وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار ، والشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق . متفق عليه ، واتفقا من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلام نافع . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار: والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق ) متفق عليه ".
واتفقا - أي البخاري ومسلم - من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلام نافع.
هذا الحديث يقول ابن عمر: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار ) كلمة نهى مأخوذة من النهي، وتفسير النهي أو تعريف النهي: طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، هذا النهي ، طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء ، وليس المراد بالفعل هنا ما يقابل القول، بل المراد بالفعل هنا: الإيجاد ولو كان قولًا، فلو قال الشخص لآخر: لا تقل كذا فهذا يا عبد الله ، إيش اللي قلت ؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ، لو تكتب عذرتك ولكن تنظر إلى من يكتب الظاهر ، نعم طيب طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء أقول ليس المراد بالفعل هنا ما يقابل القول بل المراد الإيجاد سواء كان الموجَد قولاً أم فعلاً فإذا قلت لشخص لا تقل كذا فهذا طلب الكف عن القول لكنه نهي نعم
إذن هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أن يشعر الطالب بأنه أعلى رتبة من المطلوب، حتى ولو فرض بأنه أدنى رتبة في الواقع فإنه يسمى نهيًا، كيف يشعر بأنه أعلى وهو أدنى رتبة؟ لنفرض أن رجلاً وجد أميراً ليس معه جنود والرجل هذا لص وجده في البر نعم وقال له يلا لا تركب بعيرك، لا تركب البعير ، ماذا نقول؟
الطالب : نهي .
الشيخ : نهي، مع أن الناهي أدنى رتبة، لكن هو في نفس الأمر يرى أنه أعلى منه، ولهذا قالوا: على وجه الاستعلاء، ولم يقولوا: طلب العالي من النازل ، طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، وإن لم يكن الطالب ؟
الطالب : أعلى رتبة.
الشيخ : أعلى رتبة من المطلوب في الواقع. أفهمتم؟
قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى رتبة من أمته فيوجه النهي إليها، واختلف العلماء في كلمة نهى عن كذا، أو صيغة النهي المعروفة، يعني: أنهم اختلفوا هل قول الصحابي نهى كقوله : قال الرسول لا تفعلوا؟ على قولين: القول الأول: أن قول الصحابي نهى، أضعف من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا؟ قالوا: لأن لا تفعلوا صريحة في النهي، لأن هذه هي صيغة النهي، وأما نهى فهذه تعبير الصحابي عما فهمه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم هو قد يفهم من شيء ليس بنهي أنه نهي وعلى هذا فتكون أضعف، ولكن مع ذلك لها حكم النهي بالصيغة لا شك، وذلك لسببين:
السبب الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون النهي ليسوا عجماً، لا يدرون النهي من الخبر.
والثاني: أن عند الصحابة من الورع ما يمنعهم من أن يقولوا: نهى مع احتمال أنه ليس بنهي، عرفتم ؟ فمن قال إن هذا لا: يستفاد منه النهي، لأنه ليس بصيغته فقوله ضعيف، بل نقول: يستفاد منه النهي بلا شك لكن الصيغة أصرح، ولماذا قلنا: يستفاد؟ لسببين : لأن الصحابة يعرفون النهي، ولأنهم أورع من يقولوا نهى لأمر يحتمل عدم النهي، وعلى هذا فإذا قال: نهى فهو كما قال الرسول لا تنكحوا شغارًا .
يقول: ( نهى عن الشغار ) الشغار: مصدر شاغر يشاغر شغارًا، ونظيره في التصريف: قاتل يقاتل قتالاً، إذن لابد من طرفين لا بد أن يكون بين اثنين ، وهو مشتق إما من الشغور وهو الخلو، وإما من شغر الكلبُ إذا رفع رجله ليبول، مأخوذ إما من الشغور يعني تقول شغر المكان إذا خلا ، أو من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول ، ويمكن أن يقال: لا مانع من أن يكون مشتقاً من المعنيين جميعًا، لأن فيه شغوراً وشغرًا، فلا مانع من أن يكون مشتقًّا منها جميعًا.
فما هو الشغار إذن ؟ فسره الراوي بقوله: ( والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ) وهذا السياق يحتمل أن يكون من عبد الله بن عمر كما جاء ذلك، ويحتمل أنه من نافع وقد جاء كذلك، ويحتمل أنه من مالك الراوي عن نافع وقد جاء كذلك، جاءت الروايات هكذا أنه من كلام مالك من كلام نافع من كلام ابن عمر ، ولكنه لم يرد مرفوعاً فيما أعلم، يعنى: لم يرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي فسر الشغار بهذا، هذه الروايات الثلاث أنه من كلام ابن عمر أو من كلام نافع أو من كلام مالك ليس بينها تعارض في الحقيقة، ليس بينها تعارض لماذا؟ لأنه يجوز أن ابن عمر فسره ثم تلقاه نافع عنه، ثم كان إذا حدث بالحديث لا يسند التفسير إلى ابن عمر يقوله من نفسه اعتمادا على ما رواه ابن عمر، يمكن ولا لا ؟ يمكن .
وكذلك نقول بالنسبة إلى مالك مع نافع إلى مالك مع نافع كما أن الآن أنت تقول: يا فلان، لا تقصد السوء فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى، هذا يحمل على أنه من قولك ولا من قول الرسول؟
الطالب : من قولك .
الشيخ : على أنه من قولك، لكنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فابن عمر إذا فسره ثم رواه عنه نافع ثم قاله متحدثاً به لا يقال: إن هذا يعارض أن يكون من قول ابن عمر، لأنه من الجائز أن يتحدث به نافع دون أن يسنده إلى ابن عمر فيسمعه سامع فيظنه من قول نافع، وكذلك نقول بالنسبة لمالك مع نافع، على كل حال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم أنه فسر الشغار بهذا، ولكن نقول: إذا فسره الصحابي فالصحابي أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عاصره وفهم كلامه ولاسيما ابن عمر رضي الله عنهما فإنه كان من أحرص الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نجد أعلم الناس بكلام الرجل أخصَّهم بصحبته، أليس كذلك؟
الطالب : نعم
الشيخ : إذن نقول: لو كان هذا من تفسير ابن عمر رضي الله عنهما فإنه هو المتعين لأن ابن عمر صحابي، والصحابة أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طيب يقول: ( وأن يزوج الرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بنهما صداق ) يزوجه علي علي تدل على أنه مشترط، يعني: أن النكاح الثاني شرط للنكاح الأول، أعرفتم؟
طيب وقوله في الحديث: ( ابنته ) هذا ليس خاصا بالبنت، بل على سبيل التمثيل، فلو زوجه أخته على أن يزوجه أخته فهو شغار، زوجه أخته على أن يزوجه ابنته شغار هذا على سبيل التمثيل، ولهذا جاءت عبارة الفقهاء - رحمهم الله- أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولي أعم من ابنة، لكن ابنة أوضح، ولا لا ؟ أوضح، ابنته واضح كل يعرفه لكن وليته ابحث من وليته، ولهذا غالباً تجد عبارات السلف وكل من كان من قرب من الرسول أقرب تجدها سهلة يسيرة مبسطة تصورها سهل بخلاف عبارات المتأخرين ففيها شيء من التعقيد وإن كان فيها شيء من الشمول، لكن عبارات السلف أصلح وأوضح وأبين، طيب.
يقول: ( وليس بينهما صداق ) الصداق المهر، وسمي صداقاً وسمي صداقاً لأن بذله لطلب المرأة دليل على صدق الطالب ، صح؟ كذا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : المال محبوب إلى النفوس ولا يبذل المحبوب إلا للوصول إلى ما هو أحب، لأنه لا يمكن أن يبذل المحبوب لطلب المكروه، ولا يمكن أن يبذل محبوب لطلب محبوب مثله، لأنه يكون عبثاً، إنما لا يبذل المحبوب إلا إيش؟ لطلب ما هو أحب إما عينًا وإما جنسًا وإما وصفًا، المهم: لابد أن يكون هناك مرجح، لابد أن يكون هناك مرجح ولهذا سمي الصداق صداقا، لماذا؟ لأنه دليل على صدق الطالب كما سميت الصدقة صدقة، لأنها دليل على صدق باذلها وأنه يريد ثواب الله، طيب تصورتم الآن الشغار، يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال: قبلت، ثم زوجه! هذا شغار بشرط ألا يكون بينهما صداق، ووجه النهي عنه ظاهر جداً، لأن الله تعالى قال في كتابه: (( وأحل لكم ما وراء ذلكم )) ها ؟
الطالب : (( أن تبتغوا بأموالكم )) .
الشيخ : (( أن تبتغوا بأموالكم )) وفرج المرأة ليس مالاً، وهذا الرجل جعل بل الرجلان، وهذان الرجلان جعلا بضع كل واحدة من المرأتين مهراً للأخرى وهذا لا يصح، طيب هذا وجه.
الوجه الثاني: أنه لو جاز هذا لكان سبباً لإضاعة الأمانة، لأن الرجل ربما يزوج بنته من ليس بكفء، لأنه سيزوجه ابنته فيضيع الأمانة.
ثالثاً: أنه قد يؤدي إلى إكراه المرأة على الزواج، قد يؤدي إلى إكراه المرأة على الزواج لأن الولي يريد أن يصل إلى غرضه وغايته فلا يهمه رضيت أم كرهت.
الرابع: أنه يكون في الغالب سبباً للنزاع والخصومات التي لا تنتهي، لأن إحدى المرأتين لو فسدت على زوجها حاول زوجها أن يفسد موليته على الزوج، وهذا يقع كثيرا إذا غضبت الزوجة على زوجها على طول ذهب إلى بنته عند زوجها وهي مستأنسة معه وقال ايش تبين بالهالزوج هذا فيه ما فيه فأفسدها عليه وهذا مشاهد ومجرب، فهذه أربع مفاسد كلها تدل على أن نكاح الشغار باطل لا يقره الإسلام، ولكن الحديث يدل على أنه لا يكون شغاراً إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون نكاح الثانية مشترطا في نكاح الأولى من أين يؤخذ؟
الطالب : على .
الشيخ : ( على أن يزوجه ).
الثاني: ألا يكون بينهما صداق أي لا يكون بينهما مهر لا قليل ولا كثير، فلننظر إلى مفهوم هذين الشرطين إذا زوجه ابنته، ونأخذ اللفظ أحسن لفظ الحديث، ثم زوجه الأخر بعد ذلك ابنته بدون شرط فهذا ليس بشغار، هذا ليس بشغار، وصحيح ولا فيه إشكال ، طيب ولكن هل يجب المهر لكل واحدة أو لا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجب، يجب مهر المثل لكل واحدة ما دام لم يسم فإن الواجب مهر المثل.
طيب مسألة أخرى: لو زوجه على أن يزوجه الآخر ابنته، زوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وجعلا صداقًا لكل واحدة فليس بشغار، لأنهما جعلا صداقاً وظاهر الحديث أنه يصح ولو بأدنى الصداق، وأدنى الصداق كم ؟
الطالب : ...
الشيخ : أدنى ما يصح عقد البيع عليه، ما يصح عقد البيع عليه .طيب ... يصح عقد البيع عليها .
الطالب : لا يصح .
الشيخ : يصح ، نحن قدرناها هالأيام بلغة ... ربع ريال إذن يصح عقد البيع عليها ، ولا لا ؟ يصح عقد البيع عليها ، ( التمس ولو خاتماً من حديد ) ولكن هذا ليس بمراد، يعنى: حتى وإن كان هذا ظاهر الحديث فليس بمراد، وذلك بمقتضى قواعد الشريعة، لأنه إذا أعطاه مثلاً ولنفرض درهما واحد ما هو ربع درهم فهل هو جعل للمرأة مهرها الحقيقي ولا صار مهرها هذا الدرهم والبضع؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني، بلا شك ، بل البضع أكثر بكثير من الدرهم، ولهذا لابد أن نقيد بأن يكون الصداق صداق المثل، فأما إذا كان دون ذلك فإنه لا يصح، لأنه إذا كان دون ذلك صار بُضع إحداهما جزءا إيش؟
الطالب : من الصداق .
الشيخ : من الصداق والبضع ليس بمال، فلابد أن يقيد بأن يكون مهر المثل.
طيب إذا كانت إحدى البنتين بكراً شابة والبنت الأخرى ثيباً عجوزاً يختلف المهر ولا ما يختلف ؟ يختلف وليكن كذلك لا بأس أن الذي تزوج العجوز الثيب يبذل مهرا يكون لمثلها، والثاني يبذل مهرا يكون لمثلها، المهم بس أن يكون مهر المثل.
هناك أيضاً شرط ثاني لابد منه وهو رضا البنتين، وهذا يؤخذ مما سبق من الأدلة أنه لابد من رضا الزوجين في النكاح وإلا ما صح النكاح.
لابد من شرط ثالث أيضاً وهو أن يكون كلٌ منهما كفؤاً للمرأة، فإن كان غير كفء فإنه لا يصح، إذا تمت هذه الشروط فإن النكاح يكون صحيحاً، ولكن قد يورِد علينا مورِد فيقول: إن هذه الشروط إذا اجتمعت لا تمنع من أن يخون الولي في ولايته، لأنه سيحصل له زوجة، فما هو الجواب عن هذا؟ الجواب عن هذا أن نقول: إنه وإن خان فإننا ما دمنا اشترطنا رضا الزوجة فإنها لن ترضي إلا بمن تريده.
فإن قال قائل: وإذا تجاوزنا هذا فإنه يرد علينا المفسدة الثانية، وهي أنه إذا ساءت العشرة، إذا ساءت العشرة في إحدى الزوجتين فإن زوجها سوف يفسد زوجة الآخر عليه فما هو الجواب عن هذا؟ هذا حقيقة ليس عنه جواب.
واتفقا - أي البخاري ومسلم - من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلام نافع.
هذا الحديث يقول ابن عمر: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار ) كلمة نهى مأخوذة من النهي، وتفسير النهي أو تعريف النهي: طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، هذا النهي ، طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء ، وليس المراد بالفعل هنا ما يقابل القول، بل المراد بالفعل هنا: الإيجاد ولو كان قولًا، فلو قال الشخص لآخر: لا تقل كذا فهذا يا عبد الله ، إيش اللي قلت ؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ، لو تكتب عذرتك ولكن تنظر إلى من يكتب الظاهر ، نعم طيب طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء أقول ليس المراد بالفعل هنا ما يقابل القول بل المراد الإيجاد سواء كان الموجَد قولاً أم فعلاً فإذا قلت لشخص لا تقل كذا فهذا طلب الكف عن القول لكنه نهي نعم
إذن هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أن يشعر الطالب بأنه أعلى رتبة من المطلوب، حتى ولو فرض بأنه أدنى رتبة في الواقع فإنه يسمى نهيًا، كيف يشعر بأنه أعلى وهو أدنى رتبة؟ لنفرض أن رجلاً وجد أميراً ليس معه جنود والرجل هذا لص وجده في البر نعم وقال له يلا لا تركب بعيرك، لا تركب البعير ، ماذا نقول؟
الطالب : نهي .
الشيخ : نهي، مع أن الناهي أدنى رتبة، لكن هو في نفس الأمر يرى أنه أعلى منه، ولهذا قالوا: على وجه الاستعلاء، ولم يقولوا: طلب العالي من النازل ، طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، وإن لم يكن الطالب ؟
الطالب : أعلى رتبة.
الشيخ : أعلى رتبة من المطلوب في الواقع. أفهمتم؟
قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى رتبة من أمته فيوجه النهي إليها، واختلف العلماء في كلمة نهى عن كذا، أو صيغة النهي المعروفة، يعني: أنهم اختلفوا هل قول الصحابي نهى كقوله : قال الرسول لا تفعلوا؟ على قولين: القول الأول: أن قول الصحابي نهى، أضعف من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا؟ قالوا: لأن لا تفعلوا صريحة في النهي، لأن هذه هي صيغة النهي، وأما نهى فهذه تعبير الصحابي عما فهمه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم هو قد يفهم من شيء ليس بنهي أنه نهي وعلى هذا فتكون أضعف، ولكن مع ذلك لها حكم النهي بالصيغة لا شك، وذلك لسببين:
السبب الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون النهي ليسوا عجماً، لا يدرون النهي من الخبر.
والثاني: أن عند الصحابة من الورع ما يمنعهم من أن يقولوا: نهى مع احتمال أنه ليس بنهي، عرفتم ؟ فمن قال إن هذا لا: يستفاد منه النهي، لأنه ليس بصيغته فقوله ضعيف، بل نقول: يستفاد منه النهي بلا شك لكن الصيغة أصرح، ولماذا قلنا: يستفاد؟ لسببين : لأن الصحابة يعرفون النهي، ولأنهم أورع من يقولوا نهى لأمر يحتمل عدم النهي، وعلى هذا فإذا قال: نهى فهو كما قال الرسول لا تنكحوا شغارًا .
يقول: ( نهى عن الشغار ) الشغار: مصدر شاغر يشاغر شغارًا، ونظيره في التصريف: قاتل يقاتل قتالاً، إذن لابد من طرفين لا بد أن يكون بين اثنين ، وهو مشتق إما من الشغور وهو الخلو، وإما من شغر الكلبُ إذا رفع رجله ليبول، مأخوذ إما من الشغور يعني تقول شغر المكان إذا خلا ، أو من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول ، ويمكن أن يقال: لا مانع من أن يكون مشتقاً من المعنيين جميعًا، لأن فيه شغوراً وشغرًا، فلا مانع من أن يكون مشتقًّا منها جميعًا.
فما هو الشغار إذن ؟ فسره الراوي بقوله: ( والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ) وهذا السياق يحتمل أن يكون من عبد الله بن عمر كما جاء ذلك، ويحتمل أنه من نافع وقد جاء كذلك، ويحتمل أنه من مالك الراوي عن نافع وقد جاء كذلك، جاءت الروايات هكذا أنه من كلام مالك من كلام نافع من كلام ابن عمر ، ولكنه لم يرد مرفوعاً فيما أعلم، يعنى: لم يرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي فسر الشغار بهذا، هذه الروايات الثلاث أنه من كلام ابن عمر أو من كلام نافع أو من كلام مالك ليس بينها تعارض في الحقيقة، ليس بينها تعارض لماذا؟ لأنه يجوز أن ابن عمر فسره ثم تلقاه نافع عنه، ثم كان إذا حدث بالحديث لا يسند التفسير إلى ابن عمر يقوله من نفسه اعتمادا على ما رواه ابن عمر، يمكن ولا لا ؟ يمكن .
وكذلك نقول بالنسبة إلى مالك مع نافع إلى مالك مع نافع كما أن الآن أنت تقول: يا فلان، لا تقصد السوء فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى، هذا يحمل على أنه من قولك ولا من قول الرسول؟
الطالب : من قولك .
الشيخ : على أنه من قولك، لكنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فابن عمر إذا فسره ثم رواه عنه نافع ثم قاله متحدثاً به لا يقال: إن هذا يعارض أن يكون من قول ابن عمر، لأنه من الجائز أن يتحدث به نافع دون أن يسنده إلى ابن عمر فيسمعه سامع فيظنه من قول نافع، وكذلك نقول بالنسبة لمالك مع نافع، على كل حال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم أنه فسر الشغار بهذا، ولكن نقول: إذا فسره الصحابي فالصحابي أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عاصره وفهم كلامه ولاسيما ابن عمر رضي الله عنهما فإنه كان من أحرص الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نجد أعلم الناس بكلام الرجل أخصَّهم بصحبته، أليس كذلك؟
الطالب : نعم
الشيخ : إذن نقول: لو كان هذا من تفسير ابن عمر رضي الله عنهما فإنه هو المتعين لأن ابن عمر صحابي، والصحابة أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طيب يقول: ( وأن يزوج الرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بنهما صداق ) يزوجه علي علي تدل على أنه مشترط، يعني: أن النكاح الثاني شرط للنكاح الأول، أعرفتم؟
طيب وقوله في الحديث: ( ابنته ) هذا ليس خاصا بالبنت، بل على سبيل التمثيل، فلو زوجه أخته على أن يزوجه أخته فهو شغار، زوجه أخته على أن يزوجه ابنته شغار هذا على سبيل التمثيل، ولهذا جاءت عبارة الفقهاء - رحمهم الله- أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولي أعم من ابنة، لكن ابنة أوضح، ولا لا ؟ أوضح، ابنته واضح كل يعرفه لكن وليته ابحث من وليته، ولهذا غالباً تجد عبارات السلف وكل من كان من قرب من الرسول أقرب تجدها سهلة يسيرة مبسطة تصورها سهل بخلاف عبارات المتأخرين ففيها شيء من التعقيد وإن كان فيها شيء من الشمول، لكن عبارات السلف أصلح وأوضح وأبين، طيب.
يقول: ( وليس بينهما صداق ) الصداق المهر، وسمي صداقاً وسمي صداقاً لأن بذله لطلب المرأة دليل على صدق الطالب ، صح؟ كذا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : المال محبوب إلى النفوس ولا يبذل المحبوب إلا للوصول إلى ما هو أحب، لأنه لا يمكن أن يبذل المحبوب لطلب المكروه، ولا يمكن أن يبذل محبوب لطلب محبوب مثله، لأنه يكون عبثاً، إنما لا يبذل المحبوب إلا إيش؟ لطلب ما هو أحب إما عينًا وإما جنسًا وإما وصفًا، المهم: لابد أن يكون هناك مرجح، لابد أن يكون هناك مرجح ولهذا سمي الصداق صداقا، لماذا؟ لأنه دليل على صدق الطالب كما سميت الصدقة صدقة، لأنها دليل على صدق باذلها وأنه يريد ثواب الله، طيب تصورتم الآن الشغار، يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال: قبلت، ثم زوجه! هذا شغار بشرط ألا يكون بينهما صداق، ووجه النهي عنه ظاهر جداً، لأن الله تعالى قال في كتابه: (( وأحل لكم ما وراء ذلكم )) ها ؟
الطالب : (( أن تبتغوا بأموالكم )) .
الشيخ : (( أن تبتغوا بأموالكم )) وفرج المرأة ليس مالاً، وهذا الرجل جعل بل الرجلان، وهذان الرجلان جعلا بضع كل واحدة من المرأتين مهراً للأخرى وهذا لا يصح، طيب هذا وجه.
الوجه الثاني: أنه لو جاز هذا لكان سبباً لإضاعة الأمانة، لأن الرجل ربما يزوج بنته من ليس بكفء، لأنه سيزوجه ابنته فيضيع الأمانة.
ثالثاً: أنه قد يؤدي إلى إكراه المرأة على الزواج، قد يؤدي إلى إكراه المرأة على الزواج لأن الولي يريد أن يصل إلى غرضه وغايته فلا يهمه رضيت أم كرهت.
الرابع: أنه يكون في الغالب سبباً للنزاع والخصومات التي لا تنتهي، لأن إحدى المرأتين لو فسدت على زوجها حاول زوجها أن يفسد موليته على الزوج، وهذا يقع كثيرا إذا غضبت الزوجة على زوجها على طول ذهب إلى بنته عند زوجها وهي مستأنسة معه وقال ايش تبين بالهالزوج هذا فيه ما فيه فأفسدها عليه وهذا مشاهد ومجرب، فهذه أربع مفاسد كلها تدل على أن نكاح الشغار باطل لا يقره الإسلام، ولكن الحديث يدل على أنه لا يكون شغاراً إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون نكاح الثانية مشترطا في نكاح الأولى من أين يؤخذ؟
الطالب : على .
الشيخ : ( على أن يزوجه ).
الثاني: ألا يكون بينهما صداق أي لا يكون بينهما مهر لا قليل ولا كثير، فلننظر إلى مفهوم هذين الشرطين إذا زوجه ابنته، ونأخذ اللفظ أحسن لفظ الحديث، ثم زوجه الأخر بعد ذلك ابنته بدون شرط فهذا ليس بشغار، هذا ليس بشغار، وصحيح ولا فيه إشكال ، طيب ولكن هل يجب المهر لكل واحدة أو لا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجب، يجب مهر المثل لكل واحدة ما دام لم يسم فإن الواجب مهر المثل.
طيب مسألة أخرى: لو زوجه على أن يزوجه الآخر ابنته، زوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وجعلا صداقًا لكل واحدة فليس بشغار، لأنهما جعلا صداقاً وظاهر الحديث أنه يصح ولو بأدنى الصداق، وأدنى الصداق كم ؟
الطالب : ...
الشيخ : أدنى ما يصح عقد البيع عليه، ما يصح عقد البيع عليه .طيب ... يصح عقد البيع عليها .
الطالب : لا يصح .
الشيخ : يصح ، نحن قدرناها هالأيام بلغة ... ربع ريال إذن يصح عقد البيع عليها ، ولا لا ؟ يصح عقد البيع عليها ، ( التمس ولو خاتماً من حديد ) ولكن هذا ليس بمراد، يعنى: حتى وإن كان هذا ظاهر الحديث فليس بمراد، وذلك بمقتضى قواعد الشريعة، لأنه إذا أعطاه مثلاً ولنفرض درهما واحد ما هو ربع درهم فهل هو جعل للمرأة مهرها الحقيقي ولا صار مهرها هذا الدرهم والبضع؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني، بلا شك ، بل البضع أكثر بكثير من الدرهم، ولهذا لابد أن نقيد بأن يكون الصداق صداق المثل، فأما إذا كان دون ذلك فإنه لا يصح، لأنه إذا كان دون ذلك صار بُضع إحداهما جزءا إيش؟
الطالب : من الصداق .
الشيخ : من الصداق والبضع ليس بمال، فلابد أن يقيد بأن يكون مهر المثل.
طيب إذا كانت إحدى البنتين بكراً شابة والبنت الأخرى ثيباً عجوزاً يختلف المهر ولا ما يختلف ؟ يختلف وليكن كذلك لا بأس أن الذي تزوج العجوز الثيب يبذل مهرا يكون لمثلها، والثاني يبذل مهرا يكون لمثلها، المهم بس أن يكون مهر المثل.
هناك أيضاً شرط ثاني لابد منه وهو رضا البنتين، وهذا يؤخذ مما سبق من الأدلة أنه لابد من رضا الزوجين في النكاح وإلا ما صح النكاح.
لابد من شرط ثالث أيضاً وهو أن يكون كلٌ منهما كفؤاً للمرأة، فإن كان غير كفء فإنه لا يصح، إذا تمت هذه الشروط فإن النكاح يكون صحيحاً، ولكن قد يورِد علينا مورِد فيقول: إن هذه الشروط إذا اجتمعت لا تمنع من أن يخون الولي في ولايته، لأنه سيحصل له زوجة، فما هو الجواب عن هذا؟ الجواب عن هذا أن نقول: إنه وإن خان فإننا ما دمنا اشترطنا رضا الزوجة فإنها لن ترضي إلا بمن تريده.
فإن قال قائل: وإذا تجاوزنا هذا فإنه يرد علينا المفسدة الثانية، وهي أنه إذا ساءت العشرة، إذا ساءت العشرة في إحدى الزوجتين فإن زوجها سوف يفسد زوجة الآخر عليه فما هو الجواب عن هذا؟ هذا حقيقة ليس عنه جواب.