وعن عمر بن أبي سلمة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعن عمر بن أبي سلمة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) متفق عليه " : عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه ابن أم سلمة ، وقصتها معروفة حين توفي أبو سلمة وهو ابن عمها ، ومن أحب الناس إليها وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد قال : ( من أصيب بمصيبة فقال اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها آجره الله وأخلف عليه خيرا منها ) ، فلما مات أبو سلمة قالت هذا ، وكانت تقول في نفسها : " من خير من أبي سلمة " ، لا تقول هذا شكا ، ولكن تتأمل من خير من أبي سلمة ، أبوبكر عمر عثمان علي العباس ابن مسعود فلان فلان من ، ولم يكن يخطر ببالها في ذلك الوقت أن الذي يخلف أبا سلمة عليها هو النبي عليه الصلاة والسلام .
فلما انتهت العدة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكان خيرًا لها من أبي سلمة .
ورد الله سبحانه وتعالى أولاد أبي سلمة في حَجر النبي صلى الله عليه وسلم ، كان عمر صغيراً فجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على الطعام ، فجعلت يده تتخبط في الصحفة يمينا وشمالا ، لأنه صغير لم يتربى .
فقال له: ( يا غلام ) والغلام : اسم للذكر الصغير ، والأنثى الصغيرة يقال لها جارية.
( يا غلام سم الله ) أي: قل بسم الله، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب في الأصل عند أكثر الأصولين، لقول الله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ، فتوعد الذين يخالفون عن أمره، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) فقوله: ( لأمرتهم ) : يدل على أن الأصل في الأمر الوجوب لأنه أي: الوجوب هو الذي يكون فيه المشقة، إذ أن المستحب لا مشقة فيه ، لماذا ؟
لماذا لا يكون المستحب لا مشقة فيه ؟
لجواز تركه ، الذي فيه المشقة هو الواجب .
فقوله : ( لولا أن أشق لأمرتهم ) يدل على أنه لو أمرنا لكان واجبا لأنه هو الذي يشق تركه.
المهم أن قوله: ( سم الله ) أمر والأصل في الأمر الوجوب، فهل هذا الأمر للوجوب ؟
في هذا قولان لأهل العلم :
منهم من قال: إنه للوجوب. ومنهم من قال: إنه للاستحباب :
فالذين قالوا إنه للاستحباب نظروا إلى أنه من آداب الأكل، والأصل في الآداب أنها للتهذيب والتربية لا للوجوب والإلزام.
ومن قال إنه للوجوب قال: هذا هو الأصل في الأمر، الأصل في الأمر الوجوب والقول الثاني أي: أنه للوجوب هو الأصح ،
أولًا: لأن الأصل في الأمر الوجوب.
وثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لم يسم فإن الشيطان يشاركه في طعامه، ومعلوم أن تمكين الشيطان من المشاركة في الطعام لا تجوز، وأيضا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ذات يوم على طعام هو وأصحابه، فجاءت جارية، بنت صغيرة كأنما تدفع دفعاً ، فألقت بيدها إلى الطعام فأمسك بها النبي عليه الصلاة والسلام وأمرها أن تسمي وقال : ( إن الشيطان قد دفعها دفعا ) ، لتأكل بدون تسمية حتى يشاركهم في الطعام وأخبر أن يدها ويد الشيطان بيد النبي عليه الصلاة والسلام ، يعني معنى الشيطان قدّم يده مع تقديم هذه الجارية يدها ، فهذا يدل على أن الأمر للوجوب وهو كذلك فيجب على الإنسان أن يسمي على الأكل وجوبا، فإن لم يفعل فهو آثم وراضٍ بمشاركة الشيطان له في طعامه.
فإن نسي سمى حين يذكر، يقول : بسم الله أوله وآخره ، أو بسم الله فقط. طيب وقوله : ( يا غلام سم الله ) : يقتضي أنه لا تكفي التسمية من واحد عن الجميع ، ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون قد سمى على الطعام ، ومع ذلك أمر هذا الغلام أن يسمي ، وهذا فيما إذا كان الثاني لم يسمع تسمية الأول ظاهرًا ، يعني بأن جاؤوا متتابعين ، لم يجلسوا على الطعام مرة واحدة ، فالثاني الذي جاء لابد أن يسمي ، لكن إذا كان جلوسهم على الطعام واحدًا وسمى أحدهم تسمية أسمعها الآخرين فهل يجزئ ؟
يرى بعض العلماء أنه يجزئ ، لأن هذه التسمية تمنع مشاركة الشيطان ، فهي عنده سنة كفاية .
والذي يظهر من النصوص أن لكل إنسان تسميته، ووجه كون هذا هو الظاهر هذا الحديث الذي معنا فإن الظاهر أن الغلام كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا قدم الطعام فإنه سيشارك فورا .
وقوله: ( سم الله ) هل هذا يدل على أنك لا تزيد على قول : بسم الله ؟
يحتمل، أن تكتفي بقول: بسم الله، ولاشك أن هذا كافي.
لكن هل ننكر على من قال: بسم الله الرحمن الرحيم؟
الجواب: لا، لا ننكر، لأن بسم الله الرحمن الرحيم تسمى تسمية، فلا ننكر، لكن بعض أهل العلم قال: إنك لا تقول: أو لا تزيد: الرحمن الرحيم على الذبيحة، لأن الرحمة تقتضي العطف والحنان، وأنت الآن تريد أن تذبحها، فلا مناسبة بين هذا .
وعندي أن في هذا التعليل نظرا ووجهه، أن من رحمة الله بنا نحن، ونحن أشرف من الحيوان أن أحل لنا أن نذبح هذه البهيمة لمصالحنا، فهو في الحقيقة رحمة وكأنك تشير بقولك: الرحمن الرحيم إلى رحمة الله بنا، فإنه لرحمته بنا أحلّ لنا هذه الذبيحة، إي نعم.
وقوله: ( كل بيمينك ): هذا أمر والمراد باليمين اليد اليمنى، فأمره أن يأكل باليمين، والأمر هنا هل هو للوجوب أو للاستحباب؟
فيه الخلاف السابق في قوله: ( سم الله )، فمن العلماء من قال:
إن الأكل باليمين سنة وليس بواجب، وأن الإنسان لو أكل بشماله لم يأثم، لأن الأمر ليس للوجوب.
ومن العلماء من قال: إن الأمر للوجوب ( كل بيمينك ) ، وعلل هذا بأن الأصل في الأمر الوجوب، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالشمال فقال: ( لا يأكل أحد بشماله ولا يشرب بشماله )، وبأن هذا من اتباع خطوات الشيطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ).
وهذا القول أصح من القول بأن الأمر بالأكل باليمين على سبيل الاستحباب، فالصواب إذن إيش؟
الصواب وجوب الأكل باليمين، وأنه لا يجوز الأكل باليسار إلا لضرورة، وأقبح من ذلك أن يمنعه من الأكل باليمين الكبرياء، فإنه إذا فعل ذلك استحق أن يدعا عليه، ( لأن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا استطعت، فما رفع يده اليمنى إلى فيه بعد ذلك ) :
شلت والعياذ بالله ولا يدعو النبي عليه الصلاة والسلام على شخص إلا لأنه فعل إثما ومعصية .
وقبيح من ذلك أيضا أن يأكل باليسار تشبها بالكفار، واعتقادا أن هذا هو المدنية كما يفعله بعض الناس الذين غرّتهم أحوال الكفار، وظنوا أنهم لم يستطيعوا أن يصنعوا الطائرات والقنابل إلا من أجل أنهم يأكلون بالشمال، فظن أن هذا هو التقدم، فصار يأكل بشماله تقليدا لهم، وهذا يزيده قبحا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
وقوله: ( وكل مما يليك ): كل مما يليك هذا أيضا أمر، يعني كل من الذي يليك لا الذي يلي صاحبك، وهذا الأمر الظاهر أنه للاستحباب كما عليه جمهور العلماء، إلا أن يحصل من ذلك أذية ومضايقة على شريكك في الأكل، فهنا يتوجب وجوب الأكل مما يليك، لأنه من المعلوم أنه لو تخطت يدك إلى جهة شريكك وأكلت منه مما يلي الشريك ربما يتقزز من هذا ويتأذى، فالأصل أن الأمر هنا للاستحباب: ( كل مما يليك ) ، ما لم يكن بذلك مضايقة أو أذى لشريكك فيجب أن تأكل مما يليك .
ويستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعا، مثل أن يكون على الصحفة لحم ودباء ولوبيا وباميا فتجاوزت ما يليك إلى هذه الأشياء لتأخذ منها، فإن ذلك لا بأس به، لقول أنس رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء ) :
الدباء القرع فيأخذها ، وهذا لا شك أنه مما لا يمكن الوصول إلى ما تريد إلا بهذا ، إذا كانت اللحمة من الجانب الذي يلي صاحبك ، وقلنا: كل مما يليك ماذا يقول:
يقول ما عندي شيء، الذي أريده مما يلي صاحبي، فهو في هذه الحال يكون معذورا ولا حرج عليه.
إذن يستثنى من الأمر بالأكل مما يليك ؟
إذا كان أنواعا فلا حرج عليه أن يختار النوع الذي يريده ، ولو كان مما يلي صاحبه .
طيب فإن كان صاحبه لا يهتم إذا أكلت مما يليه، بل ربما يرغب أن تأكل مما يليه هو ليأكل مما يليك، فما الحكم؟
فالظاهر رفع الحرج ، ما دمت تعلم أن الرجل لا يهتم بهذا الأمر بل هو ربما يفرح من أجل أن يأكل مما يليك فإن هذا لا بأس به ، ولا حرج فيه.
وقوله: ( كل مما يليك ) : هل يشمل ما إذا كان لك شريك أو لا ؟
بمعنى إذا كنت تأكل وحدك فهل نقول: إن الأفضل أن تأكل مما يليك أو لك أن تأكل من الجانب الآخر إذا كنت وحدك ؟
أما ظاهر الحديث فالعموم ، وأما قرينة الحال فهي لمن له شريك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب هذا الغلام وهو يأكل معه ، فيكون هذا النوع من الأدب إنما هو لمن له شريك ، أما من ليس له شريك فليأكل مما شاء إلا ما استثني مما سيذكر في الحديث الآتي.
فلما انتهت العدة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكان خيرًا لها من أبي سلمة .
ورد الله سبحانه وتعالى أولاد أبي سلمة في حَجر النبي صلى الله عليه وسلم ، كان عمر صغيراً فجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على الطعام ، فجعلت يده تتخبط في الصحفة يمينا وشمالا ، لأنه صغير لم يتربى .
فقال له: ( يا غلام ) والغلام : اسم للذكر الصغير ، والأنثى الصغيرة يقال لها جارية.
( يا غلام سم الله ) أي: قل بسم الله، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب في الأصل عند أكثر الأصولين، لقول الله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ، فتوعد الذين يخالفون عن أمره، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) فقوله: ( لأمرتهم ) : يدل على أن الأصل في الأمر الوجوب لأنه أي: الوجوب هو الذي يكون فيه المشقة، إذ أن المستحب لا مشقة فيه ، لماذا ؟
لماذا لا يكون المستحب لا مشقة فيه ؟
لجواز تركه ، الذي فيه المشقة هو الواجب .
فقوله : ( لولا أن أشق لأمرتهم ) يدل على أنه لو أمرنا لكان واجبا لأنه هو الذي يشق تركه.
المهم أن قوله: ( سم الله ) أمر والأصل في الأمر الوجوب، فهل هذا الأمر للوجوب ؟
في هذا قولان لأهل العلم :
منهم من قال: إنه للوجوب. ومنهم من قال: إنه للاستحباب :
فالذين قالوا إنه للاستحباب نظروا إلى أنه من آداب الأكل، والأصل في الآداب أنها للتهذيب والتربية لا للوجوب والإلزام.
ومن قال إنه للوجوب قال: هذا هو الأصل في الأمر، الأصل في الأمر الوجوب والقول الثاني أي: أنه للوجوب هو الأصح ،
أولًا: لأن الأصل في الأمر الوجوب.
وثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لم يسم فإن الشيطان يشاركه في طعامه، ومعلوم أن تمكين الشيطان من المشاركة في الطعام لا تجوز، وأيضا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ذات يوم على طعام هو وأصحابه، فجاءت جارية، بنت صغيرة كأنما تدفع دفعاً ، فألقت بيدها إلى الطعام فأمسك بها النبي عليه الصلاة والسلام وأمرها أن تسمي وقال : ( إن الشيطان قد دفعها دفعا ) ، لتأكل بدون تسمية حتى يشاركهم في الطعام وأخبر أن يدها ويد الشيطان بيد النبي عليه الصلاة والسلام ، يعني معنى الشيطان قدّم يده مع تقديم هذه الجارية يدها ، فهذا يدل على أن الأمر للوجوب وهو كذلك فيجب على الإنسان أن يسمي على الأكل وجوبا، فإن لم يفعل فهو آثم وراضٍ بمشاركة الشيطان له في طعامه.
فإن نسي سمى حين يذكر، يقول : بسم الله أوله وآخره ، أو بسم الله فقط. طيب وقوله : ( يا غلام سم الله ) : يقتضي أنه لا تكفي التسمية من واحد عن الجميع ، ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون قد سمى على الطعام ، ومع ذلك أمر هذا الغلام أن يسمي ، وهذا فيما إذا كان الثاني لم يسمع تسمية الأول ظاهرًا ، يعني بأن جاؤوا متتابعين ، لم يجلسوا على الطعام مرة واحدة ، فالثاني الذي جاء لابد أن يسمي ، لكن إذا كان جلوسهم على الطعام واحدًا وسمى أحدهم تسمية أسمعها الآخرين فهل يجزئ ؟
يرى بعض العلماء أنه يجزئ ، لأن هذه التسمية تمنع مشاركة الشيطان ، فهي عنده سنة كفاية .
والذي يظهر من النصوص أن لكل إنسان تسميته، ووجه كون هذا هو الظاهر هذا الحديث الذي معنا فإن الظاهر أن الغلام كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا قدم الطعام فإنه سيشارك فورا .
وقوله: ( سم الله ) هل هذا يدل على أنك لا تزيد على قول : بسم الله ؟
يحتمل، أن تكتفي بقول: بسم الله، ولاشك أن هذا كافي.
لكن هل ننكر على من قال: بسم الله الرحمن الرحيم؟
الجواب: لا، لا ننكر، لأن بسم الله الرحمن الرحيم تسمى تسمية، فلا ننكر، لكن بعض أهل العلم قال: إنك لا تقول: أو لا تزيد: الرحمن الرحيم على الذبيحة، لأن الرحمة تقتضي العطف والحنان، وأنت الآن تريد أن تذبحها، فلا مناسبة بين هذا .
وعندي أن في هذا التعليل نظرا ووجهه، أن من رحمة الله بنا نحن، ونحن أشرف من الحيوان أن أحل لنا أن نذبح هذه البهيمة لمصالحنا، فهو في الحقيقة رحمة وكأنك تشير بقولك: الرحمن الرحيم إلى رحمة الله بنا، فإنه لرحمته بنا أحلّ لنا هذه الذبيحة، إي نعم.
وقوله: ( كل بيمينك ): هذا أمر والمراد باليمين اليد اليمنى، فأمره أن يأكل باليمين، والأمر هنا هل هو للوجوب أو للاستحباب؟
فيه الخلاف السابق في قوله: ( سم الله )، فمن العلماء من قال:
إن الأكل باليمين سنة وليس بواجب، وأن الإنسان لو أكل بشماله لم يأثم، لأن الأمر ليس للوجوب.
ومن العلماء من قال: إن الأمر للوجوب ( كل بيمينك ) ، وعلل هذا بأن الأصل في الأمر الوجوب، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالشمال فقال: ( لا يأكل أحد بشماله ولا يشرب بشماله )، وبأن هذا من اتباع خطوات الشيطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ).
وهذا القول أصح من القول بأن الأمر بالأكل باليمين على سبيل الاستحباب، فالصواب إذن إيش؟
الصواب وجوب الأكل باليمين، وأنه لا يجوز الأكل باليسار إلا لضرورة، وأقبح من ذلك أن يمنعه من الأكل باليمين الكبرياء، فإنه إذا فعل ذلك استحق أن يدعا عليه، ( لأن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا استطعت، فما رفع يده اليمنى إلى فيه بعد ذلك ) :
شلت والعياذ بالله ولا يدعو النبي عليه الصلاة والسلام على شخص إلا لأنه فعل إثما ومعصية .
وقبيح من ذلك أيضا أن يأكل باليسار تشبها بالكفار، واعتقادا أن هذا هو المدنية كما يفعله بعض الناس الذين غرّتهم أحوال الكفار، وظنوا أنهم لم يستطيعوا أن يصنعوا الطائرات والقنابل إلا من أجل أنهم يأكلون بالشمال، فظن أن هذا هو التقدم، فصار يأكل بشماله تقليدا لهم، وهذا يزيده قبحا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
وقوله: ( وكل مما يليك ): كل مما يليك هذا أيضا أمر، يعني كل من الذي يليك لا الذي يلي صاحبك، وهذا الأمر الظاهر أنه للاستحباب كما عليه جمهور العلماء، إلا أن يحصل من ذلك أذية ومضايقة على شريكك في الأكل، فهنا يتوجب وجوب الأكل مما يليك، لأنه من المعلوم أنه لو تخطت يدك إلى جهة شريكك وأكلت منه مما يلي الشريك ربما يتقزز من هذا ويتأذى، فالأصل أن الأمر هنا للاستحباب: ( كل مما يليك ) ، ما لم يكن بذلك مضايقة أو أذى لشريكك فيجب أن تأكل مما يليك .
ويستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعا، مثل أن يكون على الصحفة لحم ودباء ولوبيا وباميا فتجاوزت ما يليك إلى هذه الأشياء لتأخذ منها، فإن ذلك لا بأس به، لقول أنس رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء ) :
الدباء القرع فيأخذها ، وهذا لا شك أنه مما لا يمكن الوصول إلى ما تريد إلا بهذا ، إذا كانت اللحمة من الجانب الذي يلي صاحبك ، وقلنا: كل مما يليك ماذا يقول:
يقول ما عندي شيء، الذي أريده مما يلي صاحبي، فهو في هذه الحال يكون معذورا ولا حرج عليه.
إذن يستثنى من الأمر بالأكل مما يليك ؟
إذا كان أنواعا فلا حرج عليه أن يختار النوع الذي يريده ، ولو كان مما يلي صاحبه .
طيب فإن كان صاحبه لا يهتم إذا أكلت مما يليه، بل ربما يرغب أن تأكل مما يليه هو ليأكل مما يليك، فما الحكم؟
فالظاهر رفع الحرج ، ما دمت تعلم أن الرجل لا يهتم بهذا الأمر بل هو ربما يفرح من أجل أن يأكل مما يليك فإن هذا لا بأس به ، ولا حرج فيه.
وقوله: ( كل مما يليك ) : هل يشمل ما إذا كان لك شريك أو لا ؟
بمعنى إذا كنت تأكل وحدك فهل نقول: إن الأفضل أن تأكل مما يليك أو لك أن تأكل من الجانب الآخر إذا كنت وحدك ؟
أما ظاهر الحديث فالعموم ، وأما قرينة الحال فهي لمن له شريك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب هذا الغلام وهو يأكل معه ، فيكون هذا النوع من الأدب إنما هو لمن له شريك ، أما من ليس له شريك فليأكل مما شاء إلا ما استثني مما سيذكر في الحديث الآتي.