حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة حفظ
القارئ : حدثنا عبد السلام بن مطهر قال : حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ).
الشيخ : قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر )، هذا فيه أن الدين هو اليسر ، لم يقل إن الدين من اليسر ، أو إن اليسر من الدين ، قال : ( الدين يسر )، يعني فأخبر عن الدين ، نعم ، أخبر عنه بالمصدر ، كأن الدين هو نفسه اليسر ، وهذا يدل على أن التشريع الإسلامي كله يسر .
ولذلك نجد أن العبادات التي فرضها الله على عباده كلها يسر ، ابدأ بالطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم إذا طرأ ما يوجب التيسير يسرت أيضا ، ثم إذا لم يؤت الإنسان من الفعل بالكلية سقط ، وهل شيء أيسر من هذا ، نعم ؟.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران بن حصين : ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك )، هذا يسر ، وكذلك أيضا في الطهارة توضئ واغتسل ، فإن لم تجد ماء أو كنت مريضا فتيمم ، هذا يسر .
في الزكاة تجدها يسر ، إذا ربح الإنسان أربعين ألفا لم يجب عليه إلا ، أو إذا كان مال الإنسان أربعين ألفا لم يجب عليه إلا ألف واحد ، ومع ذلك هذا الألف هل ضاع عليه سدا ، أبدا (( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة )) .
الحج ، واليسر فيه ظاهر ، لأن الله خصه بشرط الاستطاعة بقوله : (( من استطاع إليه سبيلا )) مع أن جميع العبادات هكذا ، وإذا عجز الإنسان بالكلية فماذا يكون ؟.
تسقط . تسقط عنه ، فالدين يسر ، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام .
لكن من شاد الدين وغالبه غلبه الدين ، ولذلك نجد أن الذين يشادون الدين يبتلون بأمور لا يستطيعونها ، سواء كان ذلك من الأمور الشرعية في وقت الوحي ، أو فيما كان من الأمور القدرية فيما بعد وقت الوحي ، فقوم موسى لما تشددوا في وصف البقرة ، شدد عليهم ، هذه الأمة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهاهم أن يسألوا ، وقال : ( إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم لأجل مسألته )، كل هذا من أجل إيش ؟.
من أجل ألا يشددوا فيشدد الله عليهم ، بعد الوحي ما فيه تشديد شرع لأن الشريعة استقرت ، لكن قد يكون فيه تشديد قدري ، فمثلا إذا شدد الإنسان بالطهارة ربما يبتلى بالوسواس نسأل الله العافية ، والبلوى بالوسواس لا تظن أنا سهلة ، البلوى بالوسواس قد تصل بالإنسان إلى ترك الصلاة ، أو إلى ترك الوضوء ، ونحن يبلغنا من هذا شيء ، يستولي الشيطان على الإنسان - نعوذ بالله من الشيطان الرجيم - ثم يبقى يتوضأ إلى أن يخرج الوقت من أول الوقت إلى آخر الوقت ، ما يستطيع ، ويبكي ولا يستطيع .
عند الصلاة ما يستطيع فيبكي ويتضايق ويدع الصلاة كما يعني يبلغنا ، يبلغنا من الذين ابتلوا بهذا ، ما هو شيء فيه سند ، هذا تشديد ، وسببه والله أعلم أن الإنسان شدد أولا بأمر يسير ثم ازداد حتى شدد عليه .
( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) ثم قال : ( فسددوا وقاربوا ) قيل أن الواو هنا بمعنى أو ، سددوا : يعني أصيبوا من السداد وهو إصابة السهم ، وقاربوا : يعني أو قاربوا إذا لم تكن الإصابة ، والنتيجة والثمرة وأبشروا ، هذه النتيجة ، أبشروا بأن الأمر تام ، إذا سددتم إذا أمكن أو قاربتم إذا لم يمكن ، وأبشروا فإن أجركم تام لن يضيع .
( واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )، هذا السير الحسي ، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ضربه مثلا : أن السائر لا يشق على نفسه ، استعينوا بالغدوة أول النهار والروحة آخر النهار ، وشيء من الدلجة من الليل ، إذا وسط النهار موضع سير أو لا ؟.
السائل : لا .
الشيخ : لماذا ؟.
السائل : لأنه راحة .
الشيخ : لأنه محل راحة ، ريح نفسك ، شيء من الدلجة ، لا كل الدلجة ، لأن السير كل الليل صعب ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى ) فسر في سيرك إلى الله في العبادات كما تسير في الطرق الحسية ، لا تتعب نفسك .
ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أرادوا أن يشددوا على أنفسهم ، حتى قال بعضهم : أصلي ولا أنام ، والثاني قال : أصوم ولا أفطر ، والثالث قال : لا أتزوج النساء ، فخطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ، إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) كل هذا ولله الحمد بالتيسير ، والتنديد بالتشديد .
ولهذا اختلف العلماء في مسألة : لو اختلف العلماء ، أو اختلفت الأدلة ، وتعارضت الأدلة في مسألة ، ولم يتبين رجحان أحد الدليلين على الآخر وتساوت عند الإنسان ، فهل يأخذ بالأشد أو يأخذ بالأيسر ؟.
قال بعضهم : يأخذ بالأشد لأنه أحوط ، وأبرئ للذمة ، وقال بعضهم : يأخذ بالأيسر لأنه أوفق لمقاصد الشرع ، والأصل براءة الذمة . وقال بعض العلماء يخير ، وذلك لتعادل الأدلة والمعاني عنده .
والأقرب عندي أنه يأخذ بالأيسر ، لأنه هو الموافق للشرع ، فهو أوفق لروح الشريعة ، نعم ؟. سليم ؟.