًا ويفطر يوماً، ( قال عبد الله: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك ) يعني لا شيء أفضل من ذلك صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فلما كبر عبد الله بن عمرو قال: ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، وشق عليه الصوم حتى صوم يوم وفطر يوم، فكان يجمع الخمسة عشر يوماً جميعًا يصومها ويفطر خمسة عشر يوماً.
يقول: ( أصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ) أتزوج النساء يعني ولا أتبتل خلافًا لهؤلاء الرهط، وتزوجه للنساء عليه الصلاة والسلام كما يتزوج الرسل من قبله، قال الله تعالى: (( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية )). ثم إن تزوجه للنساء ليس تزوج تشهي وطرب ولهذا لم يأخذ امرأة بكرا إلا عائشة، ولو شاء أن يتزوج ما شاء من الأبكار لحصل له ذلك، لكنه عليه الصلاة والسلام إنما يريد بزواجه مصالح شرعية عظيمة سوى قضاء الوطر، وقد حبب الله إليه النساء فقال عليه الصلاة والسلام: ( حُبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وذلك لأجل المصلحة العظيمة لأجل أن يكون له في كل قبيلة وبطن من العرب صلة، لأن الصلة بالنسب إذا فقدت تأتي الصلة بالصهر كما قال تعالى: (( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسباً وصهراً )) فالصهر قسيم النسب في باب التواصل بين الناس، فكان عليه الصلاة والسلام قد حبب إليه النساء، وأعطي قوة ثلاثين رجلاً، وكان يتزوج النساء من أجل الاتصال ببطون قريش وقبائل قريش ثم ما يحصل لهؤلاء الزوجات من الفضل والمناقب باتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما يحصل من العلم الكثير الذي لا يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام إلا في بيته، فإن هذا العلم إنما نشره بين الأمة زوجاته، لأنهن يعلمن ذلك،
فالمهم: أن من هدي الرسول - يا عبد الرحمن - من هدي الرسول أن إيش؟ أن يتزوج النساء.
قال: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) من رغب عنها أي زهد فيها وتركها، وسنته هنا أي طريقته، أي من رغب عن طريقته في كونه يصوم ويفطر، ويصلي وينام، ويتزوج النساء.
( فليس مني ) أي فأنا بريء منه، وصدق النيي عليه الصلاة والسلام، لأن هذا هو مقتضى الفطرة الذي يرغب عن سنتك لا شك أنه مفارق لك، وأنه لا صلة بينك وبينه، والذي يرغب في سنتك هذا هو الموالي لك، ولهذا من أعظم الولاء أن يكون الإنسان موافقاً لمن تولاه في أفعاله وأقواله وهو شيء مشاهد، حتى إن الإنسان إذا أحب شخصاً صار يقتدي به وينظر ماذا يفعل فيفعل مثله، فكذلك الولاية من أراد أن يكون من أولياء الله ورسوله فليسلك ما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ( من رغب عن سنتي ) رغب تتعدى بـفي، وتتعدى بـعن، فإن تعدت بـفي فهي للطلب، وإن تعدت بـعن، فهي للهرب صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : إن تعدت بفي فهي للطلب ، و وإن تعدت بعن فهي للهرب يعني: إذا قلت: رغبت في كذا فأنت تطلبه ، رغبت عن تهرب منه لا تريده هنا ( من رغب عن سنتي ) أي هرب منها وتركها وزهد فيها، ( فليس مني ) أي ليس ممن ينتسب إلى لأن الذي ينتسب إليه حقاً هو الذي يأخذ بشريعته صلوات الله وسلامه عليه.