وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها ) . رواه الترمذي والنسائي وابن حبان وأعل بالوقف . حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف رحمه الله في درس الليلة : "وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها ) رواه الترمذي والنسائي وابن حبان وأعل بالوقف" .
لا ينظر الله أي: نظر رحمة ورأفة، وليس المراد به: النظر العام، لأن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء ولا يغيب عن بصره شيء لكن المراد نظر الرحمة والرأفة .
وقله: ( لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا ) هذا بناءً على الغالب، يعني وصف رجل أتى رجلاً ، وإلا فلو أتى من ليس برجل أي: شخصًا لم يبلغ، لأن الرجل اسم للبالغ، فلو أن رجلًا أتى من دون البلوغ لثبت له هذا الحكم.
وقوله: ( أو امرأة في دبرها ) كذلك لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها ولو كانت امرأته، لأن هذا نوع من اللوطية والعياذ بالله .
ففي هذا الحديث يقول المؤلف: إنه رواه الترمذي والنسائي وأعل بالوقف معنى أعل بالوقف: أن بعض الرواة رواه موقوفًا، أو أن بعض الحفاظ قال: إنه موقوف.
والإعلال بالوقف سبق لنا أنه ليس بعلة إلا إذا كان الرافع غير ثقة، أما إذا كان الرافع ثقة فالصحيح أن الوقف ليس بعلة، - انتبه - لو أعله أحد بالوقف قلنا: هذه العلة غير قادحة، وأظننا قد عرفنا الفرق بين الرفع والوقف، الرفع ما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والوقف ما نسب إلى الصحابي، ونحن نقول الآن: إذا قال أحد الحفاظ: إنه موقوف على الصحابي على ابن عباس فالجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الإعلال بالوقف ليس بعلة إذا كان الرافع ثقة، لأن الرفع معه زيادة علم ووجه الزيادة أن سند الموقوف ينتهي إلى الصحابي وسند المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهذه زيادة،
ثم نقول أيضاً : إن الصحابي أحيانًا يسند الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا قصد الرواية ولابد أن يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قصد الرواية، وأحيانا يقول الحديث من عند نفسه إذا قصد الحكم، يقول الحديث من عند نفسه إذا قصد الحكم، فيسمعه السامع ولم يسمعه قبل مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيظنه موقوفًا.
وهذا الحديث بالذات نقول: حتى لو ثبت أنه موقوف على ابن عباس فإن مثل هذا لا يقال بالرأي فيثبت له حكم الرفع، لأن الوعيد بأن الله لا ينظر لا يمكن أن يأتي به ابن عباس من عند نفسه، فيثبت له حكم الرفع.
فإن قال قائل: أنتم لا تحكمون بالرفع في قول الصحابي المعروف عن الأخذ عن بني إسرائيل، وابن عباس ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل؟ فالجواب على ذلك أو عن ذلك أن نقول: هذا في أمور الغيبيات، أما في الأحكام الشرعية فإن ابن عباس وإن كان قد أخذ عن نبي إسرائيل ما أخذ في الترغيب والترهيب وما أشبه ذلك لا يمكن أن يأخذ عن بني إسرائيل ما يتعلق بالأحكام الشرعية، لأن هذا يقتضي شرع شيء في الشريعة المحمدية مأخوذ عن بني إسرائيل، ومثل هذا لا يمكن أن يقدم عليه ابن عباس رضي الله عنهما ، إذن انتبوه لهذه الفوائد هذه الفوائد قد لا تجدونها محصورة .
التعليل بالوقف قلنا .
الطالب : ...
الشيخ : بشرط أن يكون الرافع ثقة ، ووجه ذلك أن راوي الحديث أحياناً يريد إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهنا لا بد أن يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يعني فمثلا لو أن ابن عباس أراد أن إسناد الحديث للرسول لابد أن يبلغ الرسول، وأحيانا يريد أن يبين الحكم الشرعي فهنا ربما يقوله من عند نفسه فيسمعه من يقول عنه فيظن أنه من قوله فيرويه موقوفًا.
ثانيا: قلنا: إن مثل هذا الحكم لا مجال للرأي فيه، فلو فرض أن منتهاه ابن عباس فإن مثله لا يقال بالرأي، وحينئذٍ يثبت له حكم الرفع فإن أورد علينا شخص أن ابن عباس ممن عُرف عن الأخذ عن بني إسرائيل، ونحن نقول: إن قول الصحابي يثبت له حكم الرفع إذا لم يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فالجواب عن ذلك إيش؟ أن هذا حكم شرعي ليس فيما يتعلق بالترغيب والترهيب أو نعيمها حكم شرعي لا يمكن أن يتلقاه ابن عباس عن بني إسرائيل فينشره في الأمة .
في هذا الحديث فوائد: أولًا: إثبات النظر لله عز وجل إثبات النظر لله أي منه لقوله: ( لا ينظر الله ) إلى كذا ونفي النظر عن هؤلاء يدل على ثبوت النظر لغيرهم عرفتم؟ مسلم هذا ولا غير مسلم ؟
الطالب : مسلم .
الشيخ : نعم لأنه لو انتفى النظر عن الجميع لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة، وقد استدل الأئمة بمثل هذا ففي قوله تعالى: (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) استدل الأئمة على أن الأبرار يرون الله، قالوا: فإنه لما حَجب هؤلاء الفجار في حال الغضب دل على أن الأبرار في حال الرضا يَنظر إليهم، لأنه لو كان يرى من هؤلاء ومن هؤلاء لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة. واضح ؟ وهذه فائدة مهمة في الاستدلال .
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أن إتيان الرجل الرجل من كبائر الذنوب، وجهه: أنه أثبت عليه الوعيد، وكل ذنب رُتب عليه الوعيد فإنه من كبائر الذنوب، كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا فهو من كبائر الذنوب، كل ذنب تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فهو من كبائر الذنوب، وأحسن ما حدت به الكبيرة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أن ما رتب عليه عقوبة خاصة فهو من الكبائر" وذلك أن المنهيات تارة ينهى عنها أو يقال إنها حرام فقط، وتارة تقرن بعقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة ، فهذه هي ، هذه هي الكبيرة .
ولم يذكر في هذا الحديث حد إتيان الرجل الرجل في الدنيا وقد اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك :
فقال بعض العلماء : إن إتيان الرجل الرجل فيه التعزيز دون الحد
وقال آخرون: فيه حد الزنا، فالمحصن يرجم وغيره يجلد.
وقال آخرون: بل يقتل الفاعل والمفعول به بكل حال، سواء كان محصنًا أم غير محصن.
وقال آخرون: ليس فيه حد ولا تعزيز! وهذا من غرائب الأقوال، يعني إتيان الرجل الرجل ليس فيه حد ولا تعزير اكتفاءً بالرادع الطبيعي، وقاسوا ذلك على من شرب البول وشرب الخمر، فمن شرب الخمر يجلد، ومن شرب البول لا يجلد، قالوا: اكتفاء بإيش؟ بالرادع الطبيعي ليس أحد من الناس يشرب البول، لكن كثير من الناس يذهب ويشرب الخمر، فجعل فيه عقوبة من أجل أن تردع الناس عن شُرب الخمر، ولكن هذا القول من أبطال الأقوال، لا يصح الحكم في الأصل ولا في الفرع، فنحن لا نسلم أن من شرب البول لا يعزر، بل نرى أنه يجب أن يعزر، لأن شُرب البول حرام وإذا كان الإنسان لا تردعه طبيعته وفطرته فإنه يردعه العصا والسوط، وكل معصية ليس فيها حد ففيها التعزير، إذن إذا بطل الأصل بطل الفرع، ثم على تقدير التسليم أن شرب البول ليس فيه شيء فإنه لا يصح القياس، لأن شرب البول لا يمكن لأي إنسان أن يميل إليه، وأما إتيان الذكر الذكر فهذا يمكن أن يميل إليه الإنسان، وهاهم قوم لوط أمة كلهم والعياذ بالله ابتلوا بهذا الشيء فصاروا يأتون الذكران من العالمين، ويذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، ابتلوا بهذا والعياذ بالله لما انتهكوا الحرام جعل الله في قلوبهم كراهة النساء فصاروا يتركون الأزواج ولو كن من أحسن النساء ويأتون الفاحشة؟!
طيب إذن ما هو القول الراجح من هذه الأقوال؟ القول الراجح من هذه الأقوال أنه يقتل الفاعل والمفعول به
أولًا: لأن ذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) وهذا حديث صححه كثير من الأئمة.
ثانيًا: أنه نُقل إجماع الصحابة على قتله قتل الفاعل والمفعول به، وقد حكي إجماعهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، إلا أن الصحابة اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: بالسيف، وقال بعضهم: بالرجم، وقال بعضهم: بأن يُلقى من أعلى شاهق في البلد ثم يتبع بالحجارة، وقال بعضهم: بل يحرق كما جاء ذلك عن أبي بكر وغيره من الخلفاء، والأصح أنه يُقتل بما يرى الإمام أنه أنكى وأعظم، إما بالإحراق، وإما بالإلقاء من أعلى شاهق في البلد، وإما بالرجم، المهم الذي يرى أنه أنكى وأعظم ردعا للناس يفعله، لأن هذه الفاحشة والعياذ بالله فاحشة خبيثة توجب أن تجعل ذكور البشر بمنزلة الإناث فينقلب الذكور إناثاً ولا يمكن التحرز منها، التحرز منها لا يمكن كيف إذا رأيت ذكرًا مع ذكر أن تقول: من هذا الذي معك؟ لكن ذكر مع أنثى ممكن أن يحترز الناس منه.
فالمهم: أن القول الراجح أنه يجب على ولي الأمر أن يقتل الفاعل والمفعول به لكن يشترط البلوغ والعقل والاختيار، فمن كان دون البلوغ فإنه لا يقتل ولكن يعزر، كما يعزر ابن عشر في ترك الصلاة، ومن كان مجنوناً فكذلك لا يقتل، لأنه لا عقل له ، ومن أكره على ذلك فإنه لا يقتل إذا كان مفعولا به وإذا كان فاعلاً.
الطالب : يقتل .
الشيخ : يقتل؟
الطالب : ما يمكن الإكراه .
الشيخ : لا ، يمكن يكره ، يمكن يكره لكن .
الطالب : ...
الشيخ : يكره يكره.
الطالب : على أنه فعل به ...
الشيخ : إي إي يُكره على أن يفعل به الشخص، يأتيه شخص والعياذ بالله ... لأن بعض الناس يكون مثل المرأة يريد أن يفعل به ويطلب في كل مكان من يفعل به والعياذ بالله، فيأتيه إنسان ويطلب منه أن يفعل به ويقول إما أن تنفذ ما قلت وإما أن أقتلك ومعه سلاح، أمكن ولا ما أمكن ؟ أمكن لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون: لا يمكن الإكراه على الوطء، لأنه لا وطء إلا بانتشار، ولا انتشار مع الإكراه، المكره ما هو راح ينتشر ذكره، لأنه خائف، ولكن هذا أيضاً ليس بصحيح، لأنه إذا ابتلي نسأل الله العافية فربما يحصل ذلك منه، وإن كان مكرهاً لأن النفس أمارة بالسوء، ربما إذا أكره حتى صار لا يبقى إلا الفعل نعم ينسى الإكراه ويحصل منه هذا الشيء
على كل حال: المكره على الفعل سواء فاعلاً أم مفعولا به ليس عليه حد، لكن لابد من ثبوت الإكراه.
طيب قال: ( أو امرأة في دبرها ) هذا الشاهد.