فوائد حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث فوائد كثيرة، منها :
حرص ابن عباس رضي الله عنهما على العلم ،حيث ترك أهله وبات في بيت آخر ، حرصا على العلم.
ومنها جواز مبيت الإنسان في حجرة عند الرجل وأهله، لكن هذا مشروط بما إذا أذن الزوج والزوجة بذلك، وربما نزيد أيضا شرطا آخر وهو أن يكون بين الزوج وبين هذا الإنسان قرابة ،كما في هذا الحديث، لأنه ليس من المستحسن المستساغ أن يأتي رجل أجنبي وينام مع الرجل وأهله في حجرته وليس بينهما قرابة، أما هذا فبينهما قرابة، فإن ميمونة وابن عباس بينهما ماذا ؟ محرمية، هي خالته.
ومن فوائد هذا الحديث جواز التصرف بمال الغير إذا علم رضاه بذلك، من أين يؤخذ ؟ .
من وضوء ابن عباس رضي الله عنهما من الشن المعلق قبل أن يستأذن ، لكنه يعلم علم اليقين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأذن بذلك .
ومنها جواز الوضوء من الماء المعد للشرب، من أين يؤخذ ؟ .
الشن المعلق للشرب، لكن هذا مشروط بما إذا لم يكن الماء وقفا ، فإن كان وقفا فإنه لا يجوز الوضوء به ، يعني لو كان من عادة الناس أن يوقفوا الماء ... فإنه لا يجوز
إذا كانوا قد وقفوه للشرب أن تتوضأ به ، لأن هذا تصرف في غير ما شرط له.
طيب، فإن قال قائل : هل يجوز الوضوء من البرادات اليوم ؟ .
نقول في هذا تفصيل :
إذا كانت البرادات تتغذى بماء محصور، فلا يجوز، لأن هذا فيه إنفاذ للمال في غير ما أريد به.
أما إذا كانت تتغذى من المشروع العام، فالظاهر أنه لا بأس به ، ما لم يكن في ذلك تضييق على الشاربين ، بحيث يعلم أنه إذا استنفذ الماء البارد صار الباقي حارا على الناس فهذا لا يجوز.
ومن فوائد هذا الحديث أن السنة في موقف الواحد مع الإمام أن يكون عن يمينه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم حول ابن عباس إلى يمينه بعد أن وقف عن شماله.
ومن فوائد هذا الحديث جواز الحركة لمصلحة الصلاة، وجهه أن الرسول صلّى الله عليه وسلم وابن عباس كلاهما تحرك حركة لكنها لمصلحة الصلاة.
واختلف العلماء رحمهم الله في جواز الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه :
فمن العلماء من قال : أنه لا بأس به ، لكن كونه عن اليمين أفضل ، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعد رحمه الله.
ومنهم من قال : أنه لا تجوز الصلاة عن يسار الإمام مع خلو اليمين، والدليل هذا الحديث لكل منهما.
أما الذين قالوا أنه جائز ، ولكن السنة أن يكون عن يمينه ، فقالوا أنه لم يرد ، ولكن السنة أن يكون عن يمينه، فقالوا : أنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يكون المأموم عن يمين إمامه، وإنما هو مجرد فعل ، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، الوجوب لا يثبت إلا بأمر.
وأما الذين قالوا بالوجوب، فقالوا : إن الحركة في الصلاة الأصل فيها المنع، وكونه تحرك ليحوله يدل على أنه موقف لا يمكن اقراره ولا السكوت عليه.
لكن القول الأول أظهر أنه ليس بواجب ولكنه أفضل، وأما الحركة فيجاب عنها أن الإنسان يتحرك في الصلاة لما هو من مكملاتها ، ولو لم يكن من واجباتها.
ومن فوائد هذا الحديث جواز الجماعة في النافلة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم أقر ابن عباس على صلاته معه جماعة ، لكن بشرط ألا تتخذ راتبة، فلا بأس في بعض الأحيان أن تقوم مع صاحبك جماعة في صلاة الليل أو في راتبة الظهر أو راتبة الفجر، المهم أن يكون ذلك أحيانا.
وهل نقول : إن هذا من باب الجائز أو من باب السنة ؟ . الظاهر أنه من باب الجائز، وقد ذكرنا مرارا وتكرار أن هناك فرقا بين الشيء المطلوب المشروع وبين الشيء المسكوت عنه ولكنه ليس بمطلوب من كل أحد، وذكرنا لذلك أمثلة ، منها : إقرار النبي صلّى الله عليه وسلم الرجل الذي كان يقرأ لأصحابه فيختم بـ : (( قل هو الله أحد )) ،فأقره النبي صلّى الله عليه وسلم على ذلك ، ولكنه لم يشرعه للأمة لا بقوله ولابفعله، ومنها : إقراره الصدقة عن الميت ولكنه لم يشرعه للأمة لا بقوله ولا بفعله، فهو جائز لا ينكر على الإنسان ولكنه لا يطلب منه.
ومن فوائد هذا الحديث أن النوم لا ينقض الوضوء، أن النوم لا ينقض الوضوء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نام، اضطجع حتى نفخ وهذا نوم عميق من مضطجع ، فلو كان ناقضا للوضوء لتوضأ النبي صلى الله عليه وسلّم ، ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم من خصائصه أن تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فلو حدث منه حدث لأحس به ، لكن فيه دليل على القول الراجح ، وهو أن النوم ليس ناقضا للوضوء بذاته ولكن لأنه مظنة الحدث، فإذا علم الإنسان بنفسه أنه لو أحدث لعلم فحينئذ لا ينتقض وضوءه ولو طال نومه ولو نفخ، لأن النوم نفسه ليس بحدث لكنه مظنة الحدث.
ومن فوائد هذا الحديث أن الوضوء لا يجب للصلاة ،إنما الواجب أن يكون الإنسان على طهارة ، ولو كان قد توضأ قبل دخول الوقت، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى ولم يتوضأ.
ومن فوائد هذا الحديث أن السنة للإمام أن يبقى في بيته إلى أن يحين وقت إقامة الصلاة ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يكن يأتي قبل إقامة الصلاة، لكن هل يقال : إنه إذا كانت هناك مصلحة في تقدم الإمام ، وهو تنشيط الناس على التقدم فإنه يكون هذا أفضل ؟ أو يقال الأفضل أن يؤتى بالسنة ، وأن يحث الناس على التقدم ؟ .
نعم، الثاني أقرب، الثاني أقرب، وإن كان الثاني لا يرضي كثيرا من العام، إذا كان الإمام لا يأتي إلا عند إقامة الصلاة وينصرف بعد انتهاء الصلاة، شك فيه العام، قالوا هذا رجل ما يصلي الرواتب أبدا، نعم، فربما يقدحون فيه ، ولكن الإنسان إذا اتقى الله عز وجل ، وفعل ما هو مشروع فلا يهمه الناس ، والله أعلم .