قرأة الشيخ بحث على الحديث حفظ
الشيخ : أكتب لكم كتابا ما يكتب ، يعني يريد أن يفرق بين قوله : إيتوني بكتاب وقوله : أكتب لكم كتاباً ، فيكون المراد بالأول كتاباً يعني ورقة يكتب بها ولذلك أتى بالمفرد قيل إنما كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم اختباراً لأصحابه ، اختباراً لأصحابه فهدى الله تعالى عمر لمراده ومنع من إحضار الكتاب وخفي ذلك على ابن عباس وعلى هذا فينبغي عد هذا في جملة موافقة عمر ربه . انتهى
قلت يأبى عنه قوله : لا تضلوا بعده لأنه جواب ثاني بالأمر ، فمعناه أنكم لا تضلون بعد الكتاب إن أتيتم به وكتبت لكم ، ولا يخفى أن الإخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الإختبار بل في موضع يكون ترك إحضار الكتاب أولى وأصوب ، من إحضاره من قبيل الكذب الواضح
واضح يقول لو قلنا اختباراً وكان الرسول لا يرد أن يكتب فيقول إنه من الكذب الواضح
الذي ينزه كلامه صلى الله عليه وسلم عنه ، فلا بد لنا من اعتذار آخر وحاصل ما ذكروا في الاعتذار أن أمر ، أم أمر إيتوا ما كان أمر عزيمة وإيجاب حتى لا يجوز مراجعته ويصير المراجع عاصياً بل كان أمرا مشهورا ، وكانوا يراجعونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض الأوامر سيما عمر ، وقد علم من حاله أنه كان موفقاً للصواب في درك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله عز وجل ، ولم يقصد عمر بقوله : وقد غلبه الوجع أنه يتوهم عليه الغلط ، وإنما أراد التخفيف عليه من التعب الشديد ، الاحق به من إملاء الكتاب بواسطة ما معه من الوجع، فلا ينبغي للناس أن يباشروا ما يصير سبباً للحوق غاية المشقة به في تلك الحالة ، فرأى أن ترك إحضار الورق أولى ، مع أنه خشي أن يكتب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أموراً يعجز عنها الناس فيسحقون العقوبة بسبب ذلك ، لأنها منصوصة لا محالة لا اجتهاد فيها أو خاف لعل بعض المنافقين يتطرقون به إلى القذف في بعض ذلك المكتوب لكونه في حال المرض فيصير سبباً للفتنة
واضح ، الآن أجاب بأنه خاف على المشقة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثانيا : خاف أن يكتب أموراً يعجز الناس عنها ، ولا يكون لهم بد من العمل بها لأنها منصوصة ، ثالثا : أنه قد يكون مجال للمنافقين ، فيقدحون فيما كتبه في هذه الحال ، ولهذا قال : أو خاف لعل بعض المنافقين يتطرقون به إلى القدح في بعض ذلك المكتوب لكونه في حال المرض فيصير سبباً للفتنة ، فقال حسبنا كتاب الله ، لقوله تعالى : (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) ، وقوله : (( اليوم أكملت لكم دينكم ))"
أما قوله : (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) فالصحيح أن المراد بذلك اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : (( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون )) لكن الدليل الصحيح قوله تعالى : (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء )) طيب
"
وقوله : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) فعلم أن الله أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة انتهى كلامهم بخلاصة وفيه نظر لأن قوله : لا تضل ، لا تضل يفيد أن الأمر للإيجاب ، إذ السعي فيما يفيد الأمن فيما يفيد الأمن من الضلال واجب على الناس، وقول من قال إن كان واجباً لم يتركه لاختلافهم كما يترك التبليغ لمخالفة من خالف يفيد أنه ما كان واجباً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه كتابته لهم وهو لا ينافي الوجوب عليهم حين أمرهم به وبين أن فائدته الأمن من الضلالة ودوام الهداية ، فإن الأصل في الأمر هو الوجوب على المأمور لا على الآمر سيما إذا كان فائدته ما ذكر والوجوب عليهم هو محل الكلام لا الوجوب عليه على أنه يمكن أن يكون واجباً عليه وسقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم للأمر ، وقد رفع علم تعيين ليلة القدر عن قلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتلاحي رجلين ، فيمكن رفع هذا كذلك ، ثم المطلوب تحقيقه أنه كيف لا يكون الوجوب مع وجود قوله : لا تضلوا ، وهذه المعارضة لا تنفع في إفادة ذلك في التحقيق ، وأما أنه خشي أن يكتب أمور تصير سبباً للعقوبة أو سبباً لقتل المنافقين المؤدية للفتنة فغير المتصور مع وجود قوله : لا تضلوا لأن هذا بيان أن الكتاب سبب للأمن من الضلال ودوام الهداية ، فكيف يتوهم أنه سبب للعقوبة أو الفتنة بقدح أهل النفاق ومثل هذا الظن يوهم تكذيب ذلك الخبر .
وأما قولهم في تفسير حسبنا كتاب الله أنه تعالى قال : (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) وقال : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) فكل منهما لا يفيد الأمن من الضلال ودوام الهداية للناس حتى يتجه ترك السعي في ذلك الكتاب للاعتماد على هاتين الآيتين ، كيف ولو كان كذلك لما وقع الضلال بعد ، مع أن الضلالة والتفرق للأمة قد وقع بحيث لا يرجى رفعه ولم يقل صلى الله عليه وسلم إن مراده أن يكتب الأحكام حتى يقال إنه يكفي في فهمها كتاب الله ، فلعله كان شيئاً من قبيل أسماء الله تعالى أو غيره ، مما بركته يأمن الناس، مما بركته مكتوباً عندهم بأمر نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمن الناس من الضلالة ولو فرض أن مراده كان كتابة بعض الأحكام فلعل النص على تلك الأحكام منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبب للأمن من الضلالة فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاءً بالقرآن بل لو لم يكن فائدة النص إلا الأمن من الضلالة لكان مطلوباً جداً ولم يصح تركه للاعتماد على أن الكتابة جامع لكل شيء ، كيف والناس محتاجون للسنة أشد الاحتياج مع كون الكتاب جامعاً ، وذلك لأن الكتاب وإن كان جامعاً _ يعني الكتاب يعني القرآن _ وإن كان جامعاً إلا أنه لا يقدر كل أحد على الاستخراج منه ، وما يمكن لهم استخراجه منه ، فلا يقدر كل أحد على الاستخراج منه على وجه الصواب ، ولما ، ولهذا فوض إليه البيان مع كون الكتاب جامعاً ، فقال تعالى : (( لتبين للناس ما نزل إليهم )) ولا شك أن استخراجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الكتاب على وجه الصواب وهذا يكفي ، وهذا يكفي ويغني في كون نصه مطلوباً لنا ، سيما إذا أمر نبي سيما إذا وعد على ذلك الأمن من الضلال فما معنى قول أحدنا في مقابلة ذلك حسبنا كتاب الله بالوجه الذي ذكروا
قلت : فالوجه عندي طلب مخرج حسن ، نعم ، هو أحسن أو مما ذكر ، مما ذكروا إن شاء الله ، وهو أن عمر رضي الله عنه لعله فهم من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لاتضلوا بعده) أنكم لا تجتمعون على الضلالة ولا تصفي الضلالة إلى كلكم ، لا أنه لا يضل أحد منكم أصلاً ورأى أن إسناد الضلالة إلى ضمير الجمع لإفادة هذا المعنى ، لما قام عنده من الأدلة على أن ضلال البعض متحقق لا محالة ، وذلك لأنه صلى اله عليه وسلم قد أخبر في حال صحته أنه ستفترق الأمة وستمرق المارقة وستحدث الفتن ، وهذا وغيره يفيد ضلال البعض قطعاً فعلم أن المراد بقوله لا تضلوا هو أمن الكل بذلك الكتاب من الضلالة لا أمن كل واحد من الآحاد ، فلما فهم رضي الله عنهم هذا المعنى وقد علم من آيات الكتاب مثل قوله تعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض )) و قوله سبحانه : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) وقوله : (( لتكونوا شهداء على الناس )) وكذا من بعض إخباراته صلى الله عليه وسلم كحديث : ( لا تجتمع أمتي على الضلالة ) وحديث : ( لا يزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ) ذلك أن هذا المعنى حاصل لهذه الأمة بدون ذلك الكتاب الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتبه ، و رأى أن ليس مراده صلى الله عليه وسلم بذلك الكتاب إلا زيادة احتياط في الأمر لما جبل عليه صلى الله وسلم من كمال الشفقة ووفود الرحمة والرأفة صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيراً كما فعل صلى الله عليه وعلى آله سلم مثله يوم بدر حيث تضرع إلى الله في حصول النصر أشد التضرع وبالغ في الدعاء مع وعد الله سبحانه وتعالى إياه بالنصر ، وإخباره صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بمصارع القوم ورأى أن أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بإحضار الكتاب، أن أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بإحضار الكتاب أمر مشورة بأنه يختار تعبه لأجل كمال الاحتياط في عملهم ، فلما كان كذلك أجاب عمر بما أجاب التنبيه على أنهم أحق بمراعاة الشفقة عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة التي هي حال غاية الشدة ونهاية المرض وأن ما قصده حاصل بما أن الله وعده به في كتابه ، وهذا معنى قوله : حسبنا كتاب الله أي يكفي في حصول هذا المعنى ما وعد الله به في كتابه ، وهذا مثل ما فعله أبي بكر رضي الله عنه يوم بدر حين رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة التعب والمشقة بسبب ما غلب عليه من الدعاء والتضرع حيث قال : ( خل بعضنا مناشدتك ، خل بعض مناشدتك ربك فإن الله منزل لك ما وعدك ) فقال كذلك شفقة عليه لما علم أن أصل المطلوب حاصل هو لله وهذا منه صلى الله عليه وسلم زيادة احتياط بمقتضى كرم طبعه والله أعلم وفي الجملة فهو صلى الله عليه وسلم قد ترك الكتاب والظاهر أنه ما ترك الكتاب إلا لأنه ما كان يتوقف عليه شيء من أمر الأمة من أصل الهداية أو دوامها بل كان لزيادة الاحتياط ، وإلا لما تركه مع ما جبل عليه من كرم طبعه انتهى. السندي .
الخلاصة الآن أن ذكروا فيه احتمالات وهذا الأخير كأنه رد هذا الاحتمال إلا مسألة التعب ، ولكن الذي يظهر لنا ما سبق أن عمر رضي الله عنه رأى أن الاقتصار على كتاب الله كافي وأنه لو كتب هذا الكتاب لانصرف الناس عن القرآن إلى هذا الكتاب ، هذا الذي ظاهر وأما أنه من أجل الوجع من أجل أن لا يشقوا عليه الله أعلم.