فوائد حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرّحيم، هذا الحديث فيه دليل على أن الوضوء يكون بإسباغ ويكون بغير إسباغ .
وفيه أنه لا يسبغ للدافعين من عرفة أن يقفوا في الطريق ليصلوا المغرب والعشاء، لقول النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : ( الصلاة امامك ) وإنما كان ذلك غير مشروع، لما يترتب عليه من الفوضى في المسير واضطراب الناس، فلهذا جعل النبي صلّى الله عليه وسلم الصلاة في المزدلفة ، وقال : ( الصلاة أمامك ).
وقد أخذ الظاهرية بهذا الحديث فقالوا : لا تصح صلاة المغرب والعشاء ليلة عرفة يعني ليلة العيد إلا في مزدلفة، وهذا من ظاهريتهم المبنية على غير فقه في الغالب.
ومن فوائد هذا الحديث :
حسن رعاية النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في قيادته الأمة، لأنه لو صلى المغرب فأذن المؤذن وصلى الناس المغرب حصل في هذا فوضى وتعوّق عن السير، والناس يريدون أن يبادروا ضوء النهار.
ومن فوائد هذا الحديث أنه يجوز الفصل بين المجموعتين في جمع التأخير، وجهه : أنه أناخ كل إنسان بعيره في منزله، أي في مكان نزوله، ثم أقيمت العشاء فصلى.
وظاهر هذا الحديث أنه لا أذان ، لأنه لم يتعرض له أسامة رضي الله عنه، قال : ( أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أقيمت العشاء فصلى )، فهل نقول أنه لا أذان ؟ .
الجواب : لا، لأن هذا ساكت، هذا الحديث فيه السكوت ، وحديث جابر فيه التصريح بـ : ( أن بلالاً أذّن ثم أقام لصلاة المغرب، ثم أقام لصلاة العشاء )، كما أنه ليس في حديث جابر أن كل إنسان أناخ بعيره في منزله ، فيكون كل واحد من الحديثين ذكر شيئا وسكت عن شيء، فالسكوت لا معارضة بينه وبين القول .
وهذه القاعدة تفيدنا فيما اضطرب فيه بعض الطلبة، هل تصلى الوتر ليلة العيد في مزدلفة ؟ وهل تصلى سنة الفجر صباح العيد في المزدلفة أو لا ؟ .
فمن الطلبة من قال : لا، لأن جابر رضي الله عنه قال : ( ثم اضطجع حتى طلع الفجر )، وقال : ( فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ) ولم يذكر وترا ، ولم يذكر راتبة، فيقال : سكوت جابر لا ينفي الوجود، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ) بدون قيد ، وثبت أنه لا يدع الوتر حضرا ولا سفرا، وأنه لا يدع ركعتي الفجر حضرا ولا سفرا، بل في بعض الروايات وإن كانت ضعيفة : ( صلوا ركعتي الفجر ولو طاردتكم الخيل )، يعني لو كنتم في أشد ما يكون ، فالحاصل أنه ينبغي لطالب العلم أن يدرك هذه القاعدة ، أن السكوت عن الشيء لا يقتضي نفيه.
فإن قال قائل : إذا وصلنا إلى مزدلفة في وقت المغرب ، فهل نصلي المغرب ثم ننيخ الإبل أو لا ؟ .
نقول : مقتضى قواعد الفقهاء أننا لا ننيخها ، بل نصل صلاة العشاء بصلاة المغرب، لأنهم يقولون إن جمع التقديم لا بد فيه من الموالاة ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين لا في التقديم ولا في التأخير .