فوائد حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث دليل على أن المسح لا يجزئ عن الغسل ، ودليله أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم توعد الأعقاب بالنار ، فهذا واحد ، ودليل آخر قول النبي صلّى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )، ومسح الرجل بدلا عن غسلها ليس عليه أمر الله ورسوله، فهل عكس ذلك مثله ؟ .
يعني لو غسل الممسوح لا يجزئ عن المسح، في هذا قولان للعلماء :
منهم من قال نعم مثله ، وأنك لو غسلت رأسك بدل مسحه لم يصح وضوؤك ، لأنك عملت عملا ليس عليه أمر الله ورسوله.
ومنهم من قال بل يجزئ ، لأنه لم يراد بالمسح التخفيف على المكلف ، فإذا غسله الإنسان فلا بأس.
والصحيح أنه لا يجزئ لأنه خلاف أمر الله ورسوله، خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ، لكن لو جمع بين الغسل والمسح غسله ومسحه بيده ، فهل يجزئ ؟ .
يجزئ لكن مع الكراهة ، لأن أقل ما نقول فيه أن فيه تنطعا حيث جعل المسح مقرونا بغسل .
وفي الحديث دليل على أنه ينبغي للمبلغ أن يرفع صوته بتبليغه ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم نادى بأعلى صوته ، ومن هنا نأخذ بأن استعمال مكبر الصوت في الخطب ونحوها من الأمور المشروعة ، لكنه ليس مشروعا لذاته بل لأنه وسيلة إلى إبلاغ الحق ووصوله إلى الناس.
وبناء على ذلك ينبغي للإنسان أن يكون واسع الأفق في الأمور المستجدة ، فلا يردها من حين أن يستنكرها ، يعني بعض الناس من حين أن يأتي شيء مستنكر ينبري لرده ، وإطلاق أنه بدعة وأنه حرام وما أشبه ذلك ، والواجب أن يكون صدره متسعا ، وأن تكون واسع الأفق ، وأن تنظر في هذا الأمرالذي حدث أقواعد الشريعة تقتضي أنه منكر فأنكره أو أن الأمر في ذلك واسع فوسع على عباد الله ، خصوصا الأمرالذي يبتلى به الناس ، فإنه كلما اشتد ابتلاء الناس به فإنه ينبغي للإنسان أن يتحرى فيه أكثر، وأن يسلك طريق التيسير أكثر، لأن الناس إذا ابتلوا به فسوف يفعلونه ، لكن كونهم يفعلونه على أنه حلال وتطمئن قلوبهم بذلك خير من كونهم يفعلونه على أنهم عصاة لله عز وجل وأنهم ينابذون الله سبحانه وتعالى ، وهذه أيضا من القواعد التي يغفل عنها كثير من الناس .
وقد لقننا إياها شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه ، وقال هناك فرق بين الشيء الذي يبتلى به الناس ويصعب صدهم عنه وهو ليس أمرا معلوم من الدين بتحرمه مثلا ، فهذا ينبغي للإنسان أن يسلك فيه الطريق الذي يجعله غير شاق على الناس ، وهذا حق لأنه كلما دعت الضرورة إلى الشيء كان التيسير فيه أولى ، بل إن الله تعالى جعل المحرم التحريم القطعي إذا دعت الضرورة إليه ارتفع التحريم (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) .
وهذا ما لم يكن الشيء ظاهرا كونه معصية، أما إذا كان كونه معصية ظاهرا فلا بد من إنكاره وإن ارتكبه الناس، والإنسان إذا نصح لله ورسوله يسر الله قبول قوله للناس وأخذوه.
وفي الحديث أيضا دليل على جواز تبعض العقوبة ، يعني أنها تلحق بعض البدن دون بعض ، فتلحق ما فيه المخالفة لقوله : ( ويل للأعقاب من النار) فجعل العقوبة على ما حصلت فيها المخالفة وهو الأعقاب.
ومثل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم في الإزار إذا نزل عن الكعب قال : ( ما أسفل من الكعبين ففي النار ) وقد زعم بعض الناس أن هذا الحديث مقيد بما إذا كان خيلاء ، وهذا ليس بصحيح، لأن الحكم مختلف، الحكم مختلف، والسبب أيضا مختلف، هنا اختلف السبب والحكم، ما هو السبب في من لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ؟ .
الخيلاء، وهذا ما فيه سبب الخيلاء، وما هي العقوبة في من جره خيلاء ؟ .
العقوبة أن الله لا يكلمه ولا ينظر إليه ولايزكيه، أما هذا فعقوبته في النار ، وعقوبة أيضا فيما حصلت فيه المخالفة فقط، فلذلك لا يمكن أن يحمل المقيد على المطلق في هذا، ثم إنه في حديث أبي سعيد فصل النبي صلّى الله عليه وسلم تفصيلا بينا قال : ( إزرة المؤمن إلى نصف ساقه وما أسفل من الكعبين ففي النار ، ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه )، ففرق عليه الصلاة والسلام ، وعلى هذا فلا يجوز حمل أحد الحديثين على الآخر.
طيب، والكعب ؟ حرام أم لا ؟ الكعب، إذا وصل الإزار إلى الكعب ؟.
ليس حراما، يعني ما كان بإزاء الكعب فليس بحرام وما كان تحته فحرام ، وما وصل إلى الأرض خيلاء فكبيرة من كبائر الذنوب .