فوائد الحديث : ( لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ولها الميراث ... ) . حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث:
أولًا: فضيلة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث وفّق للصواب، والإنسان إذا اجتهد ووفقه الله للصواب فإن هذه من نعمة الله عليه، ولهذا يعد من مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان موفقا للصواب، يقول الشيء ثم ينزل القرآن بتصديقه، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد أن يوفقه للصواب، أحيانًا يقول الإنسان الشيء باجتهاده بدون استناد على نص فإذا به يوافق النص.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الفرح بإصابة الصواب لأن ابن مسعود رضي الله عنه فرح بها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها حين تحدثت : أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لسودة ، بفرح الذي لا يذم ، قول عائشة رضي الله عنها وهي تحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لسودة ليلة عيد الأضحى أن تدفع من مزدلفة بليل تقول : ( ولو استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة كان أحب إليّ من مفروح به ) :
فإن قال قائل : كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى عن قارون : (( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )) ؟
فالجواب عن هذا يسير جدًا :
الفرح المذموم هو فرح البَطَر والأَشَر ، أما الفرح المحمود فهو الفرح بنعمة الله وقد أمرنا الله أن نفرح بفضله ورحمته فقال: (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )).
فإذا كان الفرح بمعنى البَطَر والأَشَر والاستعلاء على الخلق ورؤية النفس والإعجاب بها فهذا مذموم، وإذا كان الإنسان يفرح بما أنعم الله عليه وفي فضل الله عليه فهذا محمود ولا يضر .
من فوائد هذا الحديث: جواز الزواج بدون تسمية مهر، لأن ابن مسعود لم ينكر ذلك، بل إن القرآن دل على جوازه في أي شيء ؟
(( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة )). طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا لم يفرض لها مهر فلها مهر المثل، لقوله هنا : ( لها مثل صداق نسائها ) .
ولكن متى يكون لها مهر المثل ؟
يكون لها مهر المثل إذا وجد ما يتقرر به الصداق ، أما إذا طلقها قبل أن يتقرر الصداق فلها المتعة ، حطوا بالكم للفرق، إذا فورقت امرأة لم يسم صداقها ، فإن كانت المفارقة في حال يتقرر بها المهر فلها مهر نسائها، وإن كانت في حال لا يتقرر به المهر كاملا فلها المتعة .
ونضرب لذلك مثلا يبيّن الأمر: رجل تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل الدخول، فماذا يكون؟
لها المتعة ، لا نقول: لها نصف صداق المثل لها المتعة لقوله تعالى: (( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ))، قال: (( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف )).
المثال الثاني: رجل تزوج امرأة ولم يسم لها صداقًا ودخل بها ثم طلقها، ما الواجب؟
الواجب مهر المثل لا المتعة، فيقال: ما مهر مثل هذه المرأة في الأوصاف الستة التي ذكرناها ، فإذا قيل : مهرها مثلا عشرة آلاف قلنا لها عشرة آلاف.
فتبين بهذا أن النكاح بدون تسمية الصداق إيش جائز وأن لها مهر المثل إن وجد ما يقرر المهر، وإن فارقها قبل وجود ما يقرر المهر فلها المتعة ، هذا ما لم يكن الفسخ منها ، فإن كان الفسخ منها قبل الدخول فليس لها شيء ، لأنها هي التي اختارت الفسخ.
طيب من فوائد هذا الحديث: أن الموت مقررٌ للمهر، وش معنى مقرر؟
يعني أنه إذا مات الزوج أو الزوجة ولو قبل الدخول ثبت المهر كاملا لمن للزوجة، هذا إذا مات الزوج، وإذا ماتت هي؟
يكون المهر لورثتها، المهم أنه إذا مات الزوج أو الزوجة ثبت المهر إن كان مسمى فالمسمى، وإن لم يكن مسمى فمهر المثل، وهذا بلا خلاف بين العلماء أنه إذا مات أحد الزوجين تقرر المهر -حطوا بالكم يا جماعة-.
وهنا يحسن أن نذكر ما يتقرر به المهر سوى الموت :
يتقرر المهر أيضا بالجماع إذا جامعها، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، فإذا جامع الرجل زوجته ثم طلقها ثبت لها المهر كاملا بالنص.
يتقرر المهر أيضًا بالخلوة، إذا خلا الزوج بامرأته وهي ممن يمكن جماعها فإنه يتقرر المهر إذا فارقها بعد هذه الخلوة وإن لم يحصل جماع، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- -حطوا بالكم يا جماعة- ودليل هذا : أن الخلوة مظنة الجماع ، لاسيما إذا كان الزوجان شابين ، فإنه يندر أن يخلو بها عن أحد ثم يَدَعها، أقول: يندُر أن يخلو بها عن الناس ثم يدعها بدون جماع هذا نادر، ولهذا نقل إجماع الصحابة على أن الخلوة مقررة للمهر وموجبة للعدة، كم هذه؟
ثلاثة.
الرابع: نقل عن الإمام أحمد رحمه الله وهو أن المهر يتقرر باستباحة كل ما لا يباح إلا بعقد النكاح، إذا استباح الرجل من المرأة ما لا يباح إلا بعقد النكاح ثبت المهر قياسًا على الخلوة، لأن الخلوة لا تباح إلا لمحرم أو زوج، فعلى هذا لو قبَّلها بحضرة الناس بدون خلوة يستقر المهر أو لا ؟
الطالب : نعم يستقر.
الشيخ : كأن فيصل يقول: لا ؟
الطالب : لا يستقر.
الشيخ : لا يستقر، أقول: لا يستقر إيه نعم، يستقر هذه رواها حرب عن الإمام أحمد رحمه الله، حرب أحد أصحاب الإمام أحمد روى عنه : " أنه إذا استحل منها لا يباح إلا بعقد فإنه يستقر المهر قياسًا على الخلوة " ، ولكن هذا خلاف رأي جمهور العلماء ، لأن العلماء الآخرين يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لها المهر بما استحل من فرجها )، بما استحل من فرجها ، ومعلوم أن استحلال الفرج ليس كاستحلال غيره ، فليس الجماع في المتعة بالمرأة كإيش كالتقبيل ، لا شك ، ولا يمكن أن يقاس الأدنى على الأعلى .
ولكن ما ذكره الإمام أحمد باعتبار ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في أن الخلوة مقررة لا شك أن له وجها، لأنه إذا استباح منها ما لا يباح إلا بعقد النكاح من تقبيل أو ضم أو غير ذلك ، فإنه يستقر المهر .
طيب ويحسن لي أيضًا أن نتكلم على ما يتنصف به:
إذا جاءت الفرقة من قبل الزوج قبل أن يحصل ما يتقرر به المهر فلها نصف المهر لقوله تعالى: (( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح )). إذا جاءت الفرقة من قِبَلِها قبل أن يحصل ما يتقرر به المهر فليس لها شيء، مثال ذلك: عقد على امرأة وقبل أن يدخل بها تبين له أن بها عيباً يستحق به فسخ النكاح، ففسخ نكاحه لعيبها، هل لها شيء؟
لا، لماذا؟
لأن الفرقة جاءت من قبلها.
إذا جاءت من قبل أجنبي ففيه قولان في مذهب الإمام أحمد :
هل يتنصف المهر ويرجع به الزوج على من أفسده ، أو لا يتنصف ولا تستحق المرأة شيئاً .
فيها قولان : والظاهر أنه يتنصف وتعطى المرأة النصف ويرجع الزوج به على من تسبب للفراق ، هذا هو العدل ، لأن المرأة ليس منها شيء حتى نقول ليس لها مهر، وهذا الرجل معتدي فيعامل بعدوانه.