باب : زيادة الإيمان ونقصانه ، وقول الله تعالى : (( وزدناهم هدى )) . (( ويزداد الذين ءآمنوا إيمانا )) وقال : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) . فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال البخاري رحمه الله تعالى : " باب زيادة الإيمان ونقصانه : وقول الله تعالى : (( وزدناهم هدى )) . (( ويزداد الذين ءآمنوا إيمانا )) وقال : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) . فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص ".
الشيخ : هذا الباب مهم جدا ومبني على أصول ، هل يزيد الإيمان وينقص أو لا ؟.
اختلف الناس في هذا : منهم من قال بأنه يزيد وينقص ، ويتفاضل بالكمال ، ومنهم من قال لا يزيد ولا ينقص ، ومنهم من قال نقول يزيد ولا نقول ينقص ، والصحيح أنه يقال : يزيد وينقص كما ورد ذلك عن السلف في مسألة النقصان ، بل جاءت به السنة .
وذلك أن الناس اختلفوا في الإيمان ، فمنهم من قال إن الإيمان مجرد التصديق والإقرار ، وهذا لا يتفاوت ، فالناس فيه سواء ، وهذا مذهب الجهمية المرجئة ، الغلاة في الإرجاء ، يقولون الإيمان هو مجرد التصديق والإقرار وهذا لا يتفاوت ، ولا شك أن هذا القول ليس بصحيح من وجهين :
الوجه الأول : أنه ليس مجرد الإقرار والتصديق .
والوجه الثاني : ...
أولا : قوله أن الإيمان هو مجرد التصديق ليس بصحيح ، لأن النصوص ظاهرة ، في أن الأعمال من الإيمان .
والثاني قولهم : إن التصديق لا يتفاوت هذا غير صحيح أيضا ، لأن إقرار القلب يتفاوت ، فإن خبر الواحد لا يساوي خبر الاثنين في الطمأنينة إليه ، يعني لو أخبرك شخص بخبر تطمئن إلى هذا الشخص وتثق بكلامه ، ثم أخبرك آخر ألا تزداد ثقتك ؟.
السائل : بلى .
الشيخ : وثالث ؟.
السائل : بلى .
الشيخ : تزداد ، ولهذا قسم العلماء اليقين إلى ثلاثة أقسام : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، كما دل على ذلك القرآن ، (( كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين )) وقال الله تعالى في القرآن : (( وإنه لحق اليقين )) وقال في حال المحتضرين : (( إن هذا لهو حق اليقين )) .
ويضرب لهذا مثل برجل قال لك : في هذا الكرتون تفاح ، وهو ثقة ، فهنا يكون في قلبك أن الذي في هذا الكرتون تفاح .
فإذا فتحته ورأيته فهذا عين اليقين ، فإذا أكلت منه فهذا حق اليقين ، فأقوى درجات اليقين فهو الحق ، حق اليقين ، وهذا يدل على أن اليقين فضلا عن الإيمان يتفاوت فكيف بالإيمان .
ثم إن في قصة إبراهيم ، (( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) يدل على أن ما في القلب من الإقرار يتفاوت ، يكون اطمئنانا ويكون دون ذلك ، فصار قولهم باطلا بالحس الواقع وبالشرع الوارد .
هناك آخرون يقولون : إنه لا يزيد ولا ينقص ، فإما يوجد كله أو يعدم كله ، ويجعلون الأعمال من الإيمان ، لكنها شرط في صحته ، كالخوارج والمعتزلة حيث يقولون إن الإيمان إما أن يوجد كله ، وإما أن يعدم كله ، ولهذا حكموا بأن فاعل الكبيرة ، خارج من الإيمان ، لكن المعتزلة يقولون خارج من الإيمان ولا نقول إنه كافر بل هو في منزلة بين منزلتين ، ولخوارج يقولون إنه خارج من الإيمان وكافر وليس هناك منزلة بين منزلتين لأن الله يقول : (( فمنكم كافر ومنكم مؤمن )) ويقول : (( فماذا بعد الحق إلا الضلال ))، ولا شك أن الخواج أقرب إلى القياس من المعتزلة باعتبار إنه لا يوجد منزلة بين منزلتين ، فإن هذه بدعة محدثة .
والصحيح ما عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص ، ودلالة ذلك بالشرع والحس .
أما الشرع فاستدل البخاري رحمه الله بقول الله تعالى : (( وزدناهم هدى )) ، زدناهم هدىً ، لكن قد يعارض معارض في الاستدلال بهذه الآية ، لأن المراد بالهدى هنا العلم ، (( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )) لأن الأصل في الهدى العلم (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق )) و، كأن المؤلف البخاري رحمه الله يقول من لازم الهدى ، من لازم زيادة الهدى ، أن يزيد الإيمان ، لأن الإنسان كلما ازداد علما بالله وآياته وصفاته ازداد إيمانا .
قال : (( ويزداد الذين آمنوا إيمانا )) هذه صريحة ، (( ويزداد الذين آمنوا إيمانا)) ، (( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا )) .
نعم ، أول الآية : (( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون )) إذا في هذا زيادة إثبات زيادة الإيمان .
وقال : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) أكملت لكم دينكم ، كيف يكون في هذا دلالة على زيادة الإيمان ، وجه بذلك بقوله رحمه الله : " فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص "، وصدق رحمه الله ، هذا استدلال يعني طريف ، إذا كان اليوم أكملت لكم ، إذا قبل ذلك ليس بكامل فهو ناقص .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في النساء : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين ) وجعل نقص دينها بتركها الصلاة والصيام في أيام الحيض ، وهذا نقص كمال ، وليس نقص يعني واجب ، إذ أن المرأة لا يجب عليها في حال الحيض صوم ولا صلاة ، بل لو صلت وصامت كان ذلك حراما بالإجماع ، نعم .