فوائد حفظ
الشيخ : فيستفاد من هذه القصة عذر الجاهل بجهله لأن النبي صلّى الله عليه لم يوبخ هذا الأعرابي.
ويستفاد منه دفع أعلى المفسدتين بأدناهما ، وذلك أن إقرار الأعرابي على أن يبقى يبول في المسجد لا شك أنه مفسدة ، لكنه دفع بها ما هو أكبر منها ، لأن هذا الأعرابي إذا قام :
فإنما يبقى مكشوف العورة ويتساقط البول على أرض المسجد في مساحة أكثر مع انكشاف عورته ، وإما أن يستر عورته بإزاره وحينئذ يتلوث إزاره بالنجاسة ، وهاتان مفسدتان عظيمتان ، ثم إنه لو قطع بوله في حال اندفاعه ، وتعرفون أن البول إذا نزل من المثانة وهي ممتلئة يكون اندفاعه قويا ، فإذا حبسه فربما يكون في ذلك أثر على قنوات البول ، والضرر يجب تفاديه بقدر الإمكان.
ويستفاد من هذا الحديث أنه متى حصلت المعاملة بالأيسر فهو أولى لقوله صلّى الله عليه وسلم : ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) وهذا له شواهد كثيرة وهو استعمال المياسرة والرفق ، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم : ( إن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف ) و : ( أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ) قد تحمل الإنسان الغيرة على الاندفاع بقوة وشدة ؟.
فيقال إن هذا الاندفاع نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ، أليس نهى الصحابة لما قاموا يزجرون هذا الأعرابي ؟ .
الجواب بلى ، إذن الاندفاع بغيرة بدون تعقل لا شك أنه منهي عنه .
ومن فوائد هذا الحديث طهارة الأرض إذا تنجست بصب الماء عليها ، ولكن يقال إذا تنجست الأرض فإن كان للنجاسة عين قائمة كما لو تنجست بعذرة أو بدم جف ، فالواجب أولا ماذا ؟ :
إزالة العين ثم صب الماء على أثرها ، أما إذا كانت النجاسة لا يبقى لها عين بل تشربها الأرض كالبول فإنه يكتفى بصب الماء عليها .
واستدل بهذا الحديث على أن الأرض لا تطهر بالشمس ولا بالريح ، لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على البول ماء ، وأجيب عن ذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد بهذا المبادرة إلى تطهير الأرض ، وهذا لا ينفي أن تطهر بالشمس والريح لكن مع طول المدة ، والمسجد كما نعلم جميعا ينتابه الناس فلا بد أن يبادر بتطهيره ، وعلى هذا فلا يكون في هذا الحديث دليل على أن الأرض لا تطهر بالشمس والريح .
ومن فوائد هذا الحديث وجوب تطهير محل الصلاة لقوله : ( أريقوا على بوله ) ، والأصل في الأمر الوجوب .
ومن فوائد الحديث أيضا أن تطهير المسجد من النجاسة فرض كفاية يؤخذ من قوله : ( أريقوا ) وأنه أمر هو عليه الصلاة والسلام أن يصب على بوله ذنوب من ماء ، وهو لم يفعل هو ، لم يفعل عليه الصلاة والسلام ولو كان فرض عين لفعل، فتطهير المساجد من النجاسات فرض كفاية .
ويستفاد منه أنه يشترط لصحة الصلاة طهارة البقعة ، انتبهوا لهذا الاستدلال هل يتم أو لا ؟ أنه يشترط لصحة الصلاة طهارة البقعة ، هذا هو المعروف عند أهل العلم .
ولكن نازع فيه بعض المتأخرين ، وقال أن وجوب تطهير المسجد يدل على وجوب تطهير البقعة في الصلاة ، وإن دل على وجوب تطهير البقعة في الصلاة فإنه لا يدل على أن ذلك شرط لصحة الصلاة ، ولكن الصواب أنه شرط لصحة الصلاة ، لأن الأمر بتطهير البقعة يعني أن ذلك واجب ، فإذا تركه الإنسان أي ترك تطهير البقعة التي يصلي عليها وصلى على شيء نجس لم تصح صلاته، لا شك في هذا .
ومن فوائد هذا الحديث أنه ينبغي أن يعامل الجاهل فيما تقتضيه حاله ، ولهذا دعا النبي صلّى الله عليه وسلم الأعرابي وأخبره بأن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر، فارتاح الأعرابي واطمأن .
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في هذه القصة أن الأعرابي قال : ( اللهم ارحمني ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدا ) لأنه اطمأن إلى معاملة النبي عليه الصلاة والسلام، عامله بالرفق واللين وأخبره ، واستفاد أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر .
وأما الصحابة فنهروه وزجروه ، والأعرابي على فطرته يريد أن يحرم الصحابة من الرحمة لأنهم زجروه ونهوه ، ويثبت الرحمن لمحمّد صلّى الله عليه وسلم الذي عامله بهذا اللطف واللين ولنفسه أيضا لأنه هو لم يسلم إلا لرحمة الله عز وجل .
هل يستدل بهذا الحديث على أنه لا يجب الاستنجاء ولا الاستجمار من البول ؟ .
الجواب لا ، لأنه مسكوت عنهما في هذا الحديث ، وحديث ابن عباس السابق يدل على وجوب التنزه من البول لقوله : ( أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله ) .