وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طعام الوليمة أول يوم حق ، وطعام يوم الثاني سنة ، وطعام يوم الثالث سمعة ، ومن سمع سمع الله به ) . رواه الترمذي واستغربه . ورجاله رجال الصحيح ، وله شاهد عن أنس عند ابن ماجه . حفظ
الشيخ : قال: " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طعام الوليمة أول يوم حق ، وطعام يوم الثاني سنة ، وطعام يوم الثالث سمعة ، ومن سمّع سمّع الله به ) رواه الترمذي واستغربه " :
يعني قال: غريب.
قال المؤلف : " ورجاله رجال الصحيح ، وله شاهد عن أنس عند ابن ماجه " :
نعم هذا الحديث من حيث السند فيه نظر ، وإن كان المؤلف رحمه الله قال: إن رجاله رجال الصحيح .
وقد أشار البخاري في صحيحه إلى ضعفه ، حيث ذكر الإيلام بثلاثة أيام أو سبعة أو نحو ذلك .
لكن على تقدير صحته يكون النبي عليه الصلاة والسلام قد قسّم الوليمة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: وليمة حق.
والثاني: وليمة سنة.
والثالث: وليمة سمعة.
أما وليمة الحق فهي التي تكون في أول يوم، وظاهره أن المراد بالحق هنا الوجوب، فيكون دالاً على ما دلّ عليه حديث أنس في قصة مَن؟
عبدالرحمن بن عوف: ( أولم ).
وأما الوليمة في اليوم الثاني سنة وليست بواجبة .
وأما الوليمة في اليوم الثالث سمعةـ، وقد توعد النبي عليه الصلاة والسلام من صنعها سمعة بقوله: ( ومن سمّع سمّع الله به ).
تنبني إجابة هذه الوليمة على حكم إقامة الوليمة ، ففي اليوم الأول تجب الإجابة ، وفي اليوم الثاني تسن الإجابة ، وفي اليوم الثالث تكره أو تحرم الإجابة .
وهذا الحديث أيضًا إذا صح فلعله يُحمل على الحالة الوسطى من حال الناس، لئلا يكلف الإنسان نفسه ما ليس بمشروع، ولأن الغالب أن الذي يفعل ذلك يريد أن يكمل نفسه، فتكون في اليوم الثالث سمعة.
أما الإنسان الغني فإن الغني لا يسمع باليوم الثالث ولا يهمه، قد يولم أربعة أيام أو خمسة أيام ولا يعد ذلك سمعة في حقه، الذي يعد الثالثة سمعة في حقه هو الإنسان الفقير، هو الذي يقال: إنه زاد في هذا من أجل أن يقال: إن فلانا غني مثلا أو ما أشبه ذلك.
وفي الحديث : ( من سمّع سمّع الله به ) وهذه الجملة ثبتت عن النبي عليه الصلاة والسلام ( من سمّع سمّع الله به، ومن رآى رآى الله به ): فيه التحذير من أن يكون الإنسان مسمعًا بعمله أي: يقصد بعمله أن يسمعه الناس من أجل أن يمدحوه، لأن هذا نوع من الرياء .
والرياء إذا شارك العمل قلبه إلى عمل حرام فاسد لا يقبل ، لقوله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
وقد قسّم العلماء -رحمهم الله- مشاركة الرياء للعبادة إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون مصاحِبًا للعبادة من أولها، ففي هذا القسم لا تصح العبادة، لأنه ليس فيها شيء خالص لله، هي من أولها رياء، فلا تصح.
والقسم الثاني: أن يطرأ على العبادة، بعد أن بدأ بها خالصة لله طرأ عليه الرياء، فهذا إن دافعه وأعرض عنه فالعبادة صحيحة، لأن هذا بغير اختياره وبغير إرادته، وهو الآن يدافعه كأنما يدافع العدو، فصلاته صحيحة ولا يؤثر ذلك في أجره شيئاً، لأنه مجاهد في هذه الحال.
وإن استمر فيها بإرادته فإنه ينظر: إن كانت العبادة ينبني آخرها على أولها فسدت العبادة كالصلاة، فإذا طرأ عليه الرياء في الركعة الأخيرة ولم يدافعه بل قَبِلَه واستلذَّه فإن الصلاة تبطل، لأنه إذا بطل آخرها بطل أولها.
وإن كانت العبادة لا ينبني آخرها على أولها بل آخرها منفصل عن أولها، فإن ما وقع فيه الرياء لا يصح وما كان خالصا يصح، مثال ذلك:
رجل عنده مئة ريال أعدها للصدقة، فتصدق بخمسين منها بدون رياء، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية: فهنا تكون الخمسون الأولى صحيحة مقبولة، وتكون الخمسون الثانية: باطلة، لأن المفسد حصل فيها وهي لا تنبني على أولها.
يعني بمعنى أنه يمكن أن يصح الأول دون الآخر والآخر دون الأول.
بقي علينا في القسم الأول: إذا شارك العبادة من أولها :
نحن ذكرنا أنها تبطل ، إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا دافعه وعالج نفسه فإنه لا يضره لأن هذا بغير اختياره ويتعلق بهذا بحث يسأل عنه الناس كثيرا وهي: أن بعض الناس يخشى من الرياء في عباداته، فيأتيه الشيطان ويقول: أنت إذا صليت فقد راءيت، إذا طلبت العلم فقد راءيت، إذا تصدقت فقد راءيت، كثيرا ما يأتي الشيطان للإنسان، فما دواء هذا؟
دواء هذا أن تعرض عن ذلك، وأن تتناساه وكأن شيئا لم يكن لأنك إن انخذلت أمامه لم يبق عليك الشيطان عبادة إلا أفسدها عليك، ولكن استمر وتعوذ من الشيطان وابق على ما أنت عليه ، وفي النهاية سيزول عنك .